أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - فارساتُ راهباتِ الفرنسيسكان














المزيد.....

فارساتُ راهباتِ الفرنسيسكان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7378 - 2022 / 9 / 21 - 12:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


“اللهُ محبّة… وهو الرحمن الرحيم" المحبةُ وحدها تخفِّفُ كلَّ ثِقَل، تحتمل كلَّ مشقّة، تجعلُ كلَّ مُرٍّ عذبًا، تدفعُ الإنسانَ نحو الأشياء العظيمة، وتُرغّبه دائمًا فيما هو أكمل.”
تلك نثاراتٌ من نهج الراهبة الجميلة، مُربية الأجيال السور "باسمة فرح" مديرة مدرسة "الراهبات الفرنسيسكانات" بشارع قصر النيل بالقاهرة، والتي وجّهت لي دعوةً كريمة لحضور اجتماع "الأسرة التربوية" الختامي الذي تلتقي فيه مديرة المدرسة بهيئة التدريس قُبيل العام الدراسي الجديد. والحقُّ أنني وقعتُ في أسرِ هذه الأم الجميلة التي خدمت لأكثر من نصف قرن في عديد من مدارس راهبات الفرنسيسكان بمختلف محافظات مصر، تخرج على يديها طالباتٌ مصرياتٌ صرن اليوم فارساتٍ مشرقات يحتللن مكاناتٍ وأماكنَ مرموقة كوزيراتٍ وسفيرات وطبيبات ومهندسات ومحاميات وأستاذات أكاديميات في جامعات العالم وبالأخص في جامعات فرنسا. حين أنصتُّ إليها بالأمس وهي تتحدثُ إلى أسرة المعلمين قبل بدء العام الدراسي، وجدتني في حضرة شخصية فريدة تجمعُ ما لا يجتمع: الرقّة في الحديث، والصلابة في القرارات، خفّة الظلّ والحسم في مواجهة الخطأ، الحكمة وحنكةُ العقل التعليمي الخبير مع عذوبة قلب الطفولة، وتلك هي المعادلة الصعبة التي تُقوِّم شخصيات الطالبات بالمحبة والاحترام والصرامة في آن. لهذا لم يكن غريبًا أن تغدو الأخت باسمة معشوقة الجميع، سواء من هيئة التدريس والعاملين بالمدرسة، أو من الطالبات أو ممن تخرجن من تلك المدرسة العريقة. تحتفل راهبات الفرنسيسكان هذا العام بعيد ميلادها رقم ١٢٥، أزهرت خلالها عقودًا من اللؤلؤ النقي من بنات مصر. ذاك أن نهج التعليم لديهم، كما في جميع مدارس الراهبات والرهبان، لا يقوم على حشو الرءوس بالمعلومات، بل تغذي الطالبات والطلاب بقيم الأخلاق والسموّ والأناقة والنظافة والنظام والتهذّب في السلوك وفي الكلام، وتغرس فيهم قيم الوطنية والتحضّر في التعامل مع جميع بني الإنسان، دون تمييز طبقي أو طائفي، هذا إلى جانب التعليم الأكاديمي الرفيع. ولهذا تنجح مدارس الراهبات في صنع أجيال مثقفة واعية وراقية. ولا عجب أن يتهافت أولياءُ الأمور لإلحاق أطفالهم بتلك المدارس العريقة التي نرجو أن تحذو جميعُ مدارس مصر حذوها في نهج الأخلاق والتعليم.
خلال كلمتي تحدثتُ إلى الحضور عن شغفي القديم بمهنة التعليم؛ إذ أرى المعلم رسولا يحمل رسالة هي واحدةٌ من أشرف وأرقى وأصعب رسالات الإنسانية. كنتُ أحلم بأن أغدو معلّمة لما شهدته من رقيّ معلماتي وأنا طفلة في تلك المدارس التي تحترم عقل الطفل ونفسيته وتبحث في داخله عن معدن الموهبة لتُصقله وتلمّعه وتهذّب أي ملمح من ملامح الإعوجاج في شخصية الطفل؛ فيغدو مع الأيام ليس وحسب إنسانًا متفوقًا دراسيًّا، بل مواطنٌ صالح يخدم مجتمعه والإنسانية. ورغم تخرجي في كلية الهندسة وبعدما صرتٌ كاتبة أحتفل هذا العام بصدور كتابي رقم ٣٥، ورغم زواجي وزواج أبنائي إلا أنني مازلتُ أنحني كلما التقيتُ أحدًا من أساتذتي في المدرسة أو الجامعة، مثلما أنحني أمام أية راهبة ألتقيها في الطريق، لأنهن حقّقن في نظري المعادلة المستحيلة: أن يكنَّ أمهاتٍ حقيقيات لآلاف الأبناء والبنات، بكل ما تحمل كلمة "الأمومة" من معان في أعمق صورها، دون أن يتزوجن أو ينجبن! نحن الأمهات العاديات نبذل أعمارنا وجهدنا مقابل كلمة "ماما" التي نحصدها من طفل أنجبناه أو طفلين، بينما الراهبات يبذلن أضعاف ذلك الجهد مع آلاف الأطفال دون أن يحصدن شيئًا سوى المحبة والاعتراف بالجميل، لكنهن يحصدن احترام البشرية، ورضوان الله لقاء ما يقدمنه للإنسانية.
خلال كلمتها المدهشة بأعضاء هيئة التدريس، قالت الأم "باسمة فرح": "إننا نؤمن بأننا نحمل رسالةً سامية تلي رسالة الرسل والأنبياء، وتواجدنا معًا هو اختيار وتكريمٌ من الله لكل منا. فليرفع كلٌّ منّا قلبه لله تعالى شاكرين محبته ونعمته واضعين ذواتنا بأكملها ورسالتنا بين يديه ليباركها ويجعلها رسالة مثمرة. أشكرُ كل مربٍّ ومربية قام بتأدية عمله بضمير حي وعمل دؤوب، بإخلاص وإتقان. ونحن يا أحبائي أعضاء الأسرة الواحدة والرسالة المشتركة لابد أن نتكاتف معًا لتحقيق الهدف، الّذي هو تكوين وتشكيل شخصية الابنة من جميع الجوانب، نفجرُ الطاقاتِ ونشجع المواهبَ ونغرس السلوكات الراقية، لنجعل من ابنتنا إنسانةً بكل ما تحمل الكلمة من قيم ومبادئ لنُخرج ابنه محبّة لله، محبّة للوطن وللإخوة جميعًا بدون تفرقة.”
أشكر أسرة المدرسة العريقة على دعوتي لحضور هذا الاجتماع المدهش، لكي أجدد إيماني بأن ارتقاء المجتمع لا يقوم إلا بالتعليم الممتاز الذي نحاول تكريسه في جمهوريتنا الجديدة، والذي وضعه الرئيس السيسي في أولى اهتماماته. وتحية احترام لكل معلم نبيل يراعي الله في تقديم رسالته الشيقة الشاقة.

