أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في جذور -تغوّل- الدولة العربية خلال نصف قرن















المزيد.....

في جذور -تغوّل- الدولة العربية خلال نصف قرن


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7382 - 2022 / 9 / 25 - 20:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كانت الدولة في المجال العربي مساحة للصراع الاجتماعي في حقبة ما بعد الاستعمار، تتأثر به وتؤثر عليه. وهو ما عنى أنها قلما كانت فاعلاً موحداً هي ذاتها، ربما فيما خلا مصر الناصرية، بل وحتى مصر بقدر ما على ما يشهد صراع ناصر وعامر إثر حرب 1967. ما أخذ يحصل في الدول العربية الرئيسية في ستينات القرن الماضي وأكثر في سبعيناته هو توحيد مركز السلطة، وبالتالي صعوبة تخلل المجتمع له، وبالعكس اختراق جهازي من طرف الدولة للمجتمع وبثقل ساحق.
كيف حصل ذلك؟ ثمة، أولاً، أثر الحرب الباردة الذي جعل الدول الضعيفة، العربية وغير العربية، أقل ضعفاً مما هي في الواقع بفعل استنادها إلى شريك من أحد القطبين الدوليين، هذا بينما ظهرت القوى الدولية النافذة أضعف مما هي في الواقع بفعل توزان الردع على مستوى القمة الدولية. هزيمة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 تندرج ضمن هذا المنطق: بريطانيا وفرنسا وإسرائيل الأقوى عسكرياً واقتصادياً فشلوا، ومصر الناصرية الأضعف خرجت بنصر سياسي. ثم أن الاستناد إلى ظهير دولي يعطي الدولة الآمنة على نفسها استقلالاً عن المجتمع المحكوم في انفصال عن الديناميكيات الداخلية، بما يسهل للدولة استتباعه وإضعافه. عام 1967، وبعد أن دانت المرجعية الشرق أوسطية للأميركيين، وقفت الولايات المتحدة بقوة إلى جانب إسرائيل ضد مصر الناصرية. هذه الحرب أنهت الدولة الاستقلالية العربية والجيل الذي خاض النضال ضد الاستعمار بصور مختلفة. السبعينات شهدت إخماد آخر البؤر الثورية في المجال العربي، واحترقت الطاقة الثورية للقضية الفلسطينية في الحرب اللبنانية وفي الاندراج ضمن الاستقطابات العربية. كان الهجوم الأميركي على ليبيا عام 1986 إيذاناً بانتهاء منطق الحرب البادرة والاستفراد الأميركي بالسيطرة العالمية.
ثانياً، مفعول الريع النفطي إثر حرب 1973 التي خرجنا منها مهزومين عسكرياً على الجبهة السورية ونصف مهزومين على الجبهة المصرية، لكن أعقبتها الصدمة النفطية الأولى التي وضعت بيد دول الخليج فوائض ريعية هائلة، تجاوزت تعزيز استقلالها عن مجتمعاتها إلى تعزيز تبعية المجتمعات لها. ثم إنه جرى "تنقيط" سورية ومصر ببعض هذه الفوائض، ما كان له أثر مماثل بقدر ما لما حدث في دول الخليج، وبقدر مقارب في العراق وليبيا. الريع وضع المجتمعات في موقع أضعف حيال الدول على جميع المستويات. فإذا كان "لا ضرائب بلا تمثيل"، وهو ما كان شعار المقاومين البيض لسلطة التاج البريطاني في المستعمرات الأميركية أثناء الثورة الأميركية في سبعينات القرن الثامن عشر، فإنه لا تمثيل مع الريع. الدولة المستولية على منابع النفط بالتعاون مع القوى الصناعية الرأسمالية التي تتغذى به، هي وما تقيم حكم رفاه ريعي، وما تدفع "ضرائب" ولاء متفاوتة لقطاعات من محكوميها، وما يسهل لها أن تستأصل بانتقام بلا حدود أي أصوات معترضة على النظام، بما في ذلك بالمناشير الكهربائية أو بهيئات "المناصحة" التي تحتفظ بالمعتقلين سنوات بعد انتهاء أحكامهم، مثلما هو العرف الجاري اليوم في الإمارات العربية المتحدة.
في المقام الثالث وفرت الانقسامات الأهلية هوامش مناورة واسعة لنخب متواضعة الكفاءة السياسية والأصول الاجتماعية، واستمرأت السلطة والثروة، حتى صارت تغذية الانقسامات استثماراً سياسياً، لا تُفهم من دون فعل الدولة ولا تفهم الدولة من دونها. في سورية كان لانقسامات المجتمع الموروثة نفاذ متفاوت إلى الدولة حتى الحكم البعثي. بعد ذلك، وفي زمن حافظ الأسد خصوصاً صارت الدولة هي النافذة إلى انقسامات المجتمع، تديرها وتتلاعب بها وتثير المخاوف الأهلية. الكلام على تحالف الأقليات، العابر للحدود ليشمل لبنان إلى جانب سورية ظهر في سبعينات القرن العشرين، وأول من أشار إليه في حينه هو كمال جنبلاط، ولعله دفع حياته ثمناً لما رأى.
توفر الطائفية التي صارت شاغلاً فكرياً وسياسياً منذ السبعينات ريع ولاء رخيص، مقارب في مفعوله للريع النفطي من حيث أنه يضع بيد الدولة قوة غير متعوب عليها وتكاد تكون مجانية، بما يسهل سحق أي اعتراضات اجتماعية، بالسجون والتعذيب والمجازر.
حين أخذت تظهر مطالب ديمقراطية في النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين كان تضافر الديناميكيات الثلاثة المذكورة فوق قد قطع شوطاً مهماً، وأمكن دونما صعوبة إلحاق الهزيمة بأي خصوم سياسيين داخليين. هذا حصل في سورية عبر عنف رهيب، وفي العراق وليبيا عبر مزيج من القسوة والريع النفطي، وفي مصر عبر ريع قناة السويس والعمالة المصرية في بلدان الريع النفطي، والمعونة الأميركية إثر الصلح المصري الإسرائيلي. المعونة ريع سياسي معزز لاستقلال الدولة.
تعبير تغول الدولة دخل الاستخدام بأثر انتصارها على أي أصوات داخلية في عقد السبعينات، ولعله يتضمن ما يتجاوز الدكتاتورية وحكم القسوة إلى ضمور العنصر الإقناعي ونمو البهيمية في هذه الدولة. هذا الانتصار بحد ذاته، وبما يعنيه من هزيمة سياسية ومعنوية للخصوم، هو عامل رابع في التغول، أتاح للدولة كسب ما بين عشرين وثلاثين عاماً من استقرار فوقي، جيل كامل.
وأخيراً، كان للحرب ضد الإرهاب تأثير معزز للدولة عموماً في الشرق الأوسط، وإن يكن عرّض بعض الدول، السعودية بصورة وسورية بصورة أخرى، لضغط وقتي، مرة إثر 11/9/2001، مرة إثر احتلال العراق في نيسان 2003. هذا ظهر بقوة حاسمة بعد الثورات العربية. منطق الحرب ضد الإرهاب على ما أخذ بالظهور منذ عام 1993، ثم بالطبع أكثر بعد 2001، هو العمل الأمني والعسكري والسياسي والمالي ضد شبكات إسلامية سنية، لا تدعمها دول خلا أفغانستان التي جرى احتلالها. التجربة العراقية أقنعت الأميركيين بأن هناك منظمة مهمة في الشرق الأوسط، اسمها الدولة، هي وكالة ممتازة للحرب ضد الإرهاب. وهذه حرب تعذيبية بنيوياً، أي من حيث هي عنف الأقوياء ضد ضعفاء، وليس فقط من حيث أنها اقترنت بالعودة إلى التعذيب والسجون التعذيبية في أميركا ذاتها، وفي "المواقع السوداء" المنتشرة في أوربا الشرقية والقرن الأفريقي، فضلاً عن غوانتانامو، التي جعلها الأميركيون محطات اعتقال وتعذيب للإرهابيين المحتملين.
العدو في الحرب ضد الإرهاب هو بصورة تمييزية الإسلام السني، أي أكثرية العرب. هذه الأكثرية أضعفت، ووجدت نفسها في "الجهة الخاطئة من التاريخ" دون أن يعرض عليها النافذون في العالم أو محلياً أي شيء لتغير الموقع. ويفسر هذا التأويل الضمني للإرهاب الشبكي السني ما يتراوح بين السكوت عن والتعاون مع منظمات لا تزال على قوائم الإرهاب من قبل واضعي القوائم: أعني البي كي كي وحزب الله ذاته.
تعرض نموذج الدولة-الغول للتحدي في الثورات العربية، وجرت الاستجابة للتحدي بالتبني التام لمنطق الحرب ضد الإرهاب، على نحو يزايد على مؤلفي هذه الحرب، مثلما يفعل الحكم الأسدي في سورية. بمحصلة الثورات خرجت الدول أضعف بعض الشيء، لكن خرجت المجتمعات أضعف بكثير، محطمة مادياً ومعنوياً، وبلا حتى ما كان بقي من حياة سياسية متكيفة مع الشرط الغولي.
مستقبل التغول يبدو مضموناً في المناخات السياسية والنفسية لهزيمة الثورات العربية. يتعلق الأمر بتغول ثان
وتدهور أشد للبعد الفكري في الدولة، بعد التغول الأول في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. الدولة اليوم هي البهيمة العامة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهي نهاية الحرب ضد الإرهاب؟
- لاهوت التعذيب
- اللاجئون السوريون و-القابلية للعنصرية-
- سورية... من بلا تاريخ إلى بلا جغرافيا
- رحل نبيل كمير
- علاء (مقدمة كتاب شبح الربيع)
- في الاختلاف السوري: المجزرة تفادياً للمجزرة
- علاء عبد الفتاح ودولة ما بعد الاستعمار
- معنى التغييب القسري
- أوجه المجزرة السبع
- أركان التغييب القسري الثلاث وجوهره
- نحن وإسرائيل والعالم، والتغير الواجب
- منطق تجميع القوى والقضية السورية اليوم
- العالم من منظور سوري
- في سنوية الثورة السورية: مواعيد معلومة ومصير مجهول
- لماذا أوكرانيا قضية سورية؟
- المتلاعب والقاتل، واليسار
- سِيَر سورية في صورة: من الشاهد؟
- جمعية سميرة الخليل ويومياتها
- التفاهة والدموية


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في جذور -تغوّل- الدولة العربية خلال نصف قرن