|
10 - مدخل الى العقل المتصنم / 11- البلد الملعون بأبنائه
أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 7352 - 2022 / 8 / 26 - 01:37
المحور:
المجتمع المدني
اللعنة تستخدم كلفظ فهمي ودلالي على فعل قبيح او مستقبح او مخيف او خاطئ ، يقع على فرد او مجموعة او مجتمع او بلد او حتى مجموعة من الاوطان ويعلم من خلال آثار ذلك الفعل على من يقع عليه - من خلال نفسه او غيره - بحيث تصبح تلك الآثار المدمرة والمؤذية غير منتهية زمنيا بانتهاء الفعل او بعده بوقت قصير ، بل تظل تلك الآثار لصيقة على من تقع عليه واجياله لزمن طويل و تتجدد بتجدد الذرية .
من يعتقد بالخرافة والسحر ..... يفهم لفظة اللعنة كعمل شيطاني لإبليس او من افعال الجن - وطالما للجن عالمه الخاص فلا علاقة لهم بعالم الانسان - إنما من خلال افراد يعملون بالسحر يستحضرونهم للإضرار بأناس مثلهم ، كما وتحكي معظم الاساطير عن استحضار السحرة والمشعوذين للجن والمردة لصالح حاكم او ملك مستبد ، وذلك حين يصبح ارهاب قبضته لم يعد كافيا لمنع سقوط حكمه وقتله ، عند تلك اللحظة تكون الجن والمردة المستحضرين - الى جانب أن تكون قوى قتل ابادي بديل لجهازه العسكري العاجز على خمد التمرد ، تكون اساسا لإطلاق لعنة على البلد وإنسانها ، لعنة ذل ودمار وفقر تلازم هذا البلد عبر تاريخ طويل ، تستمر من جيل الى اخر وهكذا الى ما لا نهاية إن لم يخرج من يمتلك ( تعويذة بطقس سحري مضاد ) تكسر تلك اللعنة وتمحوها - هذا غير فهم اللعنة دينيا كغضب من الله على قوم عصوه وارتدوا عن دينه وحاربوه - أما عند من يفهمون اللفظ من منطلق اجتماعي غير خرافي او لاهوتي ، يرون في اللعنة فعل جسيم سلبي تحول ليصبح واقعة تضفي آثارها السيئة على من وقعت عليه او عليهم . . خلال زمن وجودهم الحياتي وتمتد لتلحق سلبا بأزمان متعاقبة تالية لعديد من الاجيال ، قد تطول كثيرا او تستمر لتقف عند زمن تغيري آخر - واللعنة هنا وقت وقوعها لا تدرك بذات اللفظ بقدر ما تدرك بمعنى فعل خطأ سلبي جسيم ينذر باستمرار آثاره الى فترات زمنية تالية - من عمر الفرد وذريته او المجتمع واجياله - او تدرك بفهم تبسيطي للحدث بتنسيبه لعامل الصدفة و . . يكون موصفا بلفظ آخر وهو ( النحس ) . . حين تستمر الآثار السلبية الواقعة للمرء او المجتمع لوقت اخر ، بينما يقف عقل الانسان ببعده الحكمي التعميمي متأخرا بزمن بعيد ليستبدل لفظية النحس والشؤم بلفظ اللعنة - في ازمنة لاحقة اخرى لم تعد هناك علامات باقية لذلك الحدث الجسيم - حين يجد الحياة والظروف الخاصة بالفرد واسرته او المجتمع بأجياله العقدية سوية ومستقرة خالية من السوء والاضرار ، بينما تجد ذلك الانسان او اجيال عائلته او المجتمع في اجياله اللاحقة . . مطبوع عليهم وعلى من سيأتي من بعدهم الفشل والخذلان او الفقر والذل او الخزي والعار ، مطبوع على وجودهم وحياتهم وسلوكهم وعيشهم وعلاقاتهم . . يلاحقهم اينما كانوا او عملوا ، بحيث يستمر الضرر الواقع على صاحبه وعلى سلالته لتاريخ طويل مستقبلي - عند تلك الحكمية العامة حين تصبح معتقدا ذهنيا شبه إيماني ، وحين يكون ملموسا واقعا يعد حقيقة وليس وهما او توهما اعتقاديا - كمرض خبيث عند مرء ينقل وراثيا الى اجياله اللاحقة ، ولم يعرف بعد مسببه ولماذا وكيف ظهر كإصابة ، تصبح لزمة وراثية جينية الاصابة تنقل من جيل الى جيل - وبذا يمكن اعتبار الامراض الوراثية القاتلة ( لعنة ) يتم توارثها ، وهو ما يجعلنا أن نصل أن ( اللعنة ) لفظة عامة وتخصص بالصفات والخصائص والحال المورث عبر الاجيال - مثل لعنة الفقر ، لعنة العبودية والعنصرية ، لعنة خطيئة الدعارة ، لعنة الغباء المعتقد انه بساطة او تواضع ، لعنات الاوهام بتعدداتها حين تسيطر على قناعة الانسان عبر اجيال احيانا تتعدى الاف السنين ، كتفوق العنصر الابيض ، او من ينسبون انفسهم الى قائد رمز في التاريخ القديم او حتى المنطقة او نبي . . . الخ
إذا ، فاللعنة بين كونها معتقد ذهني - في عقل افراد نسل واحد متعاقب الاجيال او في عقل مجتمع عبر تاريخ زمني ممتد خلال الاجيال - وبين أو تكون اللعنة واقعا ملموسا كامتداد تاريخي لما هو قبلي وتشي بتورثها المستقبلي - المنظور على الاقل .
وعودة لما يدل عليه العنوان من محتوى ، فإن كان قياسنا الحكمي على بلد ملعون بأبنائه - كاليمن بقصدنا و . . مثله العربية بدرجات متفاوتة آثار اللعنة وطبيعتها المورثية - يستدل بهذه الحكمية فيما نراه واقعا على هذا البلد - بصورة مجردة - نقف عليها خلال تاريخ نستوقفه لنقرأ حقيقة هذا البلد ، وليكن مثلا 70 عاما الى اليوم ، نجده من عقد الى اخر يدخل بناء متحولات عصرية وتسود على حياته ، ويترك خلال مسيرته متغيرات ملموسة تعرف مجازا بالمكتسبات ، لكنه خلال ذلك المسار يدمر ويهشم وينهي ليس فقط ما بناه ، بل وما تركت من آثار اقدم قيمية كانت تعد مكتسبات تاريخية لحضارات بائدة ، فكلما تطور الوعي التعليمي والمعرفي والحياتي للمجتمع . . كلما تطور الفعل التدميري الإبادي للقيم والمكتسبات . . بأيدي ابنائه - أتراها فقط لعنة تاريخية محدودة في مورثها التاريخي ، نكتشف الاجابة بلا - تقديرا مجردا للنظر في انسان المجتمع عبر تاريخ طويل من العهود الماضية الى اليوم - انه ذات الانسان أكان في طبيعته البدائية الرعوية الصحراوية او حين انتقل الى القروية والفلاحة مع تجارة المقايضة البسيطة و . . حتى دخوله الى المدنية الانتقالية بسيادة النظامية الرأسمالية التجارية على حياة المجتمع وطبيعة عمله التاريخي ، واخيرا الى المدنية الحديثة والمعاصرة اليوم وغدا - نجد فيه انساننا اليوم وبعد عشرات السنين القادمة إن لم نتجرأ لنكتبها بالمئات . . هو ذات الانسان البدائي ذلك الى ما قبل مئات الاف السنين ، يقوم على الاستبداد وصناعة المستبدين ، يحقق واقع الاستقواء المهيمن من خلال إذلال الغالبية المستضعفة ، وتظل هذه الاخيرة لا تقوى على مغايرة طبيعتها الخضوعية ، وهو إذلال يتحقق بإبادة المعارضين وإنهاء أية قيم ومعالم وشواهد ومكتسبات تحققت عبر التقدم في مسار التاريخ زمنيا عاما ، فكل فترة تولد مجاميع استبداد مسلحة تدمر كل ما حقق سابقا كقيم نافية لأصل قيمة هذا المستبد الجديد ، لكونه منسبا في جوهره لزمن بائد بعيد ، وينقسم اناس المجتمع بين منتفع رخيص لطوائف او فرق الاستبداد الجديدة ، وبين غالبية مطلقة من المجتمع تتقبل العيش طواعية او جبرا لقلة صامتة تحت امتهان هذه المستقويات المتنفذة عليه ، التي تصادر كامل حقوقه بما فيها حقوقه الطبيعية ، ويكون البلد متملكا تصرفيا لها بشكل مطلق ، تدمر ما يشاء ، تبيع ما تشاء منه او تهبه لمن تشاء من خارج ابناء الوطن - هنا تصبح البلد ( اليمن ) منتزعا عنه سمات وصفات الوطن - فالوطن ملك لابنائه ، وإن تجبر عليه حاكما لا يملك حق التصرف به - فهل هناك عاقلا يخالفني الرأي ! - قد يكون مخادعا لنا سابقا الشكل الظاهر للبلد في تخطيطه العمراني والاستثماري العصري ، إلا ما ننساه دائما أن دورات الحروب كانت تأتي على كل شيء مكتسب ، تطرح سلاسل حلقات القوى المتنفذة الجديدة دوما استثمار كل ما وقع تحت قبضتها من املاك وثروات - بشكل غير قانوني او اخلاقي - لكونها اصبحت هي المالك الان لإرث ما سبقتها من قوى ، وهو ما يخلق الخداع لادمغتنا في فهم الواقع وحياتنا ومستقبل اولادنا - أما الآن ، في ظل الحرب الساذجة لثمان سنوات - بعد اجندة الخريف العربي من 12عاما ماضية - عرت ورقة التوت التي تختفي فيها عورتنا ك ( ملعونين ) بقتل انسان المجتمع كمتعة من متع الاستقواء - مثل قتل الاطفال بالقناصة او ضرب صاروخ جو-ارض على حفل زفاف - وامتهان عيشه بما يعارض كل القوانين المحلية والدولية والشرع ، ليصبح كل فرد تحت هذه الطغمة القابضة او تلك عبدا رخيصا لها او مداسا ، ومفتوح للرخاص من ابناء المجتمع التسابق المهين لعرض النفس كخادم امين للطغمة المستحكمة واقعا على هذه الرقعة او تلك .
