|
الزعامة الأمريكية للعالم نعمة أم نقمة؟
جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 1689 - 2006 / 9 / 30 - 09:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حروب في أفغانستان، العراق، لبنان، وفيما بعد ربما في إيران وسوريا وكوريا الشمالية وهلمٌ، جراً. تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان واعتقالات تعسفية ومصادرة للحريات وماذا بعد؟ بن لادن مازال حراً والإرهاب يتفاقم ويزداد يوماً بعد يوم والدمار في كل مكان.
منذ انتخاب جورج دبليو بوش رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية سنة 2000 والعالم يعيش حالة من الفزع من تبعات وانعكاسات السياسات المغامرة التي يمارسها اليمين الأمريكي و المحافظين الجدد المسيطرين على الإدارة الأمريكية وباقي مفاصل السلطة كالكونغرس والمؤسسات الأمنية والمالية الأمريكية والدولية. فمن أبرز منجزات إدارة جورج بوش الإبن الجمهورية هي أنها بعثرة أدراج الرياح الرصيد الهائل من التعاطف العالمي مع الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001 إلى درجة أن استطلاعات الرأي في العالم بأسره تشير إلى أن الرأي العام العالمي يرسل لأمريكا اليوم أقصى صور التحدي والريبة والحنق إن لم نقل الغضب والكراهية. فهنالك أكثر من 53 بالمائة من الأوروبيين يعارضون بشدة الزعامة الأمريكية للشؤون الدولية بينما لم يتجاوز العدد 31 بالمائة سنة 2002.فلقد بات جلياً أن قيادة جورج بوش للحرب على الإرهاب العالمي كانت كارثية ولم تؤد إلى النتائج المرجوة بل بالعكس انتشرت خلايا الإرهاب وتكاثرت كالخلايا السرطانية في كل مكان من جسد المعمورة وظهر جيل جديد من الإرهابيين أكثر قسوة وأشد بأساً كما جاء في آخر تقرير صادر عن الكونغرس الأمريكي مؤخراً بهذا الصدد. وإذا بدا العالم اليوم أكثر تعرضاً للخطر عمٌا كان عليه بالأمس، فليس ذلك بسبب سياسات ونشاطات منظمة القاعدة الإرهابية فقط، فمع خطاب مؤدلج أكثر فأكثر ومثير للشكوك والريبة ساهم الرئيس الأمريكي في تحويل كوكب الأرض إلى رقعة شاسعة من الاضطرابات وميدان واسع للمعارك الدائمة مسرٌعاً تجسيد ما عُرف في أوساط المثقفين والمحللين السياسيين بأطروحة " صدام الحضارات" الأمر الذي تمناه وسعى إليه المتطرفون السلفيون والمتشددون الإسلامويون الذين يسمون أنفسهم بالجهاديين. وإذا كانت أفغانستان تأوي وتناصر وتدعم عناصر القاعدة وزعمائها وتوفر لهم الملاذ الآمن فإن عراق صدام حسين لم يقم علاقات إستراتيجية وتعاون عسكري وميداني مع القاعدة كما أظهر ذلك تقرير قدمه الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي مؤخراً بينما أصبح عراق ما بعد صدام حسين وتحت الاحتلال الأمريكي مرتعاً لعناصر القاعدة وغيرهم من الإرهابيين والمجرمين الذين زرعوا الموت والرعب في كل شبر من تراب العراق.