خصي الآلهة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)

الحوار المتمدن-العدد: 7357 - 2022 / 8 / 31 - 12:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
23 خصي اورانوس أب ألالهة

ذكرنا سابقا في أسطورة الخلق الأولمبي بأن الأرض كانت بداية للخلق والتكوين. في البداية أنبثقت الأرض الأم Mother Earth من الفراغ الأول أو الفوضى الأولية Chaos وحملت من ابنها أورانوس Uranus وهي نائمة. ثم نظر أورانوس إليها من أعالي الجبال، وأمطر أمطارًا خصبة على شقوقها السرية، وحملت العشب والزهور والأشجار، مع الوحوش والطيور الخاصة بكل منها. هذا المطر نفسه جعل الأنهار تتدفق وملأ الأجراف وتجويفات الأرض بالمياه وظهرت البحيرات وتكونت البحار والمحيطات. ثم أنجبت بعد ذلك سلالة التيتان أو العمالقة. أورانوس وغايا هما إذا أجداد معظم الالهة الإغريقية.
أورانوس من البروتوغونييين ويجسد في الميثولوجيا الإغريقية السماء (قبة السماء). هو إبن غايا - الأرض ـ الأول وزوجها وحاميها لأنه يحيط بها من جميع الجوانب، إلى الأبد. ولد له ولغايا في البداية التيتانيون الذين انحدرت منهم كل آلهة الأوليمب فيما بعد وكذلك سلالة السيكلوب ثم الثلاثة مخلوقات ذوات المئة ذراع.
بطبيعة الحال لا يمكننا إلا أن نقارن هذه الرؤية لبداية العالم بما ورد في الألواح الطينية لبلاد النهرين، حيث بداية الخلق بدورها ناتجة عن الإتصال بين الأرض والسماء. "آن" أو "آنو" هو أول الآلهة ولد من مياه البحر، إنه السماء العليا وقبة السماء، وقد أختلط بالأرض "كي" وأنجبوا "إنليل" إله الهواء. غير أن العالم في ذلك الوقت الأولي كان غارقا في ظلام دامس، وإنليل كان حبيسا ومحاصرا بين السماء المظلمة في ليل أبدي بلا نجوم وبين سطح الأرض الباردة، فأنجب إنليل القمر مصدر الضياء، نانّا أو "سين" والذي كان يمضي في زورق ليجلب الضياء إلى السموات الحالكة. والأساطير البابلية تشترك مع الأساطير اليونانية في أن الآلهة وجدت مع وجود العالم، بمعنى أن أصل الكينونة هو دائما ظاهرة طبيعية، الأرض أو السماء أو البحر أو النور والظلمة .. إلخ
أورانوس إذا هو بلحمه وشحمه "آنو" الإله الأول البابلي، والكائن القصي الذي أبعده إبنه إنليل عن السلطة ونفاه فيما وراء بوابة السماء، ليعيش وحيدا في القبة الزرقاء.
أما أورانوس فقد كان يكن كرها غريبا لأولاده، فحبسهم بل طمرهم في أعماق الأرض المسماة تارتاروس، وكلما حاولوا الخروج لضوء الشمس، كان يعيدهم دائما إلى داخل الأرض غايا، وذلك عن طريق دفعهم بعضوه الذكري الضخم المسمى فالوس. حسب رواية هيزيود، كان أورانوس يكرر هذا العمل الغريب بفرح ورغبة مما أغضب غايا وجعلها تخطط للتخلص من هذا المخلوق المقيت والمقرف. فأخرجت من باطنها الفولاذ الرمادي القاهر المسمى أداماس الذي لايمكن لأحد أن يتغلب على صلابته أو أن يكسره أو يلويه. ثم صُنع من ذلك المعدن منجلا ضخما لتعطيه لأولادها ليحاربو به أبيهم أورانوس، لكنهم رفضوا جميعا القيام بهذه المهمة لخوفهم من أبيهم أو من العادات المتعارف عليها مثل قدسية القرابة الدموية المباشرة. وحده التيتان كرونوس، الأصغر بين السبعة إخوة، تقدم ووافق أن يقوم بهذا العمل وأن يتحمل عبأه ونتائجه. وعندما نزل أورانوس عند غايا وتمدد إلى جانبها، فاجأه كرونوس أثناء نومه ، فأمسك بأعضائه التناسلية بيده اليسرى (اليد التي أصبحت منذ ذلك الحين يد مشؤومة في العديد من ثقافات البحر المتوسط) وخصاه بعنف ووحشية، وبعد ذلك قذف بالأعضاء التناسلية، وبالمنجل أيضًا، في البحر. ومن دم أعضاء أورانوس الذي قطر على الأرض، ولدت غايا الإيرينيات Erinyes، وهن ثلاثة آلهات الثأر والانتقام: أليكتو Alekto، ميغايرا Megaira وتيسيفوني Tisiphone. الإيرينيات يلاحقن وينتقمن من كل من جرح أو تسبب في آذاء الأمهات مهما كان السبب بل أصبحن في النهاية يلاحقن كل من كسر عادات احترام التسلسل العائلي (الرتب العائلية الدموية ) Gigants.
أما السائل المنوي الذي بقي في الأعضاء التناسلية المقطوعة والتي أُلقيت في البحر فقد سال في المياه المالحة التي تجسدها ثالاسا فتخصبت منه وولدت الإلهة أفروديت الجميلة، كما انبثقت حوريات شجرة الرماد، المسماة ميليا، من ذلك الدم.
أطلق الجبابرة بعد ذلك سراح بقية التيتان السجناء في باطن الأرض تارتاروس، ومنح كرونوس سيادة الأرض وما عليها رغم أنه الأصغر سنا بين التيتان، إلا أنه هو الذي تحمل المسؤولية بشجاعة بينما رفضها الآخرون. ومع ذلك، ما إن وجد كرونوس نفسه في القيادة العليا وممتلكا لكل السلطات، حتى أمر بإعتقال السيكلوبس وسجنهم مرة أخرى في تارتاروس مع المئات من التيتان الذين تم تحريرهم سابقا، وأخذ أخته ريا زوجة له.

يتبع

#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات