القضاء العراقي ينصف نقابة المحامين العراقيين مرة ثانية

فارس البكوع

الحوار المتمدن-العدد: 1688 - 2006 / 9 / 29 - 10:21
المحور: المجتمع المدني
    

على خلفيات الشد والجذب بعد قرار نقابة المحامين إجراء انتخابات لاختيار النقيب وأعضاء مجلس النقابة والتي كان مقررا لها أن تجري منذ عدة شهور لولا تدخلات وضغوطات شديدة مارستها جهات على النقابة لأغراض معينة , كان أبرزها قيام السيد وزير العدل السابق الأستاذ عبد الحسين شندل باتخاذه قرارا حل بموجبه مجلس النقابة المنتخب وعين لجنة لغرض الأشراف وإدارة أعمال النقابة . بالإضافة إلى تجميد أرصدة النقابة.

هذه الإجراءات لعدم استنادها إلى نصوص قانونية فضلا عن كونها تدخلا سافرا في شؤون نقابة عريقة ديدنها القانون والعدالة , عليه قام مجلس النقابة بمعالجة هذه الإشكالية معالجة مهنية وقانونية في آن واحد فعلى الصعيد المهني قام عدد كبير من المحامين وفي عموم العراق بالتعبير عن استنكارهم لهذا التدخل في شؤون النقابة وكذلك تنظيم الاحتجاجات و الإضراب عن العمل .

أما على الصعيد القانوني فقد تم متابعة الموضوع من لدن مجلس النقابة أمام القضاء العراقي بعد ما عجزوا عن إقناع السيد وزير العدل السابق بعدم شرعية هذه اللجنة التي عينها وشرعية قراره بحل مجلس النقابة وكانت أولى ثمار هذا الجهد هو صدور قرار محكمة استئناف الكرخ بصفتها التمييزية المرقم 9 / تنفيذ / 2006 في 18 / 1 / 2006 والذي رفض اعتبار الأمر الوزاري الصادر بحل مجلس النقابة من المستندات القابلة للتنفيذ لدى الدوائر العدلية وبالتالي لا يمكن للجنة المشكلة استلام وادارة النقابة عن طريق دائرة التنفيذ , ورغم وضوح هذا القرار وإصرار مجلس النقابة الشرعي على إجراء الأنتخابات في وقتها المحدد , ومع رفض مجلس القضاء ترشيح قضاة للأشراف على الأنتخابات والتي كان مقررا لها يوم 15 / 4 / 2006 بحجة وجود لجنة مشرفة على النقابة معينة من قبل وزير العدل ورغم غرابة قرار مجلس القضاء الذي أدى بالنتيجة إلى تأجيل الأنتخابات في محاولة لأحراج و إجبار مجلس النقابة على القبول بلجنة وزير العدل وقيام هذه اللجنة بتعيين موعد جديد للأنتخابات وهي لاتملك اصلا هذه الصلاحية وارتكابها أخطاء قانونية وتجاوزات مالية رغم تجميد رصيد النقابة ومنها على سبيل المثال عدم إرسال صناديق الأقتراع إلى المحافظات قبل أسبوع من موعد الأنتخابات في أقل تقدير بينما وصلت الصناديق إلى بعض المحافظات قبل يومين من الموعد المحدد , هذه المخالفات القانونية من لدن اللجنة الوزارية التي كان يرأسها المحامي ( طارق حرب ) أدت إلى تأجيل الأنتخابات إلى موعد أخر ولاستمرار وإصرار الوزير رغم المراجعات المتعددة ولعدة جهات حكومية لغرض إعادة النظر في موضوع هذه اللجنة وكذلك استمرار رئيس اللجنة بأصدار التصريحات غير المسؤولة والتي أضرت ضررا كبيرا بالنقابة رغم قيامه بتقديم نفسه كمرشح لمنصب نقيب المحامين في حين الحيادية في مثل هذه الحالات لا تسمح لرئيس أو اعضاء اللجان بترشيح انفسهم للمهام التي يوكلون بإدارتها والأشراف عليها ، لذلك قامت نقابة المحامين بإقامة دعوى قضائية أمام محكمة بداءة الكرخ تطالب فيها منع معارضة وزيرالعدل لمجلس النقابة من خلال اتخاذه القرار بحل مجلس النقابة وكذلك اللجنة التي شكلها للأشراف و إدارة النقابة وسجلت الدعوى تحت التسلسل 1039 / ب / 2006 الذي طلب بموجبها أيضا ممثل النقابة الذي تابع الدعوى وكان له جهد واضح الأستاذ ضياء السعدي أمين سر نقابة المحامين المرشح لمنصب النقيب إرجاء موعد الأنتخابات لنتيجة حسم الدعوى , وللحقيقة والتاريخ تقول بأن الدعوى ومن خلال مجرياتها كانت في منتهى الروعة والدقة من الدعاوي التي يصعب تكرارها تجسد فيها صراع قانوني وقضائي بين طرفين طرف يمثل السلطة والحكومة وطرف يمثل تيار مهني مهنته القانون والدفاع عن الحق ، لكن الأروع من ذلك هو القضاء المحايد والذكي الذي استجلى كافة المستمسكات المقدمة و الدفوع التي أبداها أطراف الدعوى بالأضافة إلى دخول رئيس اللجنة المشكلة للأشراف على النقابة شخصا ثالثا في الدعوى متمسكا بشرعية اللجنة وقرارات الوزير.

القضاء يقول كلمة الفصل :
بعد عدة جلسات ابلى فيها الأستاذ ضياء السعدي أمين سر النقابة والمرشح لمنصب النقيب بلاء حسنا أصدرت محكمة بداءة الكرخ حكمها الفاصل في الدعوى الذي تضمن إلغاء هذه اللجنة الوزارية ومنع معارضة وزير العدل لمجلس النقابة الحالي في ممارسة إعماله لحين انتهاء دورته الأنتخابية بأعتباره منتخب و اثبت القضاء العراقي نزاهته واقتداره لحسم أي شكوى ودعوى وفق القانون مهما كانت الجهة وتأثيرها السياسي أو السلطوي والذي يطالع الحكم البدائي وحيثياته يجد فيه اللغة اللطيفة والدقة القانونية والتسبيب القانوني السليم المتأتي من ثقافة قاضي المحكمة ومعلوماته القانونية العالية وكذلك ما تم تقديمه من لوائح معززة بالكتب والدفوع المنتجة بحيث استطيع القول ان قرار الحكم قطعة من أدبيات وفن القضاء إذا جاز التعبير.

الهيئة العامة لمحكمة التمييز تؤيد الحكم البدائي :
ونتيجة ما أحدثه القرار من انعطافه شديدة وكذلك لمبدأ المشروعية وسيادة القانون قام كل من السيد وزير العدل ورئيس اللجنة الوزارية المشرفة على النقابة بالطعن تمييزا بقرار محكمة بداءة الكرخ وتم عرض الدعوى أمام الهيئة العامة لمحكمة تمييز العراق وهي أعلى هيئة قضائية في العراق , التي قامت بتدقيق اضبارة الدعوى من كافة النواحي الشكلية والموضوعية ومرفقات الدعوى , وبعدها أصدرت قرارها الحاسم في الدعوى تحت رقم 96 / 97 / 2006 في 30 / 8 / 2006 حيث ورد من ضمن فقرات قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز ( وترى الهيئة العامة في محكمة التمييز الأتحادية , ومن خلال دفوع ومستندات وادلة الطرفين إن ما ورد في كتاب مجلس الوزراء ...الخ وما تبعه من إجراءات يعد مخالفا لأحكام قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية والدستور وقانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 المعدل ... ) . وكذلك نص القرار على ( وحيث أن السلطة التنفيذية ممنوعة بموجب إحكام الدستور والقانون من التدخل في أعمال مؤسسات المجتمع المدني ومنها نقابة المحامين ولا يسوغ إصدار اي أمر أو اتخاذ أي إجراء إلا إذا كان متفقا وأحكام الدستور والقانون وحيث أن الحكم المميز استند إلى أحكام دستورية وقانونية وحيثيات صحيحة قانونا ومعزز لمبدأ سيادة القانون قرر تصديق الحكم المميز ... )
وبذلك أسدل الستار على ملف نقابة المحامين من الناحية القانونية والقضائية ويبقى ملف الأنتخابات مفتوحا ولم يحسم بعد .

أراء في الانتخابات:
وحول هذا الموضوع تحدث نقيب المحامين كمال ملا علو والذي أبدى رأيه بأجراء الأنتخابات في وقتها الذي تم تحديده في يوم 12 / 10 / 2006 الذي يصادف في شهر رمضان المبارك في حين كان رأي الأستاذ ضياء السعدي المرشح لمنصب النقيب وعدد أخر من أعضاء مجلس النقابة تأجيل الأنتخابات إلى موعد أخر بعد انتهاء شهر رمضان المبارك لما في ذلك من جهد وكذلك بسبب الظروف الأمنية الراهنة وقيام عدد غير قليل من المحامين بتقديم طلبات تحريرية يرمون فيها تأجيل إجراء الأنتخابات إلى موعد أخر غير موعد 12 / 10 / 2006 أي بعد شهر رمضان المبارك .

كما أشاد الأستاذ ضياء السعدي أمين سر نقابة المحامين بقرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز وأكد على صوابية ومشروعيتة وكذلك على الموقف المبدئي الذي اتخذه المحامون في تصديهم الشجاع للتجاوزات اللاقانونية على نقابتهم .... واعتبر القرار يعبر عن اقتدار القضاء العراقي وصلابته في تصديه للقرارات والأوامر المخالفة للقواعد الدستورية وطلب تدخل وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني من اجل رفع الحجز عن الأرصدة المالية لنقابة المحامين استنادا لقرار الهيئة العامة في محكمة التمييز .... وكذلك التأكد والتحقق من المبالغ المسحوبة منه وأوجه صرفها من الناحية القانونية والحسابية .

بقي أن نذكر إن المرشحين لمنصب النقيب ولعضوية مجلس النقابة عدد غير قليل من المحامين ومن تيارات واتجاهات مختلفة تجمعهم رابطة المهنة الواحدة ونأمل من كافة المرشحين وتحديدا من يوفق ويفوز بالانتخابات أن يضع نصب عينيه تأريخ هذه النقابة العريق ليس على المستوى المهني وإنما على كافة المستويات ومنها مواقفها الوطنية الشجاعة وان يسمو على التأثيرات الطائفية والمذهبية والحزينة الضيقة كما نأمل من الناخب أن يراعي ذلك في الأختيار .

* محام وناشط في حقوق الانسان

#فارس_البكوع (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات