أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد عبدالله - تغيير الخريطة العربية: منطقة التجارة الحرة















المزيد.....

تغيير الخريطة العربية: منطقة التجارة الحرة


خالد عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 501 - 2003 / 5 / 28 - 01:01
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

كاتب عربي يقيم في وارسو

اقترح الرئيس الأمريكي منطقة للتبادل التجاري الحر بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط خلا ل السنوات العشر المقبلة. ولم ينس، على غرار العادة الأمريكية المستحكمة، أن يؤكد على الأهداف النبيلة لمقترحه، فهو يريد أن يشجع التنمية، وأن يدخل الشرق الأوسط إلى عصر الرفاهية. ويتوقع بوش بطبيعة الحال من العرب أن يصدقوا منطوق حديثه، وسلامة طويته، تماما كما كان قد طلب منهم أن يثقوا بحسن نواياه تجاه العراق من أنها بقضها وقضيضها دوافع إنسانية، وبواعث أخلاقية. وقد تجلت بكل حللها على المسرح العراقي. فقد أثاب الشركات الأمريكية على صبرها، فمنحها نفط العراق، وهو يوزع بينها حسب موازين العدل والنصفة حصص الإعمار. كما أنه يلقي من سدة المسرح عظمة هناك وأخرى هناك، إلى من قد اهتبلوا فرصة المشاركة معه في حربه من البلدان الأخرى. أما الشعب العراقي فله أن يتحلى بالأناة فإن الغيث سيقطر إليه بعد أن تملأ الشركات جيوبها. وهو له سابقة في بلده. فقد وزع الفائض على الأغنياء على أمل أن ينسال من جيوبهم بعض منه إلى الفقراء. وبوش هذا فريد في كل ما يقول ويفعل، في لغته، وفي منطقة، وفي سياسته، وفي حربه. وفرادته ظهرت مؤخرا في مجرى الاقتصاد الأمريكي، فهو الرئيس الأمريكي الذي يختلف عمن سبقه في حمل الرخاء إلى الأمريكيين. فمن سبقه من الرؤساء الأمريكيين إلى أكثر من خمسين سنة، كان يضيف كل شهر آلافا من فرص العمل إلى مواطنيه. أما هو فهو يأخذ منهم آلافا من فرص العمل كل شهر. وهذا نوع جديد من الازدهار. ولأنه رجل صاحب مهمة أخلاقية فهو لا يريد أن يستثني العرب من طفح مآثره الاقتصادية، تماما كما أشبعهم من خيراته العسكرية.

ومن لم يصبه الخرق في ابتلاع الإفك، سيتأمل في مقاصد الدعوة الجديدة، في طبيعتها، وفي توقيتها، وفي مناخها. ومن بقي يستعمل عقله فسيخترق ظاهر المقترح إلى مكنونه. وقليل من التبصر يري أن أهدافا ثلاثية رئيسية تحكم المقترح الأمريكي.

الأول، إدماج إسرائيل في المنطقة العربية. فقد فشل مشروع بيريز للشرق أوسطية، إذ من كثرة ما عري أصبح عبئا. فقد فضح أهدافه السياسيون الإسرائيليون لكثرة ما ثرثروا عنه، حيث انتابتهم بعد أوسلو نوبة من العجرفة، ودفق من الابتهاج ظنوا معها أن الأعلام البيضاء ارتفعت فوق كل بيت عربي. ثم انتهى حالهم إلى ما أصابهم على يدي المقاومة في لبنان وفلسطين. فأصبح المزاج لديهم، أن منتهى النصر، يكمن في الانعزال عن الأوغاد العرب. كما أن الولايات المتحدة تدرك أن خريطة الطريق ليست إلا كامب ديفيد الثانية زائدا مناقصات شارون وصحبه على يمينه في إسرائيل وأمريكا. فالحلم مكشوف للناس أنه كابوس. وتدرك الولايات المتحدة أن كثيرا من الأنظمة العربية تأنس إلى مشروع الشرق الأوسط إن أطيح بواجهته الأولى، وزين بأخرى. فالمقترح هو الشرق أوسطية مع تزويق ووعد. أما التزويق فهو بلاهة، وأما الوعد فهو استنزاف. فالناتج الإجمالي للبلدان العربية مجتمعة أقل من 5% من الناتج القومي الإجمالي الأمريكي. وليس لدى العرب ما يبيعوه إلى أمريكا إلا النفط، وهو على أي حال ملك يديها. أما الاستثمار الأمريكي في البلدان العربية فخيال، لأن له دوافع اقتصادية وسياسية لا تليق بالبلدان العربية. فما يتبقى هو تمكين لبعض الأفراد العرب من زيادة صادراتهم من سلع تقليدية بسيطة. لكن المنطقة الحرة تعني فتح الأسواق العربية للصادرات الأمريكية حتى تحرثها طولا وعرضا كي تقتل كل أمل بالتقدم الصناعي والتقاني. كما ستمكن إسرائيل من الدخول إلى هذه الأسواق على نحو واسع.

