|
ثنائية العقل والنقل تفكيك التعارض دراسة فلسفية*
احسان طالب
الحوار المتمدن-العدد: 7347 - 2022 / 8 / 21 - 14:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التوافق الوجودي بين الدين والإنسان
اقتران ظهور الأديان بظهور الإنسان مسألة تؤيدها دراسات علم الاجتماع كما تؤكدها الأحفوريات والآثار المادِّية المكتشفة في كهوف الإنسان القديم على سبيل المثال كهف شوفييه قبل 36 ألف عام جنوب فرنسا شوفييه، ويحتوي على ما يقرب 1000 من الرسومات التي تؤكد ظهور الوعي الديني مع بزوغ العقل البشري، ولعل ذلك ما يؤكده عالم الاجتماع دايفيد إميل دوركايم (بالفرنسية: David Émile Durkheim) (15 أبريل 1858 - 15 نوفمبر 1917) بأن أصل الثقافة والمعرفة العلوم الإنسانية هي في الواقع ذات أصول دينية، وهذه مسألة طبيعية عائدة بصورة أساسية لطبيعة العقل البشري الذي يسعى للمواءمة والتآلف مع بيئته ومحيطه وما يواجهه من تحديات وأخطار . وهذه مسألة لا خلاف عليها. ولقد نص القرآن الكريم على ذلك الاقتران بين الظهور المنظم للمجموعات البشرية كشعوب وأمم وقبائل وبين وجود الفكر الديني وبخاصة الدين الرسائلي التوحيدي. قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) سورة فاطر إن ارتباط البحث بمحددات كلمتين بذاتهما، يُلزمنا بتفحص محاور متعددة متداخلة ذات صلة وثيقة، من هنا وجب التطرق للسمات والدلالات والرموز والعلامات المتعلقةِ بعين المفهوم أو المصطلح في أنماط مختلفة من أصول المعرفة. يعدُّ كتابُنا هذا جزءاً مكملاً لما سبقه من كتب بذات وصلب الموضوع ونقصد كتابنا المصالحة مع العقل. بالرغم من خصوصية كتابنا هذا الحامل لدراسات لا نجاوز الواقع بوصفها، جديدة حديثة المولد فالاتصال واقع لا محالة. سعينا الدؤوب لبناء نظرية معرفة إسلامية متوائمة مع العلم كوعاء، والمنهج العلمي ورصانة قوانين التفكير السليم ـ المنطق ـ كأداة جعلنا نحرص كل الحرص على تماسك النص وجودته من حيث الصياغة والإسناد والتسلسل الأكاديمي لاستنباط النتائج والأحكام. التبرير (نظرية المعرفة) نظرًا لاستخدام مصطلح "التبرير" في نظرية المعرفة، يكون الاعتقاد مبررًا إذا كان لدى المرء سبب وجيه للاحتفاظ به. إذا تحدثنا بشكل فضفاض، فإن التبرير هو السبب الذي يجعل شخصًا ما يحمل اعتقادًا مقبولًا عقلانيًا، على افتراض أنه سبب وجيه للاحتفاظ به. قد تشمل مصادر التبرير الخبرة الإدراكية (دليل الحواس)، والعقل، والشهادة الموثوقة، من بين أمور أخرى. لكن الأهم من ذلك، أن الاعتقاد الذي يتم تبريره لا يضمن صحة الاعتقاد، حيث يمكن للشخص تبرير تكوين معتقدات خاصة به بناءً على أدلة مقنعة بالنسبة له وهو في الحقيقة تبرير خادع فمثلا تبرير الاعتقاد بقدرة قبور أو مقامات الأولياء الصالحين الموتى على شفاء الأحياء بمبرر أنَّ لهم شفاعة محققة عند الله، هو مبرر خادع ليس من باب نفي الشفاعة ولكن بمخالفة العقل والمنطق العلمي، أيضاً بمخالفة المنطق الشرعي لأن الشفاء من عند الله بالدواء. ولأن الموت برزخ نهائي يقطع التواصل الحي المادي بين الحي والميت.
