|
ما هي الماركسية. نظرة عامة
دلير زنكنة
الحوار المتمدن-العدد: 7355 - 2022 / 8 / 29 - 23:51
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بقلم بيرتل أولمان ترجمة دلير زنكنة
سأل مراسل شاب أحد كبار الرأسماليين كيف جمع ثروته. أجاب الرأسمالي: "الامر ببساطة انني اشتريت تفاحة مقابل 5 سنتات ، وقضيت المساء في تلميعها ، وبعتها في اليوم التالي مقابل 10 سنتات. بهذه اشتريت تفاحتين ، وقضيت المساء في تلميعهما ، وقمت ببيعهما مقابل 2O. واستمر الأمر حتى جمعت 80. وفي هذه المرحلة توفي والد زوجتي وترك لنا مليون دولار ". هل هذا صحيح؟ هل هذا عادل؟ ماذا يعني كل ذلك؟ لا توجد أسئلة مثيرة للجدل في مجتمعنا أكثر من سبب كون البعض أغنياء والبعض الآخر فقراء- وما إذا كان يجب أن تكون الأمور على هذا النحو. سعى كارل ماركس للحصول على إجابات لهذه الأسئلة من خلال محاولة فهم كيفية عمل مجتمعنا الرأسمالي (لمن يعمل بشكل أفضل ، ولمن أسوأ) ، وكيف نشأ عن الإقطاع وأين من المحتمل أن يقود. بالتركيز على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي يكسب فيها الناس رزقهم ، رأى ماركس وراء مظاهر القانون والنظام في الراسمالية صراعًا بين طبقتين رئيسيتين: الرأسماليون ، الذين يمتلكون الموارد الإنتاجية ، والعمال أو البروليتاريا ، الذين يجب أن يعملوا من أجل يعيشوا .
"الماركسية" هي في الأساس تحليل ماركس للعلاقات المعقدة و المتطورة بين هاتين الطبقتين.
1 الأصول
للقيام بهذا ،يجب فهم النظريات الرئيسية التي يتكون منها هذا التحليل - نظرية الاغتراب ، ونظرية العمل للقيمة ، والمفهوم المادي للتاريخ -. حتى رؤية ماركس للاشتراكية تنبثق من دراسته للرأسمالية ، لأن الاشتراكية هي الإمكانات غير المتحققة المتأصلة في الرأسمالية نفسها (شيء تجعله ثروتنا المادية العظيمة وأشكال التنظيم المتقدمة، ممكنة) من أجل مجتمع أكثر عدلاً وديمقراطية حيث يمكن للجميع تطوير صفاته/صفاتها النوعية الإنسانية المميزة.
يمكن إرجاع تاريخ بعض الأفكار الاشتراكية إلى الكتاب المقدس ، لكن الماركسية لها أصولها الفكرية الرئيسية في الفلسفة الألمانية ، والاقتصاد السياسي الإنجليزي ، والاشتراكية الطوباوية الفرنسية. من الفيلسوف الألماني ، هيجل ، تعلم ماركس طريقة للتفكير عن العالم ، بكل تعقيداته السائلة ، تسمى "الديالكتيك". قدم الاقتصاديان السياسيان البريطانيان ، آدم سميث وديفيد ريكاردو ، لماركس أول تقدير تقريبي لنظرية العمل الخاصة بالقيمة. من الطوباويين الفرنسيين ، وخاصة شارل فورييه وكونت دي سان سيمون ، ألقى ماركس نظرة على مستقبل أكثر سعادة يقع بعد الرأسمالية. جنبا إلى جنب مع مفارقة الثورة الصناعية التي أنتجت الفقر بقدر ما أنتجت الثروة . هذه هي المكونات الرئيسية التي دخلت في تكوين الماركسية.
2 الفلسفة الماركسية
ترتكز دراسة ماركس للرأسمالية على فلسفة ديالكتيكية ومادية. بواسطة الديالكتيك ، يتم التركيز على التغييرات والتفاعلات والتأكيد عليها من خلال النظر إليها على أنها أجزاء أساسية من أي تشكيلات وعمليات متغيرة و متفاعلة. وبهذه الطريقة ، فإن نظام الرأسمالية ، السياق الأوسع ، لا يغيب عن بالنا عند دراسة أي حدث داخله ، انتخابات أو أزمة اقتصادية على سبيل المثال ؛ ولا يتم تجاهل الماضي الحقيقي و إمكانيات المستقبل ، و أيضًا السياق التاريخي ، عند التعامل مع كيفية ظهور شيء ما في الحاضر. أيا كان موضوع ماركس في الوقت الحالي ، فإن نهجه الديالكتيكي تجاهه يؤكد أن موضوعه الكامل هو دائمًا المجتمع الرأسمالي كما تطور وما زال يتطور. يُنظر هنا إلى التغييرات الفعلية التي تحدث في التاريخ على أنها نتيجة لاتجاهات متعارضة ، أو "تناقضات" ، تنمو أثناء الأداء العادي للمجتمع.
على عكس ديالكتيك هيجل ، الذي يعمل فقط على الأفكار ، فإن ديالكتيك ماركس مادي. كان ماركس مهتمًا في المقام الأول بالرأسمالية على أنها معيشية بدلاً من فكرية، لكن حياة الناس تنطوي أيضًا على الوعي. في حين درس هيجل الأفكار بصرف النظر عن الأشخاص الذين حملوها ، فإن مادية ماركس تعيد الأفكار إلى رؤوس الأحياء وتعامل كلاهما على أنهما أجزاء من عالم يتم تجديده إلى الأبد من خلال الأنشطة البشرية ، لا سيما في الإنتاج. في هذا التفاعل ، وجد أن الظروف الاجتماعية والسلوك يكون لها تأثير أكبر على خصائص وتطور أفكار الناس أكثر من تأثير هذه الأفكار على الظروف الاجتماعية والسلوك.
3 الاغتراب
من الأفضل فهم نظريات ماركس المحددة على أنها إجابات لأسئلته المحددة حول طبيعة الرأسمالية وتطورها. كيف تؤثر الطرق التي يكسب بها الناس معيشتهم على أجسادهم وعقولهم وحياتهم اليومية؟ في نظرية الاغتراب ، يعطينا ماركس إجابته على هذا السؤال. لا يمتلك العاملون في المجتمع الرأسمالي الوسائل - الآلات والمواد الخام والمصانع - التي يستخدمونها في عملهم. وهي مملوكة من قبل الرأسماليين الذين يجب على العمال بيع "قوة عملهم" ، أو قدرتهم على القيام بالعمل لهم، مقابل أجر.
يعرض نظام العمل أربع علاقات تكمن في جوهر نظرية ماركس عن الاغتراب:
• يغترب العامل (أو ينقطع) عن نشاطه الإنتاجي ، ولا يلعب أي دور في تقرير ما يجب فعله أو كيفية القيام به. شخص آخر ، الرأسمالي ، يحدد شروط العمل وسرعته ، بل إنه يقرر ما إذا كان سيُسمح للعامل بالعمل أم لا ، أي يعينه ويطرده. • يغترب العامل من نتاج هذا النشاط ، ولا يتحكم في ما يتم صنعه أو ما يحدث له ، وغالبًا ما لا يعرف حتى ما يحدث له بمجرد أن يترك يديه. • إن العامل مغترب عن غيره من البشر ، حيث تحل المنافسة واللامبالاة المتبادلة محل معظم أشكال التعاون. لا ينطبق هذا فقط على العلاقات مع الرأسماليين ، الذين يستخدمون سيطرتهم على نشاط العامل ومنتجه لتعزيز مصالحهم الخاصة لتعظيم أرباحهم ، ولكن أيضًا على العلاقات بين الأفراد داخل كل طبقة حيث يحاول الجميع البقاء على قيد الحياة بأفضل ما يستطيع. • أخيرًا ، يُبعد العامل عن الإمكانات المميزة للإبداع و الحياة الجماعية، الذي نتشاركه جميعًا لمجرد أننا بشر. من خلال العمل الذي يبعدهم عن نشاطهم ومنتجهم والأشخاص الآخرين ، يفقد العمال تدريجياً قدرتهم على تطوير خصائصهم الفردية الداخلية ، كأعضاء في الجنس البشري.
