|
الحزب اللينينى وفوضى التنظيم المجالسي - ضد العفيف الأخضر (الكراس كاملا )
سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 7373 - 2022 / 9 / 16 - 14:49
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
مقدمة إن ما يجعل الجدال ضد هذا الإتجاه النظرى التنظيمي الفوضوي الذى يمثله العفيف الأخضر وكوكبة من رفاقه واجبا إلزاميا ، هو إدراكنا لأهمية الدفاع عن الأسس النظريه للحزب الماركسي اللينيني ، ومبادئه التنظيميه – التى يحاول هذا الإتجاه دحضها تحت رايه افتعال تناقض بين موقف ماركس من قضايا التنظيم الحزبي ، وموقف لينين قائد الثورة البلشفيه ، من هذه القضايا ذاتها – ورد الهجمات الفوضوية ذات النزعة البورجوازيه الصغيرة التى تستخدم ضد اللينينيه نفس القاموس الباكونينى – البرودونى ، مع إضافات منتقاة من هنا أو هناك ، حتى أن أى متابع لتاريخ الحركة العمالية ونضالها السياسي فى النصف الثانى من القرن -قبل -الماضى ، وفى روسيا العشرينات ، سيلاحظ مدى التطابق بين الأخطاء والإنحرافات القديمة ، وتلك التى تقدم على أنها "نظريات" – معاصرة . بل إن نفس الكلمات التى تتردد أصداؤها فى كتاب مؤلف "التنظيم الثورى الحديث" ، ومقالاته ، ومقدمات ترجماته - هو ورفاقه من ممثلي هذا الإتجاه الفوضوي فى قضايا التنظيم ، من رفض للمركزية ، ومناهضة "الإستبداد" والتسلط ، والمراتبية ، وتقسيم العمل ، ووجود محترفين ثوريين ، أو عمل سرى ... إلى آخر هذه المقولات – إستخدم بعضها ضد مؤسس الماركسية ذاته ، أى كارل ماركس وتلامذته ، الذين إعتبروا من أنصار "التسلط والمركزية" من قبل الفوضوي الروسي باكونين ، وخاصة بعد إلتحاقه بالآممية الأولى . وإذا كان ممثل هذه النزعة الفوضوية ، قد استفاد من ميراث باكونين فقد إستفاد أيضا من ميراث "المعارضة العمالية " التى إنبثقت داخل حزب العمال الإشتراكى الديمقراطى الروسى فى العشرينات . وإذا كان يمكن القول ، بأن بعض هذه النظريات السياسية ، قد لاقت قدراً من الإنتشار ، خاصة بين العصب التروتسكية ، فإن بعضها الآخر قد تسرب لعديد من التنظيمات الثورية ، التى لم تتمكن من تبني موقف نقدي ثوري من المراجعة العالمية السائدة ، فى أكبر بلدان الثورة الإشتراكية ، من ناحيه أخرى ، فرغم أنه يمكن القول بأن النظرات الفوضوية فى حقل التنظيم الحزبى ، لم تجد صدى واسعا فى صفوف القوى الثورية فى المنطقه العربية ، إلا أنها فى الواقع قد وجدت مجالا للتسرب الجزئى ، بشأن بعض مقولاتها ، ولا يعود ذلك إلى وجود مفهوم متبلور يمثل نهجاً ثابتا لديها ، بقدر ما يعود إلى حداثة هذه التنظيمات الثورية فى تبنيها للماركسية ، ولتاريخها السياسي السابق قبل تبنيها للماركسية فى بعض الآحوال ، كما أنه يعود إلى ميول إنتقائية لدى بعضها الآخر ، مما طبع جوانب محددة فى عملها بطابعها ، فعلى سبيل المثال ، تطرح بعض هذه التنظيمات – نقصد فى قضايا التنظيم – ضرورة أن يكون الحزب الثوري علنيا بغض النظر عن وجود أى مناخ إستبدادي بوليسي ، تكرسه طبقات حاكمة إستغلالية ذات روابط وثيقة بالإمبريالية ، ومعادية للديمقراطية وبالآحرى لآى دعاية وتحريض ثوريين من جانب تنظيم شيوعي . او أنها تنزع إلى تكريس نوع من الديمقراطية البدائية فى العمل الحزبى ، فترفض مقولة تقسيم العمل التى لا تلائم سوى تنظيم ، وبالآحرى حلقة ثورية صغيرة فى أول آطورها ، وتقدم هذه الحلقة مشروط بتطور تقسيم العمل فيها الذى يرتبط بالضرورة بإتساع مضمون نشاطها الثوري، أو إصرارها على ضرورة تمرير كل قرار على الحزب بأكمله ، أيا ما كان طابع هذا القرار حتى يطبع بطابع الديمقراطية الحقة ، أو الوقوع فى تصور أن المحترف الثورى هو "عالة" على الحزب ، رغم أن النواة القيادية لآى حزب مناضل لا يمكن أن تتشكل من هواة يكرسون "أمسياتهم" للثورة فقط ، ورغم أن الكادر القيادي ينبغى أن تكون مهنته الأساسية هى النضال الثورى، والنضال الثورى فقط ، لآنه العماد ، الذى يؤمن إستمرار وتواصل وإنتظام وثبات العمل الثورى . إلى جانب هذا ، تطرح أفكار ترى أن "تبادل المواقع" الحزبيه، أي تنزيل الكوادر القياديه إلى المستويات الحزبيه الآدنى دوريا ، وتصعيد بدائل لها ، دوريا، فى موجات هابطه صاعده ، من التنزيل والترفيع ، تكفل تدريب عدد أوسع على العمل القيادى ، رغم آن النواه القياديه ، هى العصب الأساسى لآى حزب بحكم قدراتها النظريه والسياسيه والتنظيميه والجماهيريه، ولآنها صنعت وصهرت فى زمن ، كما آن الكوادر القياديه لا توجد بالجمله، وهذا المنطق يؤدى إلى إرتباك العمل القيادي وتخبطه ، وهو لا يوازي فى خسائره الفادحه ، الطابع الديمقراطي الشكلى لتبادل القيادة دوريا (1 ). إن هذه المفاهيم السابقة ، تنتمى إلى مظهر أو آخر ، من مظاهر الأيديولوجية الفوضويه ، وخيمة العواقب على العمل الثورى . وما يجعل أيضا النضال ضد هذا الإتجاه الفوضوى واجبا، يعود إلى واقع العلاقات بين الطبقات العاملة العربية وبورجوازيتها الحاكمة فى الظروف الراهنة . حيث تتجه هذه البورجوازيات إلى تصفية الحركة الوطنية الديمقراطية ، وتتفاقم لديها نزعة معاداة الشيوعية ، وخاصة بعد عودة النفوذ الأمريكى للمنطقة ، وهيمنته على بعض البلدان العربية ، لذا ، فليس لدى الطبقة العامله من سلاح سوى سلاح التنظيم الحزب اللينيني وعلى ممثليها أن يذودوا عن هذا السلاح ، وأن يردوا الهجمات عنه ، التى لا تهدف إلا لتجريدها من آداتها التنظيمية المجربة تاريخيا فى الثورات الإشتراكية ، وأدنى تنازل عن ذلك يعنى التخاذل أمام سيطرة الطبقات الحاكمة الإستغلالية . إذن ، فإن كان كافة القوى الشيوعية الثورية ، مدعوة للإمساك بسلاحها جيدا ، لأنه أداة تحقيق ثورتها الشيوعية ، وما يسبقها من أهداف مرحلية . وهذه المقالة التى نكرسها للجدال مع هذا الاتجاه الفوضوي سوف تحتوي بصفة أساسية على ثلاث موضوعات ، أولها يتناول مفهوم الطبقة والحزب ، لنرى ما يضيفه هذا الاتجاه من "جديد" ، وثانيها ، يبين التزييف العمدى الذى يفتعل تناقضا بين مفاهيم مؤسسى الماركسية ، وبين مفاهيم لينين عن قضايا التنظيم ، وثالثها ، أي القسم الأخير ، فيتناول مفهوم الثوره لدى كاتبنا وعلاقة هذا المفهوم بتنظيمه المجالسى ومقوماته . وسنهتم في سياق مقالنا ، بإبراز آراء ماركس وإنجلز ، وهو أمر لا غنى عنه ، وبتنقية المفاهيم اللينينية مما يثار حولها من غبار المفاهيم الفوضوية وهو أمر يفرضه علينا تبيان المصادر الفكرية التى إستقى هذا التيار آرائه منها ، للبرهنة على أن "التنظيم الثوري الحديث" أي التنظيم المجالسى ، هو تلفيق إنتقائى قديم ، والأفضل إذن من الناحية المنهجية ، "الإعتماد على المخترع الأصلي لطريقه معينه فى التفكير بدلا من الإعتماد على من يتداولون سلعا قديمة" انجلز . وآخيرا ، فإن هدف الدراسة هو البرهنة على أن شعار التنظيم المجالسي ، ليس شعارا ماركسيا بروليتاريا ، بل شعاراً فوضويا ليبراليا ،.... راية تنظيمية فوضوية ، تعكس نفوذ الأيديولوجية البورجوازية وطبقتها ، التى لها مصلحة أكيدة فى تجريد الطبقة العاملة من سلاحها التنظيمى الثورى ، لتعطيها بدلا منه ، جمعية شرعية للنقاش العلنى ، وللصراع "تناضل" تحت سمع وبصر الطبقات الحاكمة ، مكشوفة الظهر والقلب ، فى بلدان بوليسية إستبدادية . ونحن ، وإن كنا سنوجه جدالنا الأساسى ضد كتاب " التنظيم الثوري الحديث" الذى يمثل هذا الإتجاه خير تمثيل ، فسنتناول عبره بعض الكتابات الآخرى ، لبعض ممن يتبنون هذا الاتجاه الفوضوى ، فضلاً عن عديد من مقدمات المؤلف لمترجمات ، تجاوزت فيها المقدمات من ناحية الحجم النصوص المترجمة ، ولأنها تعرض ذات الأفكار ، ومما يؤسف له أننا لم نتمكن من الحصول على بعض المقالات التى تناولت قضايا التنظيم ، وخاصة فى مجله دراسات عربية ، وكذا المجلة التى أصدرها "التنظيم المجالسي" ، لكننا على أية حال نرى أن النظرات المعروضة كافية تماماً ، لدحضها ، فى الكتب والمقالات التى توفرت لدينا ، وهى : 1) التنظيم الثورى الحديث ، 2) من كومونه باريس إلى مجازر عمان، 3) التنظيم الشيوعي – مقدمه مطوله ،4) البيان الشيوعي – مقدمة وتعليقاته ، 5) الثورة الألمانية 1918 – 1919 ، 6) العسف – مقدمة ، 7) نصوص حول الدين – مقدمه مطوله .
-1 - فى أحد مقالاته كتب مؤسس الماركسية كارل ماركس ناقدا الفكر الطوباوي فى شتى مظاهره ، ان "مخاطبة العامل دون فكرة عملية صارمة ومذهب إيجابي يعني المشاركة فى لعبة تبشيرية فارغة وغير أمينة ، تتطلب نبيا ملهما من ناحية، ولا شيئ سوى حمير تنصت إليه فاغرة أفواهها ، من ناحية أخرى ...إن الجهل لم يساعد بعد أى إنسان " ، والتخلى عن الفكرة العلمية الصارمة والمذاهب الإيجابى ، والعودة إلى إحدى اللعب التبشيرية الفارغة ، أمر قد ارتبط فى تاريخ الحركة الثورية ، بإنتصار الماركسية ، وإزاحتها للمذاهب الثورية غير البروليتارية . فقد كان على النظرية الماركسية أن تشق طريقها إلى الواقع بعد نضال شديد ، وعقب أن سحقت اٌلإتجاهات الفكرية الاشتراكية الآخرى ، وحلت محلها من الناحية الأساسية – أى ليس بشكل كامل – هذه الاتجاهات الإشتراكية الرجعية ، والبورجوازية الصغيرة ، التى تباينت سماتها ، والتى برزت فى مراحل تاريخية معينة إتسمت بتخلف وعدم نضج الطبقة العاملة ، الذى إرتبط فى البدايات الأولى بتدنى نمو قوى الإنتاج والصناعة الكبيرة ، وسياده الحرفيين ، الذين كانت لهم ميول ثورية . وقد إنعكس ذلك ، على مدى تبلور وعى الطبقة العاملة بذاتها كطبقة مناضلة ، مدركة لدورها التاريخى ، الذى تشرطه أوضاع وجودها ومكانتها في عملية الإنتاج الإجتماعي ، وما سيتصل بهذا الدور من مطالب إقتصاديه وإجتماعية وسياسيه ... نقول لقد كان على النظرية الماركسية أن تواجه هذه الإتجاهات التى تعود إلى الظهور مجدداَ ، واضعة افكارها القديمه فى زقاق جديده ، مكررة الإنحرافات السابقة ، محاولة إحياء بعض المفاهيم والأفكار البائدة ، لا فى ميدانها الخاص " بل فى ميدان الماركسية العام" وهى تظهر فى الميدان الآخير ، بوصفها نزعه تحريفية ، تهدف إلى مراجعة بعض المفاهيم الماركسة ، فى مجال ما أو آخر ، تبعا لهذا المظهر أو ذاك من مظاهر الإنتهازية المنبثقة والمتلائمة مع وضع إقتصادى – إجتماعى وسياسي محدد . ومن بين أساليب وطرق شتى تهدف إلى ثلم نصل بعض جوانب الماركسية الثورية ، تلك المحاولات التى تجرى ، بمعارضة أفكار ماركس الشاب ، بأفكار ماركس الكهل، أو التنصل من النتائج الثورية لمفاهيم ماركس الذى أسئ فهمه ، بعد إستبداله بماركس آخر أحسن فهمه ، يكون عادة من النمط الليبرالي ، متكيفاً مع الإنتهازيه فى ميدان المفاهيم النظرية أو السياسيه أو التنظيميه . كتب لينين إن : " ديالكتيك التاريخ يرتدى شكلا يجبر معه إنتصار الماركسية فى حقل النظرية أعداء الماركسية على التقنع بقناع الماركسية ، وقد حاولت الليبرالية المهترئة فى داخلها ، أن تستأنف نشاطها تحت ستار – الإنتهازية الإشتراكية ،،(2) وكاتبنا العفيف الأخضر الذى نتناول كتابه "التنظيم الثوري الحديث" وكذا بعض مقالاته ، من منظور نقدى ماركسى لينيني يسعى كبعض من سبقوه من رواد الليبرالية الفوضوية ، لآن يقيم تعارضا جذرياً بين ماركس من جهة ولينين من جهة أخرى ، بين المفاهيم اللينينية حول التنظيم الحزبي ، وبين مفاهيم ماركس وإنجلز عنه ، موهما بأن المفاهيم اللينينية حول قضايا التنظيم ، ليست فى بعض جوانبها تطويراً لآراء مؤسسى الماركسية ، ونواة أفكارهما ، بصدد حزب الطبقة العاملة ، فى ظروف تاريخية نوعية جديدة ، تتميز عن ظروف بواكير النصف الثانى من القرن التاسع عشر ، ويصورها كأنها نظام متكامل منهجيا ، من ناحية تناقضها مع آراء ونظرات الماركسية الحقه ،"الثوريه النقديه" تغلغلت بين ثناياه التصورات البلانكية والشعبوية ، بشأن الحزب – النخبة – التآمرى ، الذى يضم أقلية ثوريه نشطة ، تناضل اعتماداً على قواها الذاتية ، بمعزل عن الطبقه العاملة ، وكيلة عن الأخيرة ، فى القيام بهجمات تآمرية ، فردية ، منعزلة . وكاتبنا بإعتباره عبقرياً فى طور التكوين ، يحلم بأن يلعب دوراً استثنائياً ، ضد ما يدعوه ب " الايقونات" اللينينية ، التى نذر نفسه لتحطيمها ، لا على الصعيد القومى فحسب ، بل على الصعيد الأممى ، وفى القلب بالطبع من هذه "الأيقونات" تحتل المفاهيم التنظيمية ، الهدف الرئيسي فى النقد ، لذا نراه يحتل مواقع الفوضوية الشاغرة فى عالمنا العربى ، ناعتاً إياها بالماركسية ، مباركاً البعض – رفاق التنظيم المجالسى – لاعنا بالضرورة البعض الآخر – اللينيني الستاليني - ، ممارسا فى سماوات العقل الخالص ، ومن أعلى " مهام الحوار والتحريض الراديكالي * الموجه للطبقة العاملة ، مكرسا سلاح النظرية المجردة العاجز أمام عنف الدولة وقمعها ، خاصة فى البلدان الإستبدادية البوليسية ، وربما يعود ذلك إلى أنه وحيد فى عليائه ، منفصل عن كل شئ ، ولذا نرى نقده "يحلق بإنفصال سلطاني فوق مصادفات الحياة الواقعية " . ويمعن فى خلق نماذج مثالية للثورة وحزبها ، تعلو على كل ما هو دنيوي وراهن وواقعى . ويبدو أن اللفظية الثوريه لدية تعادل التحرر من الجمود العقائدي ، لا فى الأدب فحسب – حيث يقدم الإنحلال الآخلاقى كفضائل ثورية متطرفة ، من خلال القصائد الشعرية التى نشرت فى واحد من أعداد مجلة التنظيم المجالسي – بل أيضاً فيما يتوهمه إبداعاً نظريا حديثاً في قضايا التنظيم الحزبي . إذن هو ينتقد "الطقوس" التنظيمية اللينينية ، من وجهه نظر اليوتوبيا الفوضوية للتنظيم المجالسى الثورى الحديث ، حيث يقدمها البعض – يعنى المفاهيم اللينينية – كما يدعى وكآنها آخر كلمة تقال فى علم الثوره ، وهو يملك "كلمه" آخرى لكنها ليست بالآخيرة . وهو حين يعلن أنه لا يدعى قول الكلمة الآخيرة فى علم الثورة ، بصدد القضايا النظرية فى حقل التنظيم ، إلا أن إزاحته لمبادئ ماركس ولينين ، وإحلال مبادئه الفوضوية محلها ، وخصوصاً محور أفكاره وتصوراته عن التنظيم المجالسي ،بنيته ، نمط تسييره ، علاقته بالطبقة العاملة ، هى بمعنى ما " كلمة آخيرة " تجاوزت المفاهيم الماركسية اللينينية – من وجهة نظره . ومؤلفنا يهدف بكتابه إلى "التعريف بالتنظيم الأممى الجديد الذي تعلم من تجارب البروليتاريا الثورية - من إنتصاراتها وهزائمها ومن خبره جميع الثوريين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين" وهو دعوة للفكر الثوري العربى لآن ".... يخرج من دوامة طرح الأسئله الخاطئة والمشاكل الزائفة لكي يطرح الأسئلة الصحيحة والمشاكل الفعلية التى تطرحها الحقبة التاريخية نفسها "( 3 ) كما أنه يشير إلى أنه سيلتزم بتقديم الوقائع ضد لغه النصوص –وكأن الأفكار التى تتضمنها تلك النصوص ، ليست تعبيراً عن وقائع . وإذا كان كاتبنا ينسى أن أى بناء لا ينتهى بوضع أساسه ، فكذا الأمر مع قضاياالتنظيم ، فهى لا تولد محققة ناجزة ، كما أنها لا تقف عند بداياتها الأولى ، وهى قابلة لآن ترتد على بعض مقوماتها ، متى ما إختلفت الشروط ، لآن الوقائع الحية تجبرها على آن ترتدى أشكالا متغيرة . أما لينين ، فقد كان يدعو لتطوير الماركسية ذاتها فى كل إتجاه ، كما أنه نهجه التنظيمي كان متكيفاً على الدوام مع الوضع الفعلى ، وهو لم يعتبر كتاباته قولا فصلاً أبدياً ، وكذا الأمر مع تلاميذه الثوريين . وعلى أى حال لا ينبغى المطابقه بين فكر لينين التنظيمي ، وبين مدَّعى اللينينية من كل شاكلة وطراز ، وعلى وجه الخصوص الآحزاب الشيوعية المراجعة ، أو الآحزاب الثورية التى عانت من الإنحرافات ( 4 ) ، لنقص الخبرة وتدنى الوعى ، وحداثة إرتباطها بالماركسية الثورية ، فهى" ليست شيئاً خارج هذا الشرط " . وهذه الآخيرة تختلف عن الأولى من زاوية إمكانية تقويم إنحرافاتها متى ماوعتها . وتلامذة لينين لا يعتبرون آراءه قابلة للتطبيق على نحو آلى دون وعى ، بل يلائمون بين الآراء والشروط الفعلية التى تتعلق بكل وضع وكل مرحلة . ولآن مؤلفنا لا يقول " كلمة أخيرة " ومع هذا يتحدث عن تنظيم ثوري حديث ، موحياً بجدته ، فإن هذا يدعونا إلى التأكيد ، على أن المقولات التى يستند عليها هذا التنظيم لا آصالة فيها ، ومن ثم لا يأتى بجديد ، بل يمكن إرجاعها ببساطة إلى مصادرها الأصليه فقد تم إقتراضها من الشيع ، والحلقات ، والتكتلات التى عاشت على هامش الحركة العمالية الثورية ، ونضالها الطبقى ، بدءا بتلك الإتجاهات التى عادت الماركسية إبان ظهورها ، ومثلت تيارت أيديولوجية وسياسية فى صفوف الطبقة العاملة إلى أن تمت تصفيتها – من الناحية الأساسية – على يد النظرية الماركسية الثورية ، من برودونية ،وباكونينية ، وفوضوية نقابية ....، إلى الإتجاهات التى كانت أعدى أعداء اللينينية ، على إمتداد تاريخ الحركة الثورية الروسية ، من مارتوفية منشفية ، إلى تروتسكية معادية للنظرات اللينينية فى حقل التنظيم – كما عرضها تروتسكي فى كراسه مهماتنا السياسيه 1904 – إلى النزعة التصفوية التى انبثقت داخل حزب العمال الإشتراكى الديمقراطى الروسي فى أعقاب هزيمة ثوره 1905 ، هذه النزعة التى دعت إلى تصفية الحزب البلشفي السرى ، وإستبداله بحزب عمال علنى متكيف مع الشرعية ، فى ظل الإستبداد القيصري ...، حتى تمجيد العفوية ، ومعاداة الحزب الممركز من جانب روزا لوكسمبورج ... وصولا إلى تمثل مواقف كتل المعارضة المختلفة التى ظهرت فى أعقاب إنتصار الثورة البلشفية ، خاصة فى الآعوام 1921 – 1927 ، مثل فرقتي المعارضة العمالية ، والمركزية الديمقراطية ...إنتهاء بالإلتقاء مع جوقة واسعة من الإتجاهات الإشتراكية الليبرالية ، والفوضوية ، والتروتسكية السائدة الآن فى البلدان الغربيه – وعلى سبيل المثال ، لا الحصر آراء كورنيليوس كاستورياديس فى مؤلفه البروليتاريا والتنظيم - ،ولابد إذن أن نشهد لمؤلفنا بتفوقه فى النزعة الإنتقائية ، فى قدرته الإستثنائية ، على صنع ودمج هذا الخليط ، وصهره ، ليخرج وحدة متلاحمة فريدة ، تم إستنباتها ، من تاريخ مختلف الفرق والشيع والحلقات التى كانت دائما زائده هامشية فى مسار الحركة العمالية الثورية ، والحزب الثورى . حين يطرح "الماركسي" مشاكل تنظيمية ويضعها أمامه كمهمة واجبه الحل ، متصديا للإجابة عن المعضلات التى تواجه الحركة الثورية ، عليه أن يكون جاداً وموضوعيا فى حلها ، بمعنى أن عليه ألا يركن إلى بعث إنحرافات الماضى ، من خلال عودة بسيطة إليها ، مكرراً الأخطاء القديمة التى تم دحضها – مع التجاهل العمدى لهذا الدحض – أو تزييف المفاهيم الأساسية لمؤسسى الماركسية الثورية ، حول قضايا التنظيم الحزبى أ أو طبيعة الثورة الإشتراكية وارتقاءها نحو الشيوعية كمرحلة أعلى من الطور الإشتراكى الأدنى السابق ، محولا إياهم إلى ليبراليين ، قصد أن يجند سنداً مزيفا لوجهة نظره . وبالفعل فإن مؤلفنا يتبنى نموذجاً ذهنيا للحزب يضعه فى تعارض مع الحزب فى الواقع . ومن البديهى أن قضيه بناء الحزب وارتباطها الفعلى بالحركه الجاريه للطبقة العاملة ، والعلاقات المتبادلة بين الحزب والطبقة ، تحيط بها شروط ذات طبيعة خاصة ، تتميز وفقاً لتباين الأقطار والبلدان ، والفهم التاريخي الملموس يقتضى إستبعاد أيه وصفات جاهزة نقية ، حول نموذج الحزب ، أو أيه مخططات مكتبيه حول الأشكال التفصيلية لبناءه لأنها يمكن أن تتناقض مع الواقع . فهو يشق طريقه وفقاً لطابع الشروط التى تحيط بنشأته ، من زاوية التطور الإقتصادي – الإجتماعي والسياسي للبلد المعين ، مدى إحتدام تناقضاته الطبقية ، أوضاع الحريات السياسية ، وجود قادة ثوريين أكفاء يعبرون عن الحاجات ، والمصالح الأنية ، وبعيدة المدى للطبقة العاملة وحلفائها ، مدى تغلغل وسيطرة الأرستقراطية العمالية ومنظماتها ، وجود أو غياب حياة سياسية حقيقية بأدواتها الضرورية ، موازين القوى وأثرها على شل الأدوات التى يخاض بها الصراع الطبقى ، وجود أشكال نوعية للحكم ( بونابرتية ، فاشية، ليبرالية ) ، طبيعة المرحلة التاريخية ، دور ووضع الطبقة السائدة وأيديولوجيتها ومدى ضفرها ما بين الأساليب الإرهابية العنيفة والأساليب الإصلاحية ، الإنجازات القومية التى حققتها ، مدى نفوذ وسيطره المراجعة ، مدى تلاحم أو إنشقاق القوى الثورية ، وتمركزها فى حزب شيوعي واحد ، أم تفرقها فى فصائل مختلفة ، درجه تغلغل الوعى الإشتراكى فى صفوف الطبقة العاملة ومدى إلتفافها حول الحزب الثورى ، البنية الطبقية للحزب ومدى إنتماءه وقيادته للطبقة التى يمثلها .. إلى آخره . موجز القول إذن ، هو أن تأسيس الحزب الشيوعى وتطوره علاقته بطبقته ، بنيته الداخلية ، ونمط تسيره ، كل ذلك لا يمكن أن يكون إختياراً إنتقائياً ذاتياً ، معزولاً عن الواقع . فكل ذلك يخضع لعمليه تاريخية معقدة ، حافلة بالمنعرجات التى تحمل فى طياتها ، متى ما إقتضى الحال ، ضرورة تغيرات جديدة ، وهى من ثم تثير على الدوام ، قضايا نظرية وسياسية وتنظيمية ، وفقا للوضع المحدد، فتكون الحزب وتطوره فى قطر ما ، هو حصيله ونتاج ، عوامل متداخلة ، يستحيل إختزالها إلى عامل واحد ، يتعلق ببنية الحزب التنظيمية ، كما يفعل كاتبنا ناقد اللينينية ، الذى إختار نموذجاً للحزب ، يعكس نزوعه المثالى ، فى تطهير مسيرة التاريخ من تناقضاتها ، وهو مصدر أفكاره المغرقة فى التجريد والعمومية من زاوية إنفصالها عن الشروط الفعلية لحزب مناضل ، فهو لا يناقش حزباً فعليا بما أحاط به من شروط – بإستثناء الحزب البلشفى وعلى نحو جزئى وسطحى بقدر ما يناقش مفهوماً مجرداً عن الحزب ، سواء فى مجال نقد الحزب اللينيني ، أم حال التبشير بالتنظيم المجالسي ، المبنى وفق مواصفات قياسية نموذجية برأت فى المطهر الثوري من أدرانه البيروقراطية . والتنظيم اللينينى – من وجهه نظره- هو تنظيم هرمى مراتبى ، أما المجالسى فمناف للمراتبية ، فلا قائد ولا مقود ، ولا مستويات حزبية، وعلاقه الأول بالطبقة ، هى علاقه "وصاية وأستذة " من الطراز البيروقراطي أما التنظيم المجالسي فعلاقته بالطبقة هى علاقة حوار وتحريض راديكالى ، والأول يقوم على المحترفين الثوريين ، ويعمل فى إطار سرى حين تعيق السلطة الاستبدادية وجوده علنا ، كما أنه ينظم عمله الداخلى وفق تقسيم علمى للعمل ، يعتمد على الإنتاج الكبير ، أما المجالسى ، فيرفض تلك المقولات جميعاً ، فهو يرفض المحترفين الثوريين ، والتفرغ والمتفرغين ، الذين يتحولون على نحو حتمى إلى بيروقراطيين ! ، وهو يعمل علنا – ونحن لا نعرف كيف فى ظل دوله بوليسية ! – كما أنه يرفض تقسيم العمل ، فالكل يقوم بكل الأشياء ، كما أنه يرفض دكتاتورية الحزب اللينيني – الحزب الذى هو جزء من الطبقة وفصيلها المتقدم – التى يعارضها بدكتاتورية البروليتاريا ...