|
عن الليبرالية الاقتصادية
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 7381 - 2022 / 9 / 24 - 10:59
المحور:
الادارة و الاقتصاد
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، وسيادة الشعور بأن النظام الرأسمالي قد انتصر، برزت الليبرالية الاقتصادية بوصفها نموذجًا عالميًا للتنمية الاقتصادية دون منازع. وباستثناء الصين، بدأ تطبيق هذا النموذج عالميًا بشكل كبير، ابتداءً بالدول المتقدمة كبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ولكنه أصبح النموذج الاقتصادي الذي انتشر في أغلب دول العالم الثالث. التي كان اقتصادها أما اشتراكيًا، أو على الأقل، التي توجد لديها ملكية لقطاعات اقتصادية كبيرة، كالعديد من الدول العربية. يرى الاقتصادي الأردني موسى شتيوي أن الفكرة الاقتصادية التي روج لها منظرو هذا التيار عالميًا، والنخب السياسية والاقتصادية في دول العالم الثالث، هي أن النظام الرأسمالي الحر هو السبيل الوحيد للتنمية الاقتصادية. وبناءً على ذلك، ما على دول العالم الثالث، سوى ان تقوم بعملية التحول للقطاع الخاص، ووضع الأطر القانونية التي تسمح بحرية الأنشطة الاقتصادية، وإزالة ما يسمى بالتشوهات التي حصلت بالاقتصاد نتيجة لتدخل الدولة، وإزالة العقبات أمام حرية التجارة الدولية. ونعتقد إن فشل النموذج الاقتصادي الليبرالي طال أغلب دول العالم الثالث وبعض الدول الصناعية. كان من أهم ضحايا الليبرالية الاقتصادية هو خروج الدولة من العملية الاقتصادية، وغياب التخطيط الاقتصادي، وضعف الدولة أمام المجتمع، وذلك يسبب تراجع مصادرها المالية.
يزعم مؤيدو الليبرالية الاقتصادية أن الليبرالية بما تعنيه من انسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية والاحتماعية، وترك السوق تنظم نفسها، لا بد أن تؤدي إلى ليبرالية سياسية، وانفتاح سياسي، وإيجاد أنظمة حكم منتخبة تعبر عن المصالح الحقيقية للشعوب. حسب مفكري الليبرالية، فإن الليبرالية تقوم على الإيمان بالنزعة الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان، وضمان حقه بالحياة وحرية الاعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة أمام القانون. ولا يكون هناك دور للدولة في العلاقات الاجتماعية، فالدولة الليبرالية تقف على الحياد أمام جميع أطياف الشعب، ولا تتدخل فيها، أو في الأنشطة الاقتصادية. ويجدر هنا أن نشير إلى ما كتبه الباحث أديب خالد، وهو أن الوجه الحقيقي لليبرالية ظهر مع إنفجار الأزمة الرأسمالية العالمية عام 2008 وفشل الليبرالية الاقتصادية في تحقيق أي ازدهار اقتصادي حقيقي لشعوب العالم، كشرت الليبرالية عن وجهها الحقيقي، وأنتجت عكس ما بشرت به تمامًا، حيث ترافقت الليبرالية دومًا وفي جميع البلدان باضطرابات اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة، وانتهجت الطبقات الحاكمة سياسات تعسفية، للمحافظة على نسبة الربح، وهو ما يتجلى اليوم في الغرب، عبر السياسات التقشفية وما حملته من تعديل لقوانين العمل، ورفع سن التقاعد وزيادة دور الدولة البوليسي تحت حجج مكافحة الإرهاب، إضافة إلى قمع التظاهرات والتحركات العمالية.
