أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - نجيب محفوظ … العصيُّ على الغياب














المزيد.....

نجيب محفوظ … العصيُّ على الغياب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7361 - 2022 / 9 / 4 - 14:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في أحد لقاءاتنا بالخالد "نجيب محفوظ"عام ٢٠٠٣، وفي ڤيلا الدكتور "يحيى الرخاوي" بحي المقطم، مِلتُ نحوه وهمستُ بسؤال: “أستاذ نجيب، هل تذكر اسم طاعنك؟"، فابتسم بوهنٍ وحرك رأسَه دلالة النفي، ثم همس لي: “لكنني سامحته!” هكذا العمالقةُ أمام الصغار. الكبارُ يغفرون للصغار طيشَهم وحماقاتِهم؛ لأنهم يدركون أن الصغارَ لا يعلمون ماذا يفعلون.
ونحن كذلك لا نذكر اسم المجرميْن اللذين طعنا عنق "نجيب محفوظ"، لكننا نعرفُ "نجيب محفوظ"، العصيُّ على النسيان. ولا نعرف اسم قاتل شاعر العرب أبي الطيب المتنبي، لكننا نعرفُ "المتنبي"، لأن قصائده تملأ الدنيا ولا يخبو جمالُها مع القرون. ولا نعرفُ اسم الأميّ الذي اغتال "فرج فودة"، لكننا نعرفُ جيدًا "د. فرج فودة"، لأن مشعله ما يزال وهاجًا وسيظلّ. نحن لا نعرفُ اسمَ قاتل عالمة الذرّة المصرية النابغة "سميرة موسى" في أحد وديان أمريكا الموحشة. لكننا نعرف من هي "سميرة موسى" وما كانت ستؤديه لمصر لو لم تغتلها يدُ الموساد الآثمة وهي في وهج جمالها. نحن لا نعرفُ اسم الكاهن الذي كفّر جاليليو وحكم عليه بالموت. لكننا نعرف "جاليليو جاليلي" وكشوفاته المدهشة في علوم الفلك والفيزياء. نحن لا نذكر اسم شانق "عمر المختار"، المناضل الليبي النبيل. لكننا نعرف "عمر المختار" ونذكر مقولته: “سيكون عمري أطول من عمر شانقي". هل يعرف أحدكم اسم صالب "الحلاج"، أو قاتل "السهروردي"، أو من سحل "هيباثيا" من جدائلها، والذين كفّروا "ابن عربي" و"ابن الفارض" و"ابن رشد" و"ابن المقفع" و"لسان الدين الخطيب" و"نصر حامد أبو زيد" و"طه حسين" وغيرهم المئات من نوابغ العالم وعظماء التاريخ؟ لا، إنما نعرف تلك الرموز التي لا يخبو ضوؤها، وأما قاتلوهم الخاملون، فمحلّهم خانة النسيان المعتمة. ويؤكد لنا التاريخُ أن أولئك العظماء النبلاء الذين اغتالتهم يدُ الجهل والتكفير والحسد، أعمارهم أطولُ من أعمار قاتليهم. لا أحد يذكر اسم طاعن نجيب محفوظ ولا من كفّروه وأهانوا تراثه. لكننا نعرف قيمة "نجيب محفوظ" ونحفظ رواياته ونرى شخوصها تعيش بيننا. ونعرف أن أمس الأول: ٣٠ أغسطس، يوافق الذكرى السادسة عشر ليوم مغادرته هذا العالم العنصري ضيّق الأفق، إلى حيث عالم آخر شاسع رحب، لا يضيق بالإبداع والخيال والعلم والحبّ والفكر المختلف، بل يقدّر الفن الرفيع، ويحترم "العقلَ"، هدية الله الأولى للإنسان.
