|
الدين الرسمي وأحزاب اليسار في مواجهة الأحزاب الإسلاموية: ردود الفعل على فتوى القرضاوي الموجهة إلى المغاربة بخصوص السلف الربوي.
عبداللطيف هسوف
الحوار المتمدن-العدد: 1687 - 2006 / 9 / 28 - 10:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين الرسمي وأحزاب اليسار في مواجهة الأحزاب الإسلاموية: ردود الفعل على فتوى القرضاوي الموجهة إلى المغاربة بخصوص السلف الربوي.
أثارت فتوى أصدرها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي موجة من الاستنكار في الأوساط العلمية والحكومية في المغرب، عندما سئل عن جواز امتلاك المسكن بالقرض الربوي، فكان جوابه أن قارن بين المغاربة في بلدهم وبين المغاربة في دول الغربة. واستخلص أن المغاربة في بلدهم مثلهم مثل الأقليات في بلاد الغربة، لأن المجلس الأوروبي للإفتاء أجاز للأقليات المسلمة في أوروبا شراء بيوت السكن عن طريق القروض البنكية مراعاة للظروف التي يعيشها المسلمون في تلك البلاد. وردا على فتوى الشيخ القرضاوي، أعرب المجلس العلمي الأعلى بالمغرب الاثنين الماضي عن انزعاجه من التدخل في شؤونه الدينية مؤكدا خصوصيته وهوية أهله. وأصدرت الهيئة العلمية للإفتاء في المجلس العلمي الأعلى وهي هيئة رسمية بيانا الاثنين نددت فيه بالفتوى التي أصدرها أحد العلماء البارزين في المشرق (إشارة إلى الشيخ القرضاوي) تبيح للمغاربة الاقتراض الاضطراري من البنوك الربوية من أجل السكن. وقال بيان هيئة الإفتاء المغربية ما معناه: ما يهمنا في هذا المقام هو التذكير بحقائق تتصل بالمغرب علميا وتاريخيا وفي مقدمتها حرص المغاربة علي تقاليدهم العلمية وفي ذلك سر انضوائهم تحت راية الإسلام والتفاتهم حول إمارة المؤمنين وإجماعهم علي وحدة المذهب والعقيدة والسلوك. وقالت الهيئة أنها تستشعر المخاطر التي ينطوي عليها هذا التدفق الإعلامي الذي فتح الأبواب أمام الفتوى. وارتباطا بنفس الموضوع، اعتبرت يومية الاتحاد الاشتراكي الناطقة بلسان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشارك في الحكومة المغربية أن الفتوى تسيء للمغاربة، وتجعل من المغرب دار كفر وأن القرضاوي تطاول بفتواه علي مؤسسة إمارة المؤمنين. وقد سارعت يومية الاتحاد الاشتراكي إلي نشر مقال علي صدر صفحتها، لتؤكد من خلاله استياء أوساط حكومية من فتوى القرضاوي، مضيفة أنه أساء للمغرب والمغاربة عندما لمح إلي أن التشريع المغربي تشريع علماني غير إسلامي. وقالت اليومية أن للمغرب مجلس الفتوى، كما أن جلالة الملك قد أنشأ لجنة للفتوى تهتم بالإفتاء في البلاد، وأن يوسف القرضاوي قد وضع نفسه فوق إمارة المؤمنين، معتبرة أن نشر فتواه علي صفحات يومية التجديد الإسلامية جرأة ما بعدها جرأة. أما يومية التجديد الناطقة بلسان حركة التوحيد والإصلاح، والقريبة من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، فقد اعتبرت أن جريدة الاتحاد الاشتراكي حاولت أن تلعب دورا قذرا للإيقاع ليس فقط بين القرضاوي وأهل العلم بالمغرب، ولكن لاستعداء أمير المؤمنين علي هذا الرجل العالم. وقالت أن المصادر الحكومية التي ربما أحرجتها فتوى القرضاوي تتعلق بالوزير الاتحادي فتح الله ولعلو الذي سبق له أن وقف بقوة ضد المصارف الإسلامية بالمغرب. واعتبرت جريدة التجديد فتوى القرضاوي ذات نفس اجتماعي من فقيه أراد أن ينفس كربة الناس، في