قطع هذه العلاقات الى نصفين، يترك من جانب فردًا متضائلًا وضعيفًا جسديًا بشكل خطير، مرتبكًا و ضائعًا عقليًا ، معزولًا وعاجزًا تقريبًا. على الجانب الآخر من هذا ، توجد المنتجات والعلاقات مع الأشخاص الآخرين ، الخارجة عن السيطرة و غير المفهومة عند العامل. تخضع منتجات العامل لغموض السوق ، وتنتقل من يد إلى أخرى ، وتغير الأشكال والأسماء على طول الطريق - "القيمة" ، "السلعة" ، "رأس المال" ، "الفائدة" ، "الإيجار"، " الأجر "- اعتمادًا بشكل أساسي على من لديهم وكيف يتم استخدامها. في نهاية المطاف ، هذه المنتجات نفسها - على الرغم من عدم اعتبارها كذلك - تعود إلى الحياة اليومية للعامل على شكل منزل المالك ، وطعام البقال ، وقرض المصرفي ، ومصنع رئيسه في العمل ، ومختلف القوانين والعادات التي تحدد علاقاته مع الآخرين.
دون أن يدري ، قام العامل ببناء الظروف اللازمة لإعادة إنتاج اغترابه. إن العالم الذي صنعه العامل وخسره في العمل المغترب يظهر مرة أخرى كملكية خاصة لشخص آخر لا يمكنه الوصول إليها إلا ببيع قوة عمله والانخراط في عمل أكثر اغترابًا. على الرغم من أن أمثلة ماركس الرئيسية على الاغتراب مستمدة من حياة العمال ، إلا أن الطبقات الأخرى تغترب أيضًا إلى الدرجة التي تشترك فيها أو تتأثر بشكل مباشر بهذه العلاقات ، وهذا يشمل الرأسماليين أيضًا .
4 نظرية القيمة
ما هو تأثير العمل المغترب للعامل على منتجاته ، سواء على ما يمكن أن يفعله وما الذي يمكن فعله بها؟ استخدم سميث وريكاردو نظرية العمل للقيمة لشرح تكلفة السلع. بالنسبة لهم ، فإن قيمة أي سلعة هي نتيجة مقدار وقت العمل الذي دخل في إنتاجها. أخذ ماركس هذا التفسير إلى حد ما كأمر مسلم به. ومع ذلك ، فإن نظريته في العمل للقيمة تهتم في المقام الأول بالمشكلة الأساسية المتمثلة في سبب وجود أسعار ما للسلع.
فقط في الرأسمالية يتم توزيع ما يتم إنتاجه من خلال وسيط الأسواق والأسعار. في مجتمع العبيد ، يأخذ مالك العبيد بالقوة ما ينتجه عبيده ، ويعيد إليهم ما يشاء فقط. بينما في الإقطاع ، يستولي الاقطاعي كحق إقطاعي بعضًا مما ينتجه أقنانه ، حيث يستهلك الأقنان بقية إنتاجهم مباشرة. في كلا المجتمعين ، لا يمكن شراء أو بيع معظم ما يتم إنتاجه ، وبالتالي ليس له أي ثمن.
عند تفسير الحقيقة غير العادية المتمثلة في أن كل شيء يتم إنتاجه في المجتمع الرأسمالي له ثمن ، يؤكد ماركس على فصل العامل عن وسائل الإنتاج (بينما العبيد والأقنان مرتبطون بوسائل إنتاجهم) وبيع قوة عملهم الضروري بسبب هذا الفصل. للبقاء على قيد الحياة ، يجب على العمال ، الذين يفتقرون إلى كل وسائل الإنتاج ، بيع قوة عملهم. في بيع قوة عملهم ، فإنهم يتخلون عن جميع المطالبات لمنتجات عملهم. ومن ثم ، تصبح هذه المنتجات متاحة للتبادل في السوق ، ويتم إنتاجها بالفعل مع وضع هذا التبادل في الاعتبار ، في حين أن العمال قادرون على استهلاك ذلك الجزء فقط من منتجاتهم التي يمكنهم إعادة شرائها في السوق بالأجور التي يدفعونها مقابل قوة عملهم.