ولا يمكن لأحد أن ينكر أو يتجاهل حقيقة أن استراتيجيات إسرائيل العدوانية المدعومة من واشنطن بلا قيد أو شرط، في الأراضي المحتلة وفي لبنان،دفعت بالكثير من شباب الأمتين العربية والإسلامية إلى الانخراط في العمليات الانتحارية التي يسمونها استشهادية. وإذا لم يكن هناك من يشك بوجود تهديدات إرهابية كانت عواصم كثيرة ضحيتها كلندن ومدريد والرباط والرياض وغيرها فضلاً عن بغداد وكابول ، فإن حروب جورج بوش السابقة واللاحقة أعطت وستعطي بالتأكيد نتائج منافية للأهداف المنشودة والمبتغاة لها أي القضاء على الإرهاب بل مجرد تعزيز نزعة الهيمنة على العالم. بيد أن الرئيس الأمريكي جورج بوش مازال يلعب على نفس المعزوفة المملة والخاطئة لتعبئة شعبة ورفع شعبيته المتدنية بين الناخبين الأمريكيين وكسب تأييدهم لـ " حربه الشاملة ضد الإرهاب" ، وهو نفس الخطاب السياسي والتعبوي ألتخويفي الذي استخدمه لإعادة انتخابه لولاية ثانية في نوفمبر 2004 ، ويستخدمه اليوم لضمان فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر 2006 . لذلك يتوقع الخبراء والمراقبون أن حرب العراق ستكون في قلب انتخابات 7 نوفمبر 2006 التشريعية لتجديد نصف أعضاء الكونغرس في مجلسي النواب والشيوخ. فإستراتيجية البيت الأبيض اختارت رفع يافطة" الأمن القومي " و " التهديد الإرهابي الداخلي والخارجي" على الولايات المتحدة الأمريكية في الحملة الانتخابية التشريعية القادمة للحزب الجمهوري ولكن لن يكون بوسع البيت الأبيض التملص من تبعات وعواقب حربه على العراق والتساؤلات حول انزلاق القوات الأمريكية في المأزق العراقي الدامي حيث ارتفع عدد الضحايا من المدنيين العراقيين بوتيرة عالية إلى أكثر من 100 ضحية يومياً كمعدل متوسط إلى جانب تزايد عدد القتلى من الجنود الأمريكيين الذي تجاوز الـ 2700 قتيل وآلاف الجرحى مع تفاقم وارتفاع نفقات الحرب . والحال أنه وبعد مرور خمسة أعوام على أحداث 11 أيلول ـ سبتمبر مازال الإرهاب وانعدام الأمن والفوضى والحرب الأهلية وتفاقم الأزمات والتهديدات هو الحال السائد في أفغانستان والعراق ومازال أسامة بن لادن وأركان منظمته يسرحون ويمرحون بحرية ، وصدام حسين يقبع في المعتقل ويتعرض لمحاكمة هزيلة تثير السخرية. وبالرغم من كل ذلك يصر " رئيس الحرب" على أنه محق في توقعاته ورؤيته المستقبلية في احتواء خطر الموت الذي يهدد الشعب الأمريكي لو تمكن المتطرفون الإسلامويون الشيعة والسنة على السواء من الحصول على أسلحة التدمير الشامل وبالأخص السلاح النووي ، لضرب العالم الحر وتدميره لو توفرت لهم الفرصة كما جاء حرفيا في خطاب الرئيس الأمريكي الأخير عن حالة الاتحاد . وهو يعتقد ويعلن ذلك بأن الراديكاليين في العراق وأفغانستان والباكستان وإيران ولبنان وفلسطين وفي كل مكان في العالمين العربي والإسلامي ، يشنون حرباً بلا هوادة ، رغم الخلافات الجانبية بين الطائفتين الشيعية والسنية في أفغانستان والباكستان والعراق، إلا أنهم يمثلون في نظر جورج بوش نفس العدو ويمثلون القوة التي تشكل مصدراً لنفس التهديد . وقد جمع الرئيس في خطابه ورؤيته الإستراتيجية بين حزب الله وحماس وإيران والقاعدة تحت تسمية واحدة هي :" الشبكة العالمية المتطرفة التي تستخدم الإرهاب" وهذا يذكرنا بالهوس الذي تملٌك الإدارة الأمريكية قبل حرب العراق للربط بين صدام حسين والقاعدة بأي ثمن وما يزال الرئيس الأمريكي مصراً لغاية تاريخ إحياء الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من أيلول سنة 2006 بأن صدام حسين كان يقيم علاقات خاصة بأبي مصعب ألزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق والذي قتل مؤخراً في غارة أمريكية على مقر اختفائه في العراق، بالرغم من معرفة الرئيس الأمريكي المسبقة منذ سنة 2005 بمضمون تقرير الكونغرس الأمريكي الذي توصل بعد تحقيقات معمقة إلى نتيجة تقول بعدم وجود أية صلات بين صدام والزرقاوي ، بل يذهب التقرير المذكور إلى ابعد من ذلك حين يذكر أن صدام حسين ونظامه المنهار حاولا مراراً تصفية ألزرقاوي جسدياً. وفي أعقاب انخفاض التأييد الشعبي لسياسة البيت الأبيض إلى أدنى من 30 بالمائة من الناخبين قرن جورج بوش القاعدة بالنازية والشيوعية كصنوان لهذا التنظيم الإرهابي قائلاً:" أعلن بن لادن وحلفاؤه الإرهابيون عن نواياهم بنفس الوضوح الذي أشهره كل من لينين وهتلر من قبل." ثم أضاف محذراً :" لقد تجاهلهم العالم في البداية وكانت النتيجة أن العالم دفع ثمناً باهظاً ورهيباً " ثم لوٌح الرئيس الأمريكي بما أسماه " بالفاشية الإسلامية" وبالتالي :" يتعين علينا أن ننهي الطغيان والإرهاب " كما قال جورج بوش في صحيفة وول ستريت جورنال. ثم أختتم كلامه قائلاً بنبرة تهديد واضحة وصريحة:" عندما أقول ذلك فإنني أعنيه تماماً وبكل جدٌية". ينطوي على مثل هذا الكلام معنى مباشر بأن كل ما يجري اليوم هو " شر لابد منه ومبرر".فالأكاذيب بشأن أسلحة التدمير الشامل في العراق مبررة كما هو مبرر وجود سجون سرية تابعة للمخابرات الأمريكية، واستخدام التعذيب في التحقيقات، والتصنت غير الشرعي وبدون أية مسوغات قانونية على المكالمات الهاتفية داخل وخارج الولايات المتحدة، وعمليات التعذيب في السجون العراقية كما حصل في سجن أبو غريب، والقتل العشوائي للمدنيين، وممارسة التعذيب الوحشي بحق المشتبه بهم بتهم الإرهاب واعتبارهم إرهابيين إلى أن تثبت براءتهم أو إدانتهم، وانتهاك اتفاقيات جنيف ومبادئ حقوق الإنسان . وقد عبر المقال الافتتاحي لصحيفة الواشنطن بوست عن قلق الأمريكيين من فقدان حرياتهم الخاصة وكون بلادهم سمحت لنفسها بانتهاك الحقوق الإنسانية والقوانين والأعراف الدولية . وفي نفس الوقت يشدد الديمقراطيون في حملتهم الانتخابية للانتخابات التشريعية على حقيقة بأن لا علاقة البتة بين الحرب في العراق ومكافحة الإرهاب الدولي أو محاربة تنظيم القاعدة بل العكس هو الصحيح إذ تحول العراق إلى عنوان جاذب لحشد وتعبئة وتدريب الإرهابيين كما صرٌح السيناتور جون كيري المرشح البائس للرئاسة منافساً لبوش والخاسر في انتخابات نوفمبر 2004 الرئاسية فلم يعد هناك سوى 44 بالمائة من الأمريكيين من يعتقدون بوجود علاقة بين المغامرة الأمريكية في العراق والحرب الشاملة على الإرهاب الدولي بينما كان أكثر من ثلثي الأمريكيين يصدقون ذلك 2003. هنالك ردٌات فعل سلبية تجاه السياسة الأمريكية لاسيما في بعض دول أمريكا اللاتينية كنفزويلا والبرازيل ونيكاراغوا إذا فاز اليسار فيها في الانتخابات القادمة، وكذلك في الكثير من الدول الأفريقية والآسيوية والأوروبية لكن التحدي الأكبر يأتي لا محالة من العالمين العربي والإسلامي وبالأخص منطقة الشرق الأوسط المشتعلة , فالمتابعون للشأن الشرق أوسطي