أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ثامر عباس - مطارحات غرامشية (1) الدور التقليدي للمثقف العضوي














المزيد.....


مطارحات غرامشية (1) الدور التقليدي للمثقف العضوي


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7373 - 2022 / 9 / 16 - 14:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ليس من قبيل الاكتشاف القول إن فكريات الفيلسوف الايطالي الماركسي (أنطونيو غرامشي) استدعت ، منذ لحظة صدورها ولحد كتابة هذه السطور ، الكثير من النقاشات وأثارت العديد من الجدالات التي لم تكن تخلو من مظاهر التعصب أو التطرف في بعض الأحيان ، وذلك ليس فقط على صعيد الواقعين المحلي / الايطالي والإقليمي / الأوروبي فحسب ، وإنما على مستوى العالم بشرقه وبغربه بشماله وجنوبه كذلك . ذلك لأن مضامين تلك الفكريات تجرأت – وللمرة الأولى - على زحزحة التصورات وخلخلت اليقينيات وفكفكت الأفهومات ، لأشهر منظومة فكرية وفلسفية كانت سائدة في ذلك العصر ألا وهي (الماركسية) . ولهذا فقد وصف الفيلسوف الايطالي (كروتشي) إن غرامشي هو من (( أعظم مفكري أوروبا في هذا الوقت )) .
والحال ليست فقط تلك (الجرأة) العقلية و(المقدرة) المعرفية التي تمتع بها غرامشي ، هي ما أسبغ على أفكاره وطروحاته المستحدثة في حينها ذلك الصيت من الشهرة وذاك المدى من الانتشار فحسب ، وإنما لكونها صدرت من داخل تلك المنظومة التي ظن أنها محكمة الصياغة ومتينة البنيان ليس ميسورا"لأي كان نقد مقولاتها أو التشكيك في استنتاجاتها ، فضلا"عن أن من قام بهذه البادرة / المغامرة هو أحد أبرز قادتها السياسيين وألمع منظريها الإيديولوجيين كذلك . وهو الأمر الذي خلق له (غرامشي) الكثير من الخصوم والمناوئين سواء من داخل الحركة الشيوعية أو من خارجها ، دون أن يحظى بقدر مماثل من المساندين لطروحاته والمؤيدين لتوجهاته ، بحيث تسببت له تلك الأنشطة الخطرة والمواقف المتطرفة العديد من المشاكل السياسية المتراكمة والمعاناة النفسية المتفاقمة ، والتي لم يبرأ من عواقبها أو ينجو من تداعياتها حتى لحظة وفاته في سجون الفاشية الايطالية .
ولعل من أبرز تلك الابتكارات المفاهيمية ، والاستنباطات الابستمولوجية ، والتحليلات السوسيولوجية التي اجترحها غرامشي ، يمكن عدّ مفاهيم (المثقف العضوي) ونظيره (المثقف التقليدي) أكثرها شهرة في مجال الايديولوجيا وأشدها جاذبية في مجال السوسيولوجيا ، نظرا" لكونها سمحت للعوامل الجغرافية والثقافية والنفسية أن تكون موازية في الأهمية ، مقارنة بدور العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تشكيل البنى وتكوين الظواهر . ولكن بقدر ما أفضت تلك المفاهيم إلى تعميق معارفنا وتوسيع مداركنا لجدليات وديناميات تلك البنى والظواهر ، بقدر ما تسببت في ارتكابنا العديد من الإخفاقات ليس فقط في تحديد ماهية (المثقف) فحسب ، وإنما في التباس دور ووظيفة هذا الأخير وفقا"لأنماط تصنيفه بين (العضوية) و(التقليدية) كذلك .
وبما أن المثقفون العضويين – كما لاحظ الباحث المتخصص في حياة غرامشي وأعماله (جون كاميت) – (( الذين هم جزء من طبقة مسيطرة ، يقدمون الأشخاص اللازمين لأجهزة الإكراه في المجتمع السياسي )) ، فان ذلك كفيل بتغيير دورهم واستبدال وظيفتهم ونزع صفتهم (العضوية) وترشيحهم ، من ثم ، لاكتساب صفة (التقليدية) . أي بمعنى أن المثقف (العضوي) حين يقوم بدوره (الطبقي) ويمارس وظيفته (الإيديولوجية) ، سيكون مضطرا"إلى مراعاة مصالح الجماعة التي ينتمي إليها ويمثل توجهاتها ويحمل رسالتها ، بصرف النظر عن طبيعة الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تبشر بها تلك الجماعة ، حتى ولو كان هذا الموقف (الدفاعي) لا يمثل أو لا ينسجم مع مصالح الجماعات الأخرى في المجتمع .
ولأن دور المثقف (العضوي) – كما تنص أطروحة غرامنشي - ينصب على تمثيل مصالح الجماعة (المسيطرة) سياسيا"والمهيمنة (إيديولوجيا") ، الأمر الذي يترتب عليه استنفار طاقاته المادية وتعبئة قدراته الذهنية ، ليس فقط لتبرير مواقف جماعته وتسويغ تصوراتها وشرعنة سياساتها فحسب ، وإنما الحيلولة دون حصول تغييرات بنيوية تمس موقعها الاجتماعي ، وتهدد مصالحها الاقتصادية ، وتعرض دورها التاريخي للخطر . من هنا تشرع بدايات انسلاخه عن (عضويته) وتمظهر استحالته إلى مثقف (تقليدي) ، من حيث كونه أصبح مدافعا"عن ثبات الأوضاع الاجتماعية واستقرار النظام السياسي وداعية للهيمنة الإيديولوجية .
والمفارقة إن هذا التحول / الانقلاب (الكيفي) في الدور والوظيفة ، لا يشترط بالمثقف (العضوي) أن يكون (واعيا") به أو مخططا"له ، وإنما يحدث الأمر تلقائيا"ودونما شعور مسبق ، لاسيما وان الصلة أو العلاقة ما بين المثقف (العضوي) ونظيره (التقليدي) لم تنقطع تماما"كما أكد على ذلك غرامشي . ولهذا فإن صفة (العضوية) تحتم على المثقف الأول أن يكون ، ليس فقط مدافعا"عن مختلف الممارسات الخشنة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) لجماعته فحسب ، وإنما لإنجاح شتى محاولات الهيمنة الناعمة (الإيديولوجية والسيكولوجية والبيداغوجية) كذلك على بقية الجماعات الأخرى ، سواء تلك المشاركة لجماعته في الاستحواذ على السلطة أو تلك المقصية عنها في المعارضة ، ناهيك عن السعي لاستمالة بقايا المثقفين (التقليديين) الذين يسميهم غرامشي (حطام الطبقات) المهزومة تاريخيا".
ولعل سؤال يطرح نفسه ؛ إذا كان احتمال فقدان المثقف (العضوي) لصفته هذه قائما ، فهل يا ترى توقع احتمال أن يكتسب نظيره التقليدي صفة (العضوية) ، وعلى أي أساس ؟! . هذا ما سنعرف الجواب عنه في الموضوع القادم .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استعصاء الاصلاح في العقل العراقي : مقاربة في المعوقات والتوق ...
- معايير الاحتراف السياسي : بين الدوغمائية والبرغماتية
- جيوبولتيكا الدولة العراقية : جدلية السلطة والسيادة
- النخبة والأزمة : ظاهرة نكوص الوعي في الوسط الأكاديمي
- (القسم الثالث) شرعنة الخطاب الطائفي وتكريس القطيعة الوطنية
- تغليب الانتماء الطائفي وتغييب الولاء الوطني ( القسم الثاني)
- اعاقة التحول الديمقراطي : من المجتمع المدني الى الطائفية الس ...
- تساؤلات حول مسار المجتمع العراقي : خيارات الفوضى أم رهانات ا ...
- الهلع من المعارضة : التقاليد الديمقراطية في السياسة العراقية
- الذهنية الراديكالية : الادراك العربي بمفهوم السياسة
- نعي الوطن في وعي المواطن
- تأملات (تزفيتان تودوروف) : النقد العقلاني لهوس القوة
- تشريح الذاكرة : أحداث التاريخ وأضغاث المؤرخين
- دولة القانون وقانون الدولة : الدستور والديمقراطية (العراق ان ...
- أماكن الذاكرة في سوسيولوجيا المعاش
- الشعوب المقهورة وسيكولوجية التمرد
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ...
- اغتراب الوعي : من الثقافة الى الخرافة
- اقصاء العقل في ايديولوجيا الصورة
- اشكالية الحرية بين نزوع الارادة واكراه الواقع


المزيد.....




- حزب العمال الكردستاني يعلن وقف إطلاق النار مع تركيا (وكالة م ...
- حزب العمال الكردستاني يعلن وقف إطلاق النار مع تركيا
- حزب العمال الكردستاني يعلن وقف إطلاق النار اعتبارا من اليوم ...
- حزب العمال الكردستاني يعلن انه سيلتزم بدعوة اوجلان ووقف اطلا ...
- حزب العمال الكردستاني يعلن وقف إطلاق النار مع تركيا
- أوجلان يدعو لإلقاء السلاح.. شرخ في صفوف الحزب
- النهج الديمقراطي العمالي: كل الدعم للنضال العمالي لعمال شركة ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 593
- أردوغان يرى في دعوة أوجلان لإلقاء السلاح -فرصة تاريخية-
- أردوغان يرى في دعوة عبد الله أوجلان الجماعات الكردية لنزع ال ...


المزيد.....

- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ... / بندر نوري
- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ... / بندر نوري
- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله
- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ثامر عباس - مطارحات غرامشية (1) الدور التقليدي للمثقف العضوي