أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - عن جنود أيلول.. وأشياءَ أخرى-4- (مقاطع من هذيانات جندي مُسِنّ.. من بقايا الحربِ العراقيّةِ- الإيرانيّة)














المزيد.....

عن جنود أيلول.. وأشياءَ أخرى-4- (مقاطع من هذيانات جندي مُسِنّ.. من بقايا الحربِ العراقيّةِ- الإيرانيّة)


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 7379 - 2022 / 9 / 22 - 23:49
المحور: الادب والفن
    


أنا أعودُ دوماً لبغداد..
المطاراتُ تحملُني إليها، والمحطّةُ العالميّةُ في "العَلاوي"، وكراجُ النهضةِ، وطينُ"الدَيرِ"، والسيّدِ "الآمِر"، و"المُساعِد".. والمُقدّم(سليم).
كلّما نزعوا عنّي ثيابَ خوفي عليها، قلتُ.. بغدادُ هذه.. ستبقى مدينتي..
و هاهيَ الآنَ ، قد خَبَت.. واستَكانَت
وأصبحت بائدةً
مثلُ تينِ الحبيباتِ
في بساتينِ الجنود.
*
يقولونَ.. يومٌ لكَ،
و يومٌ علَيك
وأنا ..
كُلُّ الأيامِ عَلَيّ.
كانَ هُناكَ يومٌ واحِدٌ لي
ترَكْتُهُ يتسَكَعُ فوقَ وجهَكِ المُدهِش..
وذهبتُ إلى الحرب.
*
كنتُ غريباً .. أهيمُ على وجهي ، في أرضٍ لم تَكُن لي.
لم تكُن الرائحةُ في "خوزستان"، هي الرائحةُ في (العطيفيّة)..
ولم أكن أستطيعُ البكاءَ على ضفةِ النهرِ، شَوقاً إليها..
لمْ تكُن البساتينُ ذاتَ البساتينِ..
ولَمْ يكُنِ"الكارونُ".. دجلة.
*
في معركة "البسَيتين"
كانت المُدرّعاتُ البُنيّةُ اللونِ تأتي من ساحة المعركة، إلى حيث تنتظِرها "وحداتُ الميدانِ الطبيّةِ"، وجثث الجنود تتدَلّى منها.. كالعناقيد.
كانوا ينزعونَ "قُرصَ الهويّةِ" عن كلّ جثّةٍ، ويضعونَ الجنود الميّتينَ في كيس"اللحم الهنديّ" الأبيض.. الكيس الذي كانَ يُذكّرُ الجنودَ الأحياءَ، بلحمِ "قُصْعتِهِم"، سيّءِ السمعة ..ويُعيدونَ لَصقَ القُرصِ على الكيسِ، و يلقونَ بهِ في الشاحناتِ المُبَرّدَة لـ "شركة تسويق اللحوم العامة"، و يرسلونهُ الى مستودعات (الشعيبة).. هُناك.. حيثُ تصطَفُّ العائلاتُ المذهولةُ، لاستلامِ أبناءها.
*
من باب معسكر "الشِعيبَة"، تفوحُ رائحةُ الموتِ الى كلّ البصرة.
تجتمعُ الأمّهاتُ عند البابِ الرئيسِ..
بينما أحدهم يقرأُ أسماء الأبناءِ المُمَدَدّينَ في المخازنِ، من قائمةٍ طويلة :
عبد الله أحمد؟ تصيحُ أُمٌّ من (أبو الخصيب): نعم .
عبيد علي عبيد؟ تصيحُ أُمٌّ من(التنّومّةِ): نعم .
دِلْشاد كريم؟ تصيحُ أُمٌّ من (السُليمانيّةِ): نعم .
عشرة أسماء.. تصيحُ عشرُ أمّهاتٍ من (الناصريّةِ).. لاغيرها هي "الناصريّةِ": نعم .. نعم .. نعم.
*
في كلّ المُدنِ ..
كانَ "تاكسي الروليت"، يستديرُ من الشارعِ العامِ نحو الزقاقِ الفرعيِّ ، حامِلاً على سقف "التويوتا –كراون".. "تابوتَ الروليتِ"، الملفوفِ بالعَلَمِ الوطنيّ.
كلّ أمهات الجنود واقفاتٌ عند أبوابِ البيوتِ، يُوَلوِلنَ: يبوووو.. بوجوهٍ شاحبةٍ كالرماد.. في انتظار أن يستَقِّرَ "تاكسي الروليت" عند بابِ الحظِّ "المُصَخَّم".
"تاكسي الروليت"، بسائقهِ اليابسِ من الخوف، و" المأمورُ" المذعورُ الذي يجلسُ إلى جانبه.. يجتازُ بيوت الزقاقِ ببطءٍ.. بيتاً بعد بيت.. وكلّ النساء يَنحَبنَ: يبوووو .
تقفُ "السيّارةُ – الروليتُ" عند أحدِ الأبوابِ ، فـ "تَعيطُ" جميعُ النساءِ المذهولاتِ: يبوووو.
اُمٌّ واحدةٌ فقط، تقولُ لـ "تابوتِ الروليت": ها يابَه.. جيت؟
ويصبحُ فؤادها فارغاً..
كفؤادِ أمّ موسى .
*
كلما قالوا هي الحربُ.. قلتُ: أبي.
الحربُ.. أبي .
هو الذي يمنحها الطَعمَ والرائحة
ويجعلها إرثي الوحيد
و يودِعُها عِندَ أُمّي.
*
بغدادُ تنأى.. و "شرقُ البصرةِ" يقتَرِب.. و نخلُ المُعسكَرِ ساكِت.. و(عبيد علي عبيد)، ماتَ في "الطاهريّ"، ولم يُعُد إلى (التَنّومَةِ) أبداً.. و(خَشّان اكَمير اشْمَيس) لم يعد يراني وأنا أقرأُ الكتبَ في سَخامِ الحروبِ الرديئة.. و(رجاء انهيِّب زعيبِل)،ما يزالُ يُدخِّنُ التِبغَ الأسودَ، بطريقةٍ "تلْجَعُ المِعدَةَ".. كما كانَ يُفَضِّل.
كلُّ هذا، ولَم يُطفيءُ الجُندُ بعد..على سفحِ "كورَكَ"..
أعشابَ روحي.
*
لا أعرفُ ما الذي تفعله الآلهةُ في الحروب المُشينة؟
ربُمّا لا شيءَ.. لا شيء ..
سوى أنّها تجعلُ الآباءَ يَسقُطونَ من"عِذقِ"العائلةِ قبلَ الأوان.. قبل الأوان ..
و يتركونَ الأبناءَ يصعدونَ نخلَ الجَمَراتِ.. قبل الأوان .. قبل الأوان ..
ويكتبونَ قبل الأوان..
عن الحروبِ التي توقِدُها الآلهة.



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثةُ آلافِ عامٍ من الحنين Three Thousand Years of Longing
- عن جنود أيلول وأشياء أخرى -3- (مقاطع من هذيانات جندي مُسِنّ. ...
- عن واقعة التعليق بين صحابة الفيسبوك
- التوصيف الريعي لمجلس الوزراء القادم
- كأنها البارحة يا سِندِرّيلاّ
- الموتُ بجرعةٍ زائدةٍ من الخذلان
- الملكة أليزابيث الثانية والأمير وليم في معركة البسيتين
- تروتسكي العراق القادم.. بين قوى الإنتاج الجديدة وعلاقات الإن ...
- عن جنود أيلول وأشياءَ أخرى (2)
- الدولة و القطاع الخاص وسياسات التشغيل في العراق: أبعاد المشك ...
- هل سَمِعتَ الأخبار؟
- عن جنودِ أيلول وأشياءَ أخرى (هذيان جندي قديم.. من بقايا الحر ...
- في وطنٍ غير سعيد
- الفاصوليا واليود والخيام الفسيحة
- عندما تموتُ الأشياءُ جدّاً
- البطالة في العراق: مؤشرّات رئيسة (2021)
- الكتابة من شدّة الخوف - 2 -
- الكتابة من شدّة الخوف
- نظرية ذيول التنّورات في العراق
- كما كان يحدثُ دائماً في الحروبِ الرديئة


المزيد.....




- مدير متحف في برلين يحذر من صراع ثقافي عالمي تقوده واشنطن
- حين ظهرت مكة والمدينة في خريطة أميركا.. قراءة في التسمية وال ...
- المستعرب الإسباني خوسيه بويرتا: غرناطة مركز التراث الأندلسي ...
- المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأ ...
- باستخدام الدم وقشر البيض ويرفض الأدوات الحديثة.. هذا الفنان ...
- إطلاق مشروع ترجمة خطبة -يوم عرفة- بـ34 لغة
- نجم أمريكي يثير الجدل بعد تقبيله علم فلسطين خلال حفل ضخم في ...
- ظلال سايغون.. كيف تعيش فيتنام حربها بعد نصف قرن؟
- فنانة تُجسد لحظات الأمومة الحميمة من خلال لوحات معبرة
- راهبتان برازيليتان تفاجئان مقدم برنامج ديني بالرقص والغناء


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - عن جنود أيلول.. وأشياءَ أخرى-4- (مقاطع من هذيانات جندي مُسِنّ.. من بقايا الحربِ العراقيّةِ- الإيرانيّة)