|
أبعد مما قال البابا: صراع الدين والعلم/ العقل والستراتيجيات
عصام الخفاجي
الحوار المتمدن-العدد: 1687 - 2006 / 9 / 28 - 10:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تيقنت، بعد قراءتي لنص محاضرة البابا التي أثارت الرأي العام الإسلامي وعنونها "الإيمان والعلم والجامعة: ذكريات وتأملات"، أن رجال الدين هم آخر المؤهلين للإنخراط فيما يزعمون أنهم أهل له: حوار الحضارات، أو الأديان أو الثقافات، لأسباب أتفهمها وأتمنى أن يتفهموها. رجل الدين، مثله مثل رجل السياسة، ينشأ على عشق ميدان اختصاصه المستقبلي، يتبحّر فيه، يسعى للعثور على تفسيرات للدفاع عما يؤمن به في وجه المشككين الذين يلجأون إلى العلم المعاصر والعقل التشكيكي، وفي النهاية يكتشف أن من يجب أن يتوجه لهم إنما هم أهل الإيمان من الأديان (أو بالنسبة للسياسيين من أهل الأحزاب) الأخرى، لا القلقين من أهل العقل التشكيكي. فمن هم أهل الإيمان هؤلاء؟ أتمنى ألا أبدو نرجسيا حين أقارن بين السياسي والديني المتحزّب من جهة، وبين عاشقي اختصاصاتهم في العلوم الطبيعية والإجتماعية والأدبية-الفنية، من جهة أخرى. فالأخيرون، أو المبدعون منهم على الأقل، يتوصلون بعد حين إلى قصور في مناهجهم أو أدواتهم العلمية، فيسعون إلى استحداث أو استعارة أدوات بحث أو إبداع طورتها علوم أو فنون أخرى. في السياسة والدين، يقارب هذا المسعى الضلال بعينه: هل يمكن أن يبقى المسيحي مسيحيا إن استعار مناهج أو أدوات طورها المسلمون؟ هل يبقى اللبرالي لبراليا إن استعار من الإشتراكيين؟ ولكن، مم أستعير؟ ومن أخاصم بلا هوادة؟ لو كان الصراع المسمى حضاريا ودينيا، صراعا فكريا بحق، لكان الأمر المنطقي أن يتكاتف المسلم والمسيحي واليهودي لمناقشة وتفنيد أفكار يدين بها ما لا يقل عن ثلث البشرية: البوذية والهندوسية والكونفوشية وغيرها من أديان صورتها عن الله والخلق والبعث والقيامة والطقوس تختلف جذريا عما يؤمن به أبناء الديانات الثلاث الأولى. فلم يصرفون جهودهم في محاربة بعضهم البعض بدلا من "محاربة" أديان لا ذكر لها في كتبهم المقدسة (وأرجو ألا يفهم قولي دعوة لمحاربة أتباع تلك الديانات التي يراها كاتب هذه السطور، أو يرى بعضها على الأقل، الأكثر تسامحا وإنسانية بين الأديان القائمة اليوم). دعونا، إذن، نضع صراع الأديان هذا في سياقه الستراتيجي-السياسي: لو لم تكن الحضارتان الإسلامية والمسيحية على تماس جغرافي، ولو لم تنجح الحضارتان في تكوين دولتين قويتين تتصارعان (أو دول قوية تتصارع) على النفوذ، أكان الصراع الفكري بين الدينين ليصل إلى ما وصل إليه اليوم؟ ما الخلاف؟ قلت في البدء أن وظيفة رجال الدين المفهومة والمبررة هي الدفاع عن قناعاتهم الفكرية، فما الذي فعله البابا للدفاع عن قناعاته؟ وماذا كانت قناعاته وأغراض محاضرته أساسا؟ بدأ البابا بالحديث عن الجامعة التي سبق وأن درس فيها ليقول بكل تواضع أنه حين عمل في التدريس هناك، كان ثمة أساتذة يعترضون بشدة على وجود قسمين للاهوت في تلك الجامعة قائلين أن في الجامعة قسمين لدراسة أشياء "لاوجود لها"، يقصد المختصين في العلوم الذين لايرون دراسة الخالق وشؤون الخلق اللاهوتية أمرا علميا. ثم ينتقل من هناك إلى محاولة إثبات ما يتساوى به رجال الدين المسلمون والمسيحيون معا: ثمة تفسير عقلي يتسامى على القياس الوضعي، لكنه يبقى خاضعا للعقل، ويمكن للعقل أن يدركه وإن لم يمكن قياسه بمعايير العلم الوضعي. ومن يعرف البيئة الجامعية الأوربية يدرك فورا أن المحاضرة هدفت بالأساس إلى تغيير وضع يريد المسيحيون والمسلمون المؤمنون تغييره: أعني انصراف الشبييبة عن الإيمان إلى العلم الوضعي التجريبي، حيث يمكن قياس الوقائع والنتائج والوصول إلى البراهين على وجود ظاهرة ما أو انعدامها من خلال البحث. فمت أين جاء الحديث عن إمبراطور قال ما قال عن الإسلام؟ مانويل الثاني، الذي يصعب تسميته إمبراطورا، كان يتحكم بما لايزيد عن رقعة صغيرة مهددة بالضياع أوقعته بالديون للبابا والوقوع تحت سيطرة الإمارات الصغيرة المجاورة. فكيف سقط مانويل الثاني؟ لعل الأمر مؤامرة إسلامية؟ يعرف مؤرخو العصور الوسطى أن ما يسمى بالتضامن الديني لم يكن فاعلا هكذا. البندقية المسيحية (فينيسيا) كانت على الدوام أقرب للعثمانيين منها إلى البابوية. وهكذا اختارت ألا تدعم مانويل (دفاعا عن مصالحها التجارية بالطبع) فانهار مانويل. وسؤالي الآن: كم تربينا على أن "العالم" الفلاني قال إن الإسلام هو أعظم دين في الدنيا، أو أن اليهود مجرمون بطبيعتهم، لكن ما أقنعنا بهذا الدين أو ذاك لم يكن له علاقة بما قاله فيزيائي أو طبيب بارز، لسبب بسيط مفاده أننا يجب أن نحترم إختياراتهم الشخصية كعلماء، لكنهم ليسوا أكثر من أفراد توصلوا إلى تلك القناعات في جو مجتمعي حر نحن أكثر الناس حاجة إليه. اللجوء إلى العقل الهيلليني (اي الفكر الفلسفي اليوناني) الذي يستند البابا إليه لا يريد الإعتراف باكتشافات تقول أن أثينا، التي يزعم أنها أساس الحضارة والعقل الأوربيين المعاصرين، كانت أقرب إلى الإسكندرية وبلاد الشام، جغرافيا واقتصاديا وثقافيا منها إلى أوربا كما نعرفها اليوم. والسبب بسيط لمن يؤمن بالعلم: حتى نشوء السكك الحديد، كان النقل من جنوب فرنسا إلى ساحل الشام أسرع وأكثر أمنا بما لايقاس من النقل بين باريس ومدريد. لذا فقد كان مقر أهم كنائس العالم القديم الإسكندرية والأناضول. ومن كانت أولى الشعوب التي اعتنقت المسيحية؟ يقول التأريخ أنهم آشوريو العراق وسوريا الحالية. كان اسم سوريا "بعت نهرا" (ما بعد النهر). ثم صارت المدن-الدول المتنافرة، لأول مرة في تأريخها تحت حكم الآشوريين، ومنها جاء إسمها المحبب إلينا. هل نريد فهم تأريخنا حقا؟ ما الذي يضيرنا إن اعترفنا بتأثيرات اخرى استطاعت ثقافة الإسلام تطويعها؟ وما قيمة الإمبراطور المزعوم، إذن؟ قيمته أننا نستند إلى أتفه الخلق لإسناد أفكارنا. إثبات؟ نقاش مئات السنين حسمه السيد القذافي الإبن: أيها البابا، إعتنق الإسلام! لست ممثلا ولا متضامنا مع البابا، لكن جوابي مستمد من إبن أرضي، المتنبي: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.....وأخو الجهالة في الغباوة ينعم.
#عصام_الخفاجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في جاذبية الموت للمهزومين
-
مصالحة، مصارحة وبعض من النفاق
-
رؤيتان متناقضتان لما بعد صدام
المزيد.....
-
وزير الدفاع الأسبق: يكشف العقيدة الدفاعية للجمهورية الاسلامي
...
-
-ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرف- – جيروزاليم بوست
-
قائد الثورة الاسلامية في تغريدة: كل فلسطين من النهر الى البح
...
-
الآغا خان الرابع زعيم قاد الطائفة الإسماعيلية النزارية 68 عا
...
-
إيهود باراك: خطة ترامب بشأن غزة -خيال-
-
كلمة الرئيس الايراني بزشكيان امام سفراء الدول الاسلامية في ط
...
-
الاحتلال يحتجز مركبة ويستولي على كاميرات مراقبة في جنين وسلف
...
-
اللواء سلامي يشدد على قوة إيران الإسلامية في مواجهة الضغوط
-
اللواء سلامي: هذه الانجازات هي للرد على اي تهديد ضد ايران وا
...
-
بالودان يواصل استفزاز المسلمين ويحرق نسخة أخرى من المصحف أما
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|