|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 99
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7363 - 2022 / 9 / 6 - 13:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يَتَّخِذِ المُؤمِنونَ الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ وَمَن يَّفعَل ذالِكَ فَلَيسَ مِنَ اللهِ في شَيءٍ إِلّا أَن تَتَّقوا مِنهُم تُقاةً وَّيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفسَهُ وَإِلَى اللهِ المَصيرُ (28) ما يقرب من العشر آيات تحرم على المسلمين اتخاذ الكافرين (غير المؤمنين بالإسلام) أولياء. وهذا ما جعل الكثير من علماء الكلام والفقهاء يستنبطون منه حكما، جعله البعض أحد أهم أركان الإسلام، وهو (الولاء والبراء)، أو حسب تسمية أخرى (التولي والتبري)، والتولي يشتمل على الصداقة والمودة والتناصر، وهذا حسب آيات القرآن ذات العلاقة من الواجبات فيما بين المؤمنين (المسلمين)، ومن المحرمات، بينهم وبين غير المؤمنين بدينهم، باستثناء آية واحدة من سورة الممتحنة، التي نفت حرمة التولي لغير المسلمين من الذين لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم، أي من بيوتهم وأوطانهم، ولم يظاهروا ويساندوا على إخراجهم. ولكن الآيات الكثيرة التي تطلق حرمة التولي، وكذلك الأخذ بما هو سابق نزوله وما هو لاحق، والقول بنسخ اللاحق للناسخ، جعل الكثيرين يذهبون أن الآيتين السابعة والثامنة من سورة الممتحنة وعموم آيات التسامح مع غير المسلمين، هي من الآيات المنسوخة. ويبقى القرآن حمّال أوجه متعدد صور الفهم، مما لا يجوز على الحكيم اللطيف أن يصدر مثله منه. قُل إِن تُخفوا ما في صُدورِكُم أَو تُبدوهُ يَعلَمهُ اللهُ وَيَعلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (29) يَومَ تَجِدُ كُلُّ نَفسٍ مّا عَمِلَت مِن خَيرٍ مُّحضَرًا وَّما عَمِلَت مِن سوءٍ تَوَدُّ لَو أَنَّ بَينَها وَبَينَهُ أَمَدًا بَعيدًا وَّيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفسَهُ وَاللهُ رَؤوفُ بِالعِبادِ (30) اللاهوت الفلسفي المنزه لله لا يجد هنا ما يسجله من إشكال أو تحفظ، خاصة وإن هاتين الآيتين تتحدثان بشكل إجمالي عن علم الله بأحوال الكون وأحوال الناس، وكذلك تتناولان الجزاء الأخروي على النحو الإجمالي، دون الخوض في تفاصيل التصورات الدينية عن يوم القيامة وعن طبيعة الثواب والعقاب، مما يتعارض مع العدل الإلهي والرحمة الإلهية، خاصة وإن الآية الثانية تختم برأفة الله بالناس، وإن سبقها التحذير الذي هو دون مرتبة التخويف. قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللهُ غَفورٌ رَّحيمٌ (31) قُل أَطيعُوا اللهَ وَالرَّسولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكافِرينَ (32) لكننا عندما نواجه هاتين الآيتين التاليتين لما قبلهما، نجد إن مغفرة الله ورحمته مشروطة باتباع مؤسس الإسلام ومؤلف القرآن وبطاعته التي اعتبر طاعة الله غير متحققة بدونها، فعدم طاعته هو تولٍّ عن الهدى وكفر، فيكون غير المطيع لمحمد من الكافرين، ونعلم إن مصير الكافرين نار جهنم خالدين فيها أبدا. بلا شك إن بعض الطاعة لأي نبي هي من طاعة الله، إذا كانت متعلقة بالالتزام بالمثل الإنسانية وبمكارم الأخلاق، ولكن هذا لا يكفي ما لم يجر الالتزام بكل الأحكام التي لا يضر عدم الالتزام بها أحدا، ولا تمس المبادئ الأخلاقية والإنسانية، بل هي شؤون شخصية، كممارسة بعض العبادات والامتناع عن ثمة أطعمة والالتزام بأحكام النكاح والإرث وغيرها. إِنَّ اللهَ اصطَفى آدَمَ وَنوحًا وَّآلَ إبراهيمَ وَآلَ عِمرانَ عَلَى العالَمينَ (33) ذُرّيةً بَعضُها مِن بَعضٍ وَّاللهُ سَميعٌ عَليمٌ (34) اصطفاء الله أشخاصا مثل آدم ونوح وإبراهيم ويعقوب وإسحاق وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد، سواء وجد جميع هؤلاء الأشخاص، أو كانوا مجرد شخصيات خيالية أسطورية، وسواء كان الذين وجدوا منهم كما وصفهم القرآن به، أو كما وصفهم العهد القديم، أو كانت الصفات والقصص المقترنة بهم من تأليف المؤلفين من بعدهم؛ هذا الاصطفاء والتفضيل بالدرجة على سائر الناس غيرهم، لا دليل عليه، سوى دعاوى ما يسمى بالكتب المقدسة. إِذ قالَتِ امرَأَةُ عِمرانَ رَبِّ إِنّي نَذَرتُ لَكَ ما في بَطني مُحَرَّرًا فَتَقَبَّل مِنّي إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ (35) فَلَمّا وَضَعَتها قالَت