إلخ . وإستناداً على هذه المقولات التى سنتاولها فى مواضع تالية ، ينتقد مؤلفنا الثوريين الذين يتبنون المفاهيم اللينينية فى حقل التنظيم ، باعتبارها شاخت وفات أوانها ، وبالآحرى لأنها خاطئة من أساسها حتى فى "زمانها" ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، على أساس أن "التجربة التاريخية " قد برهنت على أن البنية التنظيمية للحزب اللينيني بالمبادئ التى تحكمها وتسيرها ، هى الأرض القابلة دوما – على نحو حتمى جبرى- لإنبات البيروقراطية ، سواء فى حزب ما قبل إنتصار الثوره ، أو بعدها . ورغم هذا الطنين المستعار من القاموس الفوضوى ، الذى لا يقدم شئياً ذو قيمة ، فإن مؤلفنا يعتمد على ما بدى أنه رفضه ، فبعد أن هدد بشهر " لغة الوقائع " فى وجه " لغة النصوص" – وكأن النصوص لا تعنى أفكاراً منعكسة عن الواقع ، تعبر عن القوانين الموضوعية فى مجالات شتى ، وهى تقدم وتعمم خبرات ثورية ، مادمنا نتحدث عن الأفكار الماركسية اللينينية ، ولا جناح عليها ، مهما رفع فى مواجهتها من "وقائع مشوهة " ، مزيفة آحادية الجانب ، ومبتورة عن سياقها التاريخي – نراه يعود إلى لغة ماركس أى نصوصه وأفكاره التى إنعكست عن الواقع الموضوعى ، مزيفا إياها ، محوراً جوهرها صانعا منها "لغته" الخاصة ، وحتى هذه " اللغة " الخاصه كما سبق أن أشرنا قد إقترضها على سبيل العارية فيما يبدو ، من إتجاهات وتيارات فكرية متباينة ، وباسم النقد الآممى ، الرديكالى ، يتخلى الكاتب بحكم "نزوعة الشمولى" الآممى بالطبع ، وباغراقه فى التجريد ، عن مناقشة أيه قضية ذات وزن تتعلق بخصائص الحزب الثوري المرتبطة بشروط عينية تتعلق بواحد من أقطار العالم العربى . على الأقل لنرى التنظيم المجالسى قيد العمل ، ولكن كاتبنا رمى بكل خفة بأحد المبادئ المنهجية للماركسية ، وهو النظر إلى الواقع من خلال منظور الخصوصية والعينية ، وسوف نتابع فيما بعد ثمار ذلك . بيد أن ما ينبغى ملاحظته هو ضروره الربط الوثيق بين آراءه النظريه فى الحقلين السياسي والتنظيمي وبين نتائج هذه الآراء موضوعيا ، أى فى الواقع العملى ، فلا يتعلق الأمر بنواياه الداخلية ، وحرارة لفظيته الثورية ، بل الحاسم هو واقع الأوضاع الراهنة فى المنطقة العربية . وصلتها بمدلول الإختيار التنظيمى الذى يطرحه . فبلادنا تشهد من الناحية الأساسية أنظمة بورجوازية مهما تنوعت ملامحها وخصائصها ، تقمع قمعا ضاربا أبسط الحقوق والحريات الديمقراطية ، وتستشرى فى معاداة الشيوعية ، وتبرز ميولها الأصيلة فى تصفية الحركة الوطنية ، فلابد إذن أن نتمعن ، ونتفحص هذه الأداة التنظيمية المجالسية فى إطار هذه الشروط المحددة ، لا بمعزل عنها . مغزى ذلك هو أن الحاسم فى تحديد طابع الأفكار ، هو ميزان القوى الطبقية ، والشروط التى تحيط بالقوى الثورية الوليدة ، ونوعية الأفكار التى يتم طرحها تتحدد نتائجها بمعزل عن ناقد اللينينية وإرادته الذاتية ، وإنما من خلال دخولها فى شبكة العلاقات الطبقية الموضوعية ، عبر خدمتها لإتجاهات قائمة ، ثورية كانت أم رجعية ، وبصدد آراء مؤلفنا ، فإن الإتجاهات التى يخدمها لا يمكن وصفها بحال بالثورية ، فالراديكالية الكلامية التى يبديها ، قيمتها الوحيدة ، هى خدمه الإتجاهات الطبقية البورجوازية ، لانها تحل مكان التنظيم اللينينى ، الفوضى المجالسية العلنية فى ظل الدول البوليسية ، فى الوقت الذى تتكالب فيه الإمبريالية الأمريكية والأنظمة الحاكمة العربية الرجعية على سحق هذه التنظيمات بالعنف المنظم ، وبكل أنواع التدابير الإستثنائية المعادية جوهريا للحريات الديمقراطية . إن الطابع الفوضوى لهذه المفاهيم ، التى تشكل يوتوبيا ليبرالية مضادة للثوره ، لا يمكن لها أن تحيا ضمن شروط العالم العربى الراهنة ( 5 ) إلا باعتبارها نزعة إنتهازية شرعية متكيفة مع متطلبات الطبقة الحاكمة فى البلد المحدد ، الذى يحدد إطار عملها ونشاطها ويخضعها لإحتياجاتة السياسية ، ربما لإضفاء طابع ديمقراطي زائف مثلا، أو كأداة للصراع مع خصم طبقى آخر . إن هذا المفهوم الفوضوى يتضمن فى بعض جوانبه مظهرا من مظاهر النزعة التصفوية المعادية لوجود حزب سرى ، وهى نزعة ناضل ضدها الثوريون اللينينيون ، لآنها تعنى من الناحية العملية تجريد الطبقة العاملة من سلاحها التنظيمي الفعال والمقاتل ، وحرمانها من فصيلتها المتقدمة فى وعيها الطبقى ، وإذابتها فى خضم الأجنحة والقطاعات المتخلفة من الطبقة العاملة ، وتعريض هيئة أركان حزبها للتصفية التى تقوم بها القوى الرجعية . والفوضوية من زاوية طبيعتها ، وجذورها الطبقية ، هى إتجاه إقتصادي – إجتماعى ، سياسي بورجوازي طبقي . والنزعة المجالسية هى واحدة من ضروب هذه الأيديولوجية المعادية للماركسية ، التى تحاول عبر مؤلفنا أن تتلفع بردائها ، من أجل تمريرها تحت ستار الماركسية . رغم أن بعض جوانب الماركسية ، قد تبلورت فى النضال ضد مختلف التلاوين الفوضوية ! الشتيرينرية ، البرودونية ، الباكونينية ....الخ ، حيث مثلت بعض هذه التلاوين تيارات سياسية فى بعض قطاعات الطبقة العاملة ، فى مراحل طفولتها النضالية ، وقد ناضل حزب لينين فيما بعد ضد كافة الإتجاهات الفوضوية التى حاولت أن تموه نفسها ، باعتبارها بعثاً للمحتوى الثورى للماركسية . ظهور مثل هذه النزعة الفوضوية الإنتهازية ، هو نتاج حتمى ومنطقى فى المجتمع البورجوازي ، كما هو الحال فى عالمنا العربى ، حيث تتزايد نسبة البورجوازية الصغيرة، ووزنها النسبى – وكما يقول لينين فى مسودة مقال الفوضويه والاشتراكيه ، مقدما تعريفا للفوضوية بأنها ..... الفردية البورجوازية فى الاتجاه المضاد ، الفردية كأساس لتلك النظرة الفوضوية للعالم ، كما أنها نتاج لليأس . سيكولوجية المثقف غير المستقر، أو المتشرد ، وليست سيكولوجية البروليتاري – ويترافق هذا مع ضعف الطبقة العاملة وتدنى نضالها الواعى الطبقى ، وهذه البورجوازية الصغيرة تشكل عماد عديد من التنظيمات وتجلب رغم جوانبها الثورية الأيديولوجية البورجوازية ومكوناتها . إذن هى ظاهرة عامة فى المجتمع الرأسمالى ، سواء ظهرت داخل الحزب الشيوعي ، أو ظهرت خارجه على شكل عصبة خاصة . وإن كانت لها أسبابها الخاصة فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة ، حيث تتفاوت قطاعات الطبقة العاملة من زاوية نضجها الطبقى ، وتمثل فى غالب الأحيان إتجاهات غير متبلورة ، رداً على تحريفية الأحزاب الشيوعية ، التى فقدت بعض المجموعات الثورية الثقة فيها وفى قياداتها ، لكنها عجزت عن أن تجد طريقها عبر النضال الطبقى المنظم على أساس الماركسية . على أى حال فإن ناقدنا يجد نفسه فى رفقة واحدة مع أنماط شتى من الاتجاهات ، تترواح ما بين فوضويين ، وفوضويين نقابيين ، وليبراليين ....إلخ . لكن ما هى جذور هذه النزعة ذات الطابع الفوضوى فى العالم العربى ؟ لقد غدت الماركسية موضة من أحدث طراز فى الستينات ، مع إفلاس الأيديولوجيا القومية البعثية الناصرية – وفى حال مؤلفنا صدمته بالتغييرات التى حدثت بعد إنتصار ثورة التحرر الوطنى الجزائري والصراع الذى قام بين بن بيلا وبومدين ، وأدى لتصفية مجالس التسيير الذاتى – وخاصة بعد هزيمة يونيو 1967 . لذا هاجرت إليها عناصر عديدة ممن تنتمى لمثقفى البورجوازية الصغيرة ، وقد حملوا فى كثير من الأحيان لا مجرد بقايا مفاهيمهم البورجوازية بل جوهرها . وتضافرت عوامل عديدة ، لتصنع إنحرافا هنا أو هناك . فقد تم تبين الطبيعة الطبقية للأنظمة التى انتهجت سبل الإشتراكية قومية الطراز ، وكشفت عن جوهرها الإستغلالي ، وأبانت وطأة الإرهاب والإستبداد عاريا – " العسف" فى الجزائر – من ناحية أخرى بروز مراجعة يمينية ، وقد كانت الأشد خطراً ، على الصعيد العالمى ، وقد طبعت بطابعها الأحزاب الشيوعية ، التى تبنت إتجاها ذيليا إزاء الطبقات الحاكمة العربية فى بعض البلدان . وأتخذت هذه الذيلية أشكالا متباينة ، عبر صيغ جبهوية ، أو حتى بحل التنظيم الشيوعي ، والإلتحاق بالتنظيمات السياسية للطبقات السائده ، أى أن هذه الأحزاب الشيوعية المراجعة قد دارت فى إطار المراجعة العالمية ،وتبنت تحليلاتها ، وفقدت إستقلالها الذاتى فى فهم قضايا بلادها ، ومن ثم لم تستطع تقديم حلول لمشاكل العملية الثورية فى هذه البلدان . وقد ولد هذا الإتجاه نقيضه ، أحيانا ، نقيضه الثورى ، وأحيانا أخرى نقيضه المتطرف ، وقد كان ميلاد الاتجاه الثورى الجديد ، ميلاداً عسيراً ، وخاصه لنفوذ التحريفية العالميه وممثليها المحليين ، ولأن الطبقات العاملة العربية قد خفق قلبها أحياناً لآمانى أعدى أعدائها ، مع حداثة إرتباط هذا الإتجاه الثورى بالماركسية ، وتمثله لبعض جوانبها ، وإذا كانت الأحزاب الشيوعية التحريفية تكرس منطق القيادة الفردية ، وتهدر المركزية الديمقراطية ، وبإختصار مقومات التنظيم الحزبى اللينيني ، فقد طابقت بعض هذه الاتجاهات بين هذه الإنحرافات وبين فكر لينين التنظيمي ، وانتقت من رصيد الإتجاهات المعادية للتنظيم اللينيني ، ما شاءت لها ظروفها أن تنتفى . وقد عانى الإتجاه الفوضوى يأساً مزدوجاً ؛ من الطبقات الحاكمة التى بشرت بإشتراكيه قوميه الطراز ، ومن الأحزاب الشيوعية التى إنزلقت إلى المراجعة ، وكفت عن أن تكون نقيضا ثورياً. والأيديولوجيا التى يتبناها العفيف الأخضر هى مثال نموذجى لهذا النوع من المثقفين الآخيرين . فالسمات الأساسية للفوضوية نجدها فى مقولاته من التبشير بسلطة المنتجين – فى الطور الإشتراكي لا الشيوعي - ، والإيمان الصوفي بثوره إشتراكيه عفويه تقوم بها الجماهير ، إلى إنكار دور وأهمية الأحزاب الثورية ، وصولا الى رفض كل مامن شأنه أن يؤدى لوجود قوة حزبية ممركزة ، تناضل ضد الطبقات الحاكمة . إن الجذور الطبقية لهذه النزعة الفوضوية ، كامنة فى تلك الفئات الواسعة من البورجوازية الصغيرة التى تقوم إلى جانب الطبقة العاملة ، خاصة من بعض مثقفيها ، الذين ليسوا أحياناً سوى أنصار – للحركة العمالية لا يستوعبون سوى بعض جوانب الماركسية ، سوى بعض أقسام من المفهوم الجديد ، سوى بعض الشعارات والمطالب ، ويكونون عاجزين عن التخلص بحزم من جميع تقاليد المفاهيم البورجوازية بوجه عام والمفاهيم البورجوازية الديمقراطي بوجه خاص ،،(6) . يمكن القول إذن أن النزعة الفوضوية هى بمثابة رد فعل غير ثوري ، بورجوازي صغير ، على الاتجاهات المراجعة اليمينية ، والإصلاحية السائدة ، كما أنها رفض – على أسس خاطئه – لإنحرافات عن المركزية الديمقراطية ، أو الديمقراطية الإشتراكية ، فى بلد كالإتحاد السوفياتى فى عهد ستالين مثلا . فالموقف الثورى الحقيقى الذى ينطلق من مواقع راديكالية لا ينبغى أن يطابق بين هذه الإنحرافات والمركزية الديمقراطية ،أو الديمقراطية الاشتراكية ، بل يدافع عن الآخيرتين ، ضد التشويهات وضد الإفتراءات ، وايضا ضد الإنحرافات الفعلية التى عانت منها . مؤلفنا لايتخذ الموقف الثورى ، فهو كما يقال " يقذف الطفل مع الحمام خارجا " أي يقذف المجتمع الاشتراكي أو الحزب اللينيني ، بانحرافاتهما الديمقراطيه ، الفعليه أو المفترضه . وهذه المقولات تعرقل عملية فهم مظاهر الإنحرافات ، حيث لا ينبغى البحث عن تحلل الأحزاب الشيوعية التقليدية والإصلاحية وإنحرافاتها فى بنيتها التنظيمية بالدرجة الأولى ، بل فى الشروط الاجتماعية والإقتصادية والسياسية التى تحيط بها . ( ووعيها بها وطريقتها فى حل معضلاتها ) والعنصر المشترك بين كافة الإتجاهات المعادية للتنظيم اللينيني ، هو تباريها فى إستخدام نفس القاموس المشترك : المركزية البيروقراطية ، الإستبدادية ، النخبوية ، اليعقوبية ، الباكونينية ، البلانكية .. إلى آخره . تباريها فى معارضة الحزب البروليتاري بالطبقة البروليتارية ، الوعى بالعفوية ، القيادة والزعماء بالجماهير ، اللجنة المركزية بالقواعد الحزبية ، ورفض التتنظيم الحزبى الممركز . وما تريده هذه الاتجاهات فى مجملها ، وأيا ما كانت تسمية التنظيم الذى يريدونه ، مجالسياً أو غيره ، هو الوصول إلى شكل تنظيمى فيدرالى واسع "يتطابق" مع الطبقه ذاتها ، فهى " حزب نفسها" ، يتكيف مع عفويتها ، ولا يحول دون وجود إتجاهات وتكتلات أيا ما كان طابعها ، فحرية الإنتقاد – انتقاد الماركسيه ذاتها اى مراجعتها – مكفوله ، ومن ثم لا ضير ان كانت هناك نزعات إصلاحية إنتهازية ، فكلها تقف على صعيد " نضال البروليتاريا الطبقى" ، كما ترفض هذه الإتجاهات المركزية فى الحزب لآن نتاجها الحتمى الذى لا فكاك منه ظهور البيروقراطية ، سواء فى الحزب أم فى الدولة ، قبل إنتصار الثورة ، أو بعد إنتصارها . والخطيئة الأصلية إذن تكمن فى الحزب اللينينى وبنيته الداخلية ، ونمط ، قيادته ، الذى يولد البيروقراطية كنتيجة مأساوية لازمة : البيروقراطية كشريحة أو كفئة ، أو كطبقة إجتماعية حاكمة جديدة بعد انتصار الثورة البيروقراطية . فكما تحوى النتيجة السبب ، فإن شكل الحزب يحوى من ناحية الوجود بالقوة " بذور طبقة حاكمة استغلالية جديدة " ، وتقدم ما تسمى بظاهرة الستالينينه دليلا على ذلك . وكما يلجأ البعض أحيانا إلى تفسير إنضباط الألمان كنتاج لإستمرار القنانة لفتره تاريخيه أطول وبالذات فى جنوب ألمانيا ، فإن البعض الآخر يقدم الميراث البربري للقيصريه ، تفسيرا لخرق الديمقراطيه فى ظل النظام الإشتراكي السوفياتى تحت قيادة ستالين الذى لا يمكن ان نعتبرهذا إنجازه الوحيد أو حتى الأساس . إن الواقع التاريخى يكشف عن إفلاس بعض الأحزاب ، وتحولها ، صيروتها ، من أحزاب ثورية إلى أحزاب يمينية إصلاحية ، أو إلى شيع مغلقة تجتر أوهامها الذاتية ، كما تبرهن على المثال الأول الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية فى الأممية الثانية ، وغالب الأحزاب الشيوعية الأوروبية الآن ، هذه الآحزاب التى تعفنت وتحولت إلى جهاز برلماني إنتخابي ، يعتمد شكلا واحداً للنضال ، أى الأسلوب البرلمانى وكما تبرهن على المثال الثانى خبرة التنظيمات التى يشكل قاعدتها جماهير البورجوازيه الصغيره ، وتحيط بها شروط موضوعيه ، تحول دون إلتقاءها بالطبقه العامله ، فتنكفئ على ذاتها فى شيعة مغلقة ، منهمكة فى عمليات من الترتيب الداخلى ، فى إقامة مستويات حزبية ، ومسئوليات نوعية ، وهيئات ولجان ، وتضع أمامها أهدافا كبرى ، تنصب على تحقيق مقومات الإنتاج الكبير ، بمعزل عن وضع الحزب الفعلى وإمكاناته ، ويصبح مضمون نشاطها من الناحيه الأساسية اصدار مراسيم تنظم عملها الداخلى الذى يعانى من إنفصام عن العمل الجماهيري ، وفى إرتباط بحداثة ماركسية مثل هذه التنظيمات تنشأ أمراض منطقية، فتقع فى أوهام ذاتية عن قوتها وتأثيرها ، وتضع مصالحها الضيقه فى موضع الصدارة ، وتتجاهل الترابط الضرورى بين مختلف فصائل الحركة الثورية . وفى مناخ الشيعة المغلقة ، قد يظهر "الفرد العبقرى" الذى يجمع حوله نواة تضيق وتتسع وفقاً لأوهام وميول هذا الفرد وتنشأ مظاهر القيادة الفردية ، التى تتعمق بقدر ما لا تلقى مقاومة ، بقدر ما يغيب الوعى الممثل فى العقل الجماعى ، وتصدر القرارات فى وضع كهذا متأثره بعوامل الصدفة ، والنزعات الذاتية ، لتؤدى لنشوء سياسة ، ومنطق معادى للقواعد التنظيمية اللينينيه ، فتهدر مبادئ القيادة الجماعية ، وتنشأ مظاهر عباده الفرد ، وتتحول العلاقة بين المستويات إلى علاقه أحادية الطرف ، حيث يكتفى بتلقى القرارات الصادرة من أعلى للمستوى الأدنى ، وتنعدم الرقابة الحزبية ، ومن الطبيعي أن تكون هذه الظاهرة إنحرافات بيروقراطية ، والإنحراف قابل دائما للتصويب فى حزب ثورى يتنامي وعيه – فلا يهبط الوعى جاهزا – ولا يمكن تفسير هذه الإنحرافات والإشارة إلى مصدرها الأساسي فى البنيه التنظيميه فقط ، بل خارجها أولاً ، ففى العزلة الجماهيريه (7 ) التى أشرنا إليها فى المثال السابق ، المصدر المولد لشتى الميول المنحرفة على نحو مباشر فقط . فما ينبغى البحث عنه لتفسير إنتهازية الأحزاب الإصلاحية ، أو إنحرافات الشيع المغلقه لا يكمن فى بنية الأحزاب بالدرجه الأولى ... بل فى جذوره العميقة ، أى الإقتصادية – الإجتماعية ، والسياسية الذى ينعكس على بنية هذه الأحزاب ذاتها ، وينبغى فحص مضمون نشاط هذه الاحزاب فى عملها الجماهيرى ، واتجاهاتها السياسية ومواقفها ، فى ظل مجمل الشروط الطبقية التى تحيط بها ، لتحديد الأسباب الحقيقية التى تولد الإنحرافات . ومن الطبيعى ألا يتعلق الأمر بالأحزاب أو المنظمات التى تنتهج خطاً يمنياً بل يسارياً – أيضاً . فهناك رابطة وثيقة بين الإنحراف فى الحقول النظرية والسياسية – والجماهيرية وبين إنعكاسها على قضايا التنظيم الحزبى . فإحدى المنظمات "الشيوعية " المصرية التى تدعى التيار الثورى – على سبيل المثال – تمارس نشاطها على نحو علنى تماماً ، وهى تدين العمل السرى بإعتباره إنحرافاً يسارياً لأنها أولا ترى أن البورجوازية المصرية لم تستنفد بعد دورها التاريخى ، وعلى القوى الثوريه أن تساندها ، كما أنها تؤمن بأن رئيس النظام القائم قد حطم جدار الخوف وأرسى قواعد الديمقراطية ، وما هذا سوى مثال على ترابط موقف سياسي وموقف تنظيمي – ومثال آخر تقدمه منظمة شيوعية مصرية سابقة ، معروفه بإسم وحدة الشيوعيين المصريين ، وقد كان لهذه المنظمة خطها السياسي الثورى الصائب ، فى تحديد طبيعه النظام القائم ، والتحالف الطبقى ، وطبيعة الثورة المقبلة ، لكنها نأت عن الكفاح الجماهيري العلنى حتى فى أبسط أشكاله ، وبالغت فى قوة الأجهزة البوليسية ، بحيث ألغت نظام لجنة الحزب ، بما فيها الخلايا القاعدية ، وإتصلت القيادة بالأفراد عبر خط طولى من خلال قائد مركزى ، وأنصب نشاطها على التحليل الداخلى الشفوى السياسي ، أى أن المنظمة قد دارت حول ذاتها ، ورغم أنها وقفت ضد المراجعه المصريه ، ونزعتها التصفوية فى حل المنظمات الشيوعية ، إلا أنها نفسها بحكم إهدارها لقواعد التنظيم اللينيني الذى وجد أساسه فى منهجها العزلوى ، قد أدى إلى تلاشيها البطئ ، وتحللها ، وذوبانها ، وما هذا إلا نموذج لتصفية من اليسار . نقصد من ذلك أن نبين أنه لا يمكن إغفال الشروط والأوضاع التى تحيط بالحزب ، مواقفه النظرية والسياسية والجماهيرية ، ومدى الجدية فى تطبيقها العملى – فلا يكفى كما يقال تحديد الخط الصائب وحده – فهذه هى العناصر الحاسمة فى تكييف علاقته بالطبقة التى يمثلها ، فى بنيته الداخلية ، ونمط تسييره . وإغفال هذه الأمور يؤدى إلى الوقوع فى نزعة مثاليه ميتافيزيقية ، تريد حزباً نقياً مطهراً من التناقضات والصراع وكأنه يقف خارج المجتمع الذى يعمل فيه ، بتناقضاته وصراعاته ، وإذا كان المجتمع الاشتراكي ينبثق حاملاً جراح المجتمع الرأسمالى القديم ، فلا ينبغى توهم أن الحزب لا تنطبع عليه آثار هذه الجراح . وهذا التصور المثالي يقود إلى وهم أن الإتفاق على التسيير الذاتى للحزب ، ومعارضه تقسيم العمل ، وتمجيد التفاعل الجماعى ، ورفض المركزيه ، وتقنين اللوائح المنظمة لذلك كاف فى حد ذاته لقطع الطريق على البيروقراطية المحتملة . فأفضل اللوائح المقننة يمكن أن تتحول إلى ورقة لايقابلها مضمون فعلى . ونجد أن كل الأحزاب الشيوعية تنص على مبادئ المركزيه الديمقراطيه ، أو على ضرورة المناقشة الداخلية ، أى الصراع الفكرى الداخلى ، أو تؤكد على الإسهام الجماعى فى بناء وتحديد مواقف الحزب ، وهذه المقولات غاية فى الديمقراطية ، مع أنها قد تعانى فى التطبيق من إنحرافات وتجاوزات شتى ، وهنا تلعب البنيه التنظيمية دوراً ثانويا فى ذلك ، فهى تكرس وضعا خارجا عنها ، هى نتاج له ، يتعلق بالشروط الإقتصادية – الإجتماعية والسياسية ، وخاصه علاقة الحزب بالطبقة ومدى تلاحمه مع صراعها الطبقى الذى يقوده . كاتبنا إذن يريد حزبا محنطاً فى أوهام التجريد ، لا حزبا حيا ينتمي لهذا العالم ، حزبا يصطرع بالتناقضات مكيفا للشروط التى تحيط به ، من ثم فإن الرغبة الفعلية فى إدراك جذور الإنحرافات تقتضى تعميق المعرفة من الظواهر التنظيمية إلى جذورها . وادراك العلاقة القائمة على صواب الخط العام ، بين الحزب البروليتاري والطبقة البروليتارية فى وضع تاريخي محدد . أى معرفة مدى تعبيره عن المصالح البروليتارية ، ومدى جذرية مواقفه من الطبقة الحاكمة ، وأخيراً وعى التناقضات التى تنعكس عليه من المجتمع الذى يناضل فيه بالوسائل التى يتيحها الوجود فى هذا المجتمع ذاته ، والتى يستحيل القفز عليها . إن نتاجاً منطقياً ينشأ عن هذه المفاهيم المثالية ، التى ترى فى البنية التنظيمية العامل الحاسم ، فى تحديد طبيعة الحزب وطبيعة الثورة – مضمونها أن النتيجة لا تحوى شيئاً إلا وهو محوى فى السبب " ، وفقاً لهيجل . ويبدو هنا وكأن "إغتراب" الحزب اللينيني يولد البيروقراطيه فى الزمان ، ليعود فى النهايه كالفكره المطلقه ، واعيا ذاته فى الجحيم البيروقراطي ! وإذا حاولنا أن نحدد على نحو أعمق جذور الإنحرافات والخلافات داخل الحركة العمالية وفصائلها الحزبية الثورية على الصعيدين النظري والسياسي ، ولعلاقتهما الوثيقة بطبيعة التنظيم الحزبى ، فيمكننا أن نطرح السؤال التالي : ما هى الجذور الطبقية والسياسية التى قد تولد الإنحرافات فى مظهرها اليمينى واليساري ، ومن ثم تنعكس فى مواقف هذه الأحزاب وعمل ومضمون نشاطها ، ومن ثم تكون شارطه لبنيتها ، وعلاقتها بالطبقه البروليتاريه ؟ فى المجتمع الرأسمالى يوجد دائما جانب الطبقة العاملة ، طبقات إجتماعية ، أو أقسام من طبقات تتحدر بإستمرار – إلى صفوف البروليتاريا ، الفلاحين ، البورجوازية الصغيرة ، وهى تحمل معها مفاهيمها الطبقية الخاصة المستمدة من الأيديولوجية البورجوازية السائدة . من هنا فإن التحريفية تجد جذورها فى النظام الرأسمالى ذاته ، وتبدو كثمرة حتمية ، بحكم شروط هذا النظام الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . وفى مقالة لينين ، الخلافات فى الحركة العمالية الأوروبية ، حلل فيها أسباب الخلافات التاكتيكية ، فى صفوف الطبقة العاملة ، وقد أبرز إتجاهين أساسيين كإنحراف عن الماركسية ، وهما النزعة التحريفية المتمثلة فى الإصلاحية الإنتهازية ، والفوضوية النقابية ، والإشتراكية الفوضوية ، وقد إتخذ ألوانا وأشكالا شتى فى تاريخ الحركة العمالية الجماهيرية . ويشير لينين إلى أنه لا يمكن أن نفسر هذين الإنحرافين ،" لا بالصدفة ، ولا بأخطاء بعض الأشخاص ، أو الجماعات ، ولا حتى بتأثير الخصائص والتقاليد القومية ". ويرى جذورها كافه فى صلب النظام الاقتصادى الرأسمالى . ويحدد لينين أعمق الأسباب التى تولد خلافات دورية بصدد التاكتيك ، وأولها هو واقع نمو الحركة العمالية ، لأن " إشتراك فئات جديدة من الجماهير الكادحة ، لابد أن تصحبه حتما ترددات فى ميدان النظرية والتاكتيك ، تكرار للأخطاء السابقة ، وعودة مؤقتة إلى المفاهيم والأساليب البائدة " وثانيها يكمن فى تفاوت النمو الرأسمالي بين البلدان المختلفة ، بل وبين الفروع الإنتاجيه فى البلد الواحد ، وعدم تطور الإنتاج الكبير حتى حدوده القصوى يحول دون أن تستوعب الطبقه العاملة ومفكريها الماركسية على نحو أعمق وأكمل وأسرع ، فالعلاقات الإقتصادية المتأخرة أو التى تتآخر فى تطورها تحمل أبدا على ظهور أنصار للحركة العمالية لا يستوعبون سوى بعض جوانب الماركسية ، سوى بعض أقسام من المفهوم الجديد ، سوى بعض الشعارات والمطالب ، ويكونون عاجزين عن التخلص بحزم من جميع تقاليد المفاهيم البورجوازية بوجه عام ، والمفاهيم البورجوازية الديمقراطية بوجه خاص" . أما السبب الثالث للخلافات فهو "الطابع الديالكتيكى للتطور الإجتماعي الذى يجرى فى غمرة من التناقضات وعن طريق التناقضات "، والسبب الرابع ، هو "التغيرات التاكتيكية التى تلجأ إليها الطبقات الحاكمة بوجه عام ، والبورجوازية بوجه خاص . فلو ان تاكتيك البورجوازية كان دائما وحيد الشكل ، أو كان دائما على الأقل من النوع نفسه ، لتعلمت الطبقة العامله بسرعه أن ترد عليه بتاكتيك وحيد الشكل أيضا ، أو من النوع نفسه . إلا أن بورجوازية جميع الأقطار تصوغ حتماً ، فى الواقع ، نهجين للحكم ، أسلوبين للنضال ، دفاعا عن مصالحها وذودا عن سيطرتها ، - مع العلم أن هذين الأسلوبين يتعاقبان تارة ، وطورا يتعاقدان بمختلف التنسيقات . الأسلوب الأول هو أسلوب العنف ، أسلوب رفض كل تنازل للحركه العماليه ، ودعم جميع المؤسسات القديمة البائدة والتشدد فى إنكار الإصلاحات ... أما الأسلوب الثانى فهو اسلوب "الليبرالية " والتدابير المتخذة بإتجاه توسيع الحقوق السياسية ، بإتجاه الإصلاحات ، والتنازلات ، إلخ.... إن الشروط السابقة هى التى تمثل ينابيع الإنحرافات داخل الحركة العمالية وأحزابها الثورية ، ومن ثم تنعكس على قضايا التنظيم الحزبى ، فإختلال علاقات الحزب بالطبقة ، هو أمر وارد – وقابل للتجاوز فى سياق تطوير العملية الثورية ، والموقف النقدى من الوعى الزائف – وقد وجدت أوضاع تاريخية ، إختلت فيها علاقة الحزب بالطبقة ، فى أحوال معينة . فهل يمكن القول ، بأن بعض الآحزاب الشيوعية المراجعة – وقد تكون أحزابا جماهيرية – تمثل الطبقة العاملة فعلاً ؟ على أى حال يكمن إذن المنطق الخاطئ فى تصور أن مظاهر المراجعة التى تمثلها سياسه هذه الأحزاب هى نتاج للبنية التنظيمية ، بينما الأخيرة لا تخلق محتوى ومضمون نشاط الحزب ، بل تتخلق حوله ، مع وجود الرابطة الجدلية التى تقوم على تبادل التأثير بينهما . وإختلال العلاقة بين الحزب والطبقة ، قد ينشأ حين ينتهج الحزب سياسية خاطئة لا تعتمد على ثقه الجماهيريه به ، وعلى صلاته الفعلية الدائمة بها ، أو إذا كان خطه السياسي لا يعبر عن طبيعة المرحلة الثورية ومتطلباتها التاكتيكية والإستراتيجية ، بل ويمكن أن تختل هذه العلاقة ، إذا كان خط الحزب صائباً ، لكن الطبقة العاملة وأوعى عناصرها لم تتهيأ بعد لتقبلها . فإستخدام الإجبار والقسر بديلا عن الاقناع الدائب والصبور من قبل الحزب ، قد يؤدى إلى فجوة بين الحزب البروليتاري والطبقه البروليتارية . إن ناقد اللينينية ، العفيف الأخضر ، إذ يحوم حول الحزب بوجه عام ... وحول الطبقة البروليتارية بوجه عام ، مفترضاً علاقات نموذجية " هندسية " تحكم صلتهما المتبادلة ، يقع فى النزعة التصورية . فهو إذ ينطلق من مقولات معينة ، ويصب الواقع الفعلى داخلها ، يبتعد عن تحليل الأحزاب الحقيقية التى تقوم بدور سياسي محاطة بشروط تاريخية محددة ، ينبغى الإنطلاق منها ، وذلك لإدراك أوضاع هذه الأحزاب ذاتها وتطويرها ، وتجاوز نواقصها ، وإن إشتقاق نزعات بيروقراطية ، أو إستبدادية حتميه ما ، والانطلاق فى التعميم ، دون تحليل أوضاع فعلية ، يوقع هذا المنهج فى تصورات ميتافيزيقية ، قدرية . كما لو أن الإنحرافات " غرائز" كامنة فى طبيعة التنظيمات الحزبية اللينينية ذاتها ، نابعة من مقوماتها التنظيمية والاشكال التى تتخذها ، وهكذا ، فإن البعض ومنهم كاتبنا ينظر إلى بعض مظاهر خرق الديمقراطية فى ظل قياده ستالين ، لا بالإستناد الى فهم هذه الفتره وخصوصيتها – من وجود حصار رأسمالي خارجى ، ومحاولات التخريب الإمبريالية ، ووجود التكتلات المعادية للمصالح الأساسية للطبقة العاملة ، وترافق ذلك مع تخلف إقتصادي مريع ، بما يقتضى من إعتماد على الطاقات الذاتية الداخلية ، بعد أن أخلت الثوره الألمانيه والأوروبيه بوعدها والإنجازات التى حققها ستالين فى بناء المجتمع الإشتراكي وفى هزيمه الفاشية والتقاء هذه الانتصارات التى قرنت باسمه بخصائص شخصية ... وهكذا فإن مؤلفنا يلقى بالشروط التاريخيه الفعليه جانباً ، وينظر إلى خرق الديمقراطيه كثمره لازمه للمفاهيم اللينينيه حول التنظيم الممركز ، ذو المستويات المراتبيه ، والمولد للنزعه البيروقراطيه ....إلخ . ( يتبع )
(2 ) هل الطبقة من أجل الحزب أم الحزب لأجل الطبقة ؟ على هذا السؤال ، رد لينين فى أحد مقالاته ساخرا من بعض الكتاب البورجوازيين ، الذين حاولوا أن يعارضوا الطبقة البروليتارية بحزبها البروليتاري قائلا : فلنجب على هذا السؤال الحكيم بآخر موجه إلى الكتاب البورجوازيين : "الرأس من أجل المعدة ، أم أن المعدة من أجل الرأس ؟". أما مؤلفنا العفيف الأخضر ، فيعيد الصيغة من ناحية الشكل محافظاً على مضونها الأساسى فيقول : هل الحزب بديل الطبقة ؟ إذا ما كنا نريد وفقاً لآرائه فى المجتمع الإشتراكي ، تسييراً ذاتياً شاملاً ، وسيطرة كلية للمنتجين المباشرين ، وحكما ذاتيا مباشرا من جانبهم ، أى مؤكدين على نشاط البروليتاريا التحررى الذاتى . وفى الواقع فإن طرح القضية على هذا النحو فيما يتعلق بالصلات بين الحزب والطبقة ، يكشف عن وجود مفهوم معين لدى الكاتب عن الحزب ،وأوهاماً تأليهية عن الطبقة البروليتارية ، وتنسحب من ثم تصوراته عن طبيعة علاقاتهما المتبادلة . فما هى المبررات النظرية لدى ناقدنا التى ساقته إلى تبنى هذا الموقف . إنه يزعم أن مبرراته النظرية تستند على مفاهيم مؤسسى الماركسية ، ونظريتهما عن الحزب الثورى ، والطبقة البروليتارية ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر على الخبرة التاريخية السلبية – من وجهه نظره – التى قدمها الحزب البلشفى فى الإتحاد السوفياتى . ويمكن القول بأنه يفهم آراء مؤسسى الماركسية بطريقته الخاصة تصل إلى حد تزويرها كما أنه يحاكم خبرة البلاشفه بمفاهيم مجرده ولا يخلو الأمر من تزييف هذه الخبرة أيضاً . ومجمل آرائه تتقوم فى أن المفاهيم التنظيمية الماركسيه تدور حول مقولة أساسية ، هى أن " الطبقة العاملة حزب نفسها " لآن البيان الشيوعي يقول إن تحرر الطبقة العاملة يجب أن يكون من صنع الطبقة العاملة ذاتها ، كما أنه يضيف أيضا : " لآن تحرر الطبقة العاملة مهمة فوق وسائل حزب أو تنظيم مهما كان ". والشيوعيون لابد أن يسترشدوا بما جاء فى البيان ، من أنهم لا يشكلون حزباً متميزاً فى مواجهة الأحزاب العمالية الأخرى " لأن للطبقة العاملة أحزاب لا حزب واحد . والحزب الواحد تقليد توتاليتاري ستالينى وليس أبداً ماركسيا ". ويواصل كاتبنا نقده : " إن لينين قد تخلى بفظاظة عن تصور ماركس لجوهر ووظيفة البروليتاريا : فى تصور ماركس الأساسى البروليتاريا – هى نفسها صانعه تحررها الذاتى ، وهى كطبقة غير قابلة للإستبدال لا بطبقة أخرى ( الفلاحين مثلا ) ولا بحزب مهما كان . أما لينين فإنه إستبدل البروليتاريا ، كذات ثورية صانعة وحدها لتاريخ الإنسانية المقبل ، بالحزب المركزى الذى يحمل إليها ، كهدية ، وعيها وتحررها من خارجها " ويواصل مؤلفنا " إستبدال البروليتاريا بالحزب ليس مروقا على الماركسية وحسب ، بل هو ردة للوراء ، ردة للمفهوم البورجوازى للديمقراطية ، للإستبدال البورجوازي : إستبدال الشعب بممثليه ، بالبرلمان . وهو المبدأ المضاد للثورة الديمقراطية على الطراز الإغريقى : حكم الشعب لنفسه بنفسه ." ( 8 ) على نفس القاعدة وإنطلاقاً من نفس المبدأ يقوم الحزب البيروقراطي على أكذوبة أن الطبقة العاملة فوضت إليه سلطتها ليعد لها استراتجيتها بالنيابة عنها يقرر كيفية ووقت تحقيق الدكتاتورية عليها فى الوقت المناسب ! أما البروليتاريا كطبقه مبادرة ، كذات صانعة للثورة ، كفعل مستقل ، كسلطة لا تعلو عليها سلطة فليس لها وجود " ، وأخيراً ، "عند ماركس الحزب الشيوعى لا يمثل الطبقة العاملة التى هى حزب نفسها . إنه فقط التعبير المتماسك لنظريتها وممارستها التاريخية ولا شئ غير ذلك . إنه صورة مصغرة للشكل الممكن للمجتمع الثورى المقبل . ولهذا فهو بتميزه عن كل ما هو موجود من أشكال تنظيم الوعى المستلب وبعدائه المبدئى الصريح لكل ما هو قائم من الأشكال الحية لتنظيم الحياة الإجتماعية – هو الشكل المضاد للمجتمع القائم " . لقد اردنا بهذه الإقتباسات المطولة أن نقدم أفكار كاتبنا فى نصوصها الأصلية ، بجمع شتاتها ، حتى نشرع فى مناقشة مفاهيم ماركس عن الحزب الثورى من خلال المنظور المشوش لمؤلفنا . وما ينبغى أن ندركه قبل أى شئ ، هو وجوب تعرية أسلوب الهجوم على الماركسيه من خلال الهجوم على لينين وستالين بعد أن تنسب إليهما أفكارها الأساسيه ، ومثال أولى على ذلك – لأننا سنناقشها فى مواضعها – هو، حزب الطبقه العامله ، فهناك نصوص لا نهايه لها ، ليس لدى لينين فحسب بل أيضا لدى ماركس وإنجلز – وليس ستالين الوحيد الذى يتكلم عنه - ، أما وجود أحزاب عماليه غير شيوعيه فهذا ما لا ينكره احد ، ولكن ما ينكرونه جميعا هو أن الأحزاب العماليه غير الشيوعيه يمكنها ان تقود إلى الثوره الإشتراكيه وإلى الشيوعيه . ولآن مؤلفنا قد فهم دروس وإنحرافات وحتى مآسى بعض التجارب الإشتراكيه بالمقلوب ( أى بطريقه فوضويه) فقد إنتهى إلى أن هذه الإنحرافات والمآسى قد تولدت بصوره محتومه من الصفات والمضامين البيروقراطية المركزية – غير الديمقراطية – لدى الأحزاب الشيوعية فى هذه التجارب ، وهو يحاول البرهنة على أن مثل هذه الأحزاب المركزية لا تأتى منها سوى " الأضرار" والبديل ، إذن ، هو العمل المباشر للطبقة العاملة . ومن كل الخليط الذى قدمناه ، بإقتباس أفكاره فى نصوصها الأصلية ، يبدو ، وكأن حزب الطبقة العاملة السياسي ، إختراع شيطانى من جانب بعض المثقفين ، يهدفون به إلى السيطرة على الطبقة ذاتها لا لتحريرها ، بل لتحقيق أهدافهم الخاصة فى إنجاز آخر لثورات البورجوازية ، أى "الثورة البيروقراطية " ، مهما كان التركيب الإجتماعي للحزب عماليا ، أو خطه السياسي معبراً عن مصالح الطبقة العاملة ، ومادام أولا وأخيراً حزبا لينينيا . وقد فات كاتبنا التناقض الذى أوقع نفسه فيه ، من الناحيه المنطقية ، فإذا كانت الطبقة العاملة هى حزب نفسها ، ومن جهة أخرى يمكنها أن تصل إلى الوعى الإشتراكي بذاتها ، أى من داخلها ( 9 ) ، لامن خارجها ، أى من خارج دائرة النضال الإقتصادى ، ومن خارجها كطبقة عاملة عبر المثقفين الثوريين ، فما هى إذن ضروره الحزب نفسه ممثلا بالتنظيم المجالسي ، وما ضروره تدبيج المقالات عنه التى تحمل وعياً من " الخارج " أيضاً ؟ لقد كان التماسك المنطقى يتطلب من مؤلفنا أن يطرح صيغه تنظيمه المجالسى جانبا ، مادامت الطبقة العاملة تستطيع أن تمتلك وعيها برسالتها التاريخية ، وتضع بنفسها إستراتيجيتها وتاكتيكها ، وأن تقوم بما تتطلبه الأوضاع من ردود ثورية ، فلن تكون لها حاجة بالطبع للوصفة المجالسية التى ستكون زائدة لاضرورة لها ، فما هى حاجة الطبقة العاملة اليها والتى يمكنها ان تحدد وتحقق ما تتفتق عنه طاقاتها المبدعة ؟ . وفى الواقع فإن التأليه اللفظى الثورى للطبقة العاملة ، والتعتيم على أوضاعها الفعلية ، التى لن تكون دلالتها الطبقية – مهما أوحت بوجود طبقة عاملة ، نقية ، مطهرة من آثام المثقفين الثوريين ( اليعاقبة ، البلانكيين ، البيروقراطيين) – سوى إخضاع الطبقة العاملة للأيديولوجية البورجوازية وسياساتها ، وكذا تنظيمها البورجوازى . أى إفقاد البروليتاريا إستقلالها وإنتظامها فى حزب طبقى ، وتحويلها إلى ذيل لا بأس ان إقتفى أثر العفوية المجالسية وبالمناسبة ، فإن منطق كاتبنا يماثل أحد الأساليب التقليديه التى يلجأ اليها بعض الليبراليين ، من أجل فصم عرى الصلات بين الجماهير الثورية ، وطليعتها الواعية طبقياً . ولا يقل عن التناقض المنطقى السابق الذى أشرنا إليه ، تناقض آخر يظهر ، حين يقول أن ماركس وإنجلز كان يقصدان بالحزب البروليتاري الطبقة العاملة برمتها ، بينما يقول فى ذات الوقت أنهما يتحدثان عن أحزاب البروليتاريا ، وليس عن حزبها – فهذا الآخير بدعة ستالينية – والسؤال البديهى بالطبع هو كيف تكون البروليتاريا حزبا واحداً وأحزاباً فى نفس الوقت ؟! وهو يقتبس من البيان الشيوعى مقولة أن " تنظم البروليتاريا نفسها فى حزب سياسي " ويقول ان المقصود هو البروليتاريا برمتها وقد تنظمت . بينما من الواضح أن تنظيم البروليتاريا لنفسها فى حزب – عباره مثل تنظيمها لنفسها فى أمة ففى الحالة الأخيرة ، لا تقضى البروليتاريا على بقية طبقات الأمة ، بل المقصود أنها هى التى أصبحت تمثل الأمة . ولذا فإنه رأى خاطئ ، القول بأن ماركس كان يوحد بين الحزب والطبقة كلها ، أو أنه قصد أن يتطابق الحزب السياسي للبروليتاريا مع الطبقة . فقد أشار على سبيل المثال إلى كومونه باريس على أنها إنجاز "لحزبنا" ،رغم أن قادتها الأساسيين لم يكونوا ماركسيين ، بل فوضويين بلانكيين ، وبرودونيين، ويعلق فرانز مهرنج على ذلك قائلا إنه " كان محقا فى ذلك بمعنى عام هو أن الطبقه العاملة الباريسية كانت تشكل العمود الفقرى للعامية ، وبمعنى خاص هو أن الأعضاء الباريسيين فى الأممية كانوا أشجع وأقدر المقاتلين من أجل العامية ( 10 ) " كما أن ماركس قد تحدث عن الحزب بمعنى إتجاه نظرى ، أو بمعنى تاريخى ، وفى إحدى رسائله إلى الشاعر فريليجارث كتب يقول أنه حين يتحدث عن الحزب فإنما يتحدث وهو لا يعنى " منظمة ماتت منذ ثمانى سنوات ولا هيئة تحرير تبعثرت قبل إثني عشر عاما ، عندما أشير إلى الحزب ، فإننى أفعل ذلك بمعنى تاريخى " ( 11 ) . ونرصد هنا تشابها واضحاً بين آراء مؤلفنا ، وآراء بعض علماء الإجتماع البورجوازيين ، الذين يعتقدون أن مفهوم لينين عن حزب سياسي للطبقه العامله بمثابه فكرة إرادية ، والبعض الآخر ممن رأى تناقضا بهذا الصدد بين الماركسية ، واللينينية ، حيث اللينينية حزبية ، أما الماركسية فلا . لقد دعا ماركس – بالتأكيد – إلى ( تنظيم مستقل سرى وعلنى لحزب العمال ) . ولكن الحزب لم يتحول بالنسبه له الى شغل شاغل ، وقد قلب لينين نظرية ماركس فى الثورة إلى نظرية فى الثوره على النحو الذى يخططه نوع معين من الحزب " (12 ) . لقد أردنا مما سبق أن نبرز التشوش من خلال مسألة جزئية فقط ، وكيف يؤدى التشوش إلى الخلط والتناقض . والآن ، بأى معنى يمكن أن نفهم مقولة البيان الشيوعي حول أن تحرر البروليتاريا يجب أن يكون من صنعها ذاتها ، وهل هى" ذات الثورة أم موضوعهاً " ؟ لقد طرحت هذه المقولة فى البيان 1848 ، ووردت قبلها من جانب ماركس وإنجلز – وقد مثلت رداً على شتى الأشكال والإتجاهات الحلقية التى إنتمت لفترة طفولة الحركة العمالية ، وقد كانت تجد مبررها التاريخى فى هذه الطفوله ذاتها ، ولكن ما أن إستمرت بعد ذلك ، فإن دورها التقدمي السابق الذى كان نقاط إرتكاز وروافع للحركة العمالية ، حتى عادت قوة رجعية تحول دون إنطلاق الحركة العمالية وتراصها فى حركة طبقية شاملة واحدة . لقد كان المطلوب آنذاك ، هو دمج شتى فصائل الطبقة فى جيش بروليتاري واحد ، ومثلت تلك الإتجاهات عقبات فى سبيل تحقيق ذلك . لقد كانت هذه المقولة خطوة إلى الأمام فى مواجهة كافة الشيع والحلقات المعزولة طبقيا ، أو التآمرية ذات الأحلام الطوباوية ، والتى فقدت جذورها داخل الحركة الفعلية التى تنامت فى صفوف الطبقة العاملة . لأنها طمحت من خلال أوهامها الطوباوية ، لان تحقق مهمة التحرر الطبقى لا بالاستناد على الطبقة العاملة ذاتها ، بل بالاستناد إلى قواها الذاتية الخاصة . لقد كانت هذه المقولة شعار الإتجاه الماركسي ، ضد كافة الإتجاهات التى ترفض الصراع الطبقى الجماهيري على أساس الانقلابات التآمرية ، أو على أساس البحث عن حلول لا تتناقض مع أسس النظام الرأسمالي القائم ، أو التبشير بالإمتناع عن العمل السياسي ... نقول لقد كان هذا الشعار إنتصاراً أوليا على الأشكال التنظيمية الحلقية التى رفضت الصراع الطبقى ( على سبيل المثال مازينى وجمعيه الكاربوناري ) ، وعلى الإصلاحية البرودونية التى تقف مطالبها عند حدود النظام الإجتماعي ولاتطال أساسه ، وتتبنى مفاهيما إقتصادية بورجوازية صغيرة ، كما أنها تكرس العفوية . والمحتوى الأساسى لهذا الشعار الماركسي إذن ، هو أن تحرر الطبقة العاملة ، لن يأتى من خارجها ، أى من جانب طوباويين يضعون مواصفات مثالية للمجتمع الإشتراكي يحققها " رجال الخير" من البورجوازيين ، أو من المتآمرين باسم ولحساب الطبقة العاملة . أى بعدم الاستناد على الطبقة القادرة على إنجاز تحررها وتحرر المجتمع بكامله ، بحكم مكانتها كطبقة مجردة من الملكية عدا قوة عملها ، والتى تخضع لأفدح إستغلال ، والتى ينهض على أكتافها النظام الرأسمالي ، لقد كان شعار تحرر البروليتاريا ذاتيا ، يوجه نصله النقدى فى إتجاهين خطرين ، أولهما اللجوء إلى إقناع الطبقات الحاكمه ذاتها بمثاليه المجتمع "العادل والانسانى " الذى يجرى التبشير به ، وثانيهما توهم إمكانية أن يتم هذا التحرر من جانب شيع معزولة عن الحركة الفعلية الجارية للطبقة العاملة ذاتها ، بيد أن هذا التحرر ذاته غير ممكن التحقيق ، إلا إذا تحولت الطبقة العاملة إلى طبقه مناضلة ، واعية لأهدافها ورسالتها التاريخية . إن تحرر الطبقة العاملة هو من صنعها ذاتها ، ولكن من ناحية آخرى هل يعنى ذلك نوعاً من جبرية (13 ) - إجتماعية وتاريخية – ما – تقوم إرتكازاً على موضعها فى عملية الإنتاج الإجتماعى ، بمعنى آخر هل التحرر حتمى ، حتى لو كانت الطبقة العاملة طبقة بالمعنى الإقتصادى فقط – من الناحية الأساسية – آى طبقة فى ذاتها ولم تتحول بعد إلى طبقة لذاتها ، تعى رسالتها التاريخية ، ودورها كحفارة لقبر المجتمع الرأسمالي وبانية المجتمع الشيوعي ؟ إذا كنا قد أشرنا إلى العناصر الكفيلة بتحديد البروليتاريا كطبقة إجتماعية والتى يتعين الأساسى منها فى عدم ملكيتها لآيه وسائل إنتاج ، وخضوعها لعبودية العمل المأجور ، فهناك ذلك العنصر الذاتى ، الذى يتقوم فى إداركها لدورها فى المجتمع الرأسمالي ، وضروة نضالها فى إتجاه الإطاحة الثورية بمجمل النظام الاستغلالى الطبقى ، وإقامة المجتمع الشيوعي . إن هذا الإداراك الواعى هو الذى يحولها من طبقة فى ذاتها بالمعنى الإقتصادى إلى طبقه لذاتها تعى مهامها . والمادية التاريخية ، معادية لآى نزعة جبرية فى مجال قوانين التطور الاجتماعي ، لآن هذه القوانين الأخيره تتميز عن القوانين الطبيعية فى أنها تتطلب تدخل البشر ، أى إسهامهم فى مجرى العمليات الثورية التى يستحيل بدونها ، حدوث التغيرات الثورية ، ولدى مؤلفنا نوع متميز من الجبرية الاجتماعية ، فإذا كانت الإشتراكية ضرورة لا تتحقق على نحو آلى كنتاج لتطور القوى الإنتاجية ، ودون تدخل إراده طبقة ما ، فإنها يمكن أن تتحقق من وجهة نظره بالطبقة العاملة ذاتها بمجملها ، دون حزبها الذى يمثل الفصيلة الطليعية منها ، دون مثقفيها الثوريين الواعين . رغم أن الأفكار السائدة فى عصر ما هى أفكار الطبقة السائدة ، وهذه الأفكار التى تمثل التعبير الأشمل عن مصالح الطبقات الحاكمة لا يمكن أن تكون هى ذاتها أداة وعى الطبقة العاملة بمصالحها الأساسية ، بل أن دورها هو تزييف هذا الوعى . لقد أولى ماركس وإنجلز أهمية شديدة للنضال الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي ، حتى تتحول البروليتاريا بمقتضى هذا النضال إلى ذات التاريخ بعد أن كانت موضوعه – فلا يمكن أن يكون هناك حزب ثوري قوى ، إذا كانت هناك طبقة عاملة متدنية الوعى بمصالحها ومهامها ، وفى صراعها الطبقى – ولذلك خاضت الماركسية نضالا حاداً ضد شتى الأفكار الطبقية السائدة ، التى تغلغلت كتيارات فكريه داخل فصائل الحركة العمالية ، ضد الأيديولوجية البورجوازية التى تتنفسها الطبقة العاملة فى المجتمع الرأسمالي ... ولم يكن ماركس يعتقد بأن وعى الطبقة العاملة لرسالتها يتأتى من خوضها للنضال الإقتصادى ، وإنما كان حاسما فى أفكاره النظرية والسياسية وفى نشاطه العملى ، فى تأكيد أنها لا يمكن أن تتوصل إلى هذا الإدراك إلا من خلال الصراع الطبقى بأشكاله الثلاثة النظري والسياسي والتنظيمي . لقد حدد ماركس على صعيد الإدراك النظرى المهمة الأساسية للبروليتاريا ورسالتها التاريخية ، إستناداً الى المعايير الموضوعية والقوانين التى يجرى وفقها التطور الاجتماعى , وفى كتابهما العائلة المقدسة ، كتب مؤسسا الاشتراكية العلمية : " مادام الإنسان قد فقد نفسه فى البروليتاريا ، ولكنه فى الوقت نفسه لم يحصل على الوعى النظرى لذلك الضياع فقط . بل من خلال العوز الملح الفادح المطلق – وهو التعبير العملى عن الضروة – نجده مندفعاً مباشراً للثورة ضد هذه اللاإنسانية . وينتج عن ذلك أن البروليتاريا لا تستطيع أن تحرر نفسها دون القضاء على شروط حياتها الخاصة . دون القضاء على كل الشروط غير الإنسانية لحياة المجتمع المعاصر التى يلخصها وضع البروليتاريا تلخيصاً مكثفاً . وليس عبثاً أن تختار البروليتاريا مدرسة العمل القاسية ولكنها مدرسة عمل تزيدها قوة. والمسألة ليست مسألة ماذا يتبنى هذا البروليتاري أو ذاك ، أو كل البروليتاريا من أهداف مؤقتة . ولكن المسألة هى : مم تتكون البروليتاريا ؟ وما الذى نتيجة هذا التكوين تضطر أن تفعله . إن هدفها وعملها التاريخي يظهران بشكل حتمى وواضح فى وضع حياتها الخاصة كما يظهران فى كل تنظيم المجتمع البورجوازى المعاصر . ولا حاجه أن تقف هنا عند واقع أن قطاعا كبيراً من البروليتاريا الإنجليزيه والفرنسيه قد وعى مهمته التاريخية . ويعمل بإستمرار على تطور ذلك الوعى إلى وضوح تام ". (14 ) إن مؤسسى الإشتراكية العلمية إذن لا يخلطان بين النضال الطبقى الواعى لأهدافه ، وبين التناحر الطبقى ، وهما يشددان على أهمية الوعى النظرى بالضياع – أى يجب كما قال ماركس فى مكان آخر أن نضيف إلى الإضطهاد ذاته وعى الاضطهاد – الذى يتضافر مع الوضع الإقتصادي اللإانساني فنجد إندفاعا باتجاه الثوره . إن ما يدفع الطبقة العاملة إلى النضال الواعى ، ضد النظام الإستغلالى الرأسمالي ، ليست ضرورة خارجية ، ليست قانونا طبيعيا يفعل فعله بمعزل عن أى إدراك ، وإنما وعى الذات ، أى إدراك مهامها الفعلية . فالمسألة "ليست مسألة ماذا يتبنى هذا البرليتارى أو ذاك أو كل البروليتاريا – من أهداف مؤقتة . ولكن المسألة هى : مم تتكون البروليتاريا ؟ وما الذى نتيجة هذا التكوين تضطر أن تفعله ". ( ن . م ) ياله إذن من "إستبدالى" (15 ) وبيروقراطي" ماركس هذا ، لأنه يغض الطرف عما يحدده هذا البروليتاري أو ذاك ، بل وحتى البروليتاريا قاطبة لنفسها كهدف مرحلى ، ويقرر بأن المسألة تكمن فى معرفه كينونة البروليتاريا ، وما ينبغى عليها تاريخيا أن تفعله بالإنسجام مع كينونتها ، فلم يكن ماركس مولعا بتأليه الطبقه الثوريه ، لم يرها كشئ مقدس نقى مطهر ، كأيقونه فى جدار كنيسه ، فلم ينظر إليها من واقع الأوهام المثاليه، وكان يدرك بخبرته النظريه والعمليه أن " الطبقه العامله إما ثوريه وإما لا شئ " ، على حد تعبيره فى إحدى رسائله التى كتبها إلى شفايتزر – فى 13 فبراير 1865 ، وأنها يمكن أن تحدد لذاتها أهدافا مرحلية قد لا تنسجم مع وضعها ورسالتها التاريخية ، وأنها تتعرض لتأثير أنواع شتى من النظريات والسياسات المعادية لمصالحها ، فقد تمارس التعاون الطبقى ، أو تقبل الخضوع فى إذعان للنظام القائم ...إلخ فلا سبيل إذن للإنتقال من الطبقة فى ذاتها الى الطبقة لذاتها الا عبر الوعى الطبقى الذى يمثل الشرط الجوهرى للوصول الى التحرر . والمسألة هى أن يدرك المناضلون الشيوعيون النظريون والسياسيون ، طبيعه وجودها ومكانتها ، نعنى البروليتاريا وما ينبغى عليها أن تفعله إستناداً الى ذلك ، وأن يندمجوا فى حركاتها الفعلية الجارية ويطورونها ، وأن يشكلوا حزبا من عناصر الطبقة الطليعية يتوحد فيه الجميع بإعتبارهم ثوريين شيوعيين ، وهذا الحزب يمثل إذن أنضج وأكمل تعبير عن الوعى السياسي والنظرى التنظيمي ، الذى يلعب دوره فى إرشاد الطبقة العاملة إلى ما ينسجم مع كينونتها ، وعبر خوضها صراعاتها الطبقية . فمن يريد الثورة ، فلابد أن يريد ما يؤدى إليها من وسائل ، أى بالقيام بـ " العمل السياسي الذى يعد لها ، والذى يقوم بتربية العمال فى الثورة وبدونه سيخدع العمال دائما فى نفس اليوم التالي للنضال " – هكذا كتب إنجلز ، فى مقاله حول العمل السياسي للطبقة العاملة ، فى مواجهة كافة الإتجاهات التى كانت تقلل من أهمية التربية السياسية للطبقة العاملة ، وتحاول أن تنأى بها عن النضال السياسي مرتكزة على عفويتها الخالصة . لقد كان مؤسسى الماركسية يريان الطبقات الحاكمة الرجعية وهى تسحق كل محاولات التحرر التى تقوم بها الطبقة العاملة محافظة على سلطتها بالعنف من خلال دكتاتورية لا يحدها قانون ، ساعية إلى تأبيد سيطرتها الطبقية ، ولم يكن خلع سلطة هذه الطبقات من وجهة نظرهما يمكن أن تتأتى الإ من خلال تشكيل حزب سياسي للطبقة العاملة ، قادر على الدفاع عن نفسه ، مستقل ومتميز عن كافه الأحزاب البورجوازيه والبورجوازيه الصغيره لأن " هذا التشكيل للطبقه العامله فى حزب سياسي لا يمكن الإستغناء عنه لضمان إنتصار الثوره الإشتراكيه وهدفها النهائى – إلغاء الطبقات " ( قرارات كونفرانس مندوبى إتحاد العمال الدولى سبتمر 1871 – ماركس انجلز ) . إن كاتبنا يغفل الدلالة التاريخية للأفكار ويطمس خصوصيتها من زاوية الشروط التى أحاطت بها ، فمن ناحية يخلط بين موقف ماركس من الإتجاهات والشيع الحلقية المعزولة طبقياً التى كانت تهدف إلى تحرير الطبقة العاملة ، إما بخطب مثالية عن المجتمع النموذجى ، أو بالتآمر ، الرافضة لأن ترتبط بحركة الطبقة العاملة الجماهيرية ، وبين الأحزاب الشيوعية التى ترتبط إرتباطا وثيقا بالطبقة العاملة ، ويشكل هيكلها ونواتها القياديه أوعى عناصرها ، وهى لا تهدف إلى تحرير الطبقة العاملة لا بخطب مثالية ، ولا عن طريق التآمر . هو يقلل من أهميه الدور التاريخى للتنظيم المناضل للبروليتاريا ، ويخلط بين الماركسية والبردونية ... فقد كانت الأخيرة تؤمن بأن الطبقه العاملة قادرة على إدراك وإنجاز مهامها التاريخية ، عبر " تثوير نفسها بنفسها " بل إن بعض الصياغات الراهنة التى يدعى حداثتها ، تعود أصولها إلى برودون فقد كان على توافق معه فى بعض مقولاته ، حيث كان برودون يرى أن الإشتراكيه قد سقطت نهائياً فى وهم اليعقوبيه ، لذا صاغ قانون إيمانه الكلاسيكى ، ذو الثلاث شعب ، الرافض للسلطه ، والحزب ، والداعى إلى حريه مطلقه للإنسان . إن التمييز بين الوعى وبين أجنتة الأوليه ، قد ورد عند هيجل ، فهو يقول " بما أن الشعور ، الحدوس ، الرغبات الإرادات ، إلخ ، حين لا تتخطى حدود الوعى ، يمكن أن تسمى تمثيلات ، نستطيع أن نقول بوجه عام ، أن الفلسفه لها كموضوع وهدف أن تضع محل التمثيلات ، أفكاراً pen sees . مقولات ، وبخاصه مفاهيم – فكرات . التمثيلات ، يمكن أن تعتبر بوجه عام ، إستعارات – مجازات عن الأفكار والمفاهيم . لا يكفى أن يكون لدى المرء تمثيلات حتى يعرف الفكرة الحميمة التى تصنع أساسها ، أى المفهوم " (16 ) ومهمة الحزب الواعى أن يقدم الأفكار والمفاهيم منطلقا من إنجاز البلورة المتماسكة للشعور ، للغريزة الطبقية...إلخ .، التى تتحرك على أساسها الطبقة العاملة بشكل عفوى . لقد رفض ماركس التصور العفوى البرودونى ، فأيديولوجيا الطبقة السائدة هى التى تسيطر من الناحيه الأساسيه على الطبقات الإجتماعية داخل المجتمع الرأسمالي بما فيها الطبقة العاملة ، لذا فإن العفوية من حيث جوهرها الفعلى – الذى يتضمن جانبين مزودجين : الإحتجاج والإذعان – إذا تم الإستسلام لها تعنى تآبيد سياده هذه الأيديولوجية على البروليتاريا ذاتها ، وتعويق عملية تحررها الإجتماعي والسياسي . والفضائل الأسطورية التى ينسبها ناقدنا إلى البروليتاريا على نحو إطلاقى إنما تنتمى إلى مثل هذا التصور البرودونى ، ذو الطابع الصوفى القدرى . فالطبقه العامله تعى ذاتها أى رسالتها التاريخيه كطبقه لا من خلال دورها فى عمليه الانتاج الاجتماعى فقط ، ولا كنتاج حتمى لخضوعها للإستغلال الطبقى الموحد من جانب البورجوازيه التى تحصل منها على فائض القيمة بإستغلالها للعمل المأجور ، ولا لمجرد كونها مجردة من ملكية وسائل الانتاج ، وإنما تصل إلى هذا الوعى بتحولها ، صيرورتها ، طبقه مناضله . وذلك بإنخراطها فى النشاط السياسي المناهض للبورجوازية ، والهادف لتقويض سلطتها ، من خلال التقائها بالوعى العلمى ، أى بالماركسية الثورية . وهى لا تستطيع القيام بهذا الدور التاريخى ، دون حزب يحتوى أوعى عناصرها وأجدرها بقيادة الأقسام الأخرى فى الطبقة ... هذا الحزب الذى يقوم بإدماج الوعى فى الحركة الفعلية وفقا وإستناداً إلى درجة تطورها فى لحظة تاريخية محددة ، حيث يحولها إلى قوة طبقية متراصة ، جديرة بالإطاحة الثورية بالنظام الرأسمالي ، الذى تمثل نفيه ، وحين ينخرط الحزب فى القيام بهذا الدور ، فإنما تبدأ الطبقه فى التحول إلى طبقه لذاتها . ففى الصراع السياسي للطبقة العاملة ، يعد التنظيم فى الصراع بين طبقة وأخرى " السلاح الأعظم أهمية" كما يقول إنجلز . وإذا كان المعنى الأساسى لمقولة البيان الشيوعي حول أن تحرر الطبقة العاملة هو من صنعها ذاتها ، يكمن فى معارضة ورفض تلك الاتجاهات والشيع التى لا جذور لها فى الطبقة العمالية ، كما أنها تنزع لتحريرها من خارجها فان هذا لايتضمن باى معنى معارضة المثقفين الثوريين حاملى الوعى الثورى بالطبقة العاملة التى يتشكل الحزب من اوعى عناصرها وأكثرها تقدما . فإذا كان هذا هو المعنى الأساسى للمقولة السابقة ، فإن ما يطرحه كاتبنا إستنادا على صيغة آخرى فى البيان ، التى تقول بأن الشيوعيين لا يشكلون حزبا متميزا عن الأحزاب العمالية الآخرى – وهو يدعم كل حركة ثورية ، وإن لم تكن له مصالح متميزة عن الأحزاب العمالية الأخرى ، الإ أنه يرى من خلال نضاله الآفاق البروليتارية الأممية للحركة العمالية بمجملها ، حتى وإن خيض نضال فصائلها فى الإطار القومى .... وهو المعبر الواعى عن المصالح الإستراتيجية للطبقة العاملة ، أثناء النضال ضد السلطة الطبقية البورجوازية .... وهو أكثر الفصائل وعيا وحزما لإدراكه الأهداف التاريخية ، لأنه يهدف إلى الإطاحة الثورية بالرأسمالية ، والاستيلاء على السلطة السياسية – إنما تعنى فى الواقع تأكيداً لأهمية الحزب الواعى على أساس الإشتراكية العلمية ، وأن الطبقة بمجملها وببعض أحزابها لا يمكن أن تحظى بنفس الدرجة من الوعى الحازم للأهداف التاريخية النهائية ، لأنه يتوخى الاطاحة الثورية بالرأسمالية ، والاستيلاء على السلطة السياسية – انما تعنى فى الواقع تأكيدا لأهمية الحزب الواعى على اساس الاشتراكية العلمية ، وأن الطبقة العاملة بمجملها وببعض احزابها لايمكن ان تحظى بنفس الدرجة من الوعى الحازم للأهداف التاريخية ، وأنها لا يمكن أن ترتقى بكاملها إلى إداراك هذه الأهداف التى تمثل مصالح الحركة ككل ، لتباين وعى فصائلها الذى يستند الى أيديولوجيات غير علمية . فلم يكن يهدف البيان بمقولته إلى أن يكرس نزوعاً ليبراليا ، يساوى بين الأحزاب العمالية ، مهما تباين وعيها ، وإنما تأسس واقع البيان على الشروط الموضوعية التى أحاطت بوجود إتجاهات متباينة داخل الطبقة العاملة ، ولم يكن ممكنا القفز على واقع تعدد إتجاهاتها الفعلى – والإ إنعزلت الماركسية عن الحركة العمالية ، فقد كان ينبغى الإنطلاق من وضع الحركة ذاتها لتطويرها فى إتجاه تبنى الوعى الإشتراكى العلمى . ومع ذلك لم يتوان مؤسسى الإشتراكية العلمية عن خوض النضال النظرى ، سواء ضد إتجاه نظرى ، أو إتجاه يمثل تياراً داخل الحركة العمالية . فالماركسية وهى فى طريقها للتكون ناضلت ضد الهيجيلين اليساريين ، برونوباور وشركاه ، ضد فوضوية شيترنز صاحب كتاب الأوحد وملكيته ، ومعها نزعات الإشتراكية الألمانية الحقة ، ورفض كل من ماركس وإنجلز تمييع الخلافات وعدم تحديد التخوم الواضحة بين الافكار، وقد قالا عن أنصار الإشتراكية الحقه رافضين التمويه على طبيعة الخلافات النظرية والحزبيه معها : " إن من السمات المميزه لتلك النسوه العجائز أنهن يقاتلن على الدوام لتزيين وتحسين صورة الخلافات الحزبية الحقيقية ، ( ماركس) ، كما أنه إنتقد برودون ومعه إشتراكيته البورجوازية الصغيرة الفرنسية إنتقاداً لا هوادة فيه ، دام لفترة طويلة ، وقد كان تياراً سائداً فى حركة الطبقة العاملة الفرنسية . وبما أن مذهب بردون كان مسيطراً على الطبقة العاملة الفرنسية ، الطبقة التى طاولت عنان السماء حين أقامت سلطه الكومونة فيما بعد ، فقد كان من الضرورى أن يعزل خطه النظرى التنظيمي ، فقد كان مذهب برودون يبعدها عن الصراع الطبقى الفعال الذى يستتر وراء الفوضوية اللفظية الثورية وكان إنشاء فصيل ماركسى مناضل فى فرنسا ، يتطلب أول مايتطلب دحض مذهب برودون فى مظهريه النظرى والعملى . وقد كتب ماركس إلى كوجلمان فى هانوفر ، من لندن فى 19 أكتوبر 1866 ، عن البرودونيين قائلا :" إنهم يثرثرون عن العلم ولا يعرفون شيئاً . إنهم يسخرون من كل عمل ثورى ، أى العمل الذى ينبع من الصراع الطبقى ذاته ، ومن كل الحركات الإجتماعيه المركزه ، وبالتالي كذلك تلك الحركات التى يمكن مواصلتها بوسائل سياسيه ( وعلى سبيل المثال تقصير يوم العمل بشكل قانونى ) وتحت ذريعه الحرية ، ومعاداة النزعة الحكومية ، أو النزعة الفردية للتسلط ، يبشر هؤلاء الساده بالفعل – وهم الذين تحملوا وبهدوء لسته عشر عاما أسوأ أنواع الحكم المطلقه ، ومازالوا يتحملونها – بالإقتصاد البورجوازي المعتاد – الذى أعطته البرودونية شكلاً مثاليا فحسب " (17 ) ولم يتهاون ماركس فى التأكيد على المفهوم العلمى للشيوعية ، فى معرض نقده للتصورات العفوية البرودونية ، هذه التصورات التى تجاهلت نفوذ الأيديولوجية وتغلغلها داخل الطبقة العاملة ، فهى الأيديولوجية الأقدم والمخدومة جيداً فى فروعها المختلفة ، كما أن وسائلها واسعه الإنتشار ، لم يتجاوز برودون" البورجوازيه الصغيره الفرنسيه" ولم ير أن الأفكار السائدة هى الأفكار البورجوازية آنذاك ، ومن ثم فإن تكريس عفوية الطبقه العاملة ، كان يعنى تركها فريسة للإستلاب النظرى والسياسي المعادى لمصالحها . وبرودون مثل كاتبناً العفيف الأخضر ، يؤله الطبقة العاملة ويقدسها كأيقونة متعالية ، بل لا تخفى نقاط الإلتقاء بين الإثنين ، فبرودون يقول فى أحد كتبه :" إن الشعب هو الذى يعدل ويصحح ، يتمثل على المدى الطويل دونما نظرية ، بمحض إبداعاته العفوية ، مشاريع السياسيين ، ومذاهب الفلاسفة ، وهو الذى يغير بإستمرر قاعدة السياسة والفلسفة بخلقه المتواصل لواقع جديد ،أما الثوره لديه فهى " إنفجار للقوه العضوية ، تطور المجتمع من الداخل إلى الخارج ، وهى لا تكون مشروعة ، الإ بقدر ما تكون عفوية سلمية ، تقليدية " (18 ) وبردون لا يميز بين القوانين الطبيعية ، وبين القوانين الاجتماعية ، لا يميز بين وعى الطبقة العاملة برسالتها التاريخية ، وبين وضعها الذى يجعلها واقعة فى براثن الأيديولوجية البورجوازية ، أما الثوره فينبغى إنتظارها على نحو سلبى مادامت ستأتى عبر "إنفجار للقوة العضوية " وبمحض الإبداعات العفوية . لقد صقل الفصيل الشيوعي الماركسي فى فرنسا فى النضال ضد البرودونية رغم استمرار تأثيراتها طويلا على هذا الفصيل الشيوعي ذاته ، وقد كان ماركس حريصا على تبيان القوانين العلمية التى تحكم العملية الثورية ، على تأكيد أن القانون الإجتماعي يتطلب التدخل الواعى لتحقيقه ، وإن ترك الطبقة العاملة فريسة للعفوية ، أى فريسة للأيديولوجية البورجوازية ، يعنى تركها لتلقى الهزائم المتلاحقة فى إنتفاضتها الثورية . وقد كان هذا حال عديد من الثورات التى شهدها ماركس فى حياته ، والتى إستخلص خبرتها . وإذا كان ماركس قد وجه سلاح النقد الى برودون ، فلم تعرف مواقفه – ولا إنجلز – التهادن مع أى إنحراف يمينى أو يسارى ، ولم يرى فى الجميع أحزابا للطبقة العاملة ينبغى أن يربت على كتفها . فهو قد ناهض كل نزعة تآمرية – وقد رفض الإنضمام لرابطة العادلين على هذا الأساس ، حيث كان مذهب هذه الرابطة خليطا إنتقائياً من البلانكية والكابية – والإشتراكية المسيحيه والإنسانية الفيورباخية ، كما أنها كانت منظمة تآمرية لا جذور عمالية حقيقية لها ، بل حرفية – وقد ناهض النزعات اليسارية التى ظهرت فى أعقاب هزيمة ثورات 1848 ، التى ارتبطت بنزعة تآمرية ، لآنها تجاهلت الواقع الموضوعى ، وازدرت النظرية الثورية ، ولم تقم وزنا للجماهير ، ومشاركتها الثورية . فهؤلاء المتآمرين لا يقتصر عملهم على تنظيم البروليتاريا الثورية . ونشاطهم ينحصر على وجه التحديد فى إستباق الصيرورة الثورية ، وفى جرها بصوره مصطنعه إلى حدود الآزمه ، فى إرتجال ثورة بدون شروط الثورة ، وهم يشاطرون سيميائيي الأزمان الغابرة إضطرابهم العقلي وأفكارهم الثابتة ..." (20 ) – لقد كان الخلاف بين ماركس من ناحية ، وجوتشالك واليساريين من جهة أخرى ، يتقوم فى خلاف حول طبيعة الثورة الألمانية التى لم يكن ممكنا أن تكون سوى ثورة بورجوازية ، لا يمكن إستباقها بثوره بروليتارية ، وكانت الوسائل التآمريه هى أدوات اليساريين التى رفضها ماركس ( 21 ) . وفى خطاب من المجلس العام إلى رابطة الشيوعيين فى مارس 1851 ، يلحظ ماركس دروس التجربة الثوريه عام 1848 ، فأكد على ضروره ضمان الحد الأقصى من التنظيم والوحده والاستقلال لحزب الطبقة العاملة ، حتى لا يقتفى آثر البورجوازية أو أن يستخدم كأداه غير واعية لها . كما رفض مقترحات الديمقراطية البورجوازية الصغيرة لتأسيس حزب معارض واحد مع الطبقة العاملة . كما ندد ماركس وإنجلز فيما بعد ، فى سبتمبر 1879 فى رسالة إلى بيبل وليبكنشت وبراك وآخرين ، حين مال عديد من المثقفين الى الإشتراكية ، محاولات إدماج الآراء البورجوازيه فى المفاهيم النظريه الاشتراكيه التى لم يتبنوها بشكل عميق بعد ، ولآن هؤلاء المثقفين قد أتوا من طبقات إجتماعية أخرى فقد كان " أول ما ينبغى أن نتطلبه منهم هو ألا يحملوا معهم بقايا آرائهم المسبقة البورجوازية والبورجوازية الصغيرة .... وأن يتبنوا بلا تحفظ التصورات البروليتارية ". أى أن ماركس لم يكن ليتهادن مع الاتجاهات والميول البورجوازية حتى وإن تبنتها الطبقة العاملة بل كان ينزع الى قتالها بضراوه ، كما أنه لم يكن ليسمح بتعايش الإتجاه الثورى الماركسى مع الإتجاهات الأخرى ، وهذا الموقف يمثل أبلغ رد على مؤلفنا العفيف الأخضر فى نقده الموجه للينين لرفضه لحريه الانتقاد ، أى حريه مراجعة الماركسية . لم يكن ماركس ليبراليا لا على الصعيد النظرى أو السياسي أو التنظيمي ، وهو قد إنطلق من واقع الحركة الفعلية التى أرشدها بنظريته العلمية وإن الفكرة الريئسية التى يمكن أن نخرج بها من البيان حين يجرى الحديث عن تعدد أحزاب الطبقة العاملة ، هى أن هذه الطبقة ليست كتلة واعية واحدة متراصة ، كأمر مسبق ، وتفاوت وعيها هو ما يوزعها بين أحزاب مختلطة ، ومن ثم فإن الحزب الشيوعي هو ممثلها الأساسى بما يحمل من وعى علمى طبقى ولا يمكن مساواته بأحزابها الآخرى . لقد أولى مؤسسى الاشتراكية العلمية مكانة كبرى للنضال النظرى ، من اجل ترسيخ مفهومهما العلمى الشامل عن العالم ، ومن اجل قيادة الثورة البروليتارية العالمية لإنجاز هدفها الشيوعي ، وقد أدانا وشجبا كل الانحرافات التى حاولت جر الحركة العمالية فى غير الطريق الثورى ، ونحن لم ننس بعد النضال ضد الإنحراف النقابى اللاسالى فى ألمانيا ، ولا النزعة الفوضوية الباكونينية ، وقد كان التقليل من أهميه الوعى يؤدى دائما إلى تكريس العفوية ، بما تحمله من نزعة إقتصادية كما ظهرت فى روسيا مثلا ، أو الي نزعه فوضوية ، كما تمثلت عند باكونين الذى كان يقلل من أهميه تغلغل الوعى فى صفوف العمال فقد كان يرى أن " ماركس مايزال يقوم بالنشاطات العتيقة ذاتها التى لا طائل تحتها ، مفسداً العمال بتحويلهم إلى مناطقة .إنه التنظير المجنون القديم ذاته " (22 ) وذلك فى رساله كتبها لصديق روسي فى 28 ديسمبر سنه 1848 . وفى مقاليهما – أى ماركس وإنجلز " إنقسامات وهمية فى الأممية" ، أشارا الى تميز نضال البروليتاريا الطبقى فى بداياته بنزعة حلقية ، ورأيا فيه أمراً منطقياً فى وقت لم تكن البروليتاريا فيه قد تطورت كطبقة . وأشار إلى بعض المفكرين الذين إنتقدوا العداوات الطبقية ، وأقترحوا حلولا طوباوية لحلها ، وقد إمتنعت هذه الحلقات عن العمل السياسي ، كما أنها إبتعدت عن أى عمل حقيقي وفعال . ونأت بنفسها خصوصا عن العمل السياسي ، والتحالفات ، والإضرابات ، أى نأت بنفسها عن أيه حركة موحدة . وعانت هذه الإتجاهات إنفصاماً حاداً فى صلتها بالحركة العمالية التى عادتها فى بعض الأحيان . وقد لعبت هذه الحلقات " دور روافع للحركة فى البداية لكنها تتحول إلى عوائق بمجرد أن تتخطاها الحركة ، وبعد ذلك تلعب دوراً رجعياً " (23 ) ، وحين تأسست الأممية ، كان ضروريا أن تمر بهذا الطور السابق . ولأن مؤسسا الإشتراكية لم يضعا نزوعهما الإرادى مكان معطيات الواقع الموضوعى فى وقت لم يكن مذهبهما فيه سوى تيار ضمن تيارت إشتراكية أخرى ، هذه التيارات التى لم تكن ذات طابع علمى لأنها لم تفهم فى مجملها ، قوانين التطور الإجتماعى ، وشروط الإنتقال إلى المجتمع الشيوعي ، ووضع مختلف الطبقات فى المجتمع الرأسمالى ، كما أنها خلف التعابير العامة حول مفاهيم " أخوة الإنسانيه" وضرورات تحقيق العدالة المجردة ، أو الحقوق الانسانية ، لم تتخلص من المفاهيم التى شكلت مقومات المجتمع الرأسمالي ، رغم توهمها أنها تنفيها . وحين تأسست الأممية الأولى أى جمعية الشغيلة العمالية ، لم ينأى ماركس عنها – رغم أن تكوينها قد ضم من الناحيه الأساسيه حرفيين : خياطين و صانعى سلال ، وحلاقيين ( 24 ) - إنطلاقا من وضع الحركة الفعلى ، فقد كان الأساسى هو تجميع شمل فصائل الحركة العمالية بإتجاهاتها نحو وجهة ثورية واحدة ، وقد وجه كما سبق أن أشرنا سلاح نقده صوب هذه الإتجاهات ، من أجل تبلور حركة طبقية واحدة تستند إلى الوعى الثورى العلمى . وقد حاول أن يضع برنامجاً لا يغلق الباب أمام هذه التيارات لا من أجل أن يؤيد وجودها تحت راية تعدد الإتجاهات ، أو تباين أحزاب الطبقة العاملة وإنما لأنه كان مستحيلاً القفز فوقها ، دون نضال نظرى وعملى يثبت إفلاسها ، ومن ثم يهيئ لانتصار الفكر العلمى . وعلى ذلك فلم يهادن ، بل ناضل ضد مازينى ، وبرودون ، وباكونين ، والنزعه التريديونيونيه ، وشتى أشكال الليبراليه الإنجليزيه ، والإنحراف اللاسالى اليمينى فى ألمانيا ، لأنه لم يكن قبل أى شئ من أنصار تزييف وعى الحركه العماليه او توهم أن كل أحزابها . نقف على صعيد نضال البروليتاريا الطبقى ، ولذا لم يكن بالأحرى من أنصار " حريه الإنتقاد" ، حيث لا توجد فى الواقع سوى نظريه ثوريه علميه وحيده ، واجبها ومهمتها الأساسيه أن تنتصر على كافه الإتجاهات الأخرى . كان ينبغى فقط جمع فصائل الحركة العمالية المتباينة فى إتجاه النضال الجماعى الطبقى الأممى المشترك ، ومن خلال الممارسة العملية التى تبرهن على صواب وخطأ الافكار ، يجرى تثبيت وتعميق المفاهيم الثورية . إن مغزى كل ما أشرنا إليه ، هو أن ماركس لم يهادن الإتجاهات الأيديولوجية غير العلمية ، كما أنه كان فى نشاطه يؤكد على أهمية النضال النظرى المثقف للطبقة العاملة بمهامها ، كما يعنى أيضا أنه لم يكن يؤمن بثورة تلقائية عفويه تحقق أغراضها بغير وعى بأهدافها التاريخية الأساسية ، استناداً على قانون نمو قوى الانتاج وتناقضه مع علاقات الإنتاج ، كما أنه قد وضع مكاناً للمبادرة التاريخية التى يتيحها تميز القانون الإجتماعي الذى يتطلب التدخل الواعى من البشر الذى يتميز عن القانون الطبيعى . ومن ثم فإن عبادة العفوية التى يروج لها مؤلفنا ، بتصور أن وعى الطبقه العامله " كامن فيها كمون النار فى الصوان " ، على حد قوله حيث يخرج فى غمار الصراع من الوجود بالقوة الى الوجود بالفعل – أى موضوع عدم فصل كينونة العمال عن وعيهم ، ليس أكثر من إبتذال مطلق من الناحيه الإجتماعية والفلسفية – فإنعكاس الواقع الموضوعى فى الفكر لا يعنى إدراك كل البشر لهذه الإنعكاسات الفكرية ، والإ كان فى مقدور أى شخص أن يكون هيجل أو ماركس مثلاً !- رغم أنه من المؤكد أن لا إنفصال بين الوجود المادى للعمال وبين وعيهم ، لكنه الوعى العفوي ، وهذا الأخير يصقله الصراع بالطبع ، ولكنه لا يتحول إلى الوعى العلمى الذى لا يملكه سوى المثقفون – حتى وان كانوا ذوى أصول عمالى – الذين يتلقون التربية العلمية الماركسية ، والذين يجدون فى الصراع الطبقى العمالى الجاري "فرصة " تاريخية ، لنقل هذا الوعى العلمى الأشد تعقيداً وتطوراً بما لا يقاس بالمقارنه مع الوعى العفوى لدى الطبقة العاملة ، إلى أكثر العناصر تقدماً داخل هذه الطبقة . ومؤلفنا حين يطابق بين الطبقة والحزب فمن الحتمى أن يقوده هذا الى المطابقه بين الوعى والعفوية (25 ) ، مناقضاً لنظرية ماركس وإنجلز ، فهما وإن حدداً القوانين الموضوعية التى تقود إلى الإنتقال الى المجتمع الشيوعى ، وأدركاً ضرورة تقويض وزوال النظام الرأسمالى ، الإ أنهما لم يريا أن هذه الثورة الشيوعية يمكن أن تتحقق إستناداً على القوانين الإقتصاديه والإجتماعيه الموضوعيه ، أى بصوره حتميه دون تدخل إداره البشر فى هذه الوجهه الثوريه أو خارج وبمعزل عن الصراع الطبقى بأشكاله الثلاث النظريه والسياسيه والإقتصاديه ، ومن ثم اعتبرا أن تحقق فاعليه القوانين الموضوعيه يرتبط بالوعى الثورى ، الذى ينتظم فى حزب سياسي مشكلاً نواة تلتف حولها الجماهير المستغلة . ومن هنا تتبدى أخطاء وإنحرافات مؤلفنا الذى لم يضف جديداً فى الإعلاء من أهميه العفوية على حساب الوعى ، وإذا كان يتبنى نزعة برودونية عفوية ، فلم يفوته ، أنه يتبنى عفوية روزا لوكسمبورج التى كتبت فى مقالها ، المسائل التنظيميه للإشتراكيه الديمقراطيه الروسيه ": فى الواقع ليست الإشتراكيه الديمقراطيه مرتبطه بتنظيم البروليتاريا . إنها هى البروليتاريا ذاتها " . وهنا يمكن أن ننتقل إلى نقطه أخرى ، هلى الطبقة العاملة هى ذات الثورة ام موضوعها ؟ وفى الواقع لقد وضح ماركس الإجابة قبلا ، فهى تصبح ذات التاريخ حين تصبح واعيه بمهامها ، آى حين تطيح بنير الأفكار البورجوازيه السائدة ، وحين يشكل فصليها الطليعى حزبا مستقلا مندمجا مع ومرتبطا بالطبقة العاملة بشتى أقسامها . فهى ذات الثوره بمقدار ما تكون واعيه وفاعله ، لا مستلبه الوعى وخاضعة مذعنة . إن هربرت ماركوز يقول فى واحد من مقالاته إن "العامل الذاتى " فى الاستراتيجية الثورية يحتكره الحزب الذى يتخذ طابع ثورى محترف يوجه البروليتاريا وفيه يتم تحويل البروليتاريا من ذات العمليه الثوريه الى موضوع لها" . وهنا يبرز الخلط والتشوش الذى يتجاهل كون أن الحزب هو ذاته جزء يتميز بالوعى من الطبقة ذاتها ، ولأن عملية التحول من "موضوع" الى "ذات" تمر عبر الوعى ، والوعى فقط ، فلا يمكن للطبقة العاملة أن تنجز مهامها الثورية دون حزبها البروليتاري السياسي – وهناك وهم غريب لدى ممثلى الإتجاه السابق يتصور أن العناصر العمالية الحزبية تنعزل عن الطبقة العاملة لمجرد تشكلها فى حزب ! – المستقل والمنظم ، بإعتباره ناقلا للوعى الاشتراكى العلمى ، ومربيا لمجمل الطبقة مثقفاً إياها بدورها وبمغزى صراعاتها الطبقية وأهدافها ، وهو إذ يعمم الخبرة الفنية لحركة البروليتاريا الأممية ، إنما يعمق من وعى الطبقة العاملة بمهامها الإستراتيجية والتاكتيكية ، بمصالحها قريبة المدى وبعيدة المدى ، وهو يقود مجمل روافد الحركة الطبقية منسقا بينها ، موجها كافة النضالات الجزئية ، هنا أو هناك ، لتصنع مجرى قويا عميقا يصب فى اتجاه تحقيق الثورة الاشتراكية . كما أنه يحدد الخط السياسي الصائب ، ويبين ويقود التحالفات الطبقية الواجبة ، كما يحدد طبيعة الثورة المقبلة . وفى خضم نضاله الطبقى يفرز قادة هذا النضال المختبرين المنصهرين فى بوتقة الكفاح ضد النظام الاستغلالى ، على كافه الأصعدة النظرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية . والحزب هو هيئة الأركان التى تؤمن تواصل وثبات وحزم النضال ، باعتباره المركز الأيديولوجى والتنظيمي الذى يهيئ للثورة الاشتراكية . فلا يمكن إذن للطبقة العاملة أن تكون حزب نفسها ، ومن ثم لا يمكن أيضاً مطابقة الوعى بالعفوية . لآن الحزب هو الفصيله الطليعية الأرقى من الطبقة نفسها والتى ينتمى إليها بحكم أصوله ، ولآنه المعبر عن مصالحها القريبة والبعيدة المدى . كما أن الوعى لا يتطور داخلها بشكل متساو ، لأنه ليس نتاجاً ميكانيكيا ، للوضع الاجتماعى الإقتصادى ، وبحكم تفاوت الوعى داخل الطبقة العاملة ذاتها ، فإن هذا هو ما يدعو إلى أن تلعب عناصرها الأكثر تقدماً دوراً أساسياً فى جذب العناصر الأقل تقدماً ، وأن تمثل الطليعة الواعية لهذه الأخيرة ، وذلك من خلال الحزب الذى تتشكل فيه . ومن الثابت تاريخيا أنه لا توجد طبقة إجتماعية بكاملها قد تماثل وعيها بمصالحها الأساسية ، وبالأحرى شكلت "حزب نفسها" حتى آخر آفرادها ، وينطبق هذا الأمر على البروليتاريا بالطبع . غير أن لوى عنق الأفكار الماركسية قصد أن تخدم المنحى التبريرى ، هى من سمات مؤلفنا ، وذلك بعزلها عن سياقها التاريخى قصد الوصول إلى إستناجات ومفاهيم ليبراليه ، فإستناداً على أنه قد وجدت تاريخيا إتجاهات وتيارات فى فترة طفوله الحركه العماليه وصباها ، وعدم سياده الماركسيه بعد كمفهوم علمى تملكه الطبقه العامله عن العالم ( 26 ) يستنتج ضروره وجود الأحزاب العماليه المتقدمه ، أيا ماكانت حتى إذا ما أصبحت إنتهازيه ، لأن الحزب الواحد " تقليد توتاليتاري ستالينى وليس أبدا ماركسياً ". ويتجاهل مؤلفنا الأوضاع التاريخيه التى إنتهت إلى وجود حزب واحد بعد إنتصار الثوره البلشفيه بفتره غير قصيره ، كما يتجاهل موقف لينين ، الذى دعا إلى أن يكون الشيوعيون فى الطليعه لكنه لم يدعو الى إحتكاريه الحزب الواحد . إن مؤلفنا إذن يعارض بثبات نظرية أن الوعى الثورى يتملكه المثقفون أولا ثم ينتقل إلى الجماهير العاملة ، عبر عمليتين مترابطتين ، وهو تحليل الصراعات الطبقية الجارية " وإعاده إكتشاف الأهداف البروليتارية عبر خصوصية ممارستها ، وبناء مفهومها العلمى عن العالم من خلالها ، وتوضيح المهام التى ينبغى أن يقام بها من أجل تحقيقها ، ولآن الوعى هو القدره على الممارسه الفعاله لتغيير الأوضاع القائمه جذريا ، فإن مهمه المثقفين تتقوم أيضاً فى : " أن يوجدوا التجانس فى الوعى الطبقى بنشرهم تصور العالم الخاص بتلك الطبقه وبنقدهم الأيديولوجيات التى تشوه ذلك الوعى ، كما أنه بدون مثقفين ثوريين لا يمكن أن يجرى تحويل جذرى ثورى فى الأوضاع القائمة " فالحرية عنصر جوهرى فى السيرورة التاريخية ، أما الضرورة المفردة أو الحتمية الميكانيكية فهى لا تاريخية ". وذلك وفقاً لتعبيرات أنطونيو جرامشى . والعفيف الأخضر لا يمل من إقتباس أفكار ماركس حول أن تحرير الطبقه العامله لنفسها إنما هو من عملها هى – والمعروف أن لينين لم يؤيد أفكار ماركس هذه فحسب ، بل أبرزها وشرحها وطورها ، ولكنه أوضح كيف تجرى تاريخيا عملية تحرير العمال لأنفسهم بأنفسهم ، فمتى تبنت الطبقة العاملة هذه الأفكار الأتية من خارجها والتى تبرهن على صوابها ممارستها الموضوعية – أى من مصدر آخر غير مصدر حركتها العفوية فإن هذه الافكار تتحول الى سلاح مادى للتغيير الثورى ، كيف يجرى هذا الإلتقاء ، وكيف يتم نقل الوعى الثورى للعمال ، وماالدور العظيم للمثقفين وبالأخص فى البدايه ، ثم ما أهميه التطوير المستمر للبنيه الطبقيه للحزب الشيوعي على أساس طبقى عمالى ، .. كل ذلك يعنى تنظيم العمال لأنفسهم ، ومساعدتهم على أن يتنظموا ، كشرط ضرورى لقيادتهم بتحرير أنفسهم بأنفسهم بطبيعة الحال . وهنا يمكن القول بأن لينين قد أسهم بقسط راجح فى التراث الماركسى ، حول من الذى يحرك التاريخ ، وحول نظريات النخبة ودور الأفراد . والمؤلف يرتكب أخطاء فلسفيه صارخه ، يجمعها ، عدم إدراكه للعلاقة الجدلية بين الوجود الاجتماعي والوعى الاجتماعى ، هذه العلاقات التى لا يمكن البحث عنها فى شخص مفرد ولا حتى فى طبقة مفردة ، بل فى كامل النظام الإجتماعى بكافه طبقاته ، بوعيه الزائف السائد الذى يسيطر من الناحية الأساسية على كل طبقات الأخرى . ولا نعتقد أن علينا أن نشرح ألفباء : الممارسة – النظرية – الممارسة لكاتبنا . إنه يتوهم عالما : " عالم المثل البروليتاري" هبطت منه الطبقة العاملة إلى العالم الأرضى وما عليها إلا أنه تستعيدها ثانية ، أو يصور الطبقة البروليتارية كفكرة هيجل المطلقة التى إغتربت فى تبديات العالم وتعود فى مسار التطور واعية ذاتها ، أو أنها فكرة تشابه فكرة " الطبيعة الإنسانية " عند مفكرى عصر التنوير فى القرن الثامن عشر ، بعد أن يجرى على يديه تحويرها لتصبح طبقة بروليتارية ، تمثل مقياساً أعلى " وهى تبدو كأنها شئ ثابت لا يتغير ، فالوعى الكامن كمون النار فى الصوان ، الموجود بشكل مسبق ، على نحو مجرد وثابت ، ليس شيئاً آخر غير نوع من أنواع الوهم الصوفى المثالي . فكيف نفسر عبر هذه المقولات التطورات الفكرية التى مرت بها الطبقة العاملة من طفولتها وحتى نضجها ، إذا ما كانت هناك " طبيعة بروليتارية واعية " بمعزل عن تطور واقع مجتمعهاً ، عن مدى نضج مثقفيها النظرى وإكتشافهم لقوانين الممارسة الثورية والتحويل الثوري للنظام الرأسمالي : مامن وجود لطبيعة بروليتارية ، فهذه الطبقة – أى البروليتاريا – هى وحده فى كل من العلاقات الإجتماعيه المحدده تاريخيا ، والحديث عن وعيها الكامن ليس شيئاً آخر سوى نوع من الميتافيزيقا اللاتاريخية ، حيث يتطابق الوعى مع " (الايمان بجبرية غائية ذات طابع مماثل للإيمان الدينى "- جرامشى ) . وقد سبق لماركس أن إنتقد - العامل الألمانى الذى إستطاع بمعزل عن ماركس أن يصل إلى المادية الجدلية وإن لم تخل فى بعض مقولاتها من التشوش – فى إحدى رسائله إلى كوجلمان ، بسبب حديث ديتزجن فى واحد من كتبه عن "فطريه المعرفه". إن النظريه الماديه فى المعرفه هى النظريه التى ترى أن الفكر هو إنعكاس للأشياء التى توجد خارج ذواتنا ، فالوعى إذن ، أى الإدراك والأفكار ليست سوى صور لهذه الأشياء . وإن تصويب الوعى بهذه الأشياء ومعرفتها فى ذاتها ، تحققه الممارسه وفقا لمجال المعرفه النوعى ، التى تتيح التمييز بين الوعى الزائف ، والوعى العلمى الصائب . والمعرفة العلمية لقوانين التطور الإجتماعي والضرورات التى تحكم عملية التغيير الثورى ، لا توجد كاملة ناجزة ، حتى لدى المثقفين الثوريين ، فالعالم الإجتماعى لا يمكن أن يكتشف مرة وإلى الأبد ، حيث يتطور المجتمع وتتغلغل تطوراته فى العقل الجماعى للحزب البروليتاري ، الذى يمثل أنضج تعبير نظرى عن البروليتاريا الثورية ، باعتباره أداة الوعى ، وناقل الوعى فى الوقت ذاته ، الذى يتيح تفاعله الداخلى ، وخاصة بين هيئة أركانه ، معرفه الواقع فى حدوده التاريخية المشروطة بمقوماته الذاتية ، وبالشروط الموضوعية المحيطة به . حيث تنطبق نسبية المعرفه على الواقع الإجتماعي أيضاً ، والممارسة هى السبيل الوحيد للمعرفة ، كما انها أداة التحقق من صوابها ، كما أنها المسار الذى تتجه من خلاله نحو التكامل والتبلور . وقد أشار إنجلز إلى كيفية وعى الواقع فى كتابه المعروف ضد دوهرنج - قائلا : " وطالما عنينا بتثقيف حواسنا وبإستخدامها بصورة صحيحة وبإبقاء عملنا فى الحدود التى ترسمها إداراكاتنا التى تم الحصول عليها بطريقة صحيحة ، فاننا سنجد ان عملنا يبرهن علي مطابقة عملنا للطبيعة الموضوعية للأشياء المدركة ". وهذه المهمة لا يمكن أن تقوم بها البروليتاريا بمجملها ، وإنما مثقفيها الثوريين الذين يتملكون المعرفة العلمية العميقة . هذه المعرفة التى لا حدود لها من ناحية ، أى أنها غير قابلة للإستنفاد ، كما أنها تتطور إستناداً الى الممارسة وبإنشاءها الممارسة ذاتها ، ومن هنا تنبع نسبيتها . والحزب باعتباره أداة الوعى ، وناقل الوعى ، يتطور إستناداً الى الممارسه مشروطاً بوضعه التاريخى وبإمكاناته الذاتية ، التى تحدد نطاق وعيه فى لحظة معينة . إن الوجود الإجتماعى والوعى الإجتماعى ليسا متطابقين ، وحين يدخل الناس فى علاقات إجتماعية معينة ، فإن وعيهم الفردى مشروط بمحدودية نظرتهم ، أى بالنطاق الفردى الخاص ، الذى لا يتوصل بمفرده إلى إدراك العلاقات الإجتماعية فى ترابطها وشمولها ، فى كليتها بإعتبارها مكوناً لنظام إجتماعي إقتصادى معين . والوعى الإجتماعي إذا كان يعكس الوجود الإجتماعى فإن ذلك لا يعنى نسخاً تفصيليا كاملاً ناجزاً لواقع محدد ، وإنما إنعكاسا تقريبيا قابلا لمزيد من التعمق فى هذا الواقع المحدد عبر الممارسه . لذا من السخف الحديث عن وعى كامن مجرد ، وعى إجتماعي يطابق الوجود الإجتماعي للطبقة العاملة منذ الأزل وإلى الأبد ، بشكل ساكن لا يتغير الإ من زاوية ظهور الكامن من الوجود إلى الفعل . وفى أحد فصول كتابه المادية والمذهب النقدى التجريبي ، إنتقد لينين – فكرة تطابق الوعى الاجتماعي مع الوجود الاجتماعي – قائلاً : " بأن هذه النظرية عن تطابق الوجود الإجتماعي والوعى الإجتماعي هى هراء محض ، هى نظرية رجعية بصورة مطلقة ". فإذا كان هراءها ظاهراً ، فإن رجعيتها تنبع من أنها تترك الطبقه العامله فريسه لأيديولوجيه الطبقه السائده ، ولأنها تقلل من أهميه الوعى الثورى العلمى الذى يحمله الحزب البروليتاري ، ولأنها فى التحليل الأخير تؤدى إلى نزعه إنتظاريه سلبيه تفترض تقويض دعائم المجتمع الرأسمالي ، تأسيساً على تناقضاته الإقتصاديه الداخليه ، أى من تلقاء ذاته . وهذه النقطة تستند على مفهوم تطورى حتمى للتاريخ ، يقوم على قوانين إجتماعية موضوعية – بإهدار تميز القانون الطبيعي عن الإجتماعي – لا مجال فى تحققها للتدخل الإنسانى الفاعل – وصورت القوانين الإجتماعية وفقا لهذا ، والتى إكتشفتها الماركسية ، وكأنها قوانين طبيعية -- وليست قوانينا تحدد الوجهة تتطلب الوعى المحقق للضروره التاريخيه ، أى تتطلب لتجسدها الاداة الفاعلة للبشر. كتب جان مارك بيوتى عن حدود وعى البروليتاريا من وجهة نظر جرامشي : " وفى نظر غرامشى ، لا وجود لماهية البروليتاريا أو للبورجوازاية محلقة فوق التغيرات التاريخية . فتصور الطبقة العاملة ينبثق من وظيفتها المتجسدة فى وضع محدد . ومن ثم لابد أن يؤدى تبدل الوضع إلى تبدل فى التصور . وبالإضافة إلى ذلك ، ينبغى أن نأخذ بعين الإعتبار أن وعى طبقة من الطبقات هو على الدوام مشروط ومتأثر ومشوه بتصورات الطبقات الإجتماعية الأخرى – علما بأن الطبقة الأكثر نفوذا هى الطبقة السائدة . هكذا نجد أن تصور هذه الطبقة العاملة أو تلك للعالم ، فى هذا القطر أو ذاك ، وفى هذه الحقبة أو تلك ، إن كان يعبر عن الوظيفة التى تمارسها هذه الطبقة فى مثل ذلك الوضع ، فإنه سيتعرض للتشويه تحت تأثير تجارب هذه الطبقة التى ماعادت تتطابق والوضع الحاضر ، تحت تأثير أيديولوجيا البورجوازية والأيديولوجيات التى بقيت على قيد الحياة حتى بعد تبدل الشروط التى جعلتها ترى النور ( المسيحية على سبيل المثال) . إن تصور طبقة من الطبقات للعالم هو بطبيعة الحال إذن مزيج ملفق مما ينبع مباشره من وظيفتها فى داخل بنية معينة ومما يمتح من معين تجارب ماضيه ما عادت تتطابق والوضع الراهن ، ومما ينجم عن التأثير الأيديولوجى الذى تمارسه عليها الطبقات الإجتماعيه الأخرى ". (27 ) من الناحية الفلسفية والتاريخية إذن لا وجود لبروليتاريا خارج وضع تاريخى محدد ، وهى لا تملك وعيا ناجزاً بذاتها عبر كافة مراحل تطورها المختلفة . كما أنها نتيجة لخضوعها لمفاهيم أيديولوجية معادية لمصالحها ، لا تتجاوز فى حركتها العفويه النطاق الإقتصادى وهى فى هباتها وإنتفاضاتها لا تستطيع أن تحقق أهدافا تطال جذور النظام الرأسمالى دون حزبها الواعى الثورى المرتبط بها .
وإذا كان الوعى الإجتماعى لدى البروليتاريا ليس شيئا كامنا على نحو قبلى داخلها ، فيمكننا أن نميز مراحل معينة فى تطور وعيها ، هذه المراحل التى تستند فى التحليل الأخير على علاقات الإنتاج الإجتماعية ، المؤسسة على مستوى تطور القوى المنتجة ، فالمستوى الأول هو " المستوى الإقتصادى النقابى " ، والثانى " الذى يكون قد توصل فيه جميع أفراد الفئة – ( النص لجرامشى وهو يعنى بالفئة : الطبقة لضرورات أمنه حيث كتب قسما من أعماله فى سجون إيطاليا الفاشية – إلى وعى بالتعاضد المصلحى المحصور فى المجال الإقتصادى البحت " أما المرحلة الثالثة فتتحقق " حين يعى المرء بأن مصالحه النقابية فى تطورها الحاضر والمستقبل تتخطى الإطار النقابى للفئة المحض إقتصادية ، وانه بإمكانها وينبغى عليها أن تصبح مصالح فئات ثانوية أخرى . تلك هى المرحلة التى تصبح فيها الأيديولوجيات التى نمت بذرتها مسبقاً " حزبا " ثم تتعارض مع بعضها البعض وتتصارع حتى تصبح واحدة منها أو على الأقل مجموعة منها ميالة لأن تسيطر ولأن تفرض نفسها ولآن تمتد فى المجال الإجتماعي مسببة ، بالإضافة إلى أحادية القصد الإجتماعي والإقتصادى ، وحدة فكرية وأخلاقية تطرح جميع المسائل موضوع الإختلاف والصراع لا على الصعيد النقابى بل " العالمى " ( 29) إن هذا النص لجرامشى يحدد تباين مستويات تطور وعى الطبقات بشكل عام والبروليتاريا بشكل خاص . وقد حدد لينين فى كتابه ما العمل مراحل تطور وعى الطبقة العاملة فى روسيا ، وهى تشكل إستناداً على التجربة التاريخية قانونا عاما ، أى إتجاها عاماً . وإذا كنا قد ركزنا فى جدالنا مع كاتبنا المتبنى للنزعة العفوية على دور الوعى فلا يعنى هذا تجاهلنا للعلاقة الجدلية التى تنشأ بين الوعى المنظم فى حزب ، وبين عفويه الطبقة البروليتارية وحلفائها . فإذا كان الحزب هو أداه معرفة الواقع الإجتماعي ، وحاملا للوعى الإجتماعي البروليتاري ، فإنه لا يقوم بدوره معزولاً عن الصراعات التى تخوضها البروليتاريا ، بل يلتحم بها إلتحاماً عضوياً ، هذا الإلتحام الذى يربطه على نحو وثيق بقضاياها ومشاكلها ومواقفها ، وهو ما يمكنه من تقديم الأساس النظرى لإبداعاتها العفوية ، فهو يعكسها ، ويرقيها لتسهم فى تماسك وتبلور الحركة الجارية مرة أخرى ، أى أنه ينطلق من الممارسة إلى النظرية ثم إلى الممارسة مرة أخرى . وهذا الإرتباط الجدلى ليس هبة سماوية يحققها وجود الوعى المنظم من جانب ، ووجود الطبقة البروليتارية من جانب آخر ، لأنه عملية تاريخية معقدة تحيط بها فى كل بلد أوضاع عينية خاصة . وهذا الارتباط يحفل المسير إليه بالتناقضات ، والإنتكاسات المؤقتة ، لشروط موضوعية تتعلق أحياناً بالطبقة العاملة ذاتها ، أو بالحزب الثورى . إن العلاقة المزدوجة فى هذا الوضع تجد تعبيرها فى ضرورة ربط الحركة العفوية بالقيادة الواعية للحزب الشيوعي ، والإلتحام العضوى من جانب الآخير بقضايا الطبقة البروليتارية ومشاكلها . أى تحويل جنين الوعى " فى الحركة البروليتارية إلى وعى إشتراكى علمى ، وهو ما ينجم عن الدور التثقيفى للحزب القائد الذى يتجاوز آفاق الغريزة الطبقية وصولا الى الوعى الطبقى . رغم أن كل حركه عفويه تتضمن "وعياً" نقابيا إقتصاديا لكنه لا يرتقى لدرجة الصراع الجذرى ضد النظام الراسمالي ، أى لا يستطيع من داخله أن يرتقى الى الوعى الشيوعي على مستوى الطبقة بكاملها ، بل يدخل الطبقة العاملة من خارجها ، أى من خارج دائرة النضال الإقتصادى من جانب ، وبواسطة المثقفين الثوريين الذين تملكوا المعرفة الفلسفية والتاريخية والسياسية العميقة من جانب آخر . وينبغى التنويه إلى أن الوعى الإجتماعي لا يعنى الأيديولوجيا فقط ، بل كذلك السيكولوجيا الاجتماعية . وهما جانبان يتطابقان مع الوعى من جانب والعفوية من جانب آخر . أما دور السيكولوجيا الاجتماعية فهو الذى يؤشر إلى التغيرات الأيديولوجية . كتب بورشنيف – وهو عالم إجتماع سوفياتى – مشيراً الى كيفية حدوث التغيرات الأيديولوجية وصلتها بالبنية التحتية ، والسيكولوجيا الاجتماعية : " لقد كان بليخانوف والماركسيون الآخرون على حق فى التأكيد بأن هذه الأيديولوجية الجديدة أو تلك ، تنجم لا عن التغيرات الإقتصادية مباشرة ، ولكن على أساس السيكولوجيا الإجتماعية كتكثيف فكرى لها . والعكس صحيح كذلك ، فإن الأيديولوجيا تؤثر بصورة عميقة على السيكولوجيا الاجتماعية ، وبتعبير آخر ، فإن كلتا المجموعتين من الظواهر تتفاعل فيما بينها – وإذا أخذنا ننظر إلى الأيديولوجيا كتكثيف للسيكولوجيا الاجتماعية فقط ، تنعدم إمكانية تصور التعاقب والمنطق الداخلى السببى فى تطور الأيديولوجيا من مرحلة إلى أخرى ، ومن الواضح ،أنه من الأصح أن نعتبر أن جانبى الوعى الاجتماعي كليهما والحاله النفسيه والأفكار يملك كل منهما بناءه وقوانينه الخاصة . ولكن الذى يدفعها الى الحركة ، أو على العكس ، يعرقل تطورها ، هو الظواهر الإجتماعية السيكولوجية التى تتطور على هذا الأساس الاجتماعي – الاقتصادى أو ذاك " ( 30 ) وقد اهتم لينين فى كتاباته بالتأثير المتبادل الجارى بين الأن الأيديولوجية والسيكولوجيا الاجتماعية ، وحين تحدث فى عام 1905 عن ثلاث مراحل وسمت تطور الحركة الاشتراكية الديمقراطية ، وجد أن كل مرحلة من المراحل الثلاث قد شهدت اعداداً فكرياً من قبل الإتجاه الشيوعي ، من جانب ، وقد إلتقى هذا الإعداد الفكرى من جانب آخر "بتغيرات عميقة فى شروط الحياة وفى كل التكوين السيكولوجي للطبقة العاملة وفى تنبه فئات جديدة ، وجديدة فيها للنضال الواعى الفعال" (31 ) وإذا كانت العفوية هى النضال فى إطار ضيق لا يصوب على هدف الإطاحة الشاملة بالنظام الرأسمالى ، فقد كانت من ثم تتضمن تكيفا غير واع مع العلاقات الاجتماعية السائدة . وفى مفهوم العفوية كما شخصها لينين تندرج ظاهرتان : ظاهرة الخضوع والإذعان للوضع القائم ، وظاهرة التمرد المشتت الذى يمكن قمعه من قبل الطبقة السائدة ، لأنه لا يهتدى بنظرية ثورية شاملة لمجمل الطبقات والعلاقات الاجتماعية والأهداف الأساسية التى ينبغى تحقيقها . وهو من ثم رغم طابعه الإجتماعي الرافض للإذعان ، فإنه ليس بالضروة ، قابلا لتلقى الوعى الاشتراكى العلمى ، بل يمكن أن يقبل أيضا شكلا من أشكال الأيديولوجيا البورجوازية . وقيمه العفوية لا تكمن فى إمكانية أن ينبثق عنها الوعى النظرى السياسى كما يرى كاتبنا العفيف الأخضر ، وإنما فى أنها توفر أرضا خصبة للدعاية والتحريض والتنظيم من قبل الحزب الشيوعي . هذا الحزب الذى تؤهله إمكاناته لتربية الطبقة العاملة وإفهامها شمولية النظام الإجتماعي الذى يتطلب أيضا لتغييره ثورة جذرية شاملة . وفى كل الأحوال ، ومادامت الطبقة العاملة ترزح تحت نير المجتمع الرأسمالي الإستغلالى ، فلا يمكن لأغلبها أن يتحصل على الوعى الإشتراكي العلمى ، وتتحقق هذه المهمة بأكفأ أشكالها فى ظل المجتمع الاشتراكي ، أى بعد الإطاحة الثورية بالرأسمالية . ورغم أن التحرر الكامل لوعى الجماهير لا يتم الا فى ظل الشيوعية الا ان النضال الثورى فى اتجاه الاطاحة بالأسس الطبقية للمجتمع الرأسمالي يربى ويثقف الجماهير ذاتها وخاصة فى الانتفاضات والهبات الواسعة النطاق . فبعد الاطاحة بالاستغلال الرأسمالى " بعد ذلك فقط ، وخلال سير النضال الطبقى الحاد يمكن تحقيق تعليم وتربية وتنظيم اوسع الجماهير الكادحة والمستثمرة حول البروليتاريا وتحت نفوذها وقيادتها وإنقاذها من الانانية والانقسام والعيوب والضعف ، تلك الأشياء المتولدة عن الملكية الخاصة وتحويلها الى تحالف حر لعاملين أحرار – لينين " (32 ) فلا يمكن تحرير الطبقة العاملة – فى مجملها من الوعى الزائف فى ظل النظام الرأسمالي ، وإنما تتوفر الإمكانية بعد الإطاحه بالرأسمالية وحلول البروليتاريا محلها كطبقة سائدة ، قادرة ممثلة فى طليعتها المرتبطة بها عضويا ، لأن تحدث ثورة ثقافية ، هذه الثورة الموجهة للأيديولوجية البورجوازية ، أو السابقة عليها ، والتى لا يمكن للبرولياريا أن تعى ذاتيتها وتفردها ومكانتها دون النضال ضدها ، وتصفيها نهائيا : ان التبشير بالعفوية وتقديسها ، وإعتبار تعدد الأحزاب العمالية ، لا واقعة تاريخية ،إنما إنجازاً ينبغى الحفاظ عليه ، يهمل حقيقة نظرية أساسية ، وهى أن لكل طبقة حزباً واحداً يعبر عنها أكمل تعبير فى وضع تاريخى محدد . وهذه الحقيقة النظرية ، كما يقول جرامشى " تسطع فى المنعطفات الحاسمة، إذ يلتئم شتات مختلف التجمعات التى تعلن عن نفسها أحزاباً مستقلة ، فى كتلة واحدة . فالتعدد السابق كان ذو طابع "إصلاحى " بحت ، أى أنه كما يتناول مسائل جزئية بمعنى ما ، كان التعدد تقسيما للعمل السياسي .... حتى أن الوحدة تتحقق ، وتتكون الكتلة فى الأوقات الحاسمة ، أى بالضبط عند طرح القضايا الرئيسية " (33 ) . وتنطبق فى الواقع هذه الحقيقة على أحزاب الطبقات المستغلة ، مهما كانت تلاوينها وإتجاهاتها وتناقضاتها حتى مع قسم مهيمن من طبقة ما ، ففى المنعطف الحاسم حين تواجه الطبقة السائدة هبة أو أنتفاضة ثورية ، أو حتى حركة جماهيرية واسعة النطاق ، فإنها تلقى بخلافاتها جانبا لتواجه عدوها الرئيسى ، آنذاك يختفى التمايز الثانوي بينهما ليبقى التماثل الجوهرى ، وترفع راية مصالحها الإجماليه على حساب مصلحة أى من أقسامها ، حتى أنها تكون على إستعداد تام لقبول أشكال معينه للحكم ، بونابرتيا ، أو عسكرياً ...، على سبيل المثال . ولكن إذا كان هذا حال الطبقات الإستغلالية التى تعى مصالحها عبر مثقفيها وأيديولوجيها ، وتمد شبكاتها الفكرية والسياسية والتنظيمية على مستوى المجتمع بأكمله ، إستناداً إلى سيطرتها الإقتصادية ونفوذها الأيديولوجي الذى يتغلغل فى وعى كافة الطبقات فى المجتمع ، فإنها من ثم تكون أقدر على أن تجمع شتاتها فى المنعطفات الحاسمة لتشكل قبضة واحدة فى وجه عدوها الطبقى الذى يتهيأ للإنقضاض عليها . نقول ، إذا كان هذا هو حال الطبقات الإستغلالية ، فليس هذا هو حال الطبقة العاملة التى تناضل فى نطاق المجتمع الرأسمالي ، لأنها مستلبة الوعى ، بسبب تأثير الأفكار السائدة التى تفتتها وتحول أقسام منها أو فئات إلى ذيول مباشره للبورجوازيه ذاتها ، ومن ثم فإنها دون حزب ثورى يضرب بجذوره فى تربتها ويضم بين صفوفه طليعتها ويسعى لتغيير المجتمع ثورياً تكون "لاشيئ". ، والحزب الثورى مهما كانت إمكاناته ونفوذه وقوته ، فهو فى التحليل الأخير لا يتمكن من فرض أيديولوجيته على الطبقة العاملة فى نطاق المجتمع الرأسمالي ، لذلك ،فإن أحزابها لا تلتقى فى المنعطفات الحاسمة ، الإ وفقا لقوة ونفوذ الحزب الشيوعي الطليعى ، الذى يتمكن عبر الصراع ضدها من عزل خطها الفكرى والسياسي والتنظيمى على بعض أقسام الطبقة العاملة . ولذا تبدو وفكرة تعدد الأحزاب العمالية (34 ) كفكرة مجردة ، معزولة عن شروطها التاريخية فى كل بلد على حدة وفكرة رجعية ، لأنها تهدر قيمة الحزب العمالى الماركسى من ناحية كونه أنضج تعبير واع عن الطبقة العاملة ، ولأنها تتهادن مع عفوية الطبقة العاملة التى لا تقود بالضرورة إلى مواقف ثورية ، ولتنتذكر كيف خفق قلب الطبقة العاملة فى ألمانيا النازيه وإيطاليا الفاشيه لكل من هتلر وموسولينى ، كما خنق قلب الطبقة العاملة المصرية للإشتراكية البيروقراطية . وينبغى أن ننوه إلى أن إشارتنا لتكتل البورجوازية وأحزابها فى المنعطفات الحاسمة ، خاصة أوقات الأزمة الثورية ، لا يعنى على نحو حتمى ، أى لا تاريخى ، تحولها إلى كتلة رجعية واحدة ، أى تجمع بلا تناقضات ، فحديثنا يجرى عن "ميل تاريخى " ، عن وجهة إجتماعية عامة ، وليس أمراً محتوماً ، والحزب الشيوعي بنفوذه يمكن أن يجتذب أقساماً من الطبقات السائدة ، وأن يستفيد من تناقضاتها بتعميقها ، ومن ثم إضعاف الطبقه السائده ككل . وجرامشى حين يناقش هذه المقولة ، فيبدو كما لو أنه يحدد قانون حتمياً ، إلا أنه لا يعنى سوى "قانون وجهه" لا أكثر . " فمادمنا على قدر كاف من القوة كى نستولى على السلطة ونحقق مبادئنا فلا مجال للكلام عن كتلة رجعية واحدة ، معارضة لنا" (35 ) . ويتجاهل كاتبنا سؤالاً جوهرياً : أين ومتى توصلت الطبقة العاملة بنفسها ودون حاجة للمثقفين الثوريين المنظمين فى حزب إلى الوعى العلمى ، وعملت تحت راياته ، وحققت الأهداف الإشتراكية والشيوعية ... فهل وصلت كومونة باريس أو ثورة سنه 1905 إلى الوعى الشيوعي العلمى ؟ ولكن كاتبنا يبشر بالعفوية وينتقص من أهمية الوعى ، لذا من المنطقى أن يقوده هذا إلى المطابقة مرة بين الحزب والطبقة ، ومن ثم الوعى والعفوية ، حتى يصل الى اهدار قيمة الحزب الواعى المنظم والقائد الثورى للطبقة العاملة ، فيحاول التمييز من جانب بين " الإلتحاق" بالحركة التاريخية (النوع الماركسي الإنجليزى) والوقوف فى "طليعتها" ( نوع بلانكى – كاوتسكى – لينين) ولكنه لا يقول هل كان مؤسسى الماركسية ، ماركس وإنجلز ، فى الطليعة/ فى القيادة ، أم كانا " ملتحقان" بها أى فى ذيل الحركة التاريخية ؟ ويحاول من جانب آخر ، أن ينتقد كون الماركسية علماً – أى وعياً- بعد أن كانت سلاحاً ، وهو لا يدرك أنها كانت علما وبالتالي سلاحاً نافعاً، فليست الماركسية سلاحاً بمعنى قطعة من الحديد ، بل هى مذهب علمى ، منهج أفكار وأراء ، وبقدر علمية هذه الأشياء فقد إستطاعت أن تكون سلاحاً نظرياً علميا فكرياً – للطبقة العاملة . ( أنظر : التنظيم الثورى الحديث ص.ص. 40-41 ) . رغم أن تحويل الماركسية من "سلاح" إلى علم لم يتم على أيدى الأممية الثانيه وقادتها ، بل على يد مؤسسيها ، فمعروفة هى رسالة ماركس وإنجلز إلى بيبل / وليبكنخت وبراك وآخرين – مؤرخة فى 18 سبتمبر 1879 – التى يحذران فيها من قبول مثقفين بورجوازيين لم يتخلصوا من مفاهيمهم القديمة ، ويتجهون إلى تكوين نظريات مشوشه وذلك " بدلا من الدراسة المعمقة للعلم الجديد "، ومعروفة هى أيضاً مقدمة إنجلز لكتاب، حرب الفلاحين فى ألمانيا ، التى يدعو فيها لدراسة علم الماركسية من قبل القادة دراسة معمقة ، وبالأحرى فإنهما أسميا شيوعيتهما بالشيوعية العلمية ، فى مواجهة الاشتراكيات الطوباوية ، ومن ثم فكل علم هو سلاح بمقدار ما هو علم ، أى بمقدار ما يستند على معرفة القوانين الموضوعية طبيعية كانت أم إجتماعية ، ويعكسها فى المفاهيم النظرية بدقة وأمانة ، وكانت مأساة الأممية الثانية لا علميتها ، أى تخليها عن سلاح الماركسية النظرى . ويصل الخطأ إلى مداه ، لدى كاتبنا حين يصور مؤسسى الماركسية وكأنهما من "رافضى الأحزاب" فحين يتحدث إنجلز عن نهاية صلاحية شكل معين ، جامع لبروليتاريا المعمورة (أى الجمعية الأممية للعمال ) يستنتج أن هذا معناه رفض الأحزاب ( أنظر هامش ص 34 ، التنظيم الثورى الحديث) . وهنا نريد أن نقف وقفة قصيرة ، نبين فيها الروح الحزبية لمؤسسى الماركسيه ، الروح الحزبيه التى يحاول كاتبنا عبثاً تزويرها. فإضافة إلى بعض التزويرات الثانوية ، يبرز العفيف الأخضر رساله وجهها إنجلز إلى ماركس ، بعد أن خلصها من سياقها التاريخي ، كما فعل مع رسالة ماركس التى سبقتها ، ولابد أن نورد مقاطع الرسالتين كما قدمها العفيف ، لأنه أراد أن يصور ما جاء بهما وكأنه رفض للآحزاب عامة ، رغم أنهما دللا على روح حزبيه حتى بموقفها هذا ، روح التمسك الحازم بماركسيتهما. كتب ماركس إلى إنجلز فى 11 فبراير 1851 : ".... إننى سعيد جدا بهذه العزلة الحقيقية التى نجد ، أنت وأنا ، نفسينا فيها ، انها تتفق تماما مع موقفنا ومبادئنا . إن نظام التنازلات المتبادلة والتدابير الناقصة التى نكابدها فقط لانقاذ المظهر والإلتزام بالمشاطرة العلنية مع جميع هؤلاء الحمير لسخافات الحزب ، كل ذلك قد إنتهى منذ اليوم بالنسبة لنا ". ورد عليه إنجلز (13-2-1851) قائلاً : " وأخيراً وجدنا من جديد الفرصة – لأول مرة منذ زمن طويل – للبرهنة على أننا لسنا بحاجة لا لشعبية ولا لدعم حزب مهما كان وفى أى بلد كان ، وللبرهنة على أن موقفنا مستقل كليا عن هذه الحسابات الصغيرة والحقيرة . منذ اليوم لم نعد مسئولين إلا أمام أنفسنا ، (....) كيف يجوز لمن هو مثلنا يفر من المواقف الرسمية كما يفر من الطاعون أن يجد مكانه فى "حزب " ؟ وهل نبالى بـ"حزب" نحن اللذين نبصق على الشعبية ؟ (...) وما هى بالنسبة لنا أهميه "حزب" أى عصابة من الحمير ...؟ فى الحقيقية لن تكون خسارة لنا إذا لم نعد نعتبر " التعبير الصحيح والصائب " لهذه الكلاب المحدودة الأفق التى عدونا فى عدادها هذه السنوات الأخيرة ...." وفى مقطع آخر من ذات رسالة إنجلز يقول : " هذا هو الموقف الذى نستطيع أن نتخذه وعلينا أن نتخذه فى مستقبل قريب . لا فقط علينا أن لا نقبل أية وظيفة رسمية فى الدولة ، بل أيضاً علينا أن لا نقبل ، لأطول أمد ممكن ، أى منصب رسمى فى الحزب ، ولا أى منصب فى لجان إلخ ، وأن لا نضطلع بأى مسئولية من أجل حمير ، وأن ننقد نقداً لا يرحم جميع الناس وان نحتفظ فوق كل ذلك بالهدوء الذى لن تستطيع جميع مؤامرات هؤلاء المعتوهين أن تخرجنا عنه . ونحن قادرون على ذلك . موضوعيا نستطيع دائماً أن نكون أكثر ثوريه من هؤلاء الثرثارين ، لأننا تعلمنا شيئاً وهم لم يتعلموا شيئا ، لأننا نعرف ما نريد وهم لا يعرفون مايريدون " ( 36 ) إن واجبنا إذن أن نبرز خصوصية اللحظة التاريخية التى كتبت فيها هاتين الرسالتين ، وهل تعنى موقفا من الحزب بشكل عام ، أم أنها موقف من حزب معين له إنحرافاته النظرية والسياسية والتنظيمية ، وهل إستمر موقف مؤسسى الماركسية حين وجدا حركه عمالية فعلية تتيح ممارسة عمل شئ حقيقي وفعال وفضلاً " العزله الحقيقيه" ؟ بعد هزيمة ثورات 1848 تبدد الأمل الذى راود القوى الثورية فى أوروبا حول إنفجار الثورة مرة أخرى ، ففى فرنسا دمر حق الإقتراع العام ، دون مقاومة من العمال ، وأحكم لويس بونابرت قبضته على فرنسا ، وفى ألمانيا ، أسدل الستار على الفصل الختامى للثوره ، بإنسحاب البورجوازية الصغيرة من حلبة السياسة . وكانت مرحلة الركود السياسي هذه تتطلب إعادة تهيئة الحركة البروليتارية ، وإعادة تنظيم قواها للمعارك المقبلة ، دون القفز على وضعها السياسى الفعلي ، فقد كانت مرحله جذر ثورى أعقبت هزيمه ثوراتها . وظهرت فى الأفق ميول يسارية عبر عنها المهاجرون السياسيون الألمان ،آراء لا تضع فى اعتبارها الواقع بقدر ما تضع نزوعها الإرادى ، فى إصطناع ثورة . وفى مواجهة هذه الآراء كان لكل من ماركس وإنجلز رأي أخر ، فقد رأيا أن المهمة الأساسية للحزب الثورى لا ينبغى أن تكون إصطناعا كميائيا للثوره ، فضلا عن إستحاله ذلك ، وإنما دعيا ، بحكم هدوء الوضع الإضطرارى ، إلى إعادة تنظيم القوى الثورية تحت راية نظريتهما العلمية ، وربط القوى الثورية التى مزق إنتصار الثورة المضاده صلاتها ، ووقفا ضد أى نزوع يساري مغامر ، يهدد بخسائر فادحة للطبقة العاملة ، كنتيجة لآنها تضحيات غير ضرورية ، وستكون مبرراً لإرهاب الثورة المضادة . وقد إمتدت هذه النزعة اليسارية حتى طالت صفوف عصبة الشيوعيين ، ومارست تأثيراً ضاراً على مركزها القيادي . وفى جلسة اللجنة المركزية ، التى عقدت فى 15 سبتمبر 1850 حصل إنشقاق داخل المركز القيادى . ولخص ماركس الخلاف الذى نشب بين إتجاهه هو وإنجلز ، والإتجاه اليساري المغامر على النحو التالي : " إن الأقلية تستبدل الملاحظة النقدية بالدوغمائية وتستبدل الموقف المادى بموقف مثالى . فهى تعتبر رغائبها الخاصة القوى الدافعة للثورة بدلا من الوقائع الحقيقية للوضع . وبينما نخبر نحن العمال أن عليهم أن يخوضوا غمار عشر أو عشرين أو حتى خمسين سنة من الحرب الأهلية ، لا لكى يبدلوا الوضع القائم فحسب ، بل وأيضاً حتى يصبحوا مؤهلين للإستيلاء على السلطة السياسية ، تقولون أنتم لهم على العكس من ذلك أن عليهم أن يستولوا على السلطة السياسية الآن وفوراً والإ فليفقدوا كل أمل . وبينما نوضح نحن كيف أن البروليتاريا الألمانية لا تزال متخلفة ، تقومون أنتم بدغدغة العواطف القومية للحرفى الألمانى وتحيزاته بأتفه الوسائل ، وهذا بالطبع نهج أكثر شعبية . وكما أن الديمقراطيين جعلوا من كلمة شعب شيئا مقدسا ، تحاولون أنتم أن تفعلوا الشئ ذاته بكلمة بروليتاريا " (37 ) . أى أنه كان خلافا نظرياً سياسياً وجد إنعكاسه التنظيمي فى التآمر – بمعنى تنظيم مؤامرة ، كان خلافا حول طبيعة الثورة الألمانية والتاكتيكات التى ينبغى إتباعها . أى أن موقف ماركس يجد تبريره فى مواقف العصبة التى تبنتها على المستويات التى تحدثنا عنها ، ولم يكن موقفا من الأحزاب بشكل عام ، كما أن جو المنفى البعيد عن الوطن ، بما يجرى داخله على نحو ملموس ، كان يسعر من خلافات المهاجرين ويعلى من شآنها وهنا نستطيع أن نضع عبارات مثل سخافات الحزب وغيرها فى موضعها الصحيح : فكما يقول فرانز مهرنج فى كتابه عن ماركس " من الخطأ أن نأخذ تعابير " حمقى" و"حمير" و"أوغاد" على حرفتها ،إذا أنها يمكن أن تطرح من هذه الملاحظات الغاضبة ، ولكن ما يتبقى حينئذ يبين لنا أن ماركس وإنجلز كانا يعتبران على حق فى قرارهما بالإبتعاد عن منازعات المنفيين العقيمة خلاصا لهما ، فقد رضيا بقدر من العزلة ، وعلى حد تعبير إنجلز ، كي يكملا دراستهما العلمية حتى يحين الوقت الذى يفهم فيه الناس قضيتهما بشكل أفضل " (38 ). وفى كل الأحوال كانت الصراعات الفكرية بين المهاجرين تجد اهتماما منهما ، كما أنهما لم يعتزلا العمل السياسي ، وأسهما فى الصحف الشارتيه وبعدها بسنوات حين وجدا فرصة لعمل حقيقى وفعال ، أسهما فى تأسيس الأممية الأولى . وقد أشرنا فى أحد هوامش مقالنا – إلى تلك الرساله التى كتبها إنجلز إلى ا. هوروفيتش فى 27 مايو 1893 ، أى بعد ما يزيد عن أربعين عاما ، وهى تخلو من أى أثر إنفعالى حيث كتب :" إننى أعرف من خلال خبرتى الخاصه ( 1849- 1852 ) إستحاله تجنب إنشقاقات المنفييين سياسيا – إلى عدد من الإنقسامات المختلفة ، مادام الوطن الأم يبقى هادئاً . إن الرغبة الملحة فى العمل والإصطدام بإستحالة القيام بأى شيئ فعال ، يسبب فى عدد من الأدمغة الذكية ذات الطاقة تصورات ذهنيه مفرطة فى النشاط ، محاوله لإكتشاف ، أو أختراع وسائل جديدة وغالبا عجائبية ، للعمل". (39 ) على أى حال ،إذا كان ماركس وإنجلز قد إنعزلا مؤقتا – رافضين منهج الكميائيين القدامى للثورة ، وتآمر البورجوازييين الصغار ، الهادف للتعجيل الإرادى بالعملية الثورية ، بديلا عن تهيئة الطبقة العاملة للنضال الثورى الجماهيرى – فقد قبلا المشاركة فى تأسيس الأممية ، لأنها كانت قوى واقعية تمثل الطبقة العاملة وليست شيعاً تآمريه . والآن هل يمكننا أن نستخلص مع العفيف الأخضر أن ماركس وإنجلز كانا غريبين عن الروح الحزبية وعن "التعصب" الحزبى ، ألم يكن موقفهما هذا حزبيا بالمعنى النظرى السياسي ، انحيازا لمفهوم صائب فى مواجهة مفاهيم خاطئة و"بتعصب" أيضا . إنحيازا لمفهوم البروليتاريا الضرورى عن الثورة ووسائلها . عدم قبول تعايش فكرى فى اتجاه شيعى معزول وهو أمر يختلف عن وجود إتجاهات فكريه متباينه داخل حركة عمالية طبقية حقيقية . إذ يجرى فيها الصراع من الداخل ، إن جاز التعبير ، يهدف لف الطبقة العاملة حول المفاهيم الثورية الصائبة ، وكان هذا مغزى قبول مؤسسا الماركسية الإنضمام للأممية . وحتى بعد حل الأممية ، لم يستبعد إنجلز إعادة تكوينها فى شروط جديدة مختلفة ، بعد ذلك ، وقد قدم مؤسسا الإشتراكية العلمية ، كل المساعدات النظرية والسياسية الممكنة للأحزاب التى تبنت نظريتهما ، مثل الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني ، بشكل مباشر تقريبا . وفوضوية العفيف الليبرالية ، تدعوه إلى رفض " النظرية الثورية الواحدة " التى تبنتها الممارسة " البلشفية والستالينية " على حد قوله ، وهو يوحى فى سياق كتابه بأن ماركس كان متسامحاً " تجاه التيارات الأيديولوجية السياسية الأخرى داخل الحركة العمالية ، ولذا فهو يؤمن بحتمية تعدد أحزاب الطبقة العاملة ، وبتعدد أيديولوجيتها ، وهذا ما يقوده إلى الإيمان بحريه الانتقاد ، أى حرية مراجعة الماركسية . ناسياً أن مواقف مؤسسى الماركسية ، خاصة بعد أن تأسست الأممية الأولى ، كانت تهدف إلى الإنطلاقة من الأرض الفعلية لقوى الحركة القائمة ، بهدف تجاوز مفاهيمها ذاتها ، عبر الممارسة النضالية المتضافرة مع سلاح النقد النظرى ، ولم يكن نضالها المحتدم ضد شتى الأفكار الغريبه جوهرياً عن مصالح الطبقة العاملة ، إلا تطبيقا للروح الحزبية ، سواء كان ذلك ضد البرودونية ، أو الباكونينة ، أو اللاسالية ....إلخ ، فهما لم يؤمنا " بضرورة " تعدد أيديولوجيات الطبقة العاملة الذى يعنى كأمر محتوم تعدد أحزابها ، ويعنى من ثم تجاور نظريتهما الثورية ، مع أى نظريات أخرى . وقد كانا حتى أخر حياتهما ، حزبيين بأدق معانى الكلمة ، منحازين للوعى العلمى الطبقى البروليتاري ، فى مواجهة شتى التلاوين والإتجاهات البورجوازية ، والبورجوازية الصغيره . لقد كان الهدف الأساسى لمؤسسى الماركسية حين تأسست الأممية وكما أشرنا فى موضع سابق – هو توحيد الحركة العمالية بشتى تياراتها ، أن توضع أقدامها على طريق النضال الحقيقي ، من خلال القيام بنشاط مشترك ، يجمع على أرض واحده مختلف الأفكار الاشتراكية البورجوازية ، من برودونية ، وباكونينية ، ولاساليه ... ولذلك كانت الأممية أقرب لأن تكون تجمعا عماليا منها الى حزب بالمعنى المعاصر ، بعد أن ترسخ المفهوم الماركسي الذى تأسست إستناداً اليه الأحزاب الشيوعيه . لذلك فقد كان برنامج الأممية واسعا بمعنى ما – ليتلائم مع هذا الخليط المتنافر الذى لا يجمعه سوى بروليتاريتة ، وكونه قوى واقعية لها تأثيرها ونفوذها – حتى يمثل نقاط إلتقاء مشتركة بين هذه التيارات المتابينة ، وقد وضع ماركس عمداً البرنامج كذلك ... حتى يتكون جيش واحد مقاتل تحت راية واحدة . لقد كان فتح أبواب الأممية أمام كافة الإتجاهات البروليتارية ، يقصد من جهة إلى توحيد حركة الطبقة العاملة ، وأن يقوم الصراع الأيديولوجى والسياسي من داخل الشكل الذى تجمعت فيه تحت راية واحدة ، من جهة اخرى ، لم يكن بمقدور ماركس أن يقفز على واقع التعدد الفعلى للأيديولوجيات الأخرى حيث لم تكن الماركسية قد رسخت أقدامها بعد داخل الطبقة البروليتارية . ففى المؤتمر الأول لاتحاد العمال الدولى الذى إنعقد فى أواخر سبتمبر سنه 1866 ، وكان البرودونيون يشكلون ثلث أعضاء المؤتمر من بين مجموع المندوبين . وقد وجه ماركس رساله إلى كوجلمان فى هانوقر بتاريخ 9 أكتوبر سنه 1866 يقول فيها : " لم يكن فى مقدورى ، ولم أكن أرغب فى الذهاب إلى هناك ، ولكنى كتبت البرنامج لمندوبى لندن . وحصرته عن عمد فى تلك النقاط التى تسمح بالإتفاق العاجل والعمل الدؤوب من جانب العمال والتى تعطى غذاءاً مباشراً ودافعاً لمتطلبات الصراع الطبقى وتنظيم العمال كطبقه ". (40 ) لقد كان هدف مؤسسى الماركسية هو ألا تتحول الأممية الى حلقة معزولة بقفزها على أوضاع الحركة العمالية ، وكان منطقياً أن يحدث ذلك ، إذا أصرا على إستبعاد كافة المناهج الإشتراكية ما قبل الماركسية ، فقد كانت قوة الأممية كامنة فى إتساعها ، فإذا تحولت إلى أممية ماركسية ، فى وقت لم تنضج فيه آوعى عناصر الطبقة العمالية فى الوقت الذى تتبنى فيه أقسام واسعة من الطبقة العاملة لإتجاهات فكرية أخرى ، كانت ستتحول حتما إلى حلقه معزولة عن الطبقة البروليتارية بقواها الواقعية . لم يكن ذلك إذن نوع من الليبرالية لدى مؤسسى الماركسية ، أو" تجرد نزيه " عن الروح الحزبية ، بل كان أرقى أنواعها ، من مفكرين لم يحلا إرادتهما ونزوعهما ، محل التاريخ بقواه الواقعية .
ويهمنا أن نشير إلى أنه إذا كانت مهمة تحرر الطبقة العاملة من فوق وسائل حزب أو تنظيم مهما كان "- كما يقول العفيف – فمن الغريب أن تستطيع هذه الطبقة إنجاز مهامها الثورية ، دون تنظيم حزبى من خلال حركتها العفوية المحضة ، أو حتى بمساندة هامشية من الحزب ، ولكن من خلال " الحوار والتحريض الراديكالي" ، ولا تستطيع فى نفس الوقت أن تناضل ضد "إستبداد" الحزب بها . وضد محاولات فرض دكتاتورية عليها ، وأن تنتهى "مايسمى بالثورات المجالسية - كما يفهما العفيف- إلى الهزيمة دائماً . وهذا المنهج الذى يؤله البروليتاريا ويرفعها إلى مرتبه شئ مقدس على الصعيد اللفظى يحط فى الواقع من قيمة أو عى عناصرها ذاتها ، التى تشكلت فى حزب ثورى . وبديهى أن يصل ناقدنا الى نتائج كهذه تتجاهل بصفة أساسية ،مادام يدرس واقع الطبقات الاجتماعية من خلال منظورات مثالية مجردة ،وخارج المظاهر السياسية لواقع هذه الطبقات ، ولأنه يتجاهل بصفة اساسية ، أن الطبقة البروليتارية لا تصبح طبقة مناضلة انطلاقا من وضعها الإقتصادي ، وإنما عبر إنخراطها ، فى النضال الطبقى الواعى والمنظم الذى يقوده الحزب الشيوعى ، الذى يفترض أن يحتوى فى بنيته على أوعى عناصرها ، ويقوم برسم الإستراتيجية والتاكتيك الثوريين ، واضعا فى الاعتبار المصالح التاريخية للبروليتاريا ، بهدف إنتزاع السلطة السياسية ، وإقامه دكتاتورية الطبقة العاملة . وسلاح التنظيم الحزبى القادر على الدفاع عن طبقته ، هو أخشى ما تخشاه الرجعية الحاكمة ، حيث النظرية والسياسية الثوريتين ، يجسدها الحزب المنظم حولها . لقد دلل كاتبنا على عجزه التام عن فهم المنهج الماركسي وروحه النقدية ، حيث مازال يتشبث بمفاهيم أو بمواقف معينة – كتعدد الأحزاب او الإتجاهات الفكرية فى الأممية – وجدت أساسها فى شروط تاريخية محددة ، غير مدرك لمواقف ماركس ، الذى كان سيفكر بطريقة مغايرة فى شروط مختلفة . ولا يكفى – كما قال بليخانوف – أن نتحدث بإستمرار عن الروح النقدية حتى نتجاوز الدوجمائية – ومؤلفنا دائم الحديث عن الروح النقدية ولا يتجاوز بها شيئا ، فدحض اللينينية أساسه تزييف ماركس، لأنه لا يستوعب مفاهيمه من خلال خصوصيتها وعينيتها ، أو يشوه مغزاها ، جاعلا منها معيارا ماركسيا يحاكم به اللينينية ... ولنعد مره أخرى إلى ما يثيره كاتبنا . " إذا كان المطلوب ثورة إشتراكية تكون فيها السلطة المباشرة والمطلقة بيد المنتجين المباشرين لا بيد البيروقراطيين الطفيليين ، فما هى الذات الثورية ، القوة المادية التى تستطيع الإطاحة بالمجتمع الرأسمالي القائم وتحقيق هذه الثورة ، هل هى أساسا ، البروليتاريا الصناعية والزراعية متحالفة مع الجماهير الراديكالية فى المدن ( الطلبه ، المثقفين ، الشباب إلخ ) أم هى الحزب ؟ " (41 ) . ويضيف بشكل أكثر تحديداً :" هل الحزب هو بديل الطبقة العاملة وحلفاءها فى قيادة الصراع الطبقى وبالنتيجة فى قيادة المجتمع القديم كما تؤكد النظرية والممارسة البلشفية بوجه عام والستالينية بوجه خاص ، أم أن الطبقة العاملة والجماهير الثورية لا بديل لها لخوض وقيادة الصراع الطبقى حتى نهاية : الثوره ، ولا بديل لتسيير المجتمع الثورى ؟ وفى كلمه هل الطبقة العاملة قابلة للإستبدال بالحزب أم أنها طبقة لا بديل لها لا بحزب واحد ولا بجميع الأحزاب مجتمعة ". (42 ) مايواجهنا فى هذا النص الأخير وما سبقه هو معارضة الطبقة العاملة بالحزب ، وكأن الأخير ينشأ ويوجد بمعزل عن الطبقات الإجتماعية ولا صلة له بها ، وكأنه لا يحتوى على الطبقة البروليتارية الصناعية والزراعية أو الطلبه والمثقفين والشباب ...! وتحديدا أوعى عناصرها . ألا ينبغى الإشارة إلى الأساتذة والجدال معهم مباشرة حتى لو إدعى "التلاميذ" أنهم ليسوا كذلك ؟ فى الواقع ، ورغم اللعنات التى يصبها كاتبنا على رأس ليون تروتسكى ، حيث يلحقه بلينين وبلانكى وآخرين ، الإ أنه يتبنى أهم أفكاره ، نعنى النظريه التروتسكيه الشهيرة حول مفهوم "لإستبدالية لدى صاحبها الأصلى ؟ لم يكن تروتسكى أول من عارض المفاهيم اللينينية عن التنظيم ، فحتى قبل أن يطرح لينين هذه المفاهيم فى تبلورها وتكاملها ، ناهض الإقتصاديون الروس التنظيم الممركز ، ووقف بعض ممثلى النزعة الإقتصادية من أمثال مارتينوف واكيموف ضد جريدة الإيسكرا التى أنشأها لينين بسبب من " مواقفها الدكتاتورية من الطراز اليعقوبى" وقد كانت هذه هى المرة الأولى التى ظهر فيها هذا الإدعاء – كما لاحظ إيزاك دويتشر فى كتابه : النبى مسلحاً. لقد وقف تروتسكى فى البداية إلى جانب لينين وناهض النزعة الإقتصادية وإتجاهها الهجومى على التنظيم الممركز ، حتى إكتسب لقب "عصا لينين" الذى أطلقه عليه ريازانوف، وقد دافع عن وجهات نظر لينين إلى حد التطرف والمغالاة أحيانا ، فبعد أن سخر من تهمة اليعقوبية ، صور المبادئ التنظيمية التى لابد وأن تحكم حياه الحزب وفق المفهوم اللينينى وكأنها ينبغى أن تكون تعبيراً عن : " شكوك القيادة المنظمة " إزاء أعضاء الحزب " شكوك تعبر عن نفسها فى رقابه حذرة من فوق على الحزب " (43 ) ومع بدايات الإنقسام الذى حدث داخل حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الروسي وبروز الإتجاه المنشفى ، غير تروتسكى مواقفه ، ووقف إلى جانب المناشفة وتبنى وجهات نظرهم التنظيمية وإتهم لينين بأنه يحاول أن يخلق حزبا ضيقا من المتآمرين ، يتناقض مع مفهوم حزب للطبقه العامله ، وبالغ فى تقديره للعفوية ، حتى إعتبر أن الاشتراكية مؤسسة على غريزة العمال الطبقية ، وعلى طاقاتهم الكامنة القادرة على إدراك المهام الطبقية ووفقا لهذا المفهوم عن الوعى الطبقى الغريزى الناشئ عن وضع إقتصادى معين ، طالب تروتسكى بأن يفتح الحزب أبوابه على مصاريعها أمام العمال . وأتهم لينين بأنه من "محبى السلطة" وأنه يريد فرض" حاله حصار" على الحزب ، بهدف إحكام قبضته الحديدية ، وبذلك يمهد الطريق أمام " تروميدوري الإنتهازية الإشتراكية " وزعم أن لينين يريد إستبدال البروليتاريا المتطورة سياسيا بمنظمه ضيقه من المتآمرين ، وأنه يتعالى على نشاطات الجماهير العفوية ، إستنادا الى مفهوم لينين عن نقل الوعى من قبل المثقفين الثوريين إلى الطبقة العاملة ، من خارجها . وخلص تروتسكى إلى أن هذه النظرية هى نظرية تيوقراطية أردثوذكسية "، وأن هذا المفهوم يلائم حزبا يريد أن يحل نفسه محل الطبقة العاملة ، وأن يتصرف باسمها من أجل أهدافها ، مستديراً لما يشعر به العمال أو يريدونه ، من الناحية الفعلية . وفى كراسه "مهماتنا السياسية " بسط تروتسكى نظراته التنظيمية التى بلور فيها مفاهيمه الرافضة للمفهوم اللينينى عن الحزب الثورى . كما أنكر دور الحزب ومثقفيه الثوريين فى حمل الوعى الإشتراكي إلى حركة الطبقة العاملة العفوية من خارجها . وبلور وجهة نظره فى النزعة الإستبدالية ، حيث رأى أن نظريه لينين تفضى إلى أن :" تحل منظمة الحزب أولاً محل مجمل الحزب ، ثم تحل اللجنة المركزية محل المنظمة ذاتها وأخيراً سيحل دكتاتور فرد محل اللجنة المركزية ... (45 ) والاستنتاج المنطقى بالتالي من هذه الدورة الإستبدالية : هو أن يحل الحزب نفسه وبمجمله محل الطبقة العاملة : ويبدوان تروتسكى آنذاك قدم إبداعاته الخاصة فى بلورة نظرة مارتوف المنشفية واكسلرود اللذان أرادا حزبا ذو قاعدة واسعة ، على نمط الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية . فالحزب الجماهيري من الطراز الاشتراكي الديمقراطى الذى تسيطر عليه الطبقة العاملة ، والموجه ديمقراطيا هو الحاجز الوحيد ضد الاستبدالية – ونقول عرضا هنا أن كافه الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية قد اعلنت إفلاسها ، بإندماجها فى مجتمعاتها البوجوازية ، واتباعها النهج الإصلاحى فى وسائلها أو فى أهدافها ، فهى لم تحقق أهداف الطبقة العاملة فى الثورة الاشتراكية ، فالاحزاب الجماهيرية صاحبة القواعد الواسعة ، ليس من الحتمى أن تكون ثورية بسبب من اتساعها الجماهيري بالذات – وذلك من وجهة نظر رواد المناشفه ، أما أتباع التروتسكية المعاصرون فيرون أنه لابد من النضال فى اتجاهين ضد العدو الطبقى وضد الحزب – حزب الطبقة البروليتارية ذاتها – لقطع الطريق على الإستبدالية كما أن العفيف الأخضر يقول نفس الشيئ "إن على البروليتاريا عند كل ثورة قادمه – كما كان عليها فى جميع الثورات المهزومة الماضية – أن تستعد دفاعا عن شكل ومضمون ثورتها ، لمواجهة عدوانين لعدوين متحالفين فعليا عليها : عدوان البورجوازية عليها من خارجها وعدوان الأحزاب والنقابات البيروقراطية عليها من داخلها ". (46 ) على أى حال ، كانت إحدى النتائج المنطقية لمفهوم تروتسكى هذا ، هو الاعتقاد الشمولى بأن الدور الوحيد الذى يمكن أن يقوم به المثقفون الثوريون هو إحلال ذواتهم ، من خلال الحزب محل الطبقة العاملة ، وفى إحدى مقالاته التى كرسها للمثقفين الروس ، أهال التراب على فتقفى الحركه الثوريه الروسيه ، من الديسمبريين والنارودنيك حتى الماركسيين ، على أساس تصوره بأن الدور الوحيد الذى قاموا به ، كان دوما ، دوراً إستبداليا ، حيث نصبوا أنفسهم كبدائل عن طبقات إجتماعية فعلية ، إدعوا حق تمثيلها . وقد كان الإستنتاج الوحيد الذي يمكن الخروج به من مثل هذا الموقف إزاء المثقفين الثوريين الروس هو على حد قول نيقولا كراسو : إن دخول المثقفين الى حلبة الحياة السياسية هو فى حد ذاته إغتصاب على حساب البروليتاريا . لقد اردنا بالعرض السابق لمفاهيم تروتسكى حول النزعة الإستبدالية أن نبرهن من ناحية على أن العفيف الأخضر ، لم يكن سوى مقترض لآراء تروتسكى فى هذا الصدد – ومن ناحيه أخرى ، فلأن عرض أفكار المنشئ الأصلى والجدال معها أوفق من الجدال مع مقتبسها. وإذا كان كاتبنا فى غالب الأحيان يعارض الطبقة العاملة بحزبها ، وعفويتها بضرورة وعيها ، فهذه مواقف لا يحتكرها على الصعيد النظرى . ففى الواقع تتداخل لديه ، كما تتداخل لدى غيره من متبنى هذه الاتجاه ، هاتين المسألتين المترابطتين فى الواقع . والأن ما هو الموقف من الاتجاه القائل بالنزعة الإستبدالية ؟ إن خطأ هذا المفهوم يتعين فى مطابقة الطبقة العاملة بالحزب ، الخلط بين الجزء والكل ، عدم تمييز وضع الطبقة فى البنية الاجتماعية والاقتصادية عن إحدى مكونات البنية الفوقية . عدم فهم العلاقة بين الطبقة والحزب فى الشروط التاريخية بتقديس العفوية الجماهيرية الى أقصى حد ، والإهدار التام لدور الطليعة المنظمة ضمن البروليتارية ذاتها ، وتجاهل دور المثقفين الثوريين ، من خلال نظرة تتسم بضيق أفق عمالى . فالطبقات الإجتماعية هى مجموعات من الناس تتمايز كل منها عن الأخرى بالموضع الذى تشغله فى نظام للإنتاج الإجتماعى محدد تاريخيا ، بعلاقاتها بوسائل الإنتاج ، ودورها فى التنظيم الاجتماعى للعمل ، وتبعا لذلك بكيفية حصولها على نصيبها من الثروة الاجتماعية . أما الحزب فهو ذلك الجزء الواعى من الطبقة ، الفصيل الطليعى المنظم فيها ، الذى يقوم بنقل الوعى إلى سائر أقسامها ، لإعطاء حركاتها طابعا واعيا بأهدافها التى ينبغى أن تحققها ، هو الفصيل المرتبط عضويا بالطبقة البروليتارية ، القادر على اعطائها وعى مكانتها فى المجتمع ، ودورها الثورى فى الإطاحة به ، من أجل بناء نظام إجتماعى جديد ، عبر قيادته للصراع الطبقى بمجمل جوانبه ، الصراع الهادف للتطويح بالسلطة الطبقية البورجوازية ، وإقامه دكتاتورية البروليتاريا . وقد سبق أن أشرنا إلى أن إفتراض تجانس الوعى بين صفوف الطبقة العاملة فى ظل الرأسمالية أو تصور أن الوعى هو نتاج حتمى لوضعها الاقتصادى الذى تشغله ، هو الذى يؤدى الى التقليل من دور الحزب وإعلاء قيمة النشاط العفوي القادر على انجاز الثورة الاشتراكية . والمقولة التى تلزم هنا ، هى إمكانية تحقق الثورة الاشتراكية بعفوية الجماهير وحدها . ويكتسب الحزب الشيوعي ضرورته من دوره فى نقل الوعى للبروليتاريا ، الذى يأتيها من خارجها ، أى من المثقفين الثوريين ومن خارج دائرة نضالها الاقتصادى ، كما أن واقع تفاوت وعى الأقسام المكونة للطبقة العاملة ، هو ما يمنح للحزب ممثلا فى العناصر الطليعية القادرة على أن يكون أداه قيادية ناظمة . فلو كان الوعى حتميا كثمرة للوضع الاقتصادى ، ولو كانت الطبقة العامله تستلهم وعيها من السماوات ، أو بالميلاد والغريزة ، لما كانت هناك حاجة ولا ضرورة لآى حزب يقودها أيا ما كان نمطه ، ففى تلك الحالة يتطابق الحزب مع الطبقة كما يتطابق الوعى مع العفوية ، ومن ثم تكون الطبقة ذاتها هى "حزب نفسها " . والحال هو أن الامر غير ذلك كما أشرنا فى مواضع سابقة . فالواقع الفعلى للطبقة العاملة يبرهن على أنه لم تحدث واقعة تاريخية واحدة ، تبرهن على صحة هذه المقولات ، فالثورات الإشتراكية التى تحققت وأيا ما كانت مصائرها لم تكن نتاجا محضا للحركة العفوية . من ناحيه أخرى إذا أزحنا جانبا المناهج التأملية ، التى تنظر لى الطبقة العاملة من خلال تصورات رومانسية ، فإننا نجابه بحقيقة عدم تماثل الطبقة العاملة من الناحية الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية ، وهو ما يعنى تفاوتا ضخما فى الوعى بين أقسامها المختلفة ، وهو نتاج حتمى للنظام الرأسمالي ذاته الذى تلعب أدواته الأيديولوجية والسياسية الدور الأساسي فى إستلاب وعى البروليتاريا وتحويل أقسام منها الى سند إجتماعي للبورجوازية ، كالإنتهازية العمالية ممثلة فى أرستقراطيتها . وإن الواقع المميز للأحزاب العمالية فى البلدان الرأسمالية – وخاصة فى البلدان المتخلفة – حيث تتعرض الجماهير العمالية لمظاهر شتى من الإضطهاد ومن ضمنها الإضطهاد الثقافى ، أى إنتاج سياسيات التجهيل الذى لا يتيح لها تنمية وعيها ،- هو كون العمال الواعين يشكلون أقلية دائما بالقياس الى الطبقة فى مجملها ، ولا يستطيع الحزب العمالى الشيوعي أن يفتح أبوابه الإ أمام هؤلاء ، فهم فقط الذين يكون بمقدورهم قيادة الجماهير المستثمرة . لذا فإن الحزب لا يمكن ولا ينبغى له ، أن يحتوى على الطبقة العاملة فى مجملها ، أو حتى غالبيتها الساحقة ، وأن يضمها الى صفوفه ،وإن كان ينبغى أن يقودها ، لأن دوره الثورى يقتضى أن ينظم فى صفوفه ، أوعى العمال طبقياً ، أى العناصر الطليعية ، ولا يستطيع أن يتخلى عن طليعيته ، ويهبط إلى حد ضم أكثر العمال تخلفا فى صفوفه ، من أجل ألا يوصم بالاستبدالية . وفى كل بلدان العالم لا يضم الحزب سوى نسبة محدودة من الطبقة العاملة ،أقل من نسبة أعضاء نقاباته أو المصوتين له فى الانتخابات ...