|
رفقاً بالمتقاعدين العراقيين
جواد كاظم غلوم
الحوار المتمدن-العدد: 7357 - 2022 / 8 / 31 - 00:36
المحور:
حقوق الانسان
كثيرا ما ألتقي بأساتذتي وأصدقائي من المتقاعدين من خلال زياراتي المتكررة لهم في مقاهي شارع المتنبي البغدادي أو طرق أبواب بيوتهم وزيارتهم كلما أتيحت لي الفرصة والسؤال عنهم وعن أوضاعهم المعاشية والصحية وأرى حالات الانتكاس التي يعيشونها بسبب العوز المادي وضآلة استحقاقاتهم المالية أمام الغلاء الذي بدأ يستشري في معظم مرافقنا الاقتصادية ، إضافة لما يعانونه من أمراض مزمنة كثيرة من جراء الشيخوخة وتقادم العمر ، وأقارن حالهم المزري هنا في وطنهم وحال أقرانهم المفرح في البلدان المتقدمة الراقية بسبب فقدان الضمان الصحي ولجوء المتقاعد المريض الى المشافي الأهلية التي ترهقه ماليا لتزيد من إرهاق الكبر وتقادم العمر لسوء الخدمات الصحية في مستشفيات الدولة وربما يضطر الى السفر الى المشافي خارج بلاده عسى ان تؤمن له صحة مؤقتة تعينه على قضاء بقية عمره بلا أوجاع او منغصات صحية . لا أريد هنا أن أسهب في عرض تفاصيل معاناتهم في " أحضان " وطنهم غير الحاني عليهم ، لكني أكتب ما شاهدته عيانا في العالم المتمدن خلال اغترابي هناك بشأن رعاية هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة وطنهم وتقديم أفخر الخدمات وأنبلها في مقابل الحيف والظلم والتعسّف الذي يلاقونه متقاعدينا هنا ببلادي وهم في أذيال العمر الاخيرة . ففي معظم دول العالم المتمدن هناك قسم كبير من المحلات التجارية والمولات التسويقية الحديثة تقوم بتوظيف المتقاعدين تعاطفاً وحنوّا لأشعارهم بأهميتهم ليس الاّ ؛ ليقفوا في مداخل الأبواب مرحبين بالمتسوقين الداخلين والخارجين ويلقون عليهم التحايا ويطلق عليهم اسم ( Greeters ) وبعدها يودّعون الخارجين من التسوّق ويتمنون لهم قضاء وقت ممتع ووصولٍ آمن الى بيوتهم ؛ هؤلاء المتقاعدون يعملون لفترات قليلة في اليوم مراعاةً لصحتهم لئلا يصيبهم التعب والإنهاك . والحقّ أقول ان تلك الشركات والمولات ليست بحاجة الى هؤلاء الهرمين لكنهم يتعاطفون مع هذه الشريحة التي وهنت وتعبت خلال عملها الأول وإيلاء الأهمية والتعاطف معهم وإشعارهم انهم مازالوا بحاجة اليهم كي لا يشعروا بالنكوص واليأس وجمود الحياة خلال فترة شيخوختهم وإشعارهم بأن الحياة لم تتوقف عندهم . مؤكد ان هذه المساعي والرعاية التي توليها تلك المرافق التسويقية لهذه الشريحة المتقاعدة قد انقذت الكثير منهم من براثن الاحساس بالدونية والبطالة وعدم الاهتمام وأعانتهم بمدخولات مالية أخرى قد يكونون بحاجة اليها تضاف الى رواتبهم وتعينهم مالياً على مواجهة أمراض الشيخوخة اضافة الى ذلك فانها تُشعرهم بان المجتمع مازال بحاجة اليهم وان الحياة لم تتوقف لديهم . هناك في معظم الدول الراقية التي ترعى كبارها المسنّين المتقاعدين ؛ اذ تقوم الدولة بتوفير بطاقة طائرة مجانية سنوية للمتقاعد ورفيقة عمره للسفر والاستجمام والسياحة في اي مكان يختارونه وهذا ما شاهدته بأمّ عيني حينما جلس بجانبي احد المتقاعدين الهرمين وهو برفقة زوجته اذ سألته عن سبب السفر طالما أخذتك الشيخوخة مأخذا متعباً ولم تعد قادرا على تحمّل أتعاب الرحلة فأجابني : " إنه قرار دولتي التي ترعاني مع رفيقة عمري لكسر روتين حياتي لآخذ شيئا من متعة السفر .. انها بمثابة ردّ الجميل على ما قمت به من تفانٍ في عملي طيلة مدة خدمتي الفعلية " ففي كل بلدان العالم