               ***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقد نسيتَ كيس الأرز أيضًا!
- السنة المصرية والسنة القبطية وعيد النيروز
- هذا سبتمبر … يا أمّي!
- كوكب ياسمين مصطفى… المصري
- نجيب محفوظ … العصيُّ على الغياب
- ميس كاميليا … مسيو موريس
- سميرة موسى … نابغةُ مصر الخالدة
- في حب العذراء مريم
- أشقائي … شهداء كنيسة -أبو سيفين-
- ماذا علَّمني أبي … وأبي؟
- التعليمُ الراهن … مُعاصَرةٌ وأخلاق
- مهرجان -چرش- … يصدحُ ويزهو
- مدارسُ الفرير … على شرف الماعت
- لماذا تدنّى مستوى خطابِنا؟
- ٢٦ يوليو … تفويضُ الكرامة
- خطاباتُ جدّي وجدّتي … تعليم زمان
- أولادُكم ليسوا لكم … شكرًا للنائب العام
- في الطريق إلى الثمانين … السعادةُ اختيارٌ
- أيّها الوحيدون … اصنعوا زحامَكم!
- العيد … العائلة … الجنّةُ التي على الأرض


المزيد.....




- جدل حول اعتقال تونسي يهودي في جربة: هل شارك في حرب غزة؟
- عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
- العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق ...
- المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة
- عبود حول تشكيلة الحكومة السورية الجديدة: غلبت التوقعات وكنت ...
- بقائي: يوم الجمهورية الإسلامية رمز لإرادة الإيرانيين التاريخ ...
- الخارجية الايرانية: يوم الجمهورية الإسلامية تجسيد لعزيمة الش ...
- الملك المغربي يعفو عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة قيادة ش ...
- بكين: إعادة التوحيد مع تايوان أمر لا يمكن إيقافه
- العالم الاسلامي.. تقاليد وعادات متوارثة في عيد الفطر المبارك ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - فارساتُ راهباتِ الفرنسيسكان