عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7340 - 2022 / 8 / 14 - 20:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل نريد إجتثاث الدين، أم التكيف معه، في ظروف تحول دون طغيانه، وتحوله الى مصدر للتناحر الإجتماعي ومصادرة الحريات بما فيها حرية الفكر والحريات الشخصية؟
إذا كنا نسعى الى مجتمع تضمن فيه الحريات، بما فيها حرية الفكر والعقيدة، وينتفي فيه تسيّد جماعة دينية على أخرى، وعلى المجال العام، فالطريق الى ذلك هو دعم بذور الأصلاح الديني، ومساندة أي توجه أو طرح يصب فيه مهما كان بسيطا ومحدودا، دون الكف عن العمل على تعميق توجهات الإصلاح وتوسيع مدياتها، بما ينقي الخطاب الديني من كل ما يهدف إلى مصادرة الحقوق والحريات ويكرس الدوغما الدينية، ويحولها الى ستار لهيمنة الدين على السياسية.
أما إذا كان هدفنا إجتثاث الدين، فالطريق واضح أيضا، وهو رفض وتسفيه أي توجه إصلاحي بغض النظر عن جذريته، وعن إفتراقه عن الفقه الذي يشكل أساسا للإرهاب. وعن اقترابه من القيم العلمانية.
وفي ظروفنا الحالية تقف أمام الإصلاح الديني عوائق وسدود، ليست كلها من جانب جماعات التطرف والإرهاب، فبعضها من صنع جهات تنسب نفسها الى جبهة الإستنارة، فهي تتعامل بعداء ثابت مع كل توجه للإصلاح الديني. فما أن تبادر جماعة دينية، أو رجل دين الى طرح أجتهادات مضادة للتطرف، حتى يتصدى لها أو له ((المستنيرون)) قبل المتطرفين، بالتسفيه والأتهام بمحاولة تجميل وتسويق ما هو غير جميل. ويستعيرون من قاموس التطرف الديني كل النصوص والأحاديث والوقائع التأريخية التي تدحض طرحه المعتدل، بدلا من تشجيعه وحثه على تعميق توجهاته.
ويمكن الجزم أنه لو لم يصدر الشيخ علي عبدالرازق أطروحته فائقة القيمة بشأن ((الإسلام وأصول الحكم))، في عشرينات القرن الماضي، وأمتد به العمر وطرحها في عشرينات القرن الحالي لهاجمه ((المستنيرون)) قبل الأزهر وجماعات التطرف والإرهاب.
لن يتحقق الأصلاح الديني، دفعة وأحدة، وعلى يد مصلح واحد أو جماعة إصلاحية واحدة، ولا في حقبة زمنية محددة، أو في حياة جيل واحد أو جيلين من أجيال مجتمع غرق دهورا في ظلامية دينية، وجمود فكري وقيمي مديدين، فتطور أية ظاهرة أجتماعية ـ والدين أكثر الظواهر ميلا للثبات ـ يستلزم تراكم فكري ـ علمي ـ ثقافي ـ قيمي على كل صعيد.
ولن يلعب المستنيرون في مجتمعاتنا المأزومة، أي دور إيجابي، في تحقيق مثل هذا التراكم، وفي تمهيد الطريق لبناء مجتمعات عصرية ومنفتحة، دون أن يتخلوا تماما عن وهم إمكانية إجتثاث الدين. ودون التحرر من هذا الوهم لن يمكنهم لعب الدور المرجو منهم في نشر فكر وقيم الإستنارة، من خلال التفاعل الإيجابي مع كل توجه للأصلاح سواء صدر عن مؤسسات أو أفرادا مؤمنين، بغض النظر عن مدى عمقه واتساعة.
#عبدالله_عطية_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