أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بروميس لي - ما هي التروتسكية الصينية؟















المزيد.....

ما هي التروتسكية الصينية؟


بروميس لي

الحوار المتمدن-العدد: 7371 - 2022 / 9 / 14 - 00:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يطرح بروميس لي تأملاته حول كتاب وانغ فانكسي “فكر ماو تسي تونغ” ويعود إلى نضال التروتسكية بوجه القمع الماوي. كما أشار المؤلف إلى الاختلافات الاستراتيجية الكبيرة بين المفاهيم التروتسكية للثورة و”الحرب الثورية” الماوية.

ننشر هنا مقال بروميس لي الذي نشر باللغة الانكليزية في موقع مجلة سبيكتر Spectre Journal بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر 2021. المقال هو كناية عن مراجعة لكتاب وانغ فانكسي “أفكار ماو تسي تونغ”. قرر الكاتب أخذ مثل النضال التروتسكي الصيني ضد القمع الامبريالي، وضد البرجوازية الصينية المنظم في كواو-مين-تانغ ولاحقاً ضد السلطة الماوية بدءاً من الـ 1950ات. من خلال مقارنة المفاهيم التروتسكية الصينية والماوية، يقارن لي باستمرار بين الوضع الحالي للطبقة العاملة الصينية والمناضلين الماركسيين ضد سلطة الحزب الشيوعي الصيني. قراءة مفيدة للغاية في العديد من النواحي.



ما معنى الحديث عن التروتسكية الصينية، وما هي مصلحتنا اليوم؟(1) في حين أن قادة المعارضة اليساريين الأوائل في الصين كانوا من مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني ومن بين أكثر قراء ماركس معرفة، جرى تهميش هذا التقليد وإضعافه، ولاحقاً قمعه بوحشية بواسطة الحزب بقيادة ماو. الطريقة التي عامل فيها الحزب معارضيه تعطي صورة عن الطريقة التي يستمر فيها بالتعاطي مع المنشقين اليساريين اليوم: فقد رأى التروتسكيون الصينيون أعمالهم الفكرية والتنظيمية مدمرة خلال أعمال التطهير الجماعية التي حصلت في الـ 1950ات. تبدو هذه الممارسات مألوفة لنا عندما نفكر بقمع المعارضين خلال الحركات الجماهيرية في هونغ كونغ والصين. وهذا يمثل صدى لسؤال غريغور بينتون، في مقدمة النبي الأعزل: “لماذا تعتبر مناهضة التروتسكية جزءاً ثابتاً من الدستور السياسي للحزب الشيوعي الصيني ومن الصعب التخلي عنها؟”(2) فشل العديد من التروتسكيين في تنظيم الحركات الجماهيرية بشكل فاعل وراء برنامج متماسك، على عكس الماويين. لم يكن لديهم سوى الحد الأدنى من الدعم للبدء بنضالهم، خاصة بعد سنوات من القمع على يد اليابان، والاتحاد السوفياتي، وحزب الكومينتانغ، ولاحقاً الحزب الشيوعي الصيني.

في هذا المقال، أود تقديم وصفاً موجزاً غير معروف من أجل تصوير ما خلفته هذه الحركة الماركسية الهامشية وراءها والتي من خلالها يمكن تخيل مستقبل بديل قائم على أسس مادية. انضمت لي كاي-ليان إلى المعارضة الصينية بعد سنة على مجزرة شانغهاي عام 1927، وهي مجزرة طاولت صفوف الشيوعيين في المراكز المُدنية. خلال ديكتاتورية الكومينتانغ، استمرت بالمجازفة من خلال تنظيم العاملات في مصانغ شانغهاي ودعمت المساجين في ظل حكم الكومينتانغ حتى وفاتها بعمر 24 سنة، في حين غادر الحزب الشيوعي المدن باتجاه الريف. في نهاية الـ 1930ات، أسس ليو بينغ-موي، تروتسكي آخر، منظمة مناهضة لليابان وقدم مقاربة أصيلة حول كيفية خوض النضال ضد الامبراطورية اليابانية من خلال بيان موجه إلى مواطني شونغشان. حيث كتب: “يجب أن تتمتع الجماهير بحرية تشكيل منظماتها المستقلة حتى تستطيع محاربة اليابانيين بكل حرية”.

