|
نحو إصلاح الحركة الليبرالية السودانية
الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي
(Altaib Abdsalam)
الحوار المتمدن-العدد: 7382 - 2022 / 9 / 25 - 22:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نحو اصلاح العمل الليبرالي في السودان ورقة مقدمة للرفاق في الحزب الليبرالي.
بتحريض من الأخ محمد البدري اكتب هذه الورقة للرفاق في الكيان الليبرالي و هي خلاصة تجربتنا الفكرية و النقدية منذ إنشقاقنا عن الحزب الليبرالي قبل ستة اعوام و سدرنا طريقا ظل طريقا ليبراليا في صميمه و جوهره لكن بتفسيرات و إستكناهات تختلف كثيرا عن تصورات الرفاق "في المؤسسات الليبرالية" و قد قادتنا هذه التجربه لنتيجتين اساسيتين هما : اولا تصحيح وعينا بالواقع و إشكالياته و تحدياته و بالتالي تصحيح وعينا بمعنى الليبرالية نفسه و قضاياها الحقيقية و اسئلة الواقع الصعبة. ثانيا الإنفتاح الكبير على المجتمع السوداني و من ثم المجتمعات العربية و المسلمة و الشرق اوسطية و الإنخراط معها و في قلب شوارعها و لياليها و نهاراتها لخلق حساسيات التغيير و تنشيط شيم و شمائل الحرية و التحديث من داخل ذات المنطوق الشعبي و الديني. إن أزمة الليبراليين في السودان هي أزمة "نخبة جامعات غردون و اخواتها" مع قرى "المرغني و كلتوم و بناتها". و هي أزمة يلعب فيها الوعي النخبوي المتعالي بالواقع و إنعزاله عنه و إنجذابه الأعمى للغة و وعي الغرب الوصفي دون إدراك او معرفة لصيرورات تلك الحيوات الغربية و العمل على عملية "نسخ/لصق" تلك التصورات و تطبيقها على الواقع فكانت ان حلقت تلك التصورات على متن الطائرات و هي تقصف الجزيرة ابا. و من جهة أخرى هي ازمة "كلتوم و المرغني" نفسها كونها تركن للتصورات الجامدة الموغلة في رفض الظروف المنطقية و الموضوعية و الأسباب الفعلية للفلاح و النهوض. امام هذا المأزق المزدوج وقف قلة من العقول النيرة في تاريخنا السياسي السوداني لوضع محاورات و تقاربات أخصب بين التحديث و التراث لا تغبن واحدا ضد أخر او تقودهم لمساومات و تكتيكات سهلة تجعل من الأزهري رئيسا للوزراء و من المرغني اية لله،بل لتوافق حقيقي بين المخيال الديني الشعبي و توفيق فعلي في الإقتصاد و المعاش. على هذه الربوة صعد عبد الخالق محجوب في "اصلاح العمل وسط الجماهير" و وقف ابو القاسم حاج حمد في "المأزق التاريخي السوداني و افاق المستقبل" و وقف المثقف الأول الشريف الهندي الذي عاش تلك المنازلة و اصلت جسده تلك الاسئلة. و وقف الخاتم عدلان في ربوة اوان التغيير، و وقف اركون في جبل نزعة الأنسنة في القرن الرابع الميلادي. كل تلك الهموم "الحقيقية الكبرى" و التساؤلات العظام و العمل الجاد طرحت نفسها على الليبراليين و مع الأسف لم يعها الليبراليون او حتى يفكروا في فهم أسباب عزلتهم عن الواقع و الجماهير و "اختباؤهم في الجخانين" و تدوير مشكلاتهم التنظيمية العبثية البئيسة. فلم يتحركوا إزاء ذلك الواقع ليعيدوا فهمه و يعيدوا فهم أنفسهم في ضوءه فغلبت عليهم النزعة النتائجية و وعود بابا نويل الإقتصاديه و تدبيج المدونات الأكاديمية الباردة و تشييد مدن اوروبية على حطام مجتمعاتهم المحلية. فكانت تلك حصيلتهم طيلة ما يربوا على العشرين عام من الردح و التخاصم و الجدال و تفويت الفرصة الكبرى و التنبيهات القوية لتطوير مشروعهم و تعديله في صميمه. و حتى لا يكون الكلام تدبيجا للوم فإنني لا أعفي الواقع الصعب و المر الذي واجهته الحركة الليبرالية من نظام الإستبداد و الطغيان الكيزاني و الذي إضطرهم للمزالق المدلهمة و عزلهم عن الشعب، لكن و مع الأسف فهم لم يستثمروا تلك العزلة القسرية في تطوير وعيهم و مفاهيمهم نحو الواقع لخلق "سلام داخلي" بين ذواتهم الثقافية و الإجتماعيه و تطلعاتهم التحديثية التجديدية، و إستسهالهم للاحكام الوصفية شأن الغردونيين و الأفنديه و الحافظين المقدسين "للإجابات النموذجية" المنسوخة نسخا عن الغرب الأوروبي، فتحولوا لمجرد نشطاء حقوقيين و هتيفة مظلومية بدلا عن ان يكونوا فاعلين حقيقيين في مجتمعهم و