ولملفات هذه المنطقة الملتهبة دوماً منذ عشرات العقود ، يشعرون وكأن عجلة الزمن تدور إلى الوراء ، وباتوا يسمعون نفس الخطاب السياسي ـ الحربي الذي ردده سيد البيت الأبيض تجاه دول المنطقة بدءاً بالعراق ونظامه الديكتاتوري المقبور قبل الغزو العسكري في عام 2003 ومروراً بسورية وحزب الله وحماس والتيار الإسلاموي السلفي الذي وصفه بوش بالفاشية الإسلامية وانتهاءاً بإيران ، مع نفس عبارات الوعيد والتهديد بالويل والثبور وشدائد الأمور وعواقب الرفض والتصلب ضد " إرادة المجموعة الدولية" ـ أي إرادة الإدارة الأمريكية حصراً ومن يدور في فلكها من البلدان الأوروبية والمنظمات الدولية كمجلس الأمن والحلف الأطلسي ومنظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ـ إذا لم تنصاع الحكومة الإيرانية لإملاءات البيت الأبيض وتل أبيب. فبالنسبة لإيران لا عبرة للمجموعة الدولية ولا قيمة لصوتها وإرادتها طالما لم تحدد موقفها المتميز عن الحكومة الأمريكية ولم تحدد هدفاً واضحاً وقراراً صلباً تكون قادرة على تحمل تبعاته ويمكنها تنفيذه مهما كانت النتائج والظروف المحيطة.فلا فائدة من إصدار الإنذار تلو الآخر والتلويح بفرض عقوبات ثم النكوص عن ذلك ونسيانه عندما تتجاهل طهران متعمدة كل تلك المناورات والضغوط لأنها تشعر أن المجموعة الدولية أكثر من عاجزة عن وضع تهديداتها موضع التنفيذ . وهذا ما حدث بالفعل عندما رفضت إيران التقيد بالتاريخ القطعي الذي فرض عليها لوقف عمليات تنقية أو تخصيب اليورانيوم وإكمال دورة الوقود النووي داخل أراضيها وهي العملية التي من شأنها نظرياً توفير الوسائل الكفيلة بصنع القنبلة النووية الإيرانية كما تدعي الدوائر الغربية وآلتها الإعلامية. وقد انتهت الفترة الزمنية الممنوحة لإيران كحد أقصى في 31 آب 2006 دون أن تذعن إيران أو تأبه لأي تهديد أو إنذار وأشهرت التحدي للقرار الدولي رقم 1696 الصادر عن مجلس الأمن بهذا الخصوص. فإيران ترفض أي شروط مسبقة للتفاوض وستستمر في تخصيب اليورانيوم مع إعلان استعدادها لفتح حوار جاد يمكنها من خلاله التطرق إلى احتمال أو إمكانية تعليق مؤقت لأنشطتها الحساسة لفترة قصيرة وبشروط. الرد الإيراني ماكر لكنه ليس بجديد إذ باستطاعة مثل هذا الرد زرع التفرقة والانشقاق بل والتصدع بين الدول العظمى المعنية بهذا الملف. فالأمريكيون يدعون إلى فرض عقوبات شديدة صارمة وقاسية وملزمة ولكن لا أحد يقتنع بجدواها، في حين يكرر الروس والصينيون رفضهم اللجوء إلى مثل هذه الأساليب لأنها تمس مصالحهم الاقتصادية في إيران وهم ليسوا مستعدون لمثل هذه التضحية من أجل أمريكا وبعض دول أوروبا. وبين هؤلاء وأولئك يتأرجح الفرنسيون وباقي الأوروبيين بحثاً عن إجماع في الرأي والموقف لن يتوفرا أبداً. ونظراً لمستوى التوتر القائم حالياً في منطقة الشرق الأوسط يوجد لدى هذا الطرف الدولي الثالث ما يكفي من ألأسباب والمبررات لقبول الرد الإيراني القاضي بإجراء حوار جدي بدون شروط مسبقة . ومرة أخرى نجد إيران على وشك الحصول على الثمار المرتجاة والتي تترقبها من جراء سياستها المثابرة والرافضة لأية تسوية مفروضة عليها وتسعى طهران للحصول على مهلة زمنية إضافية كافية لكي