المتقدم تقوم الدولة / دائرة التقاعد بطلب الحساب البنكي للمتقاعد ساعةَ تسريحه من العمل لأجل إيصال معاشه التقاعدي ووضعه في حسابه المصرفي دون اي تأخير ، كما ان من حق المتقاعد ايضا ان يطلب سكنا من دوائر الضمان بإيجار شهري منخفض جدا ان لم لديه سكناً إضافة الى تخفيضات مالية في خدمات الماء والكهرباء والمواصلات والخدمات الهاتفية ؛ والضمان الصحي يكاد يكون شبه مجاني . ومن طريف ما لمسته هناك ان وزارة الصحة هناك تؤنب المتقاعد وتحثّه باستمرار على مراقبة وضعه الصحي العام ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ؛ اذا تكاسل عن الحضور لطبيب الأسنان بين فترة وأخرى لإجراء الفحوصات على أسنانه وإدامتها دوريا . فما أكتبه هنا هو غيض من فيض العطاء والخدمة الكبيرة التي تسديها الدولة المدنية المتحضرة لمواطنها المتقاعد ، فأي بونٍ شاسع بيننا وبينهم .. وكم يحزنني حين ارى الاكوام البشرية من كبارنا المتقاعدين وهم يتزاحمون حول كوى وشبابيك الموظفين المسؤولين في دائرة تقاعد الكرخ ببغداد على انجاز معاملاتهم التي قد تطول شهورا عديدة ريثما تنجز وقد يلجأ الى المعقّبين لمتابعة معاملته مقابل خدمات مالية يقّدمها لهم أو يدفع الرشى للاسراع بتكملة معاملته ، ويبقى هذا الهرِم العجوز يستدين من معارفه وأصدقائه شيئا من المال ريثما تطلق بقية رواتبه المتأخرة ويظل يدور من الدائرة الرئيسية الى الدوائر الفرعية لهيأة التقاعد العامة في ساحة الوثبة وغير الوثبة حدّ الانهاك والتذمّر واليأس احيانا . وأخيرا نقول : وبالمتقاعدين المنهكين إحساناً فهم آباؤكم وأجدادكم ايها الأولاد والأحفاد فلا تكونوا ممن يسيئون لمن أحسنوا إليكم وإلى وطنكم .
جواد غلوم
#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الجهل المقدَّس والجهل المؤسَس
-
نصائح ماسيّة - نعمة الكتمان -
-
عندما نصل الى عتبة الشيخوخة
-
ومن تقنية السوشيال ميديا ما فككتْ الأسرة
-
نشيخ وترقى عقولنا
-
العراق من أرض السواد والرواء الى الصحراء والغبراء
-
هرطقة الفصول الأربعة
-
هكذا كانت معتقداتنا في بلاد أوروك العراق وأوغاريت الشام
-
خارطة طريق سالكة وسلسة باتجاه الإيمان
-
هكذا هو وعد الإنسان - الأب - الحقيقي
-
شتاءٌ وهناء
-
حزمةٌ من ومضات الشعر
-
شيء من صفات ( الأحمق المفيد )
-
قصيدة - قوىً خائرة أمام وقحَةٍ قاهرة -
-
عندما تنزفُ شعرا
-
قواعد الفساد الستُ عشرة في عراق الموبقات
-
سيرتي الذاتية في أذيال العمر الأخيرة
-
القواعد العشرون للظفر برفيق العمر الحنون
-
وإذا الأنيسة توحّشتْ
-
أين الطاقة الكهربائية أيها الواهنون ؟؟
المزيد.....
-
السلطات اليمنية:ماتتعرض له الموانئ منذ 2015 جرائم حرب كبرى ل
...
-
العفو الدولية تندد بقصف حزب الله للمدنيين في إسرائيل!
-
محكمة موسكو تصدر حكما غيابيا باعتقال عميل الأمن الأوكراني لن
...
-
إدانة 25 باكستانيا احتجوا على اعتقال عمران خان
-
إعلام عراقي: صدور مذكرة اعتقال بحق الجولاني
-
عودة اللاجئين إلى حمص.. أمل جديد بين أنقاض الحرب
-
حملة دهم واعتقالات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية طالت 25
...
-
الخارجية الأميركية تلغي مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقال الج
...
-
اعتقال خلية متطرفة تكفيرية في قضاء سربل ذهاب غرب ايران
-
تفاصيل اعتقال اثنين من النخبة الإيرانية في الخارج
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|