أما الهدف الثاني، فهو تحقيق ما خططت له، ودعت إليه الولايات المتحدة، تغيير خريطة الشرق الأوسط. لقد كانت الولايات المتحدة تتصور أن تجري حربها في العراق على هواها لكن خيب رجائها. ولم تقف الخيبة عند حدود أن أحجار الدومينو لم تسقط تباعا كما كانت تأمل، بل أن احتلالها للعراق يحمل في طياته بداية معضلة حقيقية. فمشروع منطقة التجارة الحرة هو لتحقيق ما أرادت من تغيير، والتغلب على ما تجده من مأزق في العراق. فظاهر منطقة التجارة الحرة اقتصادي ينصب على توفير ظروف التدفق الحر للسلع والخدمات والمال. لكن كلمة السر هي في توفير الظروف. إذ تحقيق أهداف منطقة التجارة الحرة في أي مكان يتطلب تغيير المؤسسات القائمة وبناء أخرى مناسبة، وتبديل للقوانين والإجراءات وتشريع أخرى محبذة، والإطاحة بالخيمة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وإقامة أخرى تستجيب لدواعي منطقة التجارة الحرة. وهذه لا يمكن أن تقوم بين عشية وأخرى حتى بين البلدان التي تتماثل فيها الكثير من الأوجه المذكورة، بل تحتاج إلى صبر ومداراة تستغرق وقتا، يراه المقترح الأمريكي عشر سنوات. وهذا وقت يشي بالعجلة، ويكشف عن نفاذ الصبر الأمريكي. فالتغيير الذي يحتاج إلى أكثر من جيلين في أحسن الأحوال تريد الولايات المتحدة اختزاله في سنوات قليلة. فمشروع المنطقة الحرة يبدو للمغفلين اقتصاديا فحسب، ولكنه في حقيقة الأمر يتطلب، كما تبين تجارب المناطق الأخرى، تغييرات عميقة في كل البنى المؤسسة، وفي معظم أوجه الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وستكون أمريكا قادرة بذريعة متطلبات إقامة هذه المنطقة على فرض تغييرات شاملة على بلدان المنطقة.

أما الهدف الثالث، فإن إقامة هذه المنطقة يقع في إطار حملتها لإضعاف أوروبا. ومن ينظر إلى التبادل التجاري العربي مع الخارج يجد أن الحصة الأعظم للتجارة العربية هي مع أوروبا. وحينما تقوم منطقة التجارة الحرة هذه، فستؤثر من دون ريب على اتجاهات التجارة العربية، سواء اتجاه صادراتها، أو، وهو الأهم اتجاه استيراداتها. إذ أن الظروف التي تخلقها هذه المنطقة مع هذا العملاق العسكري والسياسي والاقتصادي ستشابه بطريقة أضخم الظروف التي كانت تخلقها البلدان الاستعمارية في مستعمراتها. حيث كانت هذه الظروف تخلق مصالح اقتصادية وسياسية أيضا تجعل لا مناص من يكون التعامل الاقتصادي الجوهري مع الدولة الاستعمارية الأم. وستقوي هذه المنطقة الدولار، إذ بحكم غلبة التعامل مع الولايات المتحدة فإنه سيكون الوسيط النقدي الوحيد. وهذا بالإضافة إلى إضعاف اليورو أو على الأقل حصر حدوده الجغرافية فإنه سيلحق خسائر اقتصادية بالمنطقة العربية التي لن يكون لها خيار سوى تحمل أعباء الهزات النقدية الأمريكية. وليس مستبعدا أن تواصل الولايات المتحدة المحافظة على الفوضى النقدية في العراق حتى يصبح الدولار هو العملة الأساسية. وحينما يقوم العراق بعد حين بإصدار عملته الوطنية، يكون الدولار قد ضرب جذوره في الحياة الاقتصادية لأعوام طويلة قادمة.

لقد أدركت الولايات المتحدة أن قوتها العسكرية ليست كفيلة بتحقيق هيمنتها على العالم. فالبلدان الأوروبية التي تكافئها في الميزان الاقتصادي شعرت أن قوتها الاقتصادية تمكنها أن تقول لا للولايات المتحدة. ومثل هذا التحدي الاقتصادي الأوروبي يزعج الولايات المتحدة من جانبين. فالشجاعة الأوروبية تعرقل في الأجل القصير قدرة الولايات المتحدة على تحويل قدراتها العسكرية إلى ثمار اقتصادية في العالم. كما أن المؤشرات تقول أن أوروبا بدأت تشعر أنه لا بد أن تبني إلى جانب قدراتها الاقتصادية المستقلة، طاقات عسكرية وسياسية مناسبة تواجه بها التفرد الأمريكي الذي يريد أن يحيلها إلى عمال خراج في امبراطوريته. وهذا أكثر تخشاه الولايات المتحدة لأن سياستها لمنع المنافسين ستنهار. ومنعهم يتم أولا بإضعافهم اقتصاديا.
فالمنطقة التجارية الحرة ستهدم أولا كل ما بناه العمل العربي المشترك، بل ستقضي على آماله المستقبلية. كما أنها ستقوي مركز إسرائيل وتجعلها القطب الذي ستدور حوله كل البلدان العربية كبيرها وصغيرها. كما  ستخرج أوروبا من المنطقة مما يعني إضعافا أكبر لفرص البلدان العربية في المناورة السياسية والاقتصادية. وإن تم ذلك فإن التحكم الأمريكي في المنطقة سيكون مطلقا. هل هناك من يسمع ويرعوي.

 

 



#خالد_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأمين الغنيمة
- زيارة أم احتلال أمريكي للعراق!
- حينما نحول التاريخ إلى جينات
- حينما نحول التاريخ إلى جينات
- العجلة الأمريكية لرفع الحصار عن العراق
- مستقبل الجامعة العربية
- الإخفاق الأمريكي الذريع
- قمة بوش وبلير
- معذرة بغداد
- تطور مدرسة الحيل الشرعية العربية
- الديمقراطي الفلسطيني
- قمة تسليم مفاتيح بغداد
- الإفلاس السياسي للقيادة الفلسطينية
- مبدأ بوش: الحياة يستحقها الأقوياء فقط
- الديمقراطية الأمريكية
- مؤتمر استنبول لمنع الحرب!
- مؤتمر التضليل السياسي
- آفاق التحول الديمقراطي في البحرين- الاقتصاد السياسي للدولة ا ...


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد عبدالله - تغيير الخريطة العربية: منطقة التجارة الحرة