رَبِّ إِنّي وَضَعتُها أُنثى وَاللهُ أَعلَمُ بِما وَضَعَت وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثى وَإِنّي سَمَّيتُها مَريَمَ وَإِنّي أُعيذُها بِكَ وَذُرّيتَها مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبولٍ حَسَنٍ وَّأَنبَتَها نَباتًا حَسَنًا وَّكَفَّلَها زَكَرِيّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيها زَكَرِيَّا المِحرابَ وَجَدَ عِندَها رِزقًا قالَ يا مَريَمُ أَنّى لَكِ هاذا قالَت هُوَ مِن عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرزُقُ مَن يَّشاءُ بِغَيرِ حِسابٍ (37) قصة مريم لها معانيها الرمزية والمجازية التي لا تخلو من مثل وقيم، ولكن المشكلة عندما نتعامل مع القضايا الرمزية التي تطرح كقصص خيالية، يراد ربما من خلالها تثبيت مثل ما؛ عندما نتعامل معها كحقائق، يكفر من يشك بحصولها. ولا بأس من الإشارة إلى خطأ بلاغي هنا، وهو من نوع خطأ تقديم ما يجب أن يؤخر وتأخير ما يجب أن يقدم، إذ كان الأصح بدلا من أن يقال «وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثى» أن يقال «وَلَيسَتِ الأُنثى كَالذَّكَرِ»، ومثل هذا الاستبدال بين المقدم والمؤخر يتكرر في العديد من آيات القرآن. هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَب لي مِن لَّدُنكَ ذُرّيةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتهُ المَلائِكَةُ وَهو قائِمٌ يُّصَلّي فِي المِحرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحيى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَّحَصورًا وَّنَبِيًّا مِّنَ الصّالحينَ (39) قالَ رَبِّ أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَّقَد بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وَامرَأَتي عاقِرٌ قالَ كَذالِكَ اللهُ يَفعَلُ ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجعَل لّي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلّا تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلّا رَمزًا وَّاذكُر رَّبَّكَ كَثيرًا وَّسَبِّح بِالعَشِيِّ وَالإِبكارِ (41) لم أجد في هذه الآيات الأربع ما يجعلني أتناوله بالتعليق، فهي أسطورة من أساطير القرآن وأساطير بقية ما يسمى بالكتب المقدسة، عن شخصيات لا أحد يعلم عن حقيقة وجودها، وحتى مع فرض ذلك، لا يعلم أحد عن حقيقة القصص والأساطير التي حيكت حولها. زكريا يدعو ربه أن يهبه ذرية، وهو عندما يدعوه، يفترض وهو النبي المرسل من الله، أنه واثق من أن الله قادر على استجابة دعائه، ولكن عندما تأتيه البشارة باستجابة دعائه يستغرب كيف يكون ذلك بعد أن بلغ من التقدم في العمر ما يكون المرء معه يائسا من أن يرزق بذرية، خاصة وإن زوجته أصبحت عاقرا. على أي حال هي ليست أغرب من المعجزات المدعاة لإبراهيم وتحول النار بردا وسلاما، وموسى وعصاه، وعيسى وولادته من غير أب ونطقه في المهد وإحيائه الموتى، ويونس ومكوثه في بطن الحوت.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 98
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 97
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 96
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 95
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 94
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 93
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 92
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 91
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 90
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 89
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 88
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 87
-
العراق بين نار الصدر ونار الإطار
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 86
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 85
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 84
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 83
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 82
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 81
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 80
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|