"القيمة" ، إذن ، هي التأثير الأكثر عمومية لعمل العامل المغترب على جميع منتجاته ؛ التبادل - الذي يتجسد في حقيقة أن لديهم جميعًا ثمناً - هو ما تفعله هذه المنتجات وما يمكن فعله بها. بدلاً من سعر معين ، تمثل القيمة مجموعة كاملة من الشروط الضرورية لسلعة ما ليكون لها أي سعر على الإطلاق. بهذا المعنى يسمي ماركس القيمة منتَجًا للرأسمالية. السعر المثالي ("قيمة التبادل") للسلعة والطرق التي يتم استعمالها ("قيمة الاستعمال") بالمثل يعرضون بطرقهم المختلفة العلاقات المميزة التي كشف ماركس عنها بين العمال وأنشطتهم ومنتجاتهم والأشخاص الآخرين في المجتمع الرأسمالي.
تعكس "القيمة التبادلية" حالة لم تعد فيها الجودة quality البشرية المتميزة وتنوع الأعمال في الحسبان. من خلال الاغتراب ، تقلصت العلاقات بين العمال إلى كمية العمل التي تدخل في منتجاتهم الخاصة. عندها فقط يمكن لهذه المنتجات أن تتبادل مع بعضها البعض بنسبة تعكس هذه الكميات. هذا هو ما يفسر اكتشاف سميث وريكاردو أن قيمة سلعة ما تساوي مقدار وقت العمل الذي استغرق في إنتاجها. في حالة قيمة الاستعمال، فإن الخصائص الجسدية للسلع - مثل {تاريخ} النفاذ المخطط له ، والاهتمام بالشكل على حساب المتانة ، والتصنيع الفردي والأسري بدلاً من وحدات إنتاجية أكبر ، وما إلى ذلك - تعطي دليلًا لا لبس فيه على جودة العلاقات الإنسانية المعزولة والمتدهورة التي توجد في جميع أنحاء المجتمع الرأسمالي.
فائض القيمة ، الجانب الثالث للقيمة ، هو الفرق بين قيمة التبادل وقيمة الاستعمال التي خلقها العمال والمبلغ الذي يتم إرجاعه إليهم كأجور. إن الرأسمالي يشتري قوة عمل العامل ، كأي سلعة أخرى ، ويضعها في العمل ثماني ساعات أو أكثر في اليوم. ومع ذلك ، يمكن للعمال أن يصنعوا ، على سبيل المثال ، منتجات لمدة خمس ساعات تعادل أجورهم. في الساعات الثلاث المتبقية أو أكثر يتم إنتاج كمية من الثروة تظل في أيدي الرأسمالي. إن سيطرة الرأسماليين على هذا الفائض هي أساس سلطتهم على العمال وعلى بقية المجتمع. تقدم نظرية العمل للقيمة لماركس أيضًا وصفًا تفصيليًا للصراع بين الرأسماليين والعمال حول حجم فائض القيمة ، حيث يحاول الرأسماليون إطالة يوم العمل ، وتسريع وتيرة العمل ، وما إلى ذلك ، بينما العمال يقومون بالتنظيم لحماية أنفسهم. بسبب المنافسة بين الرأسماليين ، يتم استبدال العمال باستمرار بالآلات ، مما يمكّن الرأسماليين ويتطلب منهم استخراج كميات أكبر من فائض القيمة من العمال الباقين.
ومن المفارقات أن مقدار فائض القيمة هو أيضًا مصدر أكبر نقاط ضعف الرأسمالية. نظرًا لأن جزءًا فقط من منتجهم يتم إرجاعه إليهم كأجور ، لا يمكن للعمال شراء جزء كبير من المواد الاستهلاكية التي ينتجونها. تحت ضغط النمو المستمر للناتج الإجمالي ، يفشل الرأسماليون بشكل دوري في إيجاد أسواق جديدة لسلعهم المتكدسة. يؤدي هذا إلى أزمات "فائض الإنتاج" ، التناقض الكلاسيكي للرأسمالية ، حيث يضطر الناس الى العيش على القليل جدًا لأنهم ينتجون الكثير.
