أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين















المزيد.....

الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1687 - 2006 / 9 / 28 - 10:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(لكن ما جدوى الدين عندما يعمل على تدمير الإنسان؟)

يؤكد مالينوفسكي على أن «الحضارة هي ذلك الكل المعقد الذي يتألف من الأفكار والمعتقدات والقوانين والأعراف والأدوات»، فكل ما يحيط بالإنسان من أشياء وما يعتقد به أو لا يعتقد به من أفكار هي مفردات حضارية. وللوهلة الأولى يبدوا للمتأمل في تعريف مالينوفسكي، بأن الحضارة هي بنت الإنسان، وهو المتحكم المطلق بسيرورتها، ما دامت لا تخرج عن كونها ـ وباختصار ـ مجموع نتاجاته (الفكرية/العملية). غير أن قراءة أخرى أكثر تأنياً للتعريف قد تكشف لنا عن بعد آخر من أبعاد العلاقة بين الإنسان وحضارته، ذلك أن العقيدة (الدين)، مفردة من مفردات الحضارة، غير أنها ليست طيعة بيد الإنسان، وكثيراً ما تغير العقيدة مسار الإنسان وتتحكم بمصيره، ونفس الكلام يقال عن القانون الذي هو مفردة أخرى من مفردات الحضارة، ومع ذلك لا يبدوا الإنسان متحكماً بالقانون، بنفس القدر الذي يبدوا فيه القانون متحكماً بالإنسان... وهكذا. إذن فما هي أبعاد العلاقة بين الإنسان وحضارته، وأي الاثنين هو المتحكم بالثاني.
لسنا بحاجة ونحن بصدد الجواب على هذا التساؤل إلى استحضار إشكالية البيضة والدجاجة، فمن الواضح أن العلاقة وإن كانت جديلة بين الإنسان والحضارة. إلا أن الإنسان هو أصل حضارته، مع أن هذه الأصالة تتأسس على الجدل الذي يعني أنها يمكن أن تكون متبادلة بين الطرفين (بين الإنسان وبين حضارته)، بمعنى أن الإنسان ينتج الحضارة، وهي بعد ذلك تقوم بإنتاجه. لكن ذلك لا يعني أن تكون الحضارة ـ بجميع مفرداتهاـ بديلاً عن الإنسان، لأنها تقوم به وتتأسس عليه، وتنبني من أجله، ومن أجله فقط.
الإنسان يؤسس حضارته من منطلق البحث عن فضاءات أرحب لحياته، ومن هذه الفضاءات أنه يبني من خلال حضارته علاقاته الاجتماعية، هذه العلاقات، التي تستدعي بدورها ومن أجل أن تكون مستقرة نسبياً، آليتي (الضبط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية). وهكذا ومن خلال هاتين الآليتين، اللتان تعملان على ضبط سلوك الإنسان وتنشئته، يعود الإنسان ليتبرعم بتربة الحضارة التي تبرعمت في وقت سابق بتربته هو، وهكذا تستمر العلاقة بين الطرفين. العلاقة التي تكشف لنا عن أن الجدل في الواقع يحدث بين الإنسان ونفسه، حيث أن الذي يستدعي التغير الحضاري هو تمرد نفس الإنسان على حضارته ذات الحضارة التي قام بإنتاجها في وقت ما نتيجة لتمرد سابق.
لكن وسط عملية تبادل التأثير والتأثر بين الإنسان وحضارته، ومن ثم استمرارية التغير التي تشمل الإنسان والحضارة معاً ما هو الثابت في عملية التغيير هذه، الثابت الذي يستدعي هذه العملية ويمليها؟ أو بمعنى آخر: لصالح من تجري هذه العملية التغييرية المستمرة؟ لصالح الحضارة الأمر الذي يستدعي منا التضحية لأجلها بنفس الإنسان، أم أن العكس هو الصحيح؟
ثم ومن جهة أخرى ما هو المعيار، معيار الثبات ومعيار التغير؟ إذ من الواضح ومن خلال مراقبة العملية التغييرية الحضارية، أنها ليست مطلقة، ليست عبثية ومن دون محددات، أي إنها عملية منضبط بضوابط ومحكومة بمعايير. فما هي هذه المعايير؟
في سياق الجواب على السؤال الأول لا نستطيع أن نقول بأن الثابت هو الحضارة، وأنها لصالحها وحدها تجري العملية التغييرية، إذ التاريخ يكذّب هذه النتيجة، ويثبت عكسها، كما أن الذي قررناه سابقاً يكذّبها أيضاً، حيث أننا قلنا أن الإنسان ينتج حضارته بهدف تلبية حاجاته وضمان سعادته. إذن فالإنسان هو ثابت عملية التغيير، الثبات الذي لا يمثل نقيض التغيير بقدر ما أنه يمثل محوره ومآله.
إذن فجميع مفردات الحضارة الإنسانية ـ بضمنها مفردة الدين ـ التي تشترك في الأداء المتجه صوب العملية التغييرية، تدور بمدار مصلحة الإنسان، وتندرج في سياق تعميق ثباته، وليس العكس. فليس من المعقول أن يشترك الدين بدفع عملية التغيير الاجتماعي بهدف الحصول على منفعة لنفس الدين، باعتباره مفردة حضارية. أي أن مآل عملية التغير ـ التي يشترك بها الدين ـ ومحورها هو الإنسان، الثابت هو الإنسان، وليس الدين. وهذه النتيجة يمكن الركون إليها ببساطة إذا تذكرنا، بأن الإنسان يمكن له أن يحقق بعض إنسانيته بلا دين، والعكس غير صحيح، إذ الدين لا يمكن له أن يحقق ولا جزء يسير من وجوده (دينيته) بلا إنسان.
هذه النتيجة مهمة بالنسبة لنا الآن، نحن العراقيين، ونحن نعيش أزمة (دينية/ اجتماعية/ تغييرية). ونحن نحول الثابت في عملية التغيير والمتحكم بها، إلى وقود لهذه العملية، ومحكوم بائس بها. وكأن التغيير يردا لذاته ومجرداً عن كل إضافة أخرى، وكأن الإنسان آخر ما تهدف عملية التغيير لتحقيقه. الدين ـ وسواء كان أرضياً أم سماوياً ـ أداة لتحقيق الإنسانية، وليس العكس، الإنسانية ليست أداة لتحقيق الدين، ومن ثم فالإنسانية لم تكلف بتحقيق الدين خارج إطار مصلحتها، الإنسانية ليست معنية بدين لا يحققها، هذا ما بشرت به الأديان، كل الأديان.
إذن الدين وسيلة، والإنسان غاية، وليس العكس. فمن طبيعة الوسيلة أنها تستهلك بتحقيق الغاية، أو لا يعود لوجودها معنى، فهل يعقل ـ والحال هذه ـ أن تكون الإنسانية وسيلة لتحقيق الدين، ومن ثم فحين يتحقق الدين تنتفي الحاجة للإنسانية، لكن ما معنى الدين بلا إنسان؟ ما جدوى العقيدة حين نقوم بتصفية المُعْتَقِد وتدميره؟
التاريخ يشهد بأن الإنسان ذو طبيعة تدميرية، التاريخ يشهد بأن الإنسان وحده ومن بين جميع فصائل الجنس الحيواني ينزع إلى القتل الجماعي، الإبادة الوحشية، والإنسان وبسبب هذه النزعة يقوم بليّ عنان الحضارة وبجميع مفرداتها من أجل أن يحصل على شرعنة ما لنزعته التدميرية هذه.
التاريخ يقول بأن الإنسان حرَّف اليهودية، وحولها إلى أداة للقتل، ولهذا جاء المسيح(ع)، وكان المسيح والمسيحية ردة فعل عنيفة باتجاه العنف، وأرادة المسيحية أن تنتج إنساناً متسامحاً إلى أبعد الحدود، غير أن المفاجأة كانت مثيرة للسخرية، عندما تحول المسيحي ولزمن طويل إلى دموي بغيض، شن الحروب باسم الصليب، وأقام محاكم التفتيش باسم الكنيسة. وهكذا انتصرت إرادة القتل الجماعي في الإنسان عندما حصلت على الشرعنة التي تحتاجها من نفس عقيدة التسامح... لكن كيف؟.
كيف وصل الإسلام لنفس المصير؟، الإسلام الذي جاء من أجل تخليص البشر من طغيان البشر، تحول بدوره وبصورة مثيرة للسخرية أيضاً، إلى أداة من أدواة الطغيان، وهكذا تحولت عملية نشر الإسلام والتبشير به إلى حقبة سوداء من حروب الاستعمار والاستعباد وقتل البشر أو تحويلهم لعبيد بائسين.
كيف يمكن لمثل هكذا انحراف في مسار الحضارة الإنسانية أن يحدث ويتكرر دائماً، ودون أن نأخذ العبرة. كيف يمكن لنا أن نقع بنفس الفخ في كل مرة، وفي كل مرة نحول الوسيلة إلى غاية ونعمل على تدمير غايتنا الحقيقية (الإنسان)؟
شهوة القتل التي تريد العودة بالعراق اليوم إلى زمن حروب الردة، الحروب التي زهقت تحت لواءها آلاف الأنفس، وحتى قبل أن يبرد جسد الرسول محمد(ص). هذه الشهوة ليست معنية بالإسلام، ولا هي معنية بالحضارة ولا بالإنسان، بل هي معنية فقط وفقط بالنزوع نحو الإبادة، ذلك النزوع الذي درج على ركوب العقائد والأديان والغارة بها على الإنسان وتدميره، لا لشيء آخر غير إشباع النزوع نحو القتل.. الجماعي.. المتأصل في الإنسان.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*
- العقل الخالي... تخبط السياسة الأمريكية بين نموذجي خاتمي ونجا ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين