|
المدرسة والمواطنة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 7343 - 2022 / 8 / 17 - 11:53
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
تُشكّل المدرسة في عصرنا الحالي الأداة الرئيسيّة لبناء النموذج المجتمعي المنشود، وهي بمختلف مراحلها وموادها ومسمّياتها مدعوّة اليوم أن تلعب دوراً فاعلاً في بناء المواطنة السليمة والمتكافئة، كأداة لتمكين الأجيال الصاعدة من حقّها في التعلّم وفي اكتساب الكفايات الضروريّة التي تساعدها على شقّ طريق حياتها المستقبليّة. وبعد ذلك فالمدرسة مجال لتمكين الأجيال من حقّها في التربية ييسّرُ لها الاندماج في المجتمع وبنائه مستقبلاً، لأنَّها فضاء للتزوّد بالمعرفة وبالمنهج العلمي والسلوك الأخلاقي. وإذا ما توافقت رؤية أصحاب القرار مع هذا التوجّه فيمكن حينئذٍ الارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل على جميع الصُعُد الحقوقيّة والقانونيّة والتربويّة والأخلاقيّة، باتّباع خطّة طويلة الأمد وإن كانت متدرّجة في التربية على المواطنة تبتدئ من الطفولة والمرحلة الابتدائّية وتتصاعد في المرحلة الثانويّة وصولاً إلى ما بعدها، بحيث يتم ترجمة القِيَم وتمثّلها عمليًّا تساوقاً مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وتعميمها في المناهج الدراسيّة كافّة. وهو ما يُوفّر الأرضيّة السليمة لتكوين مواطن حرّ صالح وقادر على اكتساب المعارف ومتشبّع في الوقت نفسه بهُويّته ذات البُعد الإنساني الحضاري المنسجم مع عصره، بحيث تجعله فخوراً بهذا الانتماء من جهة، ومُدركاً للحقوق والواجبات من جهةٍ أخرى، ومستعدّاً لخدمة بلده بكل صِدق واقتدار، خصوصاً حين يقترن القول بالعمل لتكوين نموذج ثقافي وأخلاقي، يتأسّس أولاً وقبل كلّ شيء على العقل، ويقوم هذا على السؤال، وأوّل الفلسفة سؤال كما يُقال، مثلما يقوم على النقد، لا سيّما الايجابي بغرض التعلّم والتفاعل مع الآخر والبحث عن الحقيقة، وذلك من مخرجات الحداثة اليوم كنموذج فكري عقلاني أساسها احترام قِيَم الإنسان في محاينةٍ لهذا العصر، أي التساوق مع منجزاته وتطلّعاته لا العيش في الماضي أو الغرق في فقه السّلَف. وتعتبر المدرسة من أبرز أدوات النهوض المجتمعي وهي في الوقت نفسه الآليّة المناسبة والتي لا غنى عنها لتكوين الإنسان وتنمية مداركه في الدفاع عن حقوقه وحرّياته، خصوصاً في مرحلته الأولى الضروريّة، وذلك من خلال ثلاث مراحل: أولها – الإعداد وثانيها – مرحلة التجريب، وثالثها – مرحلة التعليم، على الرغم من أنها مراحل متداخلة وغير منفصلة عن بعضها وأنَّها تتمّ بموازاة بين مراحلها وبالارتباط معها والتفاعل فيما بينها.. ولتقديم منهج تربوي جديد يقوم على اعتماد المواطنة أساساً، لا بدّ من أن يأخذ بنظر الاعتبار: 1. العمل على حذف النصوص من جميع مناهج التدريس المختلفة، ذات المضامين المتعارضة مع قيم المواطنة المتساوية والمتكافئة، سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة. 2. وضع برنامج خاص بالتربية على المواطنة كجزء من منظومة حقوق الإنسان يغطّي المراحل الدراسية كافّة. 3. الجمع بين كونيّة هذه الحقوق الجامعة للبشر مع مراعاة الخصوصيّة، بحيث تكون هذه الأخيرة عاملاً إضافياً لتوسيع الحقوق وليس للتحلّل منها، فإنكار الخصوصيّة يؤدّي إلى فرض نمط أحادي بزعم الشموليّة والعالميّة، والتشبّث