فاهمين و مدركين لتاريخ ذلك المجتمع و صيروراته الثقافية. إن الليبراليين اليوم إن اردوا إصلاح مشروعهم مطالبين بالتوجه لتلك المضامين الليبرالية الموجودة في الثقافة الشعبية و إحياءها في الثقافة المحكية و تطبيعها مع تصوراتهم عن التحديث بدلا عن تلك المصادرة الغربية الجاهزة التي يتبنونها عن الغرب عن ان "الشعب جاهل" و نحن "القلة المستنيره"، و هذا لن يتم إلا بتوجيه النقد المزدوج لتصوراتهم عن الليبرالية عبر دراسة تاريخ الغرب دراسة حصيفة تجعلهم ينزلون مفاهيمهم تلك عن عروش القداسة و الأحكام الجاهزة و بالتالي التمكن من تطويعها و نقدها و تجاوزها و ذلك لن يتأتى إلا بمراجعة المشاريع الفلسفية النقدية الناصعة التي وجهت للغرب من داخله و في ذلك يقف نيتشه و فوكو و هايدغر و أركون في طليعة ذلك النقد الحي الذي سيؤدي لإحياء الروح النقدية في العقلية الليبرالية السودانيه. و من جهة فهم مطالبون بالتوجه إلى مجتمعهم و إفتراش تبروقته و الإستظلال تحت سمائه و الإنكباب على تاريخه و أستيعاب ثقافاته و مشاربه و تداول كلامه و منطوقاته، و من ثم تنزيل تلك الأشواق النهضوية التحديثية التي هي مقصد الله و غاية توجيهه في الخلافة على الأرض و ذلك لن يكون إلا بكسر ذلك الحاجز النفسي الذي تسبب فيه طغيان الترابي او المهدي في نفوسهم تجاه الدين الذي هو مجمع لباب الوعي الشعبي، و هذه النقطة هي عينها ذكرناها و بالنص في الوثيقة التأسيسية لحركة الليبراليين الخضر. و على الليبرالين في أرض الواقع إن ارادوا فلاحا و كسبا أن يتجهوا نحو قوى الوسط و اليمين المعتدل فهم الأقرب لمضامين توجهاتهم الإقتصادية في السوق الحر و تمكين الطبقة الوسطى، و هو أمر لن يتأتى ما لم يتخلى الليبراليون عن نرجسيتهم السياسية و توصيفاتهم المتعاليه للأخر و بالتالي يستكشفوا نقاط إلتقائهم القوية مع ذلك الأخر، لينتصر مشروع التحديث من داخل القناعات المحلية و التصورات الشعبية لا فرضا بإلانقلابات العسكرية او التشريعات القانونية. إننا اليوم في لحظة إنتصرت فيها معاني التحديث و العولمة و بتنا في هذا التيار الجارف إزاء هذين الموقفين المتعنتين بين ليبراليين بإيمان أعمى و محليين بتصورات إنعزالية عقيمة، في حين أن تلك المصالحة واردة و ممكنة عبر فهم و إستكناه الإشارات التي طرحتها هذه الورقة او المقالة، و إرجاع البصر كرة و هو حسير. على الليبراليين ان "يفيقوا" و يكفوا عن البحث عن الحلول الجاهزة فكرية كانت ام عقلية و ينخرطوا في "جرد مطول" لتصوراتهم و واقعهم و تاريخهم و ذلك ليس "فرض كفاية" بل فرض عين على كل ليبرالي، يعد نفسه لقيادة مجتمعه و التأثير فيه. و هم مدعوون لمطالعة نقدنا الباكر هذا و المفصل تفصيلا عميقا في مدونات "حركة الليبراليين الخضر" عبر مشروعها الفكري "الموجة الثالثة" فهناك "كان اول هذا الأمر".
#الطيب_عبد_السلام (هاشتاغ)
Altaib_Abdsalam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجدد المعني القرآني
-
النبؤة
-
ثورة الطبقة الوسطى و واقع ما بعد الثورة
-
جامعة الخرطوم..المركز الثقافي الفرنسي و بالعكس.. كلام في الز
...
-
من الاسلام الإستشراقي إلى الاسلام التاريخي
-
اركون قارئا و مقرؤاً
-
إستعراب السودان / حوار مع البروفيسير عبد الله علي إبراهيم
-
المهدي السوداني
-
تدوين تاريخ السودان المفقود
-
السودان من حكم الفونج الأفارقة إلى حكم الجلابه العرب..قرأة ف
...
-
القربان البشري بين الرؤية الإستشراقية و الرؤية النقدية
-
ما هي الفلسفة؟ حوار جماعي مع خالد تورين
-
محمود محمد طه بعيون محمد اركون / الإسلام السوداني و إمكان ال
...
-
من شاعرية اللفظ إلى شاعرية المعنى.. نحو رؤية جمالية جديدة.
-
تأملات في رحلة المعراج.. في تحيين المتخيل العربي
-
من تاريخ التفكيك إلى تاريخ الصيرورة... نحو نظرية جديدة في ال
...
-
بين العرب و المغول - تأملات جديدة في حاضر التاريخ
-
فوكو نيتشويا
-
من حداثة التقليد إلى حداثة التأويل
-
تأملات في مشروع محمد أركون
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|