تدير عجلات مراكزها التجريبية النووية ومفاعلاتها ومواقع التنقية والتخصيب كي تقترب أكثر فأكثر من اللحظة التي تتيح للجمهورية الإسلامية الحصول على وسائل صناعة القنبلة النووية. وفي أثناء هذه المناورات الدبلوماسية تستمر طهران في إجراء التجارب على صواريخ بعيدة المدى والتي نجحت فيها، كما أقامت مفاعلاً يعمل بالماء الثقيل قادر على إنتاج وقود يمكن استخدامه للأغراض العسكرية وقد تم افتتاح هذا المفاعل بالفعل قبل فترة قصيرة. بوسع المتشددون في النظام الإيراني أن يشرحوا للمعتدلين بأن طريق المواجهة والتحدي هي الطريق الوحيدة المجدية لأن الغرب لن يضع أبداً تهديداته موضع التنفيذ وبوسع الرئيس الإيراني المتشدد محمود أحمدي نجاد أن يحقق نقاط الفوز على صعيد النشاط الدعائي والإعلامي السهل لاسيما عندما اقترح إجراء مناقشة علنية عبر وسائل الإعلام المرئية وبالبث المباشر مع الرئيس جورج بوش سرعان ما رفض البيت الأبيض مثل هذا الاقتراح الذي وصفه بالديماغوجي . وكذلك عندما ذكر الرئيس الإيراني احتمال لجوء بلاده إلى إجراءات تناسب ما سيقرره مجلس الأمن في نهاية أكتوبر 2006 وهو يعني بذلك اللجوء إلى سلاح النفط وبضعة وسائل أخرى تمتلكها إيران لتمارس ضغوطها على دول الغرب . فحرب لبنان الأخيرة التي شنتها إسرائيل على حزب الله أظهرت بجلاء قدرة إيران على الإيذاء وهي قدرة هائلة لا يمكن تجاهلها. ولم يحقق العرض السخي والحوافز المجزية التي قدمتها المجموعة الدولية لطهران، وقبلت واشنطن المشاركة فيها، عبر الحوار المباشر مع طهران، إمكانية للخروج من المأزق وإزالة العوائق أمام هذا الملف الشائك والخطير. فماذا بوسع العقوبات المقترحة والإنذار الذي انتهى أجله أن يفعلا لتغيير موقف طهران إذا كانت هذه الأخيرة لا تأبه لأي تحذير أو تهديد كلامي. في الوقت الحاضر، لا يتمثل هدف الدول العظمى بلي عنق طهران وإجبار إيران على الانصياع بالقوة بل محاولة إقناع هذا البلد الاستراتيجي المهم أن من مصلحته التفاوض وإتباع دبلوماسية عقلانية ومنطقية ناجعة وهو هدف ليس بعيد المنال في الوقت الحاضر كما يعتقد دبلوماسيون أوروبيون. وفي خضم الحرب الكلامية بين أمريكا وإيران وتصريحات الرئيس الإيراني الاستفزازية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية صرح الرئيس الأمريكي بغضب :" لن نسمح مطلقاً لإيران بامتلاك سلاح نووي " بيد أن الجبهة الدولية التي كانت متماسكة ضد إيران سابقاً تفتتت وأعلنت روسيا على لسان وزير خارجيتها أن الوقت لازال مبكراً لفرض عقوبات على طهران طالما يعلن النظام الإيراني أنه مستعد للحوار وهذه معضلة محرجة للرئيس الأمريكي الذي أعتقد لوهلة أن روسيا والصين ستؤيدان مبادرته لفرض عقوبات على إيران إذا لم توقف نشاطاتها النووية في تخصيب اليورانيوم. والمعروف أن الرئيس الأمريكي يتعرض لضغوط كثيرة أهمها ما يأتيه من جهة الكونغرس الذي يستعد لانتخابات نصفية لاختيار أغلبية جديدة ، وكذلك ضغوط من جانب وسائل الإعلام الأمريكية حيث ذكرت افتتاحية صحيفة ويكلي ستاندارد تربيون الناطقة باسم المحافظين الجدد :" إن الأفعال هي التي تحسب ويؤخذ بها وليس الكلام . فالأمريكيون يريدون من رئيسهم