للتاريخ مصفاةٌ قاسيةٌ عمياء لا تجامل. تُسقط الحَصى البليد، وتُبقي الدرَّ الثمين. يذكرُ التاريخُ فرائدَ العظماء، ويمحو من كتابه النكراتِ المهاويس الذين قتلوهم أو طعنوهم أو كفّروهم أو اغتالوهم معنويًّا وأدبيًّا أو أقاموا ضدهم دعاوى قضائية. لهذا نبتسمُ في إشفاق حين يلاحقنا البلداءُ بالقضايا ويقضون أعمارهم في قاعات المحاكم في محاولات دؤوب لجرّنا إلى السجون. لأننا نعرف أننا موجودون حتى وإن قضينا نحبنا في عتمات السجون، بينما هم منسيون وإن عاشوا ألف عام.
في أحد لقاءاتنا الأخيرة معه في فندق شبرد، انتبهتُ أنني، على كثرة ما أقتني من روايات "نجيب محفوظ"، لم أحظَ بعدُ بتوقيع منه على أيّ منها؟! نهضتُ من مقعدي وركضتُ إلى فندق سميراميس المواجه، وارتقيتُ الدَّرجَ إلى حيث المكتبة التي تضمُّ أعمال الكاتب الكبير. امتدت أصابعي رأسًا إلى "الطريق". الرواية الأقرب إلى قلبي. حيث "البحث عن هوية"، "البحث عن حُلم”. وعدتُ إلى صالون الأستاذ ركضًا وكان الأستاذُ ينتظرُ بقلمه كي يوقّع باسمه على الرواية وعلى "الطريق”: نجيب محفوظ،.....…
بعد حادثة الخنجر، أصبح يكتبُ ببطء شديد وبحروفٍ كبيرة. بعدما كتب اسمَه في دقائقَ طوالٍ كأنها الدهرُ؛ حاولتُ سحبَ الرواية من بين يديه وأنا أشعر بالخجل لما سببته له من جهد وتعب. تمسّكَ الأستاذُ بالكتاب ليكتبَ التاريخ، ثم نظر في عيني قائلا: “أوعي توقّعي اسمك دون تاريخ!” وكان درسًا لم أخلفه أبدًا كلما وقّعت أحد كتبي لقارئ. واستغرقتْه كتابةُ التاريخ خمسَ دقائق أخرى مضافةً إلى الخمس الأولى التي كتب فيها اسمه بخط مرتعش. وصار ذلك التوقيعُ أثمنَ ما في مكتبتي. دسستُ كتابي/ الكنز في حقيبتي ثم أخذني الصمتُ الطويل. أستمعُ إليه، وأستمتعُ بخفة ظلّه وقفشاته السياسية وإلماحاته الذكية التي تشير إلى نصاعة وعي لم ينل منه تراكمُ العقود وغزارة العمل والطعنةُ الحمقاء.
اليوم أتمّ الأديب نجيب محفوظ عامه السادس عشر بعيدًا عن صخب العالم، بعدما انحنى له العالمُ احترامًا حين حصد لمصر وللعرب نوبل الآداب عام ١٩٨٨. لم ننسه، ونسينا الذين على عقولهم أقفالُها، ممن أفتوا بقتله. "نجيب محفوظ"، كل سنة وأنت أكثر وجودًا وحياة ممن أخفقوا في قراءتك.
                                               ***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميس كاميليا … مسيو موريس
- سميرة موسى … نابغةُ مصر الخالدة
- في حب العذراء مريم
- أشقائي … شهداء كنيسة -أبو سيفين-
- ماذا علَّمني أبي … وأبي؟
- التعليمُ الراهن … مُعاصَرةٌ وأخلاق
- مهرجان -چرش- … يصدحُ ويزهو
- مدارسُ الفرير … على شرف الماعت
- لماذا تدنّى مستوى خطابِنا؟
- ٢٦ يوليو … تفويضُ الكرامة
- خطاباتُ جدّي وجدّتي … تعليم زمان
- أولادُكم ليسوا لكم … شكرًا للنائب العام
- في الطريق إلى الثمانين … السعادةُ اختيارٌ
- أيّها الوحيدون … اصنعوا زحامَكم!
- العيد … العائلة … الجنّةُ التي على الأرض
- الضمير… القطّةُ التي كسرت عنقي!
- دقّوا الشماسي
- شمس ٣٠ يونيو
- مَن يُسَلِّعُ المرأةَ ويُشيّؤها … على هامش مقتل نيّرة
- شمعةٌ جديدة في بلاط المصري اليوم


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - نجيب محفوظ … العصيُّ على الغياب