|
مصابيح أورشليم - أضخم رواية عربية عن إدوارد سعيد
حسين الكناني
الحوار المتمدن-العدد: 1687 - 2006 / 9 / 28 - 10:14
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر رواية لافتة في موضوعها ومضمونها، وكاتبها هو الروائي العراقي علي بدر الذي كتب فيما مضى رواية لافتة في موضوعها ومضمونها هي بابا سارتر، أما الرواية الجديدة لعلي بدر هي "مصابيح أورشليم/ رواية عن إدوارد سعيد"، حيث بطلها المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، وتدور أحداثها في القدس، أثناء زيارته لها في التسعينيات، وهذه الرواية ضخمة (350) صفحة، وبانورامية في أحداثها ومسيرتها، تغطي حقبة كبيرة من تاريخ فلسطين والعالم العربي والعالم، ومكتوبة بصورة ملحمية ودرامية وبإيقاع شفاف للغاية، وربما هي أكثر رواية تتناول موضوع الصراع العربي الإسرائيلي بموضوعية تامة. تبتدأ الرواية بتقرير أولي، وهو تقرير خطير، حيث يكشف فيه الكاتب عن انشقاق النخبة المثقفة العراقية وصراعها مع بعضها قبيل الغزو الأميركي للعراق، ويتناول فيه أيضا بالوقائع أثر إدوارد سعيد على هذه النخبة في التسعينيات، ثم انشقاقها فيما بعد على خلفية سجال إدوارد سعيد مع الكاتب العراقي كنعان مكية الإستاذ في جامعة براندايز والمؤيد للغزو والداعي إلى احتلال العراق، حيث ينقسم المثقفون الشباب إلى قسمين، الأول يؤيد إدوارد سعيد ويعادي الغزو الأميركي للعراق، والآخر يؤيد كنعان مكية ويطالب باحتلال العراق. الشخصية الأولى يمثلها علاء خليل المؤيد لكنعان مكية، وهو معجب بالغرب وبالثقافة الغربية وبمشروع الديمقراطية ويريد من أميركا التدخل في العراق وتغيير نظام الحكم، والآخر أيمن مقدس، مولود في بغداد ولكنه من أصل فلسطيني، حيث يدرس في جامعة كولومبيا بإشراف إدوارد سعيد، وهو بعيد نوعا ما عن مشاكل وهموم الشباب العراقي، حيث لم يخدم العسكرية وهو ليس منخرطا في مشاكلهم الاجتماعية والسياسية، فيحدث بينهما جدال وسجال وتصادم واتهامات متبادلة، فيشعر أيمن مقدسي بأنه غريب ومنفي وللتخلص من منفاه يبدأ بكتابة رواية عن إدوارد سعيد، أو كتابة ملاحظات، ويجمع وثائق مهمة، غير أنه يتركها دون أن يكملها. أما الراوي وهو الكاتب والصحفي المحايد وصديق علاء خليل وأيمن مقدسي معا هو الذي يقوم بكتابة الرواية، ويضع هذه الوثائق جميعها في نهاية الرواية تحت عنوان: تخطيطات وأفكار ويوميات انسكلوبيدية للكتابة. والمطلع على الشؤون العراقية يدرك أهمية هذا التقرير الذي يأخذ من الرواية 77 صفحة، حيث يكشف علي بدر بإمكانياته المعروفة أساس الصراع وجذوره، ويقدم لنا معلومات غنية بحيادية تامة، دون أن يفسد جو الرواية، إذ لا يتخلى عن مهنته كروائي بالرغم من أن المفكر السياسي والمثقف الذكي تحت ملابسه. أما الجزء الثاني من الرواية فهو يخص إدوارد سعيد، وهو يسير في شوارع القدس، يقوده إثنان، هما يائيل وإيستر، وهذان الشخصان هما بطلان في روايات إسرائيلية، حيث يلعب علي بدر لعبة سردية مدهشة حقا، يأخذ الشخصيات الروائية الإسرائيلية، وكلهم أبطال في روايات الكتاب الإسرائيليين: عاموس عوز، ديفيد غروسمان، إبراهيم بن يشواع، وزولية شيليف، ويجعلهم يروون حياتهم من جديد، حيث يقلب علي بدر الأحداث السردية لهذه الروايات ويجعلها مسرودة بطريقة جديدة. أما لغة الرواية الشعرية، فيأخذها الكاتب عن طريق تفكيك بنية الشعر الإسرائيلي وهي قصائد مناحيم بياليك وألترمان ويهودا عميخاي وغيرهم، وبالفعل كانت طريقته جديدة في الكتابة، حيث يتوصل إلى مزج بين اللغة العبرية والعربية ليظهر واقعة الموت والدمار والخراب في التاريخ المتداخل للشعبين اليهودي والعربي. أما ثيمة الرواية الأساسية فهي الاغتراب، حيث يشعر إدوارد سعيد وهو يسير في شوارع القدس باغترابه عن مدينته الأصلية