الوقت الذي يعجز فيه الوزير الاشتراكي عن إبداع حلول اجتماعية للمساكين الذين لم يستطيعوا بسبب سياسته الاقتصادية التفقيرية أن يحلموا مجرد الحلم بمسكن يصرفهم عن ابتزاز المالكين. كان هذا تسلسل لردود الأفعال على فتوى شيخ يشهد له بانتهاج نهج منفتح في تفسير الدين، وارتكازه على مبدأ يسر ولا تعسر . وحين اطلعت على النص الكامل لفتوى الدكتور القرضاوي لم أجد فيها إشارة إلى أن المغرب دار كفر أو تجاوزا لمكانة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وإنما الرجل ذهب أبعد مما قد نتوقعه منه ليبيح للمساكين والفقراء وذوي الدخل المحدود امتلاك منزل بفوائد بنكية حتى لا يخضعوا لابتزاز المالكين للمساكن عبر الاكتراء. وكون المغرب يخضع لقوانين مدنية وليس لتشريع إسلامي، فهذا أمر قد ينتقده أي شخص له توجهات إسلامية، كما لو انتقد بيع الخمور أو فتح الخمارات في بلد إسلامي. وهذا ما قصده الشيخ، حسب فهمي، حين تكلم عن بلد ليس بدار الإسلام، أي البلاد التي لا تطبق فيها الشريعة الإسلامية (قانونا كاملا، وليس فقط مدونة الأحوال الشخصية). أما حين اطلعت على رد علمائنا المغاربة الرسميين فلم أجد فيه ما يشفي تساؤلاتي: أهم مع البنوك الربوية التي يعتمد عليها اقتصاد المغرب بصيغة شبه كلية؟ أهم ضد الاقتراض من هذه البنوك بنسب ربوية؟ أهم يقترحون حلا لمشكلة السكن خارج الاقتراض من البنوك بالفائدة؟ رد علماء المغرب لم يتعرض للمسألة موضع النقاش، بل فقط أحزنهم أن تأتيهم فتوى من الشرق على لسان الشيخ القرضاوي، وهم في المغرب أولى من غيرهم بتقديم الفتاوى لأنهم حسب زعمهم يعرفون البلد وخصوصياته. ولكن، حين يترك علماء المغرب الفراغ ولا يفتون منذ زمن في مسألة تخص المواطنين المعوزين، فلماذا يعيبون على من يملأ هذا الفراغ، خاصة وأن الرجل وجه له السؤال من قبل عدد من المغاربة. لست بمدافع عن الشيخ القرضاوي، فهو لا يحتاج مني لدفاع، لكنني متتبع للأخبار، خصوصا حين يتعلق الأمر بوطني المغرب، ويؤسفني أن لا أجد في كلام أعضاء المجلس العلمي الأعلى سوى انجذاب إلى المعركة السياسية التي تواجه بين اليساريين والإسلاميين. أما ما جاء في جرائد أحزاب اليسار، خصوصا حزب كبير من طينة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فلا يعدو كونه تسييس يستهدف الإسلاميين المغاربة بالدرجة الأولى ويرفع المسؤولية عن حكومة وزير اقتصادها اتحادي. لكن، الواقع لا يرتفع، والمعاناة التي يعيشها أغلبية المغاربة ذوي الدخل المحدود تتزايد يوما بعد يوم. كان أحرى بجريدة حزب في مرتبة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن تنأى بأقلامها عن الدخول في مزايدات ستفقدها مزيدا من المساندين. إن مشكلة أحزاب اليسار في المغرب هي أنهم في صراعهم مع حزب إسلاموي منافس لهم في الحكم، يجدون أنفسهم دائما يغردون في خندق بعيد عن آراء الناس البسطاء في الشارع المغربي الذين يميلون بقلوبهم إلى الخطاب الإسلاموي القريب من تصوراتهم أيضا البسيطة. لا مجال هنا للتفصيل بأن أقلام الصحافة الحزبية اليسارية التي أوكلت لذوي النظرة الضيقة، المرددين لشعارات السبعينيات، قد أخفقت في مهمتها الأولى، ألا وهي استمالة القوات الشعبية. إن إمعان أقلام الصحف الحزبية اليسارية في الرد بلاءاتها العلمانية الدائمة على كل صوت إسلاموي جعلت اليسار يبدو وكأنه متعارض في خطابه مع الدين، وهذا طبعا ما لا يغفره الجمهور العادي المتعاطف مع كل ما يرتبط في نظره بالدين الإسلامي. متى كانت مصالح اليسار المغربي تتفق مع مصالح علماء دين رسميين لا يفتون إلا بإشارة مشير من فوق؟ في الواقع، ما عكر صفو الجميع ليس كلام عالم جليل قد يصيب وقد يخطأ، بل هو خوف أعضاء المجلس العلمي الأعلى من أن تسحب منهم الشرعية العلمية ويهمشون بسب صمتهم على المصائب التي يغرق فيها البلد يوما بعد يوم، خوفهم من أن تتوقف رواتبهم المجزية لهم عن صمتهم وتقاعسهم. أين كانوا من ارتفاع الأسعار الصاروخي وانتشار الفساد واستقواء أصحاب النفوذ؟ أما أحزاب اليسار، وخصوصا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تعلمت في صفوفه سابقا حرية الرأي دون السقوط في الرعونة، فإن مشكلته هي أن بعض المعبرين عن آرائهم على صفحات جريدته لازالوا يلوكون كلاما ماضويا تلقوه في حلقات النقاش الشبيبية، فإما أبيض وإما أسود. والواقع أن هذه الأقلام التي لم تعد تتفوق سوى في السب والشتم الرخيص، لا تستطيع أن تستوعب تحولات عقول المغاربة، إن لم نقل تطورها. إن مثل هذه الأقلام تقدم خدمة كبير للإسلامويين، وتفقد في الوقت ذاته الأحزاب اليسارية عددا كبيرا من مساندين مفترضين لها سيتعاطفون مع أصحاب العمائم والوجوه الملتحية لا مع أصحاب الطرابيش الحمراء والذقون الحليقة. وأخيرا، لا داعي أن يقحم علماؤنا الأجلاء وأحزابنا الوطنية أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في هذا الجدال، لأن المشكلة في الأساس هي مشكلة حكومة لم تتمكن من رفع الحيف عن ضعاف المواطنين المغاربة، حكومة أصرت أذنيها منذ سنوات، وأصبحت لا تقوم بشيء سوى بالرد على منتقديها، حتى لو كانوا على حق. إن كان سلهام جلالة الملك محمد السادس نصره الله يسع جميع المغاربة ليحتموا تحته، إلا أنه يكتسب من الشرف والقداسة ما لا يجوز لأي كان أن يتمسك بتلابيبه للرد على عالم اجتهد بحسن نية، وله فضل ذلك وإن أخطأ. كان حري بأعضاء المجلس العلمي الأعلى أن يوجهوا دعوة للشيخ القرضاوي ويناقشوه في فتواه، ثم بعد ذلك يطلعون على المغاربة بفتواهم في النازلة، لكنهم عوض ذلك واصلوا صمتهم واكتفوا بالتذكير بتقاليد المغرب العريقة وتوجيه استنكار لا يقدم بل يؤخر.
#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شافيز ذاك الرئيس المدهش: وصف بوش بالشيطان ودعا الأمريكيين لق
...
-
توالد الذرائع بعد ذريعة 11 سبتمبر
-
لم تكن محقا يا بابا الفاتيكان.
-
المحافظون الجدد بأمريكا، الصهاينة والحكام العرب: تحالف ضد من
...
-
ما بعد 11 سبتمبر، الفوضى الخلاقة أم الضغط يولد الانفجار؟
-
11سبتمبر في الاذهان وإن تبدل المكان
-
سبتمبر الأسود
-
غرباء يحبون وطنهم
-
في كل جيل أباطيل
-
نعرفهم جميعا...
-
كيف كان المستعمر الفرنسي ينظر إلى المغاربة وسلاطينهم؟
-
الإثنيات المغربية: التشكيلة المتنوعة، محاولة المستعمر تعميق
...
-
الزلاقة والأرك: معركتان يمدد بهما المرابطون والموحدون حكم ال
...
-
سكان المغرب الكبير الأولون - البربر أو الأمازيغ: تحديدهم بال
...
-
سكان المغرب الكبير الاولون - البربر أو الأمازيغ: بالأصل الإث
...
-
هل تصنع السلطة مثقفا حقيقيا؟
-
مقاومة حفنة من الرجال وانتصار أمة بكاملها - لبنان يهزم العول
...
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|