في الوقت عينه، قدم تشين دو-شيو، الشخصية المهمة في ثورة شينهاي ومن مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني، ضمن رسالة إلى تروتسكي عام 1938، وجهة نظر الأقلية داخل التكتلات التروتسكية المنقسمة. فقد دعا إلى تشكيل جبهة وطنية للنضال ضد العدوان الياباني في وقت يعمل فيه على “إقامة علاقات تنظيمية مع العمال والدعاية لصالح النضال الوطني والديمقراطي”. كبديل للحزب الشيوعي الصيني الذي كان يواجه صعوبات في النضال في المناطق المُدنية بمواجهة جبهة مزدوجة مكونة من “الأراضي التي تحتلها اليابان والكومينتانغ”. (3) بينما كان يعتقد أن التروتسكيين لن يكسبوا أي تأثير من دون استعادة المصانع لنشاطها في المدن، كان مقتنعاً أن عدم التحرك والتنظيم من شأنهما أن يؤديا إلى تدمير الحركة.

ثورة أو حرب ثورية؟

فشلت كل هذه المبادرات السياسية. وبعد ذلك، لم تذكر ولم تدرس. ظل التروتسكيون نشطين جداً في الحرب ضد اليابان، على الرغم من أنهم ناضلوا بصورة فردية من دون برنامج متماسك لتقديمه للجماهير كبديل عن الحزب الشيوعي الصيني والكومينتانغ- وهو وضع قد لا يختلف كثيراً عن حالة اليسار خلال الحركة في هونغ كونغ التي جرى قمعها في السنوات الأخيرة. في كانون الأول/ديسمبر 1952، اعتقل الحزب الشيوعي الصيني كل التروتسكيين الذي استطاع تحديدهم، منهياً بشكل فعلي التروتسكية كقوة سياسية في الصين. وقد دمرت السلطات الأرشيف، وفي حين تمكن بعض التروتسكيين من مغادرة البلاد، اعتقل العديد منهم، الذين أمضوا سنوات أو حتى عقود في السجن. ولكن الأهم من ذلك، حاول الكثيرون فهم ظروف هزائمهم وتعلم الدروس من أجل الحركات المستقبلية.

في هذا السياق طرح وانغ فانكسي تحليله النقدي لتأثيرات وفكر ماو. لم يكن الهدف منه إقامة التوازن بين شخصية ماو والطابع السياسي للحزب الشيوعي الصيني بمرور الوقت، إنما للإضاءة على كيفية يمكن فهم الخلفية الفكرية لماو والقرارات السياسية حتى يساعدنا ذلك على فهم التناقضات في الثورة الصينية وتثقيفنا حول طريقة ما زالت بعض جوانبها تشكل إطار عمل الحزب الشيوعي الصيني اليوم. في صلب هذا المشروع ينوجد الهدف الأساسي لتحقيق وانغ: كيف يجب تنظيم الثورة السياسية ضد الرأسمالية العالمية؟


يحتوي الفصل الذي عنونه وانغ “التكتيكي البارع” على أساس نقد ماو: يتصور وانغ ممارسة ثورية لا يمكن رؤيتها بسهولة، وعلى حد قوله: “كل الحركات الجماهيرية الثورية غير المسلحة تمثل حركات تحضيرية وخاضعة للحرب الثورية”.(4) إنه لا يرفض الحرب الثورية، إنما يرى فيها تكتيكاً وليس استراتيجية. المشكلة الأساسية عند ماو، بحسب وانغ، هي أن كل شيء يندرج ضمن موازين الحرب، بدلاً من نماذج التنظيم المستقلة للجماهير- حتى بعد سيطرة الحزب الشيوعي على السلطة. النتيجة النهائية لمعادلة ماو هذه هي أن كل تعبيرات التنظيم الذاتي الديمقراطي يجب أن يستوعبها برنامج وطني لبناء الدولة التي باتت بيد الحزب الشيوعي الصيني. تعيد إدارة شي جين بينغ حالياً إنتاج نسخة معاصرة من هذه الممارسة بخطابها المعادي للامبريالية ضد “التدخل الأجنبي” وديبلوماسية “الذئب المحارب”.

ما يسميه وانغ “الحرب الثورية” يتجاوز في الحقيقة مجرد ظاهرة النزاع العسكري. في الواقع، يصف طريقة التعامل مع عمل التنظيم الجماهيري الذي يشمل جوانب عديدة: في أفضل حال، تعليق مؤقت للعملية الديمقراطية وتحرر الجماهير لتمييز المهام العاجلة لتخطيط الخطوات الفورية، حتى، في أسوأ حال، تركيز السلطة لأطول فترة في أيدي الموظفين المأجورين أو بيد الكوادر المنظمين. يشدد وانغ على الفرق بين “الثورة” و”الحرب الثورية” لأن الأولى “تنشأ من أسفل وتميل إلى أن تكون كثيرة الديمقراطية” في حين أن “الحرب، مثل الحرب الثورية، هي عامودية، ممركزة، وهي نتاج إرادة بضعة قادة يؤكدون على سلطتهم القهرية”. (5) تحتوي هذه العبارات على دروس يتردد صداها أبعد من مقاربات الحركات الماركسية في زمن وانغ: فهي تدلنا على الطاقة الجماهيرية الثورية الحقيقية- من بناء التحالفات بين الحركات المناضلة في إطار الدول الديمقراطية الليبرالية إلى الحركات الجماهيرية على مستوى المدينة وضد الحزب-الدولة – ستبقى دائماً مقيدة ومنحرفة ما لم تبنَ من خلال إقامة، ضمن كل ممارساتها، منظمة مستقلة وديمقراطية بدلاً من تنظيمات بيروقراطية ومعسكرة. يتضمن مخطط وانغ من جهة، رفض الطريقة الأبوية والمعادية للديمقراطية التي تربط الحزب الشيوعي الصيني بقاعدته، ومن جهة أخرى، أشكال الحركات من دون قادة التي تمظهرت لاحقاً في النضالات بهونغ كونغ، ما أدى إلى تعزيز أفعال المجابهة والمغامرة المفتتة، وبدلاً من عملية التنظيم الجماعي الذي تحدد فيها الجماهير الوسائل الضرورية لتطوير البرامج والاستراتيجيات الجماعية المستقلة.

يقودنا ذلك إلى السؤال الثاني لوانغ: هل يمكن بناء وتعزيز حركة يسارية عندما تكون محاصرة بالمراقبة شبه الكاملة ومطاردة ومنفصلة عن الجماهير؟ يدرك وانغ ما أتاحه تأثير ماو ومنعه، على حد سواء، بالنسبة للجماهير الصينية: في الـ 1930ات، عندما كانت القوات التي يقودها ماو تتلقى تدريباً صارماً في التنظيم الملموس للجماهير، جرى اجتثاث مساحة التفكير الأيديولوجي والنقاش الديمقراطي على مستوى القيادة ضمن الحزب الشيوعي الصيني، بحيث حولته إلى هرمية تسلسلية على الطراز العسكري بسبب حالة الحصار. على العكس من ذلك، وجد التروتسكيون أنفسهم في وضع العجز أمام الجماهير، ولكن تجربتهم في المنفى والمعتقل غرست فيهم اهتماماً كبيراً بالشكل الذي يمكن أن تكون عليه السياسة الجماهيرية الصينية المستقلة- سياسة قادرة على استيلاء حقيقي للسلطة.



دروس من التروتسكية الصينية

كان تحليل وانغ لمخاطر الماوية استباقياً وقابل للتطبيق على السياسات الجماهيرية الصينية وخاصة الأميركية الصينية: تمثل المنظمات غير الحكومية ومراكز الخدمات والبيروقراطية بغالبيتها القيادة السياسية للطبقة العاملة. بالطبع، ما زالت أشكال من التنظيم الذاتي للعمال موجودة، ولكنها عرضية وغالباً ما تنتج وفق الظروف المحلية، كالإضرابات الكثيرة التي ينظمها العمال الصينيون، عندما لا يقودهم منظمين عماليين محترفين، مثل حملات المستأجرين والعمال الصينيين المنظمة من المهاجرين الأميركيين-الصينيين ضد المؤجرين وأصحاب العمل. في كل أزمة، يناضل المنظمون من أجل الانتقال والخروج من معزوفة “الحرب الثورية”، من أجل تطوير البنى التحتية التي تمكن الجماهير الصينية الاستمرار، بشكل مستقل وجماعي، وتوسيع الحملة النضالية من القاعدة بشكل دائم.