5 اتجاهات تاريخية
كيف نشأت الرأسمالية ، وإلى أين تذهب؟ يجيب مفهوم ماركس المادي عن التاريخ على الجزء الأول من هذا السؤال بتفسير تحول الإقطاع إلى رأسمالية. ويشدد على التناقضات التي نشأت من خلال نمو المدن والسكان والتكنولوجيا والتجارة ، والتي فجرت و دمرت عند نقطة معينة الأشكال الاجتماعية والسياسية الإقطاعية التي تم تنظيم الإنتاج فيها. أصبحت العلاقات بين الاقطاعي والاقنان على أساس الحقوق والواجبات الإقطاعية عائقًا أمام زيادة تطوير هذه القوى المنتجة ؛ على مدى فترة طويلة وبعد سلسلة من المعارك السياسية ، تم استبدالهن بعلاقة تعاقدية بين الرأسماليين والعمال. مع حرية الرأسماليين في السعي وراء الأرباح أينما يريدونها والعمال "أحرار" على قدم المساواة لبيع قوة عملهم للرأسماليين كيفما يستخدمونها ، نمت الإمكانات الإنتاجية الكامنة في قوى الإنتاج الجديدة ، لا سيما في التكنولوجيا والعلوم ، إلى درجات غير مسبوقة من قبل.
ومع ذلك ، إذا أدى تعظيم الأرباح إلى نمو سريع عندما يؤدي النمو السريع إلى أرباح كبيرة ، فسيتم تقييد النمو بمجرد أن يصبح غير مربح. الأزمات الدورية التي ابتليت بها الرأسمالية منذ حوالي عام 1830 هي دليل واضح على ذلك. منذ ذلك الوقت ، أصبحت قوى الإنتاج الجديدة التي نشأت في الرأسمالية ونموها وقدرتها على إنتاج الثروة في تناقض متزايد مع العلاقات الاجتماعية الرأسمالية التي يتم تنظيم الإنتاج فيها. وضع الرأسماليون المصانع ، والآلات ، والمواد الخام ، وقوة العمل التي يمتلكونها جميعًا في حركة لإنتاج السلع فقط إذا شعروا أنهم قادرون على تحقيق ربح ، بغض النظر عن مدى توفر "عوامل الإنتاج" هذه ، وبغض النظر عن حاجة المستهلكين لمنتجاتهم. التكلفة التي يتكبدها المجتمع في الثروة التي لا يتم إنتاجها أبدًا (والثروة التي يتم إنتاجها ولكن بطرائق في طابعها معادية للمجتمع) تستمر في النمو ،ومعها الحاجة إلى أسلوب أخر أكثر كفاءة وأكثر إنسانية لتنظيم الإنتاج.
ضمن هذا الإطار ، يتحدد المسار الفعلي للتاريخ من خلال الصراع الطبقي. وفقًا لماركس ، يتم تعريف كل طبقة بشكل رئيسي من خلال علاقتها بالعملية الإنتاجية ،ولها مصالح موضوعية متجذرة في تلك العلاقة. تكمن مصالح الرأسماليين في تأمين سلطتهم وزيادة أرباحهم. من ناحية أخرى ، فإن العمال لديهم اهتمامات بأجور أعلى ، وظروف عمل آمنة ، وساعات عمل أقصر ، وأمن وظيفي - ولأنه مطلوب لتحقيق مصالح أخرى - توزيع جديد للسلطة. يتضمن الصراع الطبقي كل ما تفعله هاتان الطبقتان الرئيسيتان للترويج لمصالحهما المتعارضة على حساب بعضهما البعض. في هذه المعركة ، التي تدور رحاها في جميع أنحاء المجتمع ، الراسماليون مدعومون بثرواتهم ، وسيطرتهم على الدولة ، وسيطرتهم على المؤسسات الأخرى - المدارس ، والإعلام ، والكنائس - التي توجه تفكير الناس وتشوهه. من ناحية العمال ، هناك أعدادهم الهائلة ، و تجاربهم في التعاون - مهما كانت مغتربة - أثناء العمل ، والنقابات العمالية ، والأحزاب السياسية للطبقة العاملة (حيثما وجدت) ، والتناقضات داخل الرأسمالية التي تجعل الظروف الحالية غير عقلانية على نحو متزايد.