في منطقتنا أدت الليبرالية الاقتصادية التى اتبعت في أغلب دول المنطقة إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية، تحولت فيما بعد إلي انفجارات سياسية وأمنية بشكل هدد وجود هذه الدول، وجعلها ساحة للتنظيمات الارهابية التي غذتها الليبراليات الغربية كنوع من تفربغ أزمتها الاقتصادية، وكانت الليبرالية قد طبقت بدعم من صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وهو عبارة عن حصان طرواده لتدمير المجتمعات العربية، بحيث مهدت الطريق للإرهاب للإجهاز على هذه الدول، بعد ما استكمل تدمير اقتصادياتها تحت شعار الليبرالية الاقتصادية من خلال تحويل مجتمعاتها إلى مجتمعات استهلاكية غير منتجة، مما أدى إلى زيادة في معدلات البطالة، وانخفاض نسب النمو، وتراجع مستوى المعيشة وإفقار غالبية الشعب، وانسحاب دور الدولة من الحياة الاقتصادية والاحتماعية، ومن الطبيعي أن تؤدي هذه السياسات إلى اضطرابات أجتماعية، فكان لا بد ان تترافق هذه السياسات مع تقييد أكثر للحريات وتكميم للأفواه، وإنتاج دولة بوليسية للمحافظة على نسب توزيع الثروة لصالح قوى رأس المال.
ليس صحيحًا كما يروي البعض أن الليبرالية الاقتصادية وانسحاب دور الدولة من الحياة الاقتصادية وخصخصة القطاع العام سيؤدي إلى انخفاض معدلات الفساد، بل على العكس تمامًا، فقد ترافقت الليبرالية مع مستويات فساد أعلى من خلال تخسير القطاع العام وصفقات بيعه المشبوهة. كما أنتجت الليبرالية الاقتصادية بيئة قانونية تناسب قوى رأس المال، وتؤمن لها المحافظة على مستوى عالٍ من الربح عبر قوانين استثمار وتشاركية لتزيد من أرباحهم، وتؤمن لها نسب نهب مرتفعة، إضافة إلى قوانين عمل تهدر حقوق العمال، عبر تبني مبدأ العقد شريعة المتعاقدين في عقود العمل، وترك العامل الضعيف وحيدا في مواجهة رب العمل صاحب السلطة والنفوذ، ومن خلال تجريم الإضراب وتقييد حرية العمال لمنعهم من المطالبة بحقوقهم، وتحسين شروط وظروف عملهم، إضافة إلى السماح لرب العمل بالتسريح التعسفي، وتعطيل عمل المحاكم العمالية، وجعلها منصة قانونية لرب العمل ليطرد عماله، مع تهميش كامل لمنظمات العمل، ومنعها من الدفاع عن مصالح منتسبيها، مما أفقدها ثقة الطبقة العاملة، وهذا كله عكس ما بشر به الليبراليون على أن الليبرالية تعني احترام كرامة الإنسان وضمان حقه في حرية التعبير والمساواة أمام القانون.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التمييز العنصري في أمريكا
-
الجامعات العربية والحريات الأكاديمية
-
حديث عن الإنسانية والبربرية
-
الانتخابات النصفية الأمريكية 2022
-
انتهاك لمبدأ «الصين الواحدة»
-
الطاهر الحداد وتحرير المرأة
-
الديمقراطية وتحديات الحداثة بين الشرق والغرب
-
أمريكا وإطالة أمد الحرب في أوكرانيا
-
مجموعة «البريكس»
-
ما أحوجنا إلى قيم التنوير
-
يعقوب جناحي باقٍ في الذاكرة
-
أمريكا اللاتينية لم تعد «الفناء الخلفي» لواشنطن
-
الإخوان وعودة الفوضى في ليبيا
-
الأزمة الأوكرانية وتصدع الوحدة الأوروبية والأطلسية
-
لماذا ثقافة التقدم هي المشكلة والحل؟
-
عن توسع حلف «الناتو»
-
سميرة عزام من رائدات التنوير في فلسطين
-
الوقود غير النظيف للطهي.. يقتل ملايين النساء سنويًا!
-
عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية
-
عبدالكريم اليافي.. الموسوعة الدمشقية
المزيد.....
-
مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
-
مصر.. الدولار يقترب من مستوى تاريخي و-النقد الدولي- يكشف أسب
...
-
روسيا والجزائر تتصدران قائمة مورّدي الغاز إلى الاتحاد الأورو
...
-
تركيا تخطط لبناء مصنع ضخم في مصر
-
زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
-
-الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج
...
-
إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
-
عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس
...
-
الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول
...
-
نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|