في تحليلها للماوية في الهند، تذهب تيثي باتاتشاريا إلى حد القول إن مثل هذه الممارسة السياسية، العسكرية والمستبدة، ليست مجرد صفات عرضية للماوية في عالم الجنوب:

“على العكس من الاشتراكية الثورية، تزدهر الماوية على القلة. في حين أن الديمقراطية وحرية الصحافة والطبقة العاملة القوية والواعية بقوتها هي الأرض الخصبة للأفكار الاشتراكية، فإن تربة الماوية، التي تدعي أنها من طليعة الجماهير الأكثر اضطهاداً والمستضعفة، تنوجد عادة في ظروف أقل ديمقراطية. هذا ما يفسر أن الماويين لا يؤمنون أن تحرر الطبقة العاملة هي مهمة الطبقة العاملة نفسها. بحسب الماويين، إن الثورة مصنوعة من قبل مجموعة من المحترفين والمقاتلين المسلحين، وليس بواسطة الجماهير، بقيادة عمالية”.

تتهم باتاتشاريا الماويين بتثمين الطبقات غير المنظمة حتى في أسوأ الظروف على حساب العمل التنظيمي الجماهيري الذي يجعل ممكناً بناء التحالفات الديمقراطية والحملات بين القطاعات المنظمة وغير المنظمة. وتظهر ظاهرة مماثلة في المجتمعات الصينية، سواء في الصين أو في المهجر، من العمال الريفيين النازحين في الصين إلى المهاجرين المهششين العاملين في المنازل والمقيمين في الحي الصيني، تتمتع هذه القطاعات بسلطة كبيرة كطبقة ولكن غالباً ما تقصى من التحركات الجماهيرية المستقلة والمنظمة بسبب هشاشتهم الهائلة نسبة إلى بقية العمال، إضافة إلى عوائق متعلقة باللغة… قد تكون النماذج الماوية قد حولت بشكل فاعل بعض بذور الاحتجاج إلى نضالات، لكنها أخفقت في النهاية في تمكين الجماهير مع مرور الوقت من بناء قوة سياسية مستقلة قادرة على اتخاذ القرار والسيطرة على السلطة بشكل مستقل. إن التركيز الحصري على الحرب الثورية يعني ضمنياً أن السياسة داخل الحركة ستعلق بشكل دائم في إطار حالة الاستثناء، وإخضاع العمل البطيء، ولكن الضروري، المتجسد في جعل العمال قادرين على التفكير بأنفسهم وتطوير مطالبهم بشكل جماعي لصالح أولوية الدفاع عن السيادة الوطنية، أو على المستوى المحلي تحقيق “الانتصارات” السطحية للقيادة، ما يمنحها المزيد من القوة أو الموارد، كما يحصل مع المنظمات غير الحكومية.


يجب أن نحرص على عدم رؤية في كل ذلك خاصية جوهرية بالطبقة العاملة الصينية، ولا خطأ الناشطين الفرديين أو المنظمات. على العكس من ذلك، يجب فهم هذا الضعف كنتيجة ملحوظة للظروف المادية والتاريخية التي شكلت وعي الطبقة العاملة الصينية حتى يومنا هذا. كذلك، إن فشل التروتسكية الصينية يدل على النتائج الهائلة لغياب سياسة متماسكة للتنظيم الذاتي التي تسمح بتسليح الوعي السياسي التاريخي والحالي للمجتمعات الصينية. إن ما يمثله الإرث الآفل للتروتسكية الصينية يؤدي إلى مأزق يكشفه وانغ بوضوح ولكنه لا يستطيع حله بمفرده: ففي حين يستطيع الحزب الشيوعي الصيني أن يدعي ويستغل قوة كتلة هائلة، لا يمكن للحزب-الدولة أن يتسامح مع أفكار الاستقلال الذاتي مجبراً الكوادر التنظيمية الأكثر استقلالية على الرحيل من البلاد. ولكن من خلال فهم الطبيعة التاريخية والطارئة وأسباب الضعف السياسي للمجتمعات الصينية، يمكننا البدء بإدراك أنه يمكن استبدال هذا الواقع بظروف موضوعية أفضل، وحتى نستعير من كتاب س.ل.ر. جايمس وغرايس لي بوغس وكورنيليوس كاستورياديس “مواجهة الواقع”، لتطوير منظمي الطبقة العاملة بدءاً من جذورهم في مجتمعاتهم “بهدف خلق المنظمة، والأشكال والأفكار التي يتطلبها تحرر[هم]”. (6)

بالنسبة إلى وانغ، الاشتراكية موجودة في العلاقة الديالكتيكية مع الحركة العمالية: الأولى “لا تنبثق” من الثانية، لكن كل واحدة منها تنشأ بالتوازي مع الآخر. تتشكلان بشكل مشترك. لا تتراجع المنظمات الاشتراكية بمجرد تجريدها من الجماهير التي تجسد قاعدتها، إنما بسبب مسارات أطول، حيث “تتشرب عناصر من أسلوب وسلوك وسلوكيات وحتى فكر الطبقات الأخرى، بحيث يفسد الحزب، وخاصة قيادته، وتتغير طبيعته”. (7) إنها أطروحة يستمدها وانغ من سنوات الاضطهاد التي عانى منها، عندما كان في المنفى يتأمل دور الاشتراكيين المنفصلين بشدة عن الجماهير التي يفترض أن ينظموا معها والتعلم منها.

يجب تذكر وانغ والآخرين، ليس لأنهم يقدمون لنا النموذج الدقيق من أجل بناء الحركة الاشتراكية اليوم وغداً. مثل الاشتراكي الهونغكونغي أو لونغ-يو، أعتبر التروتسكية كهوية “مر عليها الزمن“، وأنا بالتأكيد لا أعتقد بكل المبادئ الأساسية التروتسكية الأورثوذكسية. ولكن روح التروتسكية الصينية، الواردة في التحليل النقدي الذي أجراه وانغ لماو، يثبت أهمية معارضة ماركسية مستقلة- حتى لو كان يجب اختراع الأخيرة. يلهمنا التروتسكيون الصينيون بالطريقة التي يفكرون فيها ويعكسون تفكيرهم في علاقة ديالكتيكية مع تجربة المنفى والهزيمة، أو طريقة تشابك حياتهم بأفكارهم. الوضع السياسي اليوم في الصين وهونغ كونغ يقودنا إلى موقف مشابه، بعد أكثر من نصف قرن: وفي ظل مناخ حيث إمكانية نشوء منظمة مستقلة غير ممكن، مع موجات من المناضلين الذين يفرون من البلاد أو يتوقفون عن النضال، كيف يمكننا، كماركسيين، التفكير بكل أخطائنا بهدف تجنب المصير المأساوي للتروتسكيين في القرن الماضي في الوقت المناسب؟ كيف يمكن أن تبدو منظمة تكون مقاربتها معارِضة ماركسية مستقلة وديمقراطية للحزب الشيوعي الصيني والرأسمالية العالمية؟ والأهم حتى، كيف يمكننا تطوير الاستراتيجيات التنظيمية بهدف أقلمتها مع الظروف المادية والوعي الاجتماعي للمجتمعات الصينية الحالية، سواء في البلاد أو في المهجر، بشكل تتمفصل مع براكسيس التنظيم الذاتي المستقل؟ وهذا يتضمن المهمة الصعبة المتجسدة بتفكيك عدة أجيال من التفتت والممارسات السياسية الأبوية في ظل النظام الكولونيالي وتحت حكم الحزب الشيوعي الصيني- وهي معركة صعبة للغاية خسرها التروتسكيون ودفعوا ثمنها الأكلاف الباهظة: حياتهم. الكتاب النقدي للكاتب وانغ حول ماو يذكرنا بأن ليس من أجل تضحياتهم يجب تذكر التروتسكيين، إنما كذلك لأفكارهم ومناقشاتهم الداخلية- لأن إمكانية تحقيق تقرير المصير المستقل والديمقراطي موجود في قلب النضال الثوري الحقيقي، وليس في فوهة البنادق.

الهوامش:

[1] المقال سبق وقدم لي فحواه في نقاش من تنظيم هايماركت- Haymarket والمادية التاريخية- Historical Materialism، حول كتاب فانكسي، هنا رابط النقاش.

[2] Gregor Benton, ‘Editor’s Introduction,’ Prophets Unarmed: Chinese Trotskyists in Revolution: War, Jail, and the Return from Limbo, ed. Gregor Benton (Chicago: Haymarket Books, 2017), 38.

[3] Chen Du-xiu, ‘Letter to Leon Trotsky (3 November 1938)’ in Prophets Unarmed, 717.

[4] Wang Fanxi, Mao Zedong Thought, trans. Gregor Benton (Chicago: Haymarket, 2021), 113.

[5] Wang Fanxi, Mao Zedong, 113.

[6] C.L.R. James, Grace C. Lee, and Cornelius Castoriadis, Facing Reality (Chicago: Charles H. Kerr Publishing Company, 2006), 95.

[7] Wang Fanxi, Mao Zedong, 164.



#بروميس_لي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بروميس لي - ما هي التروتسكية الصينية؟