أن يقاتل من أجلهم ومن أجل أمنهم وسلامتهم والمكان الذي يتعين عليه أن يبدأ منه بعد أفغانستان والعراق هو إيران " في حين تستعد وزارة الخارجية الأمريكية في شخص الرجل الثاني نيقولا لابيرنز وتحت إشرافه لتحضير مشروع قرار جديد يمنع وصول المعدات الحساسة المرتبطة بالأنشطة النووية إلى إيران ويحدد حركة وتنقلات عدد من المسئولين الإيرانيين وتجميد حساباتهم المصرفية فيما تناقش فرنسا وبريطانيا نصاً موازياً يركز على مقاربة تدريجية وقابلة للتعديل إلا أن هذه الجهود لا تحظى على نحو قطعي بدعم وتأييد كافة أعضاء مجلس الأمن الدولي ولهذا استبق السفير الأمريكي في مجلس الأمن جون بولتون هذا الاحتمال وطالب بعدم تضييع الوقت بانتظار مفاوضات غير مجدية واقترح فرض عقوبات صارمة وفورية حتى لو كان ذلك خارج إطار مجلس الأمن. فبلده سيطبق من جانب واحد عقوبات شديدة وسيحاسب أية شركة أو دولة تتعامل مع إيران لأن ذلك سيكون بالضد من مصالح بلده الحيوية. وهو يفترض أن هناك دول أخرى ستبادر طوعاً لتطبيق عقوبات مماثلة على طهران ونوٌه إلى إمكانية اللجوء إلى فكرة تشكيل كواليس أو تحالف دولي طوعي وهي فكرة داعبت مخيلة واشنطن منذ بدء الأزمة. تمارس وزارة الخارجية الأمريكية ضغوطاً مكثفة تجاه الحلفاء للالتحاق بنظام العقوبات الذي تتبعه واشنطن حيال طهران منذ العام 1987 والذي يمنع حصول أي نشاط أو تبادل تجاري مع إيران ما عدا الفواكه المجففة والكافيار والسجاد . ويعتقد الأوروبيون أن من السهل عليهم تطبيق العقوبات إذا كانت صادرة بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي يطلب منها فرض حصار اقتصادي ومقاطعة على غرار ما حدث مع صدام حسين في أعقاب حرب الخليج وغزو الكويت سنة 1990. علقت الصحيفة اليمينية الأمريكية المذكورة أعلاه ويكلي ستاندارد تربيون قائلة:" إن على الإدارة الأمريكية أن تفهم إيران بوضوح تام وبدون لبس أن الخيار العسكري ليس مستبعداً وهو خيار حقيقي وليس وهماً أو مجرد تهديد فارغ كما تتوهم الحكومة الإيرانية". كما صرح وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بهذا الصدد قائلا:" من المؤسف أن تتصور بعض الدول أننا لسنا قادرين على الدفاع عن بلدنا أو القيام بما هو ضروري لمجرد أن لدينا 136000 جندي في العراق اليوم. فالتهديد الأمريكي لم يرتق بعد إلى مستوى الإستراتيجية في الوقت الحاضر ، أي التخلي نهائياً عن الجبهة الدبلوماسية الموحدة التي يتمناها الرئيس بوش لكن ذلك لا يدل على عجز عن التحرك من جانب الولايات المتحدة الأمريكية حتى لو كانت لوحدها . فبإمكان أمريكا تعزيز قواتها المتواجدة في العراق ومضاعفة العدد إلى عدة أضعاف ما هو عليه الآن وتكون قادرة على توجيه ضربات عن قرب ومنع التدخل وتفاقم النفوذ الإيراني داخل العراق والتحرك ضد القوات الأمريكية داخل العراق " بيد أن مثل هذا التصور ينطوي على مخاطر كبيرة إذ بإمكان أنصار إيران والموالون لها من العراقيين سنة وشيعة تشكيل طابور خامس لصالح إيران يهدد الوجود الأمريكي في العراق وكذلك يمكن لحزب الله اللبناني وسورية أن يهبا لنجدة إيران إذا ما تعرضت لهجوم جوي وبري وبحري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بتفعيل