في الرأسمالية ، الدولة هي أداة في أيدي الرأسماليين تُستخدم لقمع المعارضة الخطيرة وللمساعدة في توسيع فائض القيمة. يتم ذلك بشكل أساسي عن طريق تمرير وإنفاذ قوانين معادية للطبقة العاملة ومن خلال تزويد الرأسماليين بمختلف الإعانات الاقتصادية ("إنعاش الرأسمالية"). ينظر ماركس أيضًا إلى الدولة على أنها مجموعة من الهياكل السياسية المتشابكة مع الهياكل الاقتصادية للرأسمالية التي يجب أن ترضي متطلباتها ، حتى لا يدخل النظام بأكمله في دوامة - بشكل أساسي لتراكم رأس المال (وسائل الإنتاج المستخدمة لإنتاج القيمة)- وأخيرًا ، فإن الدولة هي ساحة للصراع الطبقي حيث تتنافس الطبقات و الفئات الطبقية للحصول على ميزة سياسية في معركة غير عادلة تجد الرأسماليين يحملون الأسلحة الأقوى. يتطلب الفهم المناسب لدور الدولة الرأسمالية كعلاقة اجتماعية معقدة أن يتم مقاربتها من كل من هذه الزوايا الثلاث: كأداة للطبقة الرأسمالية ، وكهيكل للمكاتب والعمليات السياسية ، و كساحة صراع طبقية.
من أجل تكملة مؤسسات القوة ، أدت الرأسمالية إلى ظهور أيديولوجية أو طريقة تفكير تجعل الناس يقبلون الوضع الراهن أو ، على الأقل ، يختلط الامر لديهم فيما يتعلق بإمكانية استبداله بشيء أفضل. في أغلبها ، تعمل الأفكار والمفاهيم التي تشكل هذه الأيديولوجية من خلال جعل الناس يركزون على الجوانب التي يمكن ملاحظتها لأي حدث أو مؤسسة ، وإهمال تاريخها وإمكانية التغيير وكذلك السياق الأوسع الذي توجد فيه. والنتيجة هي مجموعة من المفاهيم الجزئية ، والثابتة ، والمشوهة ، والجانبية والتي تكشف فقط ما يريد الرأسماليين أن يفكر فيه الجميع. على سبيل المثال ، في الأيديولوجية الرأسمالية ، يُعتبر المستهلكون ذوو سيادة ، كما لو أن المستهلكين هم الذين يحددون في الواقع ما يتم إنتاجه من خلال الخيارات التي يتخذونها في السوبر ماركت ؛ ولم يتم بذل أي جهد لتحليل كيفية تطوير تفضيلاتهم (التاريخ) أو من يحدد نطاق الخيارات المتاحة (النظام الاكبر). إن وضع حدث في سياقه التاريخي والاجتماعي الحقيقي ، أي - دراسته "ديالكتيكياً"- ، غالبًا ما يؤدي (كما في حالة "سيادة المستهلك") إلى استنتاجات مناقضة تمامًا لتلك المستندة إلى الملاحظات الضيقة المفضلة للتفكير الأيديولوجي. كمحاولة لفصل ما لا يمكن فصله دون تشويه ، تعكس الأيديولوجية الرأسمالية في الفكر الحياة الممزقة للأشخاص المغتربين ، بينما تجعل في نفس الوقت من الصعب عليهم فهم اغترابهم.
عندما تصبح تناقضات الرأسمالية أكبر وأكثر حدة وأقل قابلية للتمويه ، لا يمكن للدولة ولا الأيديولوجية منع جماهير العمال ، من ذوي الياقات البيضاء والزرقاء ، من التعرف على مصالحهم (أي أن يصبحوا "واعين طبقيين") والتصرف بناءً عليها. . يعتقد ماركس أن الإطاحة بالرأسمالية ، عندما تأتي ، ستمضي بالسرعة والديمقراطية كما تسمح به {كمية و} نوعية معارضة الرأسمالية. سوف يخرج من الثورة مجتمع اشتراكي يستخدم بشكل كامل ويطور بشكل أكبر الإمكانات الإنتاجية الموروثة من الرأسمالية. من خلال التخطيط الديمقراطي ، سيتم توجيه الإنتاج لخدمة الاحتياجات الاجتماعية بدلاً من تعظيم الربح الخاص. الهدف النهائي ، الذي سيبني المجتمع الاشتراكي باستمرار من أجله ، هو الهدف البشري المتمثل في القضاء على الاغتراب. وقد أطلق ماركس على تحقيق هذا الهدف اسم "الشيوعية".
6 الماركسية اليوم
من الواضح أن الرأسمالية قد تغيرت كثيرًا في المائة عام منذ أن كتب ماركس. لكن في العلاقات والهياكل الأساسية التي تميز الرأسمالية عن الإقطاع والاشتراكية ، لم تتغير كثيرًا ، و هي السمات الرئيسية للرأسمالية التي تناولتها نظريات ماركس. فالعمال ، على سبيل المثال ، قد يكسبون الآن أموالًا أكثر مما كانوا يكسبون في القرن الماضي ، لكن الرأسماليين يفعلون ذلك أيضًا. وبالتالي ، فإن فجوات الثروة والدخل بين الفئتين كبيرة أو أكبر من أي وقت مضى. علاقات العمال بعملهم ومنتجاتهم ورأسمالييهم (التي تفسر في نظرية الاغتراب و نظرية العمل للقيمة ) بشكل أساسي لم تتغير منذ أيام ماركس. من المحتمل أن يكون الاختلاف الأكبر بين رأسماليتنا ورأسمالية ماركس يتعلق بالمشاركة المباشرة للدولة في الاقتصاد الرأسمالي (في المقام الأول لتعزيز الأرباح المتضائلة) ، ونتيجة لذلك ، الدور الموسع للأيديولوجيا لإخفاء الروابط الواضحة بشكل متزايد، بين أجهزة الدولة والطبقة الرأسمالية.
منذ بداياتها ، تعرضت الماركسية للهجوم من جميع الجهات ، لكن الانتقادات الرئيسية وجهت ضد الادعاءات التي لم يدعيها ماركس. على سبيل المثال ، رأى البعض في مادية ماركس دليل على أنه تجاهل دور الأفكار في التاريخ وفي حياة الناس. او بأعتبارها"حتمية اقتصادية" ، فقد تم انتقاد الماركسية أيضًا لشرحها السياسة ، والثقافة ، والدين ، وما إلى ذلك على أنها انعكاسات بسيطة لقضية اقتصادية أحادية الاتجاه. (هذا سيكون غير ديالكتيكياً.). أو بادعاءً بأن العمل هو العامل الوحيد في تحديد الأسعار (يساوي هنا "القيمة") ، او تعرض نظرية العمل للقيمة لهجوم خاطئ لتجاهلها تأثير المنافسة على الأسعار. او كأن توقعات ميول الرأسمالية في المستقبل يجب أن تكون تنبؤات حديدية ، فقد اتُهم ماركس بتقديم تنبؤات خاطئة.
يشير البعض ، أخيرًا ، إلى الممارسات المناهضة للديمقراطية في العديد من الدول الشيوعية ويزعمون أن الاستبداد متأصل في العقيدة الماركسية. في الواقع ، تركز نظريات ماركس على الرأسمالية الصناعية المتقدمة ، بمؤسساتها الديمقراطية العاملة مع كونها غير مثالية ، ولم يعتقد أبدًا أن الاشتراكية يمكن أن تحقق وعدها الكامل في الدول الفقيرة نسبيًا والمتخلفة سياسيًا.
كان للماركسية ، كما تم تعريفها هنا ، تأثيرها الرئيسي بين العمال والمثقفين في البلدان الرأسمالية ، وخاصة في أوروبا ، الذين استخدموها كأداة رئيسية في تحديد مشاكلهم وبناء الاستراتيجيات السياسية. في الدول الغربية ، حتى المثقفون غير الماركسيين ، وخاصة علماء الاجتماع والمؤرخين ، قد استمدوا رؤى كبيرة من كتابات ماركس. في العالم الثالث ، أوضحت الماركسية - التي تم تعديلها بشكل كبير للتعامل مع مزيجها الخاص من الظروف الرأسمالية البدائية والمتقدمة - طبيعة العدو للعديد من حركات التحرر. في البلدان الشيوعية ، تم تجميد بعض مذاهب ماركس في مبادئ مجردة لتكون بمثابة الأيديولوجية الرسمية للأنظمة. يختلف تأثير هذه الأنواع الثلاثة من الماركسية مثل إختلاف محتواها.