إن كان علنيا. إن تصور طبقة عاملة نقية ، هو إنحراف إقتصادى ، نزعه رومانسية لا ترى الواقع العيني للبروليتاريا ذاتها ، وإنما تضفى عليها تصورات غريبة عنها ، من خارجها " ، فإذا كانت هناك عناصر طليعية داخلها ، ففيها أيضا العناصر "المتذبذبة" والمتأخرة ،التى لا تملك أية مفاهيم ثورية ، بل بالآحرى تمتلك أحيانا وعيا زائفاً رجعياً .. الحزب واسع القاعدة ، أى " الحزب - الطبقة" ، الذى تكون فيه الطبقة الإجتماعية هى الممثل السياسى ، ينطوى على مفهوم معين يجعل هذا "الحزب" خليطا مائعا، يحتوى ذات العناصر والأقسام المتخلفة والتيارات الرجعية التى تمور داخل الطبقة نفسها ، وهذا معناه إغراقه الفصيلة المتقدمة ،أى الطليعة فى خضم التأخر . وجوهر الخطأ فى فكره الإستبدالية ، هو إيجاد علامة التساوى المجرد ، المثالى فلسفيا والغير تاريخى ، بين الحزب والطبقه ، أى المطابقه بين الإثنين ، فالحزب هو الطبقة – أو ينبغى أن يكون كذلك – والطبقة هى الحزب ، وهذا هو المخرج الوحيد ضد الإستبدالية . إن هذه المطابقة التى تهدف الى انشاء تماثل بين هويتين مختلفتين ، يفترض تطابقا بين مستويين مختلفين تماما داخل النظام الاجتماعي ، فالطبقة يجري تحديدها من خلال دورها فى عمليه الانتاج الاجتماعى ... إلخ أما الحزب فهو الممثل السياسي لطبقة اجتماعية ، مرتبط بها عضويا ، ينظم طليعتها ، فهو جزء من كل ، جزء واع من الطبقة ، ولكنه ليس الطبقة ذاتها ... والقضايا التى تثار حين تناول علاقة الحزب بالطبقة فى وضع تاريخى محدد، لا يمكن أن يستغرقها هذا المفهوم المثالي عن الإستبدالية ... الذى أصبح يقدم كتفسير جاهز لعلاقه كافه الأحزاب اللينينية بكافة الطبقات العمالية ، فى كل البلدان . وهذا المفهوم ، يحول فى الواقع دون دراسة خصوصية العلاقة بين الحزب والطبقة فى بلد معين، أو فى فتره تاريخية معينة ، مادام يلجأ لتفسير جاهز مسبق ، تفسير مثالي وغير تاريخى (47 ) . فى مقاله ماركسية تروتسكى ، إنتقد نيقولا كراسو مفهوم الاستبدالية ، بإعتباره عائقا أمام أى فهم ثورى حقيقي حيث كتب :" ومفهوما "الاستبدال" أو " تطابق الهوية " النظريان التأمليان يحولان من البداية دون أى تحليل دقيق للطبيعة النوعية لعمل الحزب الثورى ، وتآثيره على (وفى) الطبقة العاملة كما حدد لينين . وهما بمثابة دليل على العجز الجذرى عن رؤية الدور المستقل ذاتيا بالضروره للمؤسسات السياسية بوجه عام وللحزب الثورى بوجه خاص ، عن القوى الجماهيرية فى إطار تشكيلة إجتماعية محددة فى التحليل الأخير بالاقتصاد" (48 ) كما أنه يتجاهل الإستقلال النسبى لمكونات البناء الفوقى المرتكز على أساس إقتصادى محدد والمدافعين عن الطبقة العاملة ضد مخاطر إستبدالها بالحزب يهيئون بمفاهيمهم حول أحزابهم " الثورية الجديدة " الشروط الفعلية " لإستبدالية" عميقة ومحكمة . كيف ؟ إذا كان الحزب يجب أن يشمل الطبقة بأسرها ، فمعنى هذا من ناحية هو غياب أيه وحدة أيديولوجية أو سياسية – تعدد لأيديولوجيات = تعدد الأحزاب – وأيضا إفتقاد الوحده التنظيمية ، بحكم المبادئ التى تسيره وتسمح بحرية المراجعة ، وبوجود التكتلات والاتجاهات ، والإنتقادات ، أى حرية مراجعة الماركسية ذاتها ، ثم شموله لكافة الإتجاهات والأقسام التى تعكس الأيديولوجيات والسياسات الغريبة عن الطبقه العاملة ذاتها . أى على نحو أوضح ، مرتع لنفوذ الطبقه الحاكمة من الناحية الفعلية .. ففى مثل هذا الحزب الواسع الذى لا فرق فيه بين عامل طليعى ،أو مثقف ثورى ، وبين أى عامل متخلف خاضع لتأثير الوعى الزائف ، لا بد من وجود "جهاز" ينظم هذه الكتلة الضخمة ويقيم الصلات بينها ، وهو جهاز لابد أن يتسم بالتضخم ... من ناحيه أخرى ، من الصعب أن نفترض فى مثل هذا الوضع قيام حوار نظرى أو سياسي حقيقي ، أو أن تنشأ قيادة جماعية تشمل كامل الحزب ، تقوم على التسيير الذاتى لهذا التنظيم ، مادام يحتوى على أيديولوجيات مختلفة وإتجاهات متباينة ، سيكون أقرب إلى الحلف أو الإتحاد ، أو المنظمه الجماهيريه غير الحزبيه . وعلى سبيل المثال ، فإن القدرة على الإسهام فى القيادة الجماعية للحزب بما يحقق الأهداف التاكتيكية والاستراتيجية للبروليتاريا يتطلب صراعا وحوراً داخليا على الأصعدة النظرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية ، فمن أين للطبقه العامله بمجموعها أو بغالبيتها بالقدرة على التى تتمكن بها من ممارسة ذلك، فى ظل النظام الرأسمالى الذى لاتتيح شروطه الا لطليعتها جدية تحقيق اهدافها بما يتطلبه على صعيد العمل الجماهيري ، أو على مستوى التنظيم الداخلى . فى مثل هذا الحزب "الواسع" الذى أشرنا إليه لن يقود هذا الإ الى عدم القدرة على الاسهام الحقيقي فى عملية التسيير الجماعي .... ثم حتمية ولادة البيروقراطية ، والشللية ....والانتهازية ، وبإختصار كافه الشرور المنطقية ، والتى لن تكون من صنع الخيال. إن المفهوم الهزلى عن الاستبدالية لا يفسر كيف يمكن لكتلة أن تقوم بإحلال نفسها محل الطبقة العاملة ، والأمر المنطقى من خلال كل ما سبق هو أن ذلك غير ممكن ، فهل يمكن لحزب أن يفرض إرادته على طبقة بكاملها إلى الأبد . من ناحيه أخرى فإن الأحزاب الثورية كما تبرهن التجربه تعتمد على الجماهير ، فهى القوة النشيطة الفعالة ، ولا يمكن لأى حزب ثورى أن ينظم أعمالا ثورية تمتد لحقب من الزمن الا بالاستناد الى الطبقة العاملة وبدعمها المباشر ، وهو لا يقوم الا بقيادة الاعمال التى يساندها التأييد الطبقى البروليتاري فاذا كان لا يمكن لحزب ان يحتوى على الطبقة بأسرها ، فهو من ناحيه أخرى لا يستطيع أن يحل محلها فهو جزء واع منها فحسب . ومواقف الحزب لا يمكن تجسيدها فى النشاط العملى الا بقناعة الطبقة التى يمثلها ، إراداتها ورغبتها ، وإستعدادها الحازم لتطبيقها ، وهو ما يبين مدى إلتفافها الواقعى حول هذه المواقف . وهذا لا يعنى من ناحية أخرى أن الحزب لا يرتكب أخطاءاً ، وبالاحرى ليست هناك ضمانة ما يمكن اعطائها . ولكن هناك أسس صحيحة تحكم العلاقة بين الحزب والطبقة ، وهى تتمثل فى اكتسابه لنفوذه من خلال ثقة الجماهيربه ، وبصواب قيادته، إعتماداً على سلامة مواقفه التى برهنت عليها تجربة الجماهير الخاصة ... إنتهاجه على الدوام لسياسة صحيحة تتوافق مع مصالح الجماهير ، وقدرته على تغبير مواقفه متى مادعت الحاجة الموضوعية لذلك ، وإتخاذه موقفا جديا من أخطاءه ونواقصه ، إذا ماكشفت عن ذلك الممارسة الواقعية . وعدم فرض هذه المواقف بالقوة – بعد إنتصار الثوره – إذا لم تكن النواة الأساسية فى الطبقة العاملة قد تبنتها ...إلخ والإخلال بهذه الشروط يمثل معارضة للطبقة ، وإنتهاكا للعلاقات المبدئية معها . وهو أمر يختلف بالطبع عن الترهات الإستبداليه ، فيمكن لعلاقة الحزب بالطبقة أن تختل ، ولكن ما من حزب ثورى لم يرتكب أخطاء، والمهم أن يكون قادراً على تجاوزها دائماً موجز القول : أن هناك أخطاء نظرية تطابق بين الممِثل والممَثل ، أى الحزب والطبقه ، وبين الوعى والعفويه ، وهذه المفاهيم لا تنتمى الى دائره المفهوم الماركسي ،كما أنها مفاهيم قديمه ،ليس لناقدنا الفضل فى إبداع أى منها ، "فالتنظيم الثورى الحديث " الذى تشكل هذه المفاهيم قانون ايمانه ، هو تنظيم قديم تجاوزته الماركسيه اللينينيه. *فقد من هذا المقال الملحق الذى كان يتناول آراء كورنيليوس كاستورياديس الذى تضمنها كتابه " البروليتاريا والتنظيم " . هوامش 1 - يختلف الوضع قبل إنتصار الثورة عنه بعدها ، ففى المرحلة الأولى لا توجد قيادات بالجملة ، ربما يمكن تربية قادة على نحو أوسع فى ذلك المجتمع الاشتراكي ومن هنا يكون صائباً فى المرحلة الثانية عدم إحتكار القيادة لفترات طويلة . ونحن هنا نتحدث عن أحزاب مازالت تناضل من أجل السلطة. 2 –مصائر مذهب كارل ماركس التاريخية ، لينين ، مختارات ص 17 – الطبعة العربية – دار التقدم - موسكو 3 - التنظيم الثورى الحديث . العفيف الأخضر ،صـ 9، دار الطليعة ، بيروت. 4 - فإلانحراف ليس اتجاها كاملا بعد. والإنحراف شئ يمكن إصلاحه. إن أشخاصا قد ضلوا الطريق أو بدأوا يضلون عنه ، لكن مازال فى الإمكان تقويمهم ". لينين .فى تقريره للمؤتمر العاشر حول وحدة الحزب والانحراف النقابى الفوضوى. 5 - لا ندرى ماذا يفعل مؤلفنا لو منعت كتاباته فى نظام إستبدادي بوليسى، هل سيصمت، ويكف عن أى عمل علني جماهيري لا يعود متاحاً ، أما سينقل قيادة التنظيم المجالسي للخارج فى مجال يسمح لها بحرية الحركة ، إنتظارا لقرار من السلطة الحاكمة بإستنئناف النشاط : هل السرية ولع مرضى من المثقفين الثوريين. أم أن سلطة الدولة بقوانين عقوباتها وبإعلانها لأحكام الطوارئ وبمصادرتها الحريات الديمقراطيه هى المحرض الحقيقي على ذلك ؟ 6 - ضد الجمود العقائدى والإنعزالية فى الحركه العمالية ، مقال الخلافات فى الحركةالعمالية الأوروبية ، لينين، صـ85 7 - حين تكون حركة الطبقة العاملة وصراعها الطبقى فى وضع متدن – طبقه عاملة غير مسيسة ، أى غير واعية بأهدافها ، فإن هذا ينعكس بالضروره على الحزب الثورى أو المنظمة أو المجموعة الثورية وفقاً لواقع الحال . 8 - ينسى الكاتب أن الثورة الديمقراطية من الطراز الإغريقى ، كانت ديمقراطية ملاك العبيد . أنظر كتاب السياسه لأرسطو . ترجمه أحمد لطفى السيد. 9 - مفكروا البروليتاريا ذوى الأصل العمالى مثل وايتلينغ أو برودون رغم عبقريتهما ، فلم يستطع الأول ان يتخطى "الحرفى الألمانى" ولا أن يتخطى الثانى "البورجوازيه الفرنسيه الصغيره" وفقاً لتقييم فرانز مهرنج . وكان ماركس قد أشار إلى أن "العمال عندما يهجرون العمل ويتحولون إلى كتاب محترفين يكون دائماً السبب فى مشاكل نظرية ". 10 - كارل ماركس . تأليف فرانز مهرنج ، صـ 342 . ترجمه خليل الهندى- دار الطليعة ، بيروت 1972. 11 - لا ندرى من خلال أى عبقرية ذاتيه إكتشف العفيف الأخضر .أن (الحزب التاريخى بأكمل معانى الكلمه " الذى تكلم عنه ماركس فى رساله إلى فرايليجراث فى(29 فبراير 1860) يشير إلى مجموع القوى التى بواسطتها يتجلى"نشاط البروليتاريا الذاتى" "تحرر البروليتاريا الذاتى " والحكومة الذاتية للمنتجين " ؟ أنظر التنظيم الثورى الحديث ، صـ 26 . 12 – علم الثورة فى النظرية الماركسية . يورى كرازين . ص 141 سمير كرم ، دار الطليعة – بيروت 1975 . 13 - قاد هذا المفهوم الجبرى والعفوى إلى الإصلاحية ، وهو إتجاه معادى للمبادرة التاريخية ، والجملة الثورية لدى العفيف تموه على روح التعااون الطبقى والخضوع للطبقات الحاكمة من خلال عفوية الطبقة العاملة التى يبشر بها ، وعبر رفض التنظيم الممركز القادر على الدفاع عن نفسه باللجوء للعمل غير الشرعى وتضافره مع العمل الشرعى . 14 - العائلة المقدسة ، ماركس إنجلز،صـ40-صـ41 – ترجمة حنا عبود – دار دمشق للطباعة والنشر. 15 - أذهل ماركس وفدا من رابطة العمال التثقيفية الألمانية حين قال لهم "أنه وإنجلز لم يتسلما تفويضاً بتمثيل الحزب البروليتاري من أحد غير نفسيهما ، وأن ذلك ما أكدته الكراهية العامة الشاملة التى خصتهما بها أحزاب العالم القديمة ". أنظر فرانز مهرنج ،صـ 226-صـ227 . 16 - مختارات هيجل – جزء أول ،صـ13 ، ترجمة إلياس مرقص – دار الطليعة – بيروت – يونيو1978. 17 - الفوضوية ، والنقابية الفوضوية، ماركس ، إنجلز، لينين" ترجمه حمدى عبد الجواد. دار الثقافه الجديدة. الطبعة الأولى . 1976 /صـ33 18 - كارل ماركس – تأليف روجيه جارودى .صـ 279 . تعريب جورج طرابيشى . دار الأداب ، بيروت. 19 - المصدر السابق- صـ 253 20 – المصدر السابق ص 253 21 - "إننى اعرف من خلال خبرتى الخاصة (1849-1852) إستحالة تجنب إنشقاقات المنفيين سياسيا الى عدد من الإنقسامات المختلفة ، مادام الوطن الأم يبقى هادئاً .إن الرغبة الملحة فى العمل والإ صطدام بإستحالة القيام بأئ شيئ فعال ، يسبب فى عدد من الأدمغة الذكية ذات الطاقة تصورات ذهنية مفرطة فى النشاط ، محاوله لإكتشاف ، أو اختراع وسائل جديده ، وغالبا عجائبية، للعمل . رسالة إنجلز إلى أ. هوروفيش ، مايو 27 مايو 1839 . 22 – كارل ماركس ، فرانز مهرنج . ص 123 23 - الفوضوية ، الفوضوية النقابية- مرجع سابق .صـ55 ، أنظرأيضا مراسلات ماركس إنجلز ، رساله ماركس إلى ف.بولت صـ136- صـ 138 ، ترجمه جورج طرابيشى . 24 -أنظر: محاضر المجلس العام للأممية 1866- 1868 – ترجمه حمدى عبد الجواد ، دار الثقافة الجديدة. 1978. 25 - يشير ماركس الى بولت فى رسالته مشدداً على أهمية الوعى الطبقى :" وحينما لا تكون الطبقة العاملة قد تقدمت بما فيه الكفاية إلى الأمام فى تنظيمها لتشن حملة حاسمة ضد القوى الجماعية، اى القوى السياسية للطبقات المالكة ، فلابد على كل حال من أن تثقف بهدف ذلك عن طريق تحريض متواصل ضد الموقف المعادى الذى تقفه منا على الصعيد السياسي الطبقات السائدة . أما فى غير هذه الحال، فإنها تظل بين ايدى هذه الطبقات كرة لعب" أنظر مراسلات مختارة صـ137 ، مصدر سابق. 26 - يشير إنجلز فى رسالة إلى ف. كيل- وشنيوتسكى ، بأمريكا ، إلى أن الأممية كانت " وسيله لتذويب تدريجى لجميع هذه الشيع الصغيرة ولامتصاصها " إضافه الى "ولو كنا تشبثنا...بالانتعاون إلا مع أولئك الذين يتبنون علنا وجهاراً برنامجنا ، فأين كنا سنكون اليوم ؟اعتقد أنه عملنا كله قد دل على أنه فى الإمكان السير جنباً الى جنب مع الحركة العامة للطبقة العاملة فى كل مرحلة من مراحلها من دون أن نتخلى عن موقعنا الخاص – أو حتى تنظيمناً – المتمايز أو أنه نخفيه.." والرساله بتاريخ 27 يناير 1887 ، أنظر مراسلات مختارة صـ 196 –صـ 197 مرجع سابق. 27 - فكر غرامشى السياسي – جان مارك بيوتى ، ترجمة جورج طرابيشى ، صـ 20، صـ 21 ، دار الطليعة بيروت 1975. 28 – الأمير الحديث – انطونيو جرامشى ، ترجمة شرفان والشامى ، ص 78 – دار الطليعة بيروت 1970 29 - علم الثوره اللينينى وعلم النفس الإجتماعي : تأليف بورشينيف ، صـ12 ، مطبوعات وكالة نوفوستى . القاهرة 1970. 30 - نفس المصدر .صـ 16 . (كان شعار أنطونيوجرامشى بهذا الصدد : تلقائية واتجاه واع". 31 - - نقلا عن نفس المصدر صـ34. 32 - الأمير الحديث صـ56 . 33 - لا يمكن إعتبار توزع الطبقة العاملة فضيلة ديمقراطية ، بمعنى السعى لإكتسابها أو الحفاظ عليها ، وبالآحرى تعميمها كمبدأ مقدس مناهض " للتوتاليتاري" فإذا كانت كل طبقة تعبر عن ذاتها أكمل تعبير من خلال حزب واحد بالقياس إلى الأحزاب الأخرى ، فما هو الموقف من الآخيره. إن ذلك يتوقف بالطبع على السياسيات التى تتبناها ، فوجود هذه الأحزاب يتعرض وبالآحرى هو نتاج – لتأثير الأيديولوجية البورجوازية ، وفى غالب البلدان نرى الطبقة العاملة تتوزعها أحزاب (ونقابات) شيوعية ، أو إشتراكية ديمقراطية أو مسيحية...إلخ فهل يمكن إعتبار مثل هذا الوضع أفضل الأوضاع المواتية لإنجاز العملية الثورية ، أو ليس واجب الحزب الشيوعي أن يقودها فى إتجاه تبنى أقسام من برنامجه ، فى نفس الوقت الذى يناضل فيه لعزل خطها ، كحلقة حتمية للإستيلاء على السلطة السياسية ، أم أن عليه أن يحافظ على التعدد – أى التوزع – بل ويحرص على خلقه ، من أجل تأكيد "ديمقراطية " الأحزاب . على أى حال ، لا يمكن مناقشة التعدد كمبدأ فوق تاريخى ، يعنى وضع إنقسام وتفتت الطبقة العاملة وتوزعها الحزبي فى مرتبة المثال الأعلى . ولا تخفى بالطبع السمة البورجوازية الليبرالية لمثل هذه الأفكار ، التى تحاول نزع سلاح تنظيم الطبقة العاملة 34 - مراسلات ماركس –إنجلز ، ترجمة جورج طرابيشى . رساله إنجلز إلى كاوتسكى ، فى أكتوبر1891 ، صـ 207- صـ 208 ، دار الطليعة بيروت – أغسطس 1973. 35 - نقلا عن التنظيم الثورى الحديث . صـ 22،،23،24 . (وفى رساله إنجلز إلى ماركس فى فبراير 1851، كتب : " يستطيع المرء ، أن يعى أكثر فأكثر أن المنفى مؤسسة لابد أن يصبح المرء فيها أحمق وحماراً ووغداً وحقيراً إلا إذا إنسحب منها وقنع بأن يكون كاتبا مستقلاً لا يتعب رأسه حتى بما يسمى بالحزب الثورى ".أنظر كارل ماركس ، فرانز مهرنج صـ 186 35 - كارل ماركس ، فرانز مهرنج ،صـ165 ،صـ166. 36 - نفس المصدر .صـ 168 37 – الكتابات الاساسية لماركس وانجلز فى السياسة والفلسفة – تحرير لويس اس . فوير ، فونتانا ليبرارى ،1969 – بريطانيا ( بالانجليزية ) 38 - الفوضوية ، والنقابية الفوضوية ، ماركس ، إنجلز .ترجمه حمدى عبد الجواد ، صـ 33 . دار الثقافة الجديدة – القاهرة 39 - التنظيم الثورى الحديث . العفيف الأخضر صـ6 ، صـ7 . 40 - المصدر السابق ، صـ7 41 - النبى مسلحاً ، تأليف إيزاك دويتشر ، صـ 70 – مطبعه جامعة أكسفورد . (بالإنجليزية ) . 42 - كتب كاتب تروتسكى معاصر ناقداً ليون تروتسكى :" إن تروتسكى يتمزق فى التناقض ما بين مفهومه المنسجم الإشتراكي والديمقراطى فى معارضته لآى شكل من " الإستبدالية" ونظريته عن الثورة الدائمة . حيث الأقلية البروليتارية تتصرف كوكيل لكل الكادحين وكحاكم للمجتمع ". أنظر كتاب الحزب والطبقة – مجموعه كتاب ، ترجمه جورج طرابيشى ، مقال طوني كليف حول الإستبدادية صـ44. 43 - ماركسيه تروتسكى – مجموعه كتاب جورج طرابيشى ، صـ10 ، دار الطليعة بيروت 1973. 44 - الثورة الألمانية 1908- 1919 ، العفيف الأخضر صـ12 ، دار الطليعة بيروت 1973 45 - ماركسية تروتسكى ، مصدر سابق ، أنظر مقال : ماركسية تروتسكى . بقلم نيقولا كراسو. 46 -المصدر السابق ،صـ10- 11 47 - بعد ثلاثين عاما من هذا الجدال قال تروتسكى عن موقف لينين أنه كان سليماً من "الناحية السياسية ومن ثم ضروريا من الناحية التنظيمية ".
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فى اصطناع الفتن ( من روزنامة الثورة )
-
فى أوهام الثوريين ( من روزنامة الثورة )
-
كيف نحكم على سياسة ما ( من روزنامة الثورة )
-
حول الشعارات السياسية ( من روزنامة الثورة )
-
سياسات الحكم والسلطة والقوى السياسية - من روزنامة الثورة
-
يموت الحالم ولايموت الحلم - عن أروى ، ومحمود المصرى ، وإلهام
...
-
دوافع البلشفى السيكولوجية للثورة ا . شتينبرج
-
فى ذكرى مرور 25 عاما على رحيل أروى
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
-
حول إنتخاب إبن الديكتاتور الفليبينى ف . ماركوس رئيسا - لمحة
...
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
-
البلاشفة والإسلام - جيرى بيرن ( المقال كاملا )
-
أشباح جمهورية الخوف الناصرية - الساداتية
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
-
الرأسمالية والصحة العقلية – دافيد ماتيو *
-
سياسة بلا تنظيم ؟
-
مفهوم الإمبريالية - هارى ماجدوف
-
الشرطة الروسية ونضال البلاشفة الثورى - فيكتور سيرج
-
مقاربة ماركسية لعلم النفس والطب النفسى – جوزيف ناهيم
-
ردا على إستبيان عن بيير بورديو من أكاديمى فرنسى
المزيد.....
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
-
اليمين المتطرف يهدد الحكومة الفرنسية بحجب الثقة
-
الجامعة الوطنية للتعليم FNE (التوجه الديمقراطي) ترسل وزير ال
...
-
بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع
-
عائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري بالمغر
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|