جبهة العراق الداخلية لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية في صفوف القوة الأمريكية الضاربة في المنطقة خاصة بفضل وجود ميليشيات مدججة بالسلاح ومدربة تدريباً جيداً أعلنت موقفها المناوئ للاحتلال الأمريكي كجيش المهدي وغيره وهذا ما أشارت إليه بجدية التقارير الغربي الإستراتيجية التي تناولت موضوع المواجهة الأمريكية ـ الإيرانية وتداعياتها في الشرق الأوسط والعالم. إلا أن الجبهة العراقية الداخلية ليست متماسكة ككتلة واحدة ضد الاحتلال، فهناك صراعات ومواجهات مسلحة حتى داخل المعسكر الواحد إلى جانب الاصطفافات والاستقطابات الطائفية والقومية والإثنية الخطيرة، وهنالك المنافسات بين القوى السياسية المتواجدة في السلطة وبين المرجعيات الدينية الشيعية ـ الشيعية والسنية ـ السنية وبين الطرفين السني والشيعي للسيطرة على الشارع العراقي، والحكومة العراقية الحالية تقف يائسة وعاجزة أمام المأزق الأمني المتفاقم واستفحال هيمنة الميليشيات المسلحة وفرق الموت وعمليات الانتقام الطائفي والتصفيات الجسدية والخطف على الهوية والجثث المقطوعة الرأس أو المجهولة الهوية التي يعثر عليها بالعشرات يومياً إلى جانب إلإنهيار التام لكافة المشاريع التي وقعت لإعادة البناء في العراق وسيطرة الإرهاب والاحتلال على مجمل مرافق الحياة وبين الاثنين ضاع الشعب العراقي ودفع ثمن الكارثة والفساد المستشري كالسرطان في أوصال المجتمع العراقي ومؤسساته السياسية والمدنية مما يجعل ساحة العراق قابلة للانفجار والغرق في أتون حرب أهلية ـ طائفية مدمرة بدت بوادرها بوضوح منذ شهور وبالذات منذ تفجير المرقدين المقدسين للإمامين العسكريين في سامراء حيث بدأت كرة الثلج الطائفية تتدحرج وتكبر باستمرار يوماً بعد يوم فهل هناك من أمل لوقف النزيف أم نحن نتجه شئنا أم أبينا نحو الكارثة النهائية؟
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيناريوهات الحروب القادمة على ضوء الحرب على لبنان.. الصراعات
...
-
هل هي حقاً مبادرة الفرصة الأخيرة؟
-
دردمات سعد سلمان تشريح لمأساة وطن إسمه العراق
-
العراق: هل وصلنا نقطة اللاعودة؟
-
أمريكا وإيران : الشرارة التي قد لاتنطفيء
-
العراق: هل سيكون كعب آشيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية
...
-
أمريكا والشرق الأوسط : نهب العراق وإيران والسعودية والخافي أ
...
-
ما أشبه اليوم بالأمس هل دقت ساعة إيران بعد العراق؟
-
العراق : بعد ثلاث سنوات من السقوط هل حان وقت تقديم الحسابات؟
-
ماذا يخبيء لنا الغد في العراق؟
-
العراق: تشاؤم أم تفاؤل؟
-
العراق وأمريكا: إنعطافة تاريخية؟
-
حكومة وحدة وطنية أم حكومة إستحقاقات انتخابية رسالة إلى رئيس
...
-
من سيحكم العراق؟
-
إلى أين يسير العراق... نحو الهاوية أم باتجاه نهاية النفق؟
-
التهميش الاجتماعي أبعاد الظاهرة ودلالالتها
-
العراق: تحديات الأيام المقبلة الدستور،المحاكمة،الانتخابات، و
...
-
قراءة في كتاب: المذبحة تحت المجهر «الهولوكوست
-
جورج دبليو بوش رئيس مسكون بلعنة العراق
-
أمريكا ومعضلة دول محور الشر
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|