|
-النسبية- في القرآن كما شرحها الدكتور النجار!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1686 - 2006 / 9 / 27 - 08:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في سعيه إلى جمع مزيد من "الأدلة" على أنَّ لـ "الإعجاز الفيزيائي" وجوداً "كامناً" في آيات قرآنية عديدة، يتوفَّر هو، بما أوتي من عِلْمٍ قرآني ولغوي وفيزيائي، على "إظهاره"، لا يتورَّع الدكتور زغلول النجار عن ارتكاب مزيدٍ من "جرائم إساءة الفهم والتفسير" في حق القرآن، واللغة العربية، والفيزياء، وكأنَّ هذا "الشرِّ الفكري" الذي يمعن في ارتكابه من غير رادع يردعه هو الطريق القويم إلى "الخير الفكري" الذي يريد، والذي في إرادته له إنَّما يعبِّر عن إرادة ذوي مصالح فئوية "دنيوية" ضيقة، يموِّلون ويتبنون ويشجعون وينشرون "إبداعه"، الذي ليس بإبداع إلا بمقاييس عقل لا أثر للإبداع فيه.
نظرية "النسبية" لآينشتاين، وفي أحد أركانها وهو مفهوم "نسبية الزمان"، مع الآيات القرآنية التي اكتشف فيها بذور تلك النظرية، لم تنجُ هي، أيضاً، من "شرِّ إبداعه"، فعاث فيها، وفي تلك الآيات، فساداً.
لقد أمسك بكلمة "اليوم" في آيات قرآنية عديدة ليفسِّرها لنا على أنها "جنين" مفهوم "نسبية الزمان". الدكتور النجار أورد، أولاً، تلك الآيات القرآنية التي يتحدَّث فيها الخالق عن "الزمن الذي استغرقه الخلق"، كمثل آية "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ"؛ ثمَّ أورد آيات قرآنية يتحدَّث فيها الخالق عن "اختلاف الزمن عنده عن الزمن عندنا نحن البشر"، كمثل الآية "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، والآية "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، والآية "تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ".
في عبارتي "وإنَّ يوما عند ربك كألف سنة مما تعدُّون"، و"في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"، يكتشف الدكتور النجار "أساس" نظرية "النسبية". أمَّا في الآية "قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.." فاكتشف إشارة قرآنية إلى "سرعة الضوء".
عبارة "وإنَّ يوما عند ربك كألف سنة مما تعدُّون" لا تحتاج إلى شرح، فهي من الكلام الجامع المانع. إنَّ معناها الذي لا يختلف فيه عاقلان هو أنَّ اليوم عند الله يَعْدِل ألف سنة عندنا نحن البشر. أمَّا عبارة "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" فليس فيها ما يدلُّ على "الزمنين": "الزمن الإلهي"، و"الزمن الأرضي". لم يَرِدْ في الآية التي تتضمن تلك العبارة عبارة "مما تعدُّون"؛ أمَّا "اليوم" الذي كان مقداره خمسين ألف سنة فليس، بالضرورة، هو ذاته "اليوم الإلهي"، أو "اليوم عند الله" الذي يَعْدِل ألف سنة مما نعُدُّ نحن البشر.
دعونا نتَّفق على أنَّ أساس مفهوم "نسبية الزمن" يكمن في عبارة "وإنَّ يوما عند ربك كألف سنة مما تعدُّون"، فليس مثلها عبارة لجهة وضوحها في هذا الصدد.
لقد اكتشف الدكتور النجار "أساس" مفهوم "نسبية الزمن"، الذي جاء به آينشتاين في نظريته التي يسميها "النسبية الخاصة"، في تلك العبارة القرآنية، فما هو هذا "الأساس" عند آينشتاين حتى يصبح ممكنا ومُقْنِعا أن يدَّعي "المكتشِف" أنه عثر عليه، أي على ذاك الأساس، في الآية القرآنية التي أورد؟ عند آينشتاين، "الأساس" هو الآتي: الزمن يبطؤ في كل جسم "يتسارع"، أو في كل جسم يَعْظُم مقدار "الجاذبية" التي يخضع لتأثيرها، فمع كل "تسارع" يبطؤ الزمن في الجسم "المتسارع"، فيَعْدِل "اليوم" فيه سنة، أو ألف سنة، أو مليون سنة، في كوكب الأرض. ومع كل تزايد في مقدار الجاذبية التي يخضع لتأثيرها الجسم يبطؤ الزمن فيه أيضا.
"نسبية الزمن"، عند آينشتاين، لا تقوم لها قائمة إلا في الجسم "المادي"، الذي يسير بسرعة "شبه ضوئية"، أو "يتسارع"، أو الذي يخضع لتأثير جاذبية عظيمة المقدار، أو متزايدة المقدار.
