فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري
(Fayad Fakheraldeen)
الحوار المتمدن-العدد: 1684 - 2006 / 9 / 25 - 10:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليس ثمة شك في أن عالمنا العربي والإسلامي قد دخل في سنواته الأخيرة عمق نفق مظلم.. وكأن التاريخ يقوم بطهي مكوناته المختلفة على نار حامية في سبيل إعادة تشكيله من جديد .
فمجتمعاتنا دخلت في صراعات تناحرية ما قبل قومية .. عرقية ودينية ومذهبية.. بعضها تحول إلى حقيقة يومية كما حصل في الجزائر والسودان ولبنان وما يحصل اليوم على الساحة العراقية.. وبعضها الآخر يتقد كالجمر تحت الرماد وينبئ بانفجارات لا تبقي ولا تذر .
إنها الصراعات التي تصورنا أننا استطعنا تجاوزها على مدار القرن الماضي من خلال الإيديولوجيات والشعارات التي رفعتها الأنظمة الشمولية وحاولت تسويقها بشكل ديماغوجي بعيدا عن الفعل الحقيقي داخل العمق الشعبي والجماهيري ... المرتبط بوعي هذه الشعوب وتطلعاتها ...
إنها سنوات المحنة الوطنية .. التي تحولت معها أحلامنا الحضارية بوطن آمن تتناغم من خلاله جميع مكوناته المجتمعية إلى مجموعة جزر معزولة تخترقها الولاءات العرقية والدينية والمذهبية .
تلك الولاءات التي حوّلت الوطن من أغنية منسجمة الإيقاعات إلى (مولد) تقرع فيه شتى الطبول والأوتار .. وكل يغني على ليلاه.
وقد يتساءل البعض عن ( سر ) هذا التحوّل... وكيف بلحظة تحوّلنا إلى قبائل تتناحر على الماء والكلأ ؟!
وما الذي يدفع المسلم لذبح أخيه المسلم وتكفيره ؟!
وهل التاريخ يسير بنا نحو الوراء فعلا ؟!!
ليس ثمة شك في أن الأنظمة الشمولية التي رسخت دعائمها (الميكيافلية) لم يكن يعنيها كثيرا أن تعمل على خلق وعي وطني حقيقي يصهر المكونات المختلفة في بوتقة الولاء الوطني ..
إلا أن الحقيقة الأبعد في اليقين هو أننا كشعوب ما زلنا نعيش حالة من التأخر التاريخي تجعلنا نضرب في وحل التاريخ وحكاياته الصفراء.. ولم نستطع خلق وعي مطابق لمتطلبات العصر وضروراته.. بحيث نستطيع من خلاله إخراج رؤوسنا من تغريبة بني هلال .. وعنتريات الزير .. وغبار داحس والغبراء ..
والبحث عن قتلة عثمان .. وأحقية الخلافة وتوريثها ..
وأي القتلى في الجنة وأيهم في النار.. ومؤامرات حروب الأندلس !!
الحقيقة الأبعد في اليقين أن سنوات المحنة بكل ما تحمله من كفر مذهبي.. وذبح تفوح منه عفونة التاريخ .. هي نتاج هذه الجزر المعزولة عن بعضها داخل الوطن.. ونتاج نخب تمارس دور أمراء الطوائف وتعمل على ترسيخ تناحراتنا القديمة ..
فكرة أخيرة..
بعد أكثر من مئة قتيل في العراق يوميا ..
وبعد حروب المساجد والحسينيات ..
وبعد أن تحولت الأحياء إلى متاهات قاتلة .. والأرصفة إلى بقع دموية .. والنوافذ إلى قناصات غادرة .. ورغيف الخبز داخل منزل آمن ..إلى أمنية .
هل يمكن أن نتعلم درساً عن عظمة الوطن.. الوطن الذي لا يحتكره أي منا ..
وإنما الوطن الذي يحتكر حبنا وولاءنا منذ الأزل.. وحتى آخر الدهر؟!!
#فخر_الدين_فياض (هاشتاغ)
Fayad_Fakheraldeen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