في حوارية Theaetetus لأفلاطون، يعدد سقراط عددًا من النظريات حول ماهية المعرفة، أولاً يستبعد مجرد الإيمان الحقيقي باعتباره قيمة مناسبة. على سبيل المثال، قد يعتقد الشخص المريض الذي لم يتلق أي علاج طبي، ويحتفظ لنفسه بموقف متفائل بشكل عام، أنه سيتعافى من مرضه بسرعة. ومع ذلك، وحتى لو شفي بسرعة، أي أن واقعة فردية دعمت قناعاته، فهو في الحقيقة لم يكن يعرف أنه سيتعافى بسرعة، فاعتقاده مع ذلك خاطئ لأنه يفتقر إلى تبرير. أي أنها معرفة غير مبررة لذلك كان الاعتقاد غير صحيح. يعتبر أفلاطون أن المعرفة هي اعتقاد حقيقي يتم تفسيرها أو تحديدها بطريقة ما. فالتبرير ليس مجرد ادعاء محض بل ينبغي أن يكون موجوداً معقولاً. وفقًا لإدموند غيتييه 1927 ـ 2021 م ـ فإن الرأي الذي يصفه أفلاطون هنا هو أن المعرفة هي اعتقاد حقيقي مبرر. ومن أجل تأكيد أن هذا كلام صحيح، يجب ألا يؤمن المرء بالافتراض أو المعطى الحقيقي ذي الصلة فحسب، بل يجب أن يكون لديه أيضًا سبب وجيه للقيام بذلك. وأن تكون عنده محددات لتلك المعطيات. أحد الآثار المترتبة على ذلك هو أنه لن يكتسب أي شخص المعرفة بمجرد تصديقه أن شيئًا ما كان صحيحًا. نشرت مقالة إدموند غيتييه الشهيرة عام 1963، وهي ورقة من ثلاث صفحات تحت عنوان «هل يُعدُّ الاعتقاد الحقيقي المبرر معرفة؟ ». الادعاء القائل بأن تعريف المعرفة على أنها اعتقاد صحيح مبرر كان مقبولًا على نطاق واسع عبر تاريخ الفلسفة. إن مدى صواب هذا الأمر شيء مثير للجدل إلى حد كبير، حيث أن أفلاطون نفسه تنصل من وجهة نظره "الاعتقاد الصحيح المبرر" في نهاية محاورة الثيئتتس.ـ 369 ق ـ م. حيث الثلاثي سقراط و وتيودوروس وثيئتتس يتحاورون مع اقليدس وطربسيون، للإجابة على سؤال ما هي المعرفة. ونستطيع الادعاء بأن تلك المحاورة وضعت لبنات لبناء نظرية معرفة ما تزال محل جدل ومماحكة لدى المحدثين والمعاصرين. من هنا جاء اهتمامنا بذكر تلك المحاورة. فنهاية أبحاثنا كلها ينبغي أن تصب في ذلك المستوعب الذي نسميه معرفة. لأنها ليست مجرد أقوال نلقيها ثم نتابع السير غير مبالين بنتائجها وتأثيراتها؛ فأفعالنا البحثية قاصدة وليست عشوائية، نرغب أن تصيب عين الحقيقة وتنعكس صلاحاً وتقدماً ونهضة. بغض النظر عن دقة الادعاء، أي ادعاء التبرير، أنتجت مداخلة Gettier نقاشًا واسعًا ممتداً غيَّر دفة توجيه نظرية المعرفة في النصف الثاني من القرن العشرين، ومع تركيز جديد نحو محاولة تقديم تعريف محكم للمعرفة من خلال تعديل أو استبدال "المعتقد الحقيقي هو المعتقد المبرر" لا يزال هناك اتفاق طفيف حول ماهية الشروط التي ينبغي توفرها كي ننجح في تأمين المستلزمات الضرورية والكافية لتحقيق المعرفة، ولعل الرأي الأنسب وربما الأصح مفاده أنه لا يوجد مثل هذا التعريف الجامع المانع الخالي من الاستثناءات. حتى إذا فشل التبرير كلازمة ضرورية لاعتبار شأن ما أو مسألة بعينها معرفة، يستحسن لنا القول: بأن مسألة ما إذا كان لدى الشخص أسباب وجيهة للاحتفاظ باعتقاد معين في مجموعة معينة من الظروف يظل موضوعًا محل اعتبار ولا يصح تجاوزه البتة، لكن التحفيز العقلي والنقدي ضرورة لازمة أيضاً كي لا نتيه في ميدان الجهالة والخرافة والتعصب والترَّهات معتقدين أنها حقائق ينبغي أن نحارب بعضنا بعضاً من أجلها. ولا مفر من مشابكة معتقداتنا بأسئلة متعلقة بالعقلانية. الادعاء بأن المعرفة مكافئة للاعتقاد الحقيقي المبرر، في حال استيفاء جميع الشروط الثلاثة (التبرير، والحقيقة، والاعتقاد) ما يزال قناعة مقبولة ومقنعة في حدود معينة، وهي في الواقع مخرج من مأزق عميق جاهدت الفلسفة عموماً للخروج منه، وأقصد علاقة المعتقد بالعقل، ومن ثمة بالعلم حتى تكون المعتقدات شيئاً من المعرفة. هذا النقاش المنطقي يتيح فرصة مناسبة لاحتواء الاختلاف والتباين، أي قبول الرأي المغاير والمختلف، حيث يعد ذلك هو المأزق الحقيقي للمعتقدات المفارقة. يتطلب البحث توسيع دائرة "التفهم": understanding أي أن نكسر طوق الدائرة التأويلية كما بيَّناه عند قراءتنا لابن تيمية والغزالي. فالانسياب ليس وراء التفسير، بل وراء "تفهم" يستوعب تحويل المحجوب إلى مشهود ـ ظاهرـ مكشوف. والحجب ليس مجرد المخفي أو المسكوت عنه بل هو حجب إتاحة للتأويل كفعل مباشر للكشف، فغالب المكشوفات كانت مغطاة بغياب التأويل، بما هو "تفهم" للنص في دائرة الوجود، فنحن نتحرك ضمن تقاطع دائرة الوجود مع دائرة المعرفة. وغالب ظننا أنها المساحة الحرة لوعي البعد الوجودي للنقل، أي الرجوع إليه مبرر لفهم مشكلات الراهن وصولاً لإجابات عن إشكالات الماثل الآن. فالحاضر امتداد للماضي ولا يمكن تحقيق قطيعة مطلقة معه لأنه ببساطة محايث لراهننا، وما المفارقات التي نعيشها إلّا صوراً جديدة وأخرى مشَكَّلة بأطر مطابقة أو مختلفة عن الأطر التي عرفناها سابقاً. فلكي نحل إشكالات المعرفة اليوم علينا فهم وإدراك إشكالاتها تاريخياً. فالمسألة ليست ماضوية بل هي معرفية ووجودية. فنحن لا قدرة نهائية لدينا كي نتحرر بالكلية من الماضي، ولعله ليس مطلوباً من ذلك الفعل إلا بدلالة المعرفة والعلم والعقل، وما نخطه اليوم هو نقل في المستقبل فالقضية حركة لا نهائية ما دام الوجود قائماً. الخطاطة التي نطرحها ليست يقيناً مطلقا بل هي سعي وراء الحكمة والصواب والسداد والحقيقة، وقد يجانبنا النجاح أحياناً، لكن ما هو محل تأكيد أنني لا أخط ما لا أظنه صواباً راجحا وإلا لما أسلت مدادي. * مقدمة كتابي: ثنائية العقل والنقل تفكيك التعارض دراسة فلسفية الناشر : دار زاد ناشرون وموزعون . عمان الأردن .
#احسان_طالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقتصاد الإسلامي التحديات والآفاق دراسة مقارنة
-
الكَلِماتُ والْمَعاني ما يُعَوَّلُ عَلَيْه بَيْنَ الفَلْسَفَ
...
-
القاموس التاريخي لفلسفة هوسرل جون جيه. دروموند
-
التجديد الديني، في المعنى والتاريخ. مقاربات الأصوليين والإصل
...
-
أصل المعرفة هل حقا المعرفة النهائية لا أدرية كما يدعي هربرت
...
-
محاورة إحيانون، الاستدلال والقياس
-
جدوى الفلسفة نظرية المعرفة
-
الإشكالات الأساسية في الفلسفة
-
ما هي الفلسفة
-
مقالات التنوير 10 عقدة أو مركب التفوق الحضاري
-
مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجد
...
-
مقالات التنوير 8 مأزق العقل الأصولي بحث أركيولوجي
-
مقالات التنوير7 مقايسة الأصولية ومستوياتها بالعلمانية وحدوده
...
-
مقالات التنوير 6 الإسلام السياسي كمفهوم يرتكز على أسس وتحليل
...
-
مقالات التنوير 5 تفكيك ظاهرة التطرف والتشدد الديني
-
مقالات التنوير 4 نقد فقه مؤسسة الزواج
-
مقالات التنوير 3 مراجعة للثقافة الدينية المهيمنة
-
مقالات التنوير 2 التمويه والتطبيع الاجتماعي في الثقافة المؤس
...
-
مقالات التنوير (1)علاقة ثقافة العنف وجرائم الشرف بمفاهيم الن
...
-
أصنام متكاثرة تناحر سبطا حرا خيّرا
المزيد.....
-
-لم يفز أي من الطرفين في هذه الحرب-.. محلل يعلق لـCNN على هد
...
-
ترحيب عربي بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان وسط دعوات لاتفاق
...
-
هدنة لبنان.. وزير دفاع إسرائيل يدعو قواته لـ-التحرك بقوة ودو
...
-
رئيس الإمارات يصدر عفوا عن 2269 سجينا
-
الهند تخطط لإرسال مركبة علمية إلى المريخ
-
انفجار في ميدان اختبار جنرال موتورز بميشيغان يتسبب في حريق و
...
-
لمن الفضل في وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل؟ بايدن وترام
...
-
كيف ينظر سكان غزة لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب ال
...
-
رصد أصوات غامضة في المحيط.. من يتحدث إلى من؟
-
رصد قاعدة نووية أمريكية مخفية تحت جليد غرينلاند
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|