والقول بآيات قرآنية يكمن فيها "أساس" مفهوم "نسبية الزمن"، الذي أنشأه وطوَّره آينشتاين، إنَّما هو الكفر بعينه، فـ "الذات الإلهية" ليست، أولا، بجسم "مادي"، ولا تخضع، من ثمَّ، لـتأثير قانوني "التسارع" و"الجاذبية". و"الزمن"، عند آينشتاين، إنما هو "البُعْد الكوني الرابع"، الذي يرتبط ارتباطا عضويا بـ "الأبعاد الكونية المكانية الثلاث"، التي هي "الطول" و"العرض" و"الارتفاع".
وعندما تتحدَّث عن "كائن"، اليوم عنده كألف سنة مما نَعُدُّ، فهذا إنما يعني أنكَ تتحدَّث عن كائن يبطؤ عنده الزمان؛ والكائن الذي يبطؤ عنده الزمان إنما هو الكائن الذي فيه، ومن حوله، ينحني "الزمكان"، أي ينحني زمانه ومكانه المرتبطين ارتباطا عضويا. إنَّ القول بـ "نسبية الزمان" عند الله يفقد معناه إذا لم يقترن بالقول بـ "نسبية المكان" عنده، فـ "نسبية الزمان" هي جزء لا يتجزأ من "نسبية الزمكان".
أما اكتشافه لـ "سرعة الضوء" في تلك الآية القرآنية فهو اكتشاف لا أثر فيه لمعنى "الاكتشاف"، فهل في قول من قبيل "أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" يمكن اكتشاف "سرعة الضوء"؟! حتى قبل نزول القرآن كان الناس يستعملون، في وصفهم لعمل يُنْجَز سريعا، أو يتمنون إنجازه سريعا، عبارات من قبيل "بسرعة البرق"، و"بغمضة عين".
الدكتور النجار يعيث فسادا لغويا في كلمة "يَعْرُج"، التي معناها الحقيقي "يَصْعَد"، في الآيتين "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، و"تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ".
لقد أقحم في الكلمة "يَعْرج (أو تَعْرج)" معنى "السير في الفضاء في خط منحنٍ"، فآينشتاين في نظريته التي يسميها "النسبية العامة" قال بـ "انحناء الفضاء"، وبأنَّ الأجسام، بالتالي، لا بد لها من السير في خطوط منحنية، فالسير في الفضاء في "خط مستقيم" إنما يشبه السير في محاذاة خط الاستواء، فأنتَ تعتقد، أو تتوهم، أنكَ تسير في "خط مستقيم" في محاذاة خط الاستواء الذي هو دائري. والسير في خطوط منحنية في الفضاء يجب أن تشذ عنه "الملائكة" و"الروح"، فلا هذه، ولا تلك، بأجسام "مادية" حتى يتأثر سيرها بـ "انحناء الفضاء".
لقد عاث فسادا لغويا في كلمة "يَعْرُج"، ثم أفسد المعنى الديني لـ "الملائكة" و"الروح" إذ جعل هذه وتلك كمثل أجسام "مادية" تتأثر بـ "انحناء الفضاء (أو المكان)"، فبئس ما "أبدع" لغويا ودينيا!
الدكتور النجار ختم بحثه، أو اكتشافاته، بما يشبه الكفر، أو الشرك بالله، فـ "الخلق" عنده، أي خلق السماوات والأرض وما بينهما، إنما بدأ، بحسب اكتشافه، ليس من "العدم"، وإنما من "جرم ابتدائي أوَّلي"، يشبه، بحسب وصفه له، "حالة قريبة من العدم"، هي و"مرحلة الرتق" صنوان!
إنه يقول: "من مرحلة الجرم الابتدائي الأوَّلي بدأ الخلق"، وكأنه يقول بأنَّ الله وهذا "الجرم الابتدائي الأوَّلي" كانا قبل خلق كل شيء!
أين هو "الخلق الإلهي"، يا أيها الدكتور زغلول النجار، إذا كان الله قد خلق السماوات والأرض وما بينهما "مِنْ" جرم ابتدائي أوَّلي، تَفْهَمَهُ على أنه "حالة ليست بالعدم، وإنما قريبة من العدم"؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب -الإلهية-!
-
الميزان الفلسطيني المفقود!
-
-حزب الله- ينتقل إلى الهجوم!
-
مرض -التسليم بما هو في حاجة إلى إثبات-!
-
جدل الاعتراف بإسرائيل!
-
ثنائية -الإيمان والعقل- لدى البابا!
-
الخطأ والاعتذار!
-
-الفَرْد- و-السياسة-!
-
-العصر الوسيط- يُبعث حيا!
-
الفرصة التي يتيحها ضعف أولمرت!
-
في -النسبية-
-
بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!
-
بين الكوزمولوجيا والميثولوجيا
-
الحل الذي يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
-
بعض من تجربتي في الفساد!
-
-العَلَم العراقي-.. قصة ظلٍّ فقد جسمه!
-
لِمَ تعادي الولايات المتحدة -إيران النووية-؟
-
حلالٌ أن يتزوَّج الرجل ابنته.. حرام أن يتزوَّج مجتمعنا الديم
...
-
صناعة تسمَّى -الاحتواء الإيديولوجي-!
-
الحوار المستوفي لشروطه
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|