التي عرفها وهو طفل، هناك حين كان يلعب على البسكلته في الحي العربي الذي أصبح مستوطنة عبرية، وبالمناسبة فإن الكاتب يكشف عن إلمام كبير في جمع معلوماته عن القدس الحالية، شوارعها، محلاتها، متاجرها مستشفياتها، مكتباتها، باراتها، ولكن هذه المدينة أصبحت إسرائيلية، فقد غيرت الكولنيالية معالمها بالقوة، وأصبحت غريبة عن ساكنها المحلي، وفي هذه الفصلة نصل إلى مراحل متداخلة شيقة بين طفولة إدوارد سعيد وبين وصول العصابات الصهيونية وهم يحملون بنادقهم وزواداتهم إلى فلسطين أيام الانتداب البريطاني، ويقدم الكاتب معلومات ثرية ووقائع جديدة عن فترة الانتداب وبدء رحيل العرب واستيطان اليهود في المدينة. أما الثيمة الثانية فهي التاريخ، فيصور الكاتب عملية فبركة التاريخ واختراعه وسرده، وهو يعتقد مثل هومي بابا أن الأمة هي سرد، ومن خلال رؤية إدوارد سعيد يصل إلى تفكيك الرواية التاريخية، ويقدم سردية جديدة تناقض السردية الأولى وتهدمها، وبالتالي يبدأ القارئ ينتقل من مرحلة تاريخية إلى أخرى في السياق السردي للقدس تحت الفتح العربي، ثم الصليبي، ثم العثماني، ثم البريطاني، ثم اليهودي، أما الطريقة السردية هي في جعل المدينة مثل الطرس، والطرس هو عبارة عن ورق جلدي قديم تتم الكتابة فوقه دون أن تنمحي، وهو يأخذه من مفهوم التناص لجيرار جينيت الناقد الفرنسي الشهير، وهكذا تصبح القدس تناصا، أو طرسا، حيث هي كتابات فوق كتابات، كتابة عربية وعبرية ورومانية وانكليزية وهكذا...أو كما يصفها في الصفحة 63: "كل شيء قديم يتراءى خلف الشيء الجديد ويقضي عليه، لا شيء يمحى ويزول: المدينة مثل الطرس...كتابات تنكتب فوق كتابات، صور ترتسم فوق صور، رموز جديدة فوق رموز قديمة، قبور فوق قبور، لا شيء يمحى إنما يصبح فوقه وعليه، كتابات ترتسم فوق كتابات، كل كتابة تبدأ بالامحاء ترتسم على هذا الطرس كتابة أخرى... صاح: أورشليم هي الطرس... -فكرة جميلة...قلت له. -التاريخ سرد متقطع، وهو مختل وغير متسق، وهكذا سأرويه..." في الواقع نحن نقرأ رواية عن حياة إدوارد سعيد، عن مسيرته، والأشعار التي كان يحفظها وهو طفل، عن صوره في شبابه وكتاباته، ثم يقوم الكاتب بدمجها في حياة مدينة القدس، ويستخدم في هذه الدورة المسيرية (يسير إدوارد سعيد على أقدامه في شوارع القدس) الكتابات تاريخية، والخرائط والنقود والوثائق والمذكرات. أما الهدف الإشكالي في رؤية الكاتب هي أن القدس "مدينة لكل المنفيين، لكل اللاجئين، هي المكان الأعظم الذي ينسى فيه المنفي منفاه، هي مكانه بعد أن غادره كل مكان، هي شفاء لكل عذابه وموطنه من كل طرد". أما السؤال الذي نطرحه عليه: هل يتساوى اليهودي والعربي في منفاه؟ هذا السؤال الذي نطرحه على الكاتب علي بدر والذي نرى أنه أخفق في حله في هذه الرواية الإشكالية والتي ستثير جدلا كبيرا حتما بين المثقفين العرب. فالمشكلة أن الكاتب العربي وهو يتطلع إلى العالمية يأخذ بوجهة نظر عالمية أو أوربية وينسى حقائقنا نحن على الأرض. الجزء الثالث من الرواية، كما أسلفنا تحت عنوان " تخطيطات وأفكار ويوميات انسكلوبيدية للكتابة"، وهذا الجزء بغاية الأهمية، فبالرغم من أن لعبة الرواية تقوم على أساس أنها وثائق ويوميات تركها لنا أيمن مقدسي بعد اختفائه المفاجئ في بغداد عقب الاحتلال إلا أنها تنطوي على معلومات ووثائق هامة لا نعرف من أين حصل عليها الكاتب: وثائق عن مسلمين، ومسيحيين، ويهود، ومجموعة كبيرة من الكاتلوغات السياحية، ومخططات المدينة، وأشياء لا نعرف مدى صحتها عن الدعايات الإسرائيلية والإعلانات وخطوط الباصات، والقصص، وأسماء السكان والشوارع والمقابر والصور والصحف.. هذه الرواية تدلل أن الرواية العربية تخطو إلى العالمية بخطوات واثقة.
#حسين_الكناني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|