|
رسالة من -ميرلو بونتي- إلى -جورج لوكاش-
محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)
الحوار المتمدن-العدد: 7339 - 2022 / 8 / 13 - 23:47
المحور:
الارشيف الماركسي
سيدي(1)، أسمحُ لنفسي بمكاتبتكم، عملا بنصيحة ( G. Szekeres)(2) لأثيرَ انتباهكم إلى الأهمية التي تحظى بها مؤلفاتكم هنا، وبالدرجة الأولى في أوساط الحزب الشيوعي. فالمحادثات التي تمكنتُ من القيام بها مع (P. Hervé)(3)، من جهة أولى، وبناءً على رغبة (Cahiers d’Action)(4) في نشر نصٍّ لكم، من جهة ثانية، وكون النقاشات النظرية التي تجري هنا ضعيفة، بل سجالية أكثر مما هي علمية، من جهة ثالثة، هي أمور جعلتني أعتقدُ أنّه سيكون من المفيد جدا للماركسيين الفرنسيين التعرّف على أعمالكم، وأنّ تمكينهم من الاطلاع عليها سيستجيبُ لتطلعاتهم أكثر مما يتصورون. من الناحية الواقعية، فالعمل الوحيد، من بين كل أعمالكم، المعروف إلى حد ما، (بالرغم من أن النسخ المتوفرة قليلة)، هو كتابكم "الوعي والتاريخ الطبقي" (Geschichte und Klassenbewußtsein)، هذا الكتاب الذي لم تعودوا تعترفون به، والذي لازال محطّ اهتمام الناس بالرغم من تنكركم له. لذلك يبدو لي أن الكيفية الوحيدة التي ستمكن من التعريف بتأويلكم للماركسية، ويمكن أن تساعدَ على تعديل الفكرة السائدة عن موقفكم إزاء هذا الموضوع، هي موافاتنا بقائمة تضمّ عناوينَ أعمالكم (على الأقل تلك التي صدرت باللغة الألمانية)، وموافاتنا، إن كان ذلك ممكنا بالنسبة لكم، بنسخة من كل عملٍ من أعمالكم. أعتقدُ أن (G. Szekeres)، الذي أقام هنا مؤخرا، سيؤكد لكم انطباعي هذا، وقد يخبركم أيضا بأنني سأطلع على أعمالكم، التي لم أتمكن من الحصول عليها، باهتمام خاص، كما قد يخبركم بالتوجه الذي سيؤطر ذلك. إنني متأكدٌ أن الباعث الذي قاد العديد من رفاقنا الشيوعيين إلى الاهتمام بأبحاثكم هو نفس الباعث الذي جعلني أهتم بها، أي الحاجة إلى صياغة نظرية للعلاقة ما بين العامل الخارجي والعامل