بها ورفض القِيَم الكونيّة (المشتركة) سيؤدّي إلى الانغلاق والتملّص من احترام القِيَم العالميّة. ولكي يكون مثل هذا الأمر ممكناً، فلا بدّ من تأهيل المعنيّين بذلك، خصوصاً إعداد دورات متخصّصة ومكثّفة للمُعلّمين أنفسهم، لاسيّما فيما يتعلّق بالمواطنة ومنظومة الحقوق، إضافة إلى التدريب على وضع المناهج عبر الاحتياجات ومعرفة الحيثيّات، فيما يخصّ الكتب المدرسيّة ومروراً بالمفتّشين المركزيّين وبقيّة العاملين في الحقل الإداري بالمؤسسات التعليميّة. ولا بُدّ تصنيف المواثيق الدوليّة والعمل على تكييف الانضمام إليها أو تنفيذها في حال التوقيع عليها، ووضع مضامينها ومحتوياتها ضمن المراجع والمواد التربويّة وعمليات التدريب والتكوين، ولذلك ينبغي مراجعة البرامج وجَرد الكتب وإعداد دليل مرجعي وتنظيم أيّام تربويّة خاصّة، فالعنصر البشري هو الأساس في إنجاح كلّ مشروع من خلال ثلاث مقاربات: أوّلها – المقاربة القانونيّة، وهي تحتاج إلى تكوين قانوني للعاملين في حقل التربية على المواثيق والاتفاقات الدوليّة الخاصة بالحقوق بعد توفر الإرادة السياسيّة. وثانيها – المقاربة السوسيوسيكولجيّة (الاجتماعيّة – النفسيّة) لرفع مستوى الوعي للعاملين في الحقل التربوي وتبصيرهم بالمقومات الذاتيّة والموضوعيّة في العمل التربوي لنشر قيم المواطنة والحق. وثالثها – المقاربة الاستراتيجيّة أي وضع خطّة إدماجية للمواد المُتعلّقة بالحقوق والحرّيات على المستويات المعرفيّة والوجدانيّة والسلوكيّة، وذلك عبر وسائل حديثة مثل المسرح والسينما والرسم والفنون التشكيليّة والوسائل الابداعيّة الأخرى، إضافةً إلى حقوق المرأة والطفل ومبادئ أولية في الجوانب القانونية، ويُمكن الاستفادة من الإعلام والمجتمع المدني في هذا الخصوص. والأمر يتعلّق أوّلاً - بمجال المعرفة بالحقوق، وثانياً - اكتساب القِيَم الحقوقيّة، وثالثاً – التطبيق أي مراعاتها في الواقع العملي. ولا يُمكن بلوغ تلك الأهداف دون التكامل مع دَور الأُسرة ووظيفتها في التنشئة للجيل الجديد، خصوصاً حين تتمكّن من ترسيخ قيمة المواطنة والتعايش مع الآخر واحترام حق الاختلاف، والإقرار بالتنوّع والتعدّدية تساوقاً مع روح العصر بما يحصّن ضدّ الجمود والتقليد ويفتح الآفاق للتفاعل بين الهُويّة الوطنيّة والحقوق الإنساني.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دين العقل وفقه الواقع: مشروع لم يُنجز بعد...!
-
الرابطة العربية للقانون الدولي تدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤ
...
-
تحسين معلّة : ربع قرن في -سبيل البعث- وربع قرن ضدّ سلطة البع
...
-
شعبان ضيفًا على مجلس بلدية فينيسيا
-
إملاء الدستور
-
السيّد بحر العلوم ومشروعه الدستوري
-
-طائر العاصفة- الذي ما يزال يحلّق في سماء الشعر
-
العنف في الهويّة
-
ناهدة الرمّاح: الأيقونة التي أعطت للمسرح عيونها
-
المتوسّط بين الوصل والفصل
-
الشيخ حسين شحادة فقيه التغيير (2)
-
حصّتي من أبو كاطع
-
أوكرانيا واللحظة المفصلية
-
قراءة في فكرة الدولة
-
أوكرانيا وضباب الدبلوماسية
-
عبد الحسين شعبان في ندوة حوارية في عمّان -دين العقل وفقه الو
...
-
الشيخ حسين شحادة: ملتقى الأديان والثقافات
-
مفهمة الدولة
-
الهند والإسلاموفوبيا
-
الشيخ حسين شحادة فقيه التغيير
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|