في أحدث أزمة للرأسمالية الأمريكية ، تسبب مزيج من البطالة المتزايدة وتفاقم التضخم في إرباك جميع الخبراء المعتادين. لا تستطيع أقوى دولة في التاريخ القضاء على الفقر ، أو توفير العمالة الكاملة ، أو ضمان السكن اللائق أو النظام الغذائي المناسب أو الرعاية الصحية الجيدة لشعبها. في غضون ذلك ، يزداد الأغنياء ثراءً. فقط الماركسية ، باعتبارها توضيحا عقلانياً لنظام رأسمالي غير عقلاني في الأساس ، هي التي تفهم فوضانا الحالية. الصراع الطبقي ، أيضًا يشير إلى طريق الخلاص. والباقي يعتمد علينا.
ببليوغرافيا مختارة
ماركس ، كارل ، العمل المأجور ورأس المال. إنجلز ، فريدريش ، الاشتراكية: طوباوية وعلمية. ماركس / إنجلز ، البيان الشيوعي. ماركس / إنجلز ، الأيديولوجيا الألمانية ، الجزء الأول. رايلبرونر ، روبرت ، الماركسية: مع وضد (1980) ماكليلاو ، ديفيد ، فكر كارل ماركس (1971) ميليباند ورالف والماركسية والسياسة (1977) أولمان ، بيرتل ، الاغتراب: تصور ماركس للإنسان في المجتمع الرأسمالي (1976) بوبر ،كارل : المجتمع المفتوح وأعداؤه (1963) رايدر ، ملفين ، التفسير المادي للتاريخ لماركس (1979) ريوس ، راس المال للمبتدئين (1981) سويزي ، بول ، نظرية التطور الرأسمالي (1963) تريسيل ، روبرت ، فاعل الخير الخشن ذو البنطلون الممزق (1980)
* ظهرت نسخة مختصرة من هذا المقال في الموسوعة الأكاديمية الأمريكية (Arete ”Publishing Company، Princeton، NJ.، 1981) وأعيد نشرها في مونثلي ريفيو (نيويورك ، أبريل 1981).
بيرتل أولمان ( 1935) فيلسوف و مفكر، و بروفيسور علم السياسة في جامعة نيويورك. يقوم بتدريس كل من المنهجية الديالكتيكية والنظرية الاشتراكية. وهو مؤلف للعديد من الأعمال الأكاديمية المتعلقة بالنظرية الماركسية
https://as.nyu.edu/faculty/bertell-ollman.html
#دلير_زنكنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أرخبيل الغولاغ .فضح افتراءات سولجينتسين المناهضة للشيوعية
-
الابادة الاوكرانية -هولودومور- و وثائقية -الحصاد المر- أكاذي
...
-
الحزب الشيوعي الفنزويلي يستنكر -الهجوم المخزي -لقيادي الحزب
...
-
كم عدد الأشخاص الذين قتلهم جوزيف ستالين حقًا
-
الإرث الفاسد للفاشي سولجينتسين
-
لم يتحالف ستالين مع هتلر أبدًا.الحقيقة حول معاهدة مولوتوف-ري
...
-
مسالة بولونجير أو اعادة احياء البونابارتية. إنجلس ينقذ الموق
...
-
الليبرالية وماركس في حديث مع دومينيكو لوسوردو
-
الاتحاد السوفيتي. رأسمالية دولة أم اشتراكية حصار
-
كيف تلقي بإله في الجحيم. تقرير خروتشوف
-
التخطيط للحرب مع الصين
-
لماذا نحتاج إلى فلسفة للعلوم الطبيعية
-
-كل السلطة للسوفييتات-: سيرة شعار
-
ردا على بلاغ اتحاد العمال الموالي لحكومة مادورو في فنزويلا :
...
-
شريعتي وماركس . نقد النقد الإسلامي للماركسية
-
الانتخابات الرئاسية البرازيلية: تعرف على مرشحي الحزب الشيوعي
...
-
فنزويلا: هجوم مناهض للشيوعية جديد ضد الحزب الشيوعي الفنزويلي
...
-
يجب إغلاق قائمة الموت الأوكرانية -myrotvorets-!
-
الاقتصاد السياسي للتحالف الاميركي الإسرائيلي - جول بينين
-
الراديكالية الزائفة ليانيس فاروفاكيس وحزبه - نيكوس موتاس
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|