إن خاص اللعنة الموسومين بها ، تتمثل ب ( لعنة الغباء وفقدان الذاكرة ) ، أما عامة لعنتنا تتمثل ب ( لعنة عبوديتنا الطوعية ) - الملايين التي خرجت تطالب باسقاط نظام الفرد المستبد الفاسد بمتحالفه القبلي الديني السياسي - الذي دمر كل محاولات التحديث للمجتتمع والحياة - ينصب بدلا عنه وريث ذلك الحاكم ، الذي اعاد ذات النظام الحاكم السابق الفاسد العصبوي في جوهره - وهتفوا الناس للتغيير - والملايين الثورية والباقية التي طالبت بجديد مغاير للقديم كليا . . انقسمت الى ملحقات اجتماعية تابعة لأقطاب التصارع على سلطة النفوذ - شرعية ، حوثية وانتقالي ، ومجاميع متخفية بمسميات اقليمية . . ستظهر كلما كان متحول اللعبة يتطلب وجودها - هذا الشعب العظيم حين رفض استعادة الذاكرة بتحذيرات القلة الفردية من الاشخاص وعادونهم ، اصروا على تدويل قضية الخلاف الداخلي ، وسلمت البلد للأجندات القابضة على المنطقة دوليا واقليميا - فهم تغيب عنهم الذاكرة كبلد ضعيف مدار من الخارج ، حتى انه تقبل وهم انقاذه بتفكيك وطنه الواحد الى اوطان مجزأة - رغم صغر مساحته - الشعب الذي نادى بوطن عصري انساق وراء صنيعة البديل الشرعي بتخريج دولي توهيمي ، الذي بطواعيته الصلصالية عمل على تفريخ مورثات الاستقواء القديمة في التاريخ وعودتها كمتخلقات واقعية جديدة ، يفقد فيه البلد حقيقته كوطن واحد ، ويتمزق مجتمعه الى قبل وعشائر وشلل وكنتونات مسلحة النفوذ متبعة كمجتمعات مصغرة عصبوية ونفعية وغالبية محكومة ، وتستمر لعبة التمزيق ونهب الثروات واقتطاع الاراضي والمياه والجو الى ما هو خارج الوطن ، حتى الاموال المنهوبة بوكلاء الحرب تذهب نحو خزائن البلدان المحركة للعبة حرب الانهاء لجوهر الوطن ( اليمني ) ، وجزء منه لشراء اسلحة القتل والتدمير وتجارات العبث بقيم المجتمع واخلاقه ، بما يطبع انسانه بالمريض غير المنتج ، يحب الصعلكة والتعدي ورفض التعلم وقيمة العلم ويعشق التذلل والنفاق النفعي الرخيص ، ويستهوي اللاعمل والمخدرات وكل طريق قصير لا اخلاقي او قانوني للربح .
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجوه مفقودة . . بإحلال قناعي
-
المخلوق . . المعادي للخلق
-
9 - مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
في السر . . صدى 7اغسطس2022م/صباح يوم غائم
-
مدينتي وأنا . . على ضفاف النائمين
-
فك اشتباكات معاصرة جدلية التحرر الفكري عند الشباب
-
8 - مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
طريق الطهارة . . ماطر
-
7 - مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
ميمون . . يس عليك . . ياسين قصة قصيرة 18/7/2022م.
-
5 - مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
يتبع ....4 - مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
4 - مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
3 - مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
2 - مدخل . . فتح العقل المتصنم
-
جوهر اساسي من جواهر طبعنا بالانقياد الطوعي
-
عرب التواصل الاجتماعي . . تطبعا معاصرا للانقياد العقلي
-
عيد مصادرة حق العيش . . للطبقة المثقفة النظيفة
-
الطبقة الوسطى المثقفة النظيفة . . عيد مصادرة حق العيش
المزيد.....
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
-
مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك
...
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|