|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 93
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7348 - 2022 / 8 / 22 - 18:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إِنَّ الَّذينَ كَفَروا لَن تُغنِيَ عَنهُم أَموالُهُم وَلا أَولادُهُم مِّنَ اللهِ شَيئًا وَأُلائِكَ هُم وَقودُ النّارِ (10) القرآن لديه مشكلة مستعصية مع من يسميهم «الَّذينَ كَفَروا» وعقدة مستأصلة تجاههم، فهم أصحاب النار وسكنتها ووقودها وحطبها ومعذَّبوها التعذيب الأبدي بلا انقطاع ولا فتور، حيث علمنا من خلال استجلاء القرآن إن مصطلح «الَّذينَ كَفَروا» القرآني لا يعني إلا غير المسلمين، وفي مقابله مصطلح «الَّذينَ آمَنوا» لا تعني إلا المسلمين. وإلا فما تقرره الآية بأن الثروة والأولاد والعشيرة والجاه والسلطان، وغيرها مما كان الإنسان يتمتع به من عناصر القوة في هذه الحياة، لن تنفعه في تلك الحياة، إلَّم يكن كل ذلك سبيلا لفعل الخير ونفع الناس، أو على الأقل ما لم يكن كل ما ذكر لم يحصل عليه بظلم، أو سخره لما فيه الظلم. لكن من الناحية العقلية فإن موازين الثواب والعقاب عند الله، بناءً على عدله المطلق، وبخلاف ما يقوله القرآن، وأديان أخرى، لن يؤخذ فيها بالإيمان بثمة حقيقة من حقائق ما وراء الطبيعة، أو عدم الإيمان، خاصة إذا كان عدم الإيمان كان لسبب عدم الاقتناع. كَدَأبِ آلِ فِرعَونَ وَالَّذينَ مِن قَبلِهِم كَذَّبوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنوبِهِم وَاللهُ شَديدُ العِقابِ (11) إذا كان ما يسميه القرآن بالتكذيب هو مجرد عدم التصديق بأمور لما وراء الطبيعة، لعدم الاقتناع، وليس تكذيبا من قبيل المعاندة والمكابرة لمصالح مادية، ولو على حساب مبادئ العدل، فهذا النوع من التكذيب لا يستحق أي مستوى من مستويات العقاب، ناهيك عن استحقاق كل ألوان العذاب الدنيوية والأخروية التي يصورها القرآن، ومن قبله العهد القديم، فهو عقاب بغير حق، أي عقاب على ما لا يُعاقَب عليه وفق موازين العدل، وبالتالي يكون ذلك (العقاب) ظلما، سواء كان دنيويا أو أخرويا، بينما يجب تنزه الله عن الظلم. نعم، سيقال إن فرعون وآل فرعون قد مارسوا ضد بني إسرائيل الظلم والقمع وأذاقوهم كل ألوان العذاب إذ كانوا «يُذَبِّحونَ أَبناءَهُم وَيَستَحيونَ نِساءَهُم»، فإن هذه الآية تذكر سببا رئيسا لتعذيبهم بذنوبهم، ذلك كونهم كذّبوا بآياته. قُل لِّلَّذينَ كَفَروا سَتُغلَبونَ وَتُحشَرونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئسَ المِهادُ (12) وهذه الآية تؤكد، كما العديد من آيات القرآن، إن مشكلة الله القرآني الرئيسة مع من لم يؤمن هو عدم إيمانه، الذي يسميه القرآن كفرا وغير المؤمنين كفارا، بكل ما تحمله الكلمة من أثقال العداوة والبغضاء. يمكن أن يقال هنا تعني الآية المشركين، أو عموم غير المسلمين من الجزيرة العربية، الذين عادوا المسلمين بسبب تحولهم من دين آبائهم إلى الدين الجديد. ربما يكون ذلك صحيحا، والتاريخ كله مشكوك فيه، مع هذا لنفرض صحة ما رواه المسلمون من تاريخ، لكن عندما قوي عود المسلمين وترسخ سلطانهم، وعندما تحول النبي من بشير ونذير إلى رئيس للسلطة السياسية في المدينة، والقائد العام للقوات المجاهدة في سبيل دينه الجديد، تحولوا من «لا إِكراهَ فِي الدّينِ» ومن «مَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر» إلى «مَن يَتَّخِذ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الخاسِرين»، وإلى «قاتِلوهُم حَتّى يَكونَ الدّينُ كُلُّهُ للهِ»، أي ألا يكون دين في الجزيرة غير الإسلام. قَد كانَ لَكُم آيَةٌ في فِئَتَينِ التَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبيلِ اللهِ وَأُخرى كافِرَةٌ يَّرَونَهُم مِّثلَيهِم رَأيَ العَينِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصرِهِ مَن يَّشاءُ إِنَّ في ذالِكَ لَعِبرَةً لِّأولِي الأَبصارِ (13) دائما يكون قتال المؤمنين إيمانا مطلقا بعقيدة ما، سواء كانت دينية أو آيديولوجية أو حتى سياسية، يكون قتالهم شديدا وشرسا، وذلك من خلال انتزاعهم الخوف من الموت من قلوبهم، ويكون القتال أشرس وأشد وأعنف وأكثر إقداما، عندما لا يكتفون بانتزاع الخوف من الموت من قلوبهم، بل عندما تكون نفوسهم محبة للموت مشتاقة إليه، لأنه موت من أجل ما هو أغلى وأهم وأقدس من حياتهم ومن حياة الناس أجمعين. قد يكون الأمر الذي يبعث على هذه المشاعر هو الوطن، أو قائد محبوب، يصل حبه إلى الذروة فيكون معبودا، أو يكاد يكون كذلك، أو عقيدة يعتقد معتنقوها أنها الحقيقة المطلقة، التي لا حقيقة سواها، لكن يمكن أن يكون الدافع هو قيمة إنسانية عليا. وتصل هذه المشاعر الذروة، عندما يكون المقدس الذي يقاتلون من أجله، هو أقدس الأقداس، وهو المطلق، ألا هو الله، ولذا فهو قتال «في سَبيلِ اللهِ»، ومن هنا يعادل المقاتل الذي يعتقد جازما أنه يقاتل «في سَبيلِ اللهِ» مقاتلين من الجهة الأخرى، كما في هذه الآية، بل وسنجد في موقع آخر أنه يعادل عشرة مقاتِلَينِ من الطرف الثاني، وهذا الشعور بالغلبة لا يقتصر على من يعتقد أنه يقاتل «في سَبيلِ اللهِ»، بل ينعكس حتى على الطرف الثاني نفسيا، لأنهم يرون منهم هذا الإقدام على الموت والشوق إليه من هؤلاء. وهنا يحوّل مؤلف القرآن، وهو نفسه القائد الآيديولوجي والقائد السياسي والقائد العسكري، هذه الحالة النفسية إلى إعجاز إلهي، فهي «آيَةٌ»، بتحولها من حالة نفسية إلى واقع منعكس على الطرف الآخر، إذ «يَرَونَهُم مِّثلَيهِم رَأيَ العَينِ»، وإلى إرادة إلهية «وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصرِهِ مَن يَّشاءُ».
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 92
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 91
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 90
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 89
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 88
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 87
-
العراق بين نار الصدر ونار الإطار
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 86
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 85
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 84
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 83
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 82
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 81
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 80
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 79
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 78
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 77
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 76
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 75
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 74
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|