|
ما تبقى لكم
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 7340 - 2022 / 8 / 14 - 22:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أكره الإسلاميين جدًا ، أكرههم لأنهم يشبهوني ، لا شك عندي أني لو ولدت في ثمانينيات القرن العشرين لا في ستينياته و لو أني ابتليت بمرض تغيير العالم كما جرى لي منذ كنت شابًا ، لكنت اليوم سلفيًا بل و جهاديًا ، لكنت اليوم ، على أكبر الاحتمالات أشتم سلمان رشدي و أميركا و ماركس و المثليين جنسيا و أحلم بعالم يرجم فيه الزناة و تقطع أعناق الكفار و كل من يفكر و كل من يشتم النبي أو أحد صحابته أو آل بيته … هذا يرعبني … هل نشبه الدواعش ؟ هل كنا نفكر كما يفكرون ؟ هل كنا قادرين على فعل ما يفعلون ؟ كم هو مرعب أن يكون الجواب أو بعضه بالإيجاب … لا شك أني كنت ذات يوم ستالينيا فخورًا ، ثم استقبلت البريستيروكا بحماس و أعدت سرًا قراءة خروتشيف و تروتسكي و ماو و خوجة لكني انتظرت قدوم غورباتشوف لأفعل ذلك ، و فقط عندما قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي إلغاء قرارات "الحرمان الكنسي" ( الحزبي ) بحق كامينييف و زينوفييف ، فقط عندها خطر لي أنهما قد يكونان على حق ، في بعض ما قالاه على الأقل ، و هو الأغلب ، عندها فقط توقفت عن ازدراء الرجلين كأعداء للبروليتاريا و خونة و عملاء دون حتى أن أقرأهما ، تمامًا كقاتل نجيب محفوظ و فرج فودة و سلمان رشدي … قبل ذلك كنت أتصرف تمامًا كما كان الإسلاميين يتصرفون اليوم ، أقبل ما يقوله لي القادة و ما أقرأه في كتب المفكرين الذين "أقدس" دون نقاش ، دون تفكير … و عندما سقط الاتحاد السوفياتي فقط ، عندها فقط ، أصبت بفضول و شجاعة جديدتين ، غير مسبوقتين ، سمحت لي بقراءة و ترجمة توني كليف ثم باكونين فكروبوتكين ، و كانت حجتي الأهم أمام نفسي و أمام الآخرين أن باكونين كان قد تنبأ منذ سبعينيات القرن التاسع عشر بما سيفعله أتباع ماركس في السلطة … لم تكن لكلمات مثل الغولاغ أو الارهاب الأحمر أي تأثير علي من قبل ، حتى الهولوكوست يومها ، و ربما حتى وقت قريب ، مع أني كنت أعتبر نفسي وقتها راديكاليًا متطرفًا ، ذا نزعة متطرفة في الدعوة لحرية البشر و العقل و حتى الجسد … صحيح أني منذ تعرفت إلى ماكس شتيرنر و ميخائيل باكونين و ايريكو مالاتيستا و إيما غولدمان الخ ، حطمت كل تابوهاتي ، كل قيودي ، و أصبحت قادرًا على أن أقول و أفكر كما أريد بغض النظر عما يقوله الآخرون أو قد يقولوه ، بغض النظر عن أن أكون على توافق مع الفكر الذي أزعم الانتساب إليه أو لا ، رغم أني لم أعد واثقًا مائة بالمائة في أن ما أقوله هو "الحقيقة" كما كنت واثقًا من قبل ، عندما كنت ملتزمًا بتابوهاتي ، بقيود التفكير و الفعل التي كان انتمائي الحزبي و السياسي يفرضها علي مقدما لي بالمقابل ثقة مطلقة في مواقفي أو مواقفه و أفكاره … لم أعد بحاجة للبحث عن مجموعة من البشر أعتبرهم معصومين ، سواءً كانوا المضطهدين ( بفتح الطاء ) أو مؤمنين بفكر ما و حتى لو كانوا "يكرسون حياتهم من أجل الإنسانية أو جزءً منها" لأزعم الحديث باسمها أو أني الأحق بتمثيلها ، إني أتحدث اليوم فقط باسمي ، عني ، و لا أعتقد اليوم ، بكل أسف ، لا بعصمتي و لا بعصمة أي شخص أو جماعة من البشر ، نحن بشر ، فقط ، كلنا ، بلا استثناء ، للأسف … و لكي أنسب الفضل لأصحابه ، يجب أن أذكر أن الربيع العربي كان آخر تلك الضربات التي أطاحت بكل تابوهاتي و أوهامي ، كانت الثورة و الشعوب تبدو لي في لحظة انتقالي لمعارضة نظام الأسد رهاني الأخير ، بعد سقوط كل شيء ، بعد انهيار كل شيء … كانت آخر ملاذ للعصمة ، آخر ملاذ لحتمية العدالة و انتصار الشعوب و الفقراء … كان المعارضون لنظام الأسد بشكل من الأشكال ، هم أبطالي الجدد ، بديلًا عمن سقطوا أمام عيني ، دون رجعة … لكن أحداث هذا الربيع و مآلاته أثبتت ، لي أنا على الأقل ، أن لا عصمة لأحد ، بل أكثر بكثير من ذلك ، أن الثورة و الشعب لا يمكن أن يكونا جزء من المشكلة فقط ، بل شعارًا و كلمة السر للكوارث التي ننجو منها فقط بمحض المصادفة … عندما اكتشفت أن كل شيء مباح في هذا العالم من أجل السلطة و الثروة ، أن كل شيء مباح باسم الشعب و الثورة تمامًا كما هو مباح باسم النظام و باسم الوطن أو الله أو حتى الأخلاق ، يومها فقط صار كل شيء عندي مباح ، لكن فقط لأني أريد ذلك ، و فقط حسب رغبتي أنا ، رغبتي المباشرة دون مداورة أو خداع أو نفاق ، يومها فقط نجح هذا العالم في تحويلي إلى عدمي ، لا يحترم شيئًا و لا يستطيع الركض وراء أي وهم ، الفضل في هذا للعالم و للآخرين كما يجب أن أعترف … و مع سقوط آخر أبطالي الجدد ، مع تهافتهم على السلطة و الثروة بشكلٍ أسوأ من رجال العصابات لكن بشكل أكثر تهذيبًا ، عندما لم يبق شيئًا لم يفعله هؤلاء ، كذبوا نافقوا بشروا بالكراهية ، تفوهوا بأي هراء مفيد ، غازلوا أي حقير على هذه الأرض فقط مقابل السلطة أو أي جزء منها و أحيانًا مقابل أي شيء ، خلقوا وحوشًا و أطلقوا لها العنان معتقدين أنها ستقوم عنهم بكل الأفعال القذرة ، تاجروا بالألم و بالدماء و بالأحلام و بكل شيء يمكن أن يبيعوه … هؤلاء الذين يطالبون بشار الأسد بالتنازل عن سلطة لا يستحقها لا يقبلون التنازل عن أية سلطة مهما بلغت من تفاهة … شكرًا أيها الرفاق ! … و الآن ، ما الذي تبقى لنا … همسة واحدة لبعض الرفاق ، يمكنكم أن تشتموا الاسلام و المسلمين بما تشاؤون و أنتم على حق في كل كلمة من هذا ، لكن أن تصبحوا مطبلاتية لأمثال بيرلوسكوني و أمثاله تحت شعار "الديمقراطية أو الليبرالية" الذي ينهار هو الآخر كل لحظة أمام أعيننا فقط لأنه لا يوجد بديل فهذا هراء و سقوط جديد … ماذا تبقى لنا : أن نكون أنفسنا ، لا نستسلم لإغراء أوهام جديدة أو قديمة جديدة ، أن لا نخشى من الدوس على كل الأوهام و التابوهات ، ليس لأن "عيون التاريخ و الناس" تراقبنا ، لأنه في النهاية لا شيء سيستحق كل تلك الدماء و كل ذلك الهراء
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاعًا عن قاتل نيرة أشرف
-
شخصية المتمرد لنيكولا ديفيز
-
الأناركي بين ايلزيه ريكلو و رينزو نوفاتوري
-
الدولة - ليو تولستوي
-
الثورة الاجتماعية لميخائيل باكونين
-
هراء ايديولوجي عن الله و البشر و العالم
-
الإله الذي خلقناه
-
حوار مع سعيد العليمي عن فلسطين و اليهود
-
قالوا في الرقص
-
لماذا نكتب
-
الأبوكاليبوس
-
الخونة
-
الاقتصاد السياسي للصراع الطبقي في بلاد الربيع العربي
-
قالوا
-
الأمل الذي لا يموت ، الحلم بسجون نكون نحن جلادوها
-
الإخوة على الحدود البيلاروسية البولندية
-
ذكريات من سوريا -الحرة-
-
ادوار سعيد ، المعارضة السورية ، تقديس التخلف و السلطة و شيطن
...
-
نبوءات باكونين لنعوم تشومسكي
-
حلوا عن رب العلمانية
المزيد.....
-
بـ-ضمادة على الأذن-.. شاهد ترامب في أول ظهور علني له منذ محا
...
-
الشرطة العمانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين في إطلاق نار قرب
...
-
مقتل أربعة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين في إطلاق نار في العا
...
-
4 قتلى على الأقل بإطلاق نار في محيط مسجد بسلطنة عمان
-
بضمادة في أذنه.. فيديو لأول ظهور علني لترامب
-
بايدن: أنا صهيوني وفعلت للفلسطينيين أكثر من أي شخص آخر
-
الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن مهاجمة سفينتين قبالة سواحل اليم
...
-
إطلاق نار في مسقط يؤدي لمقتل أربعة أشخاص وإصابة آخرين
-
قد تسكن البيت الأبيض إذا فاز ترامب.. من هي أوشا فانس؟
-
أمريكا.. مديرة -الخدمة السرية- تكشف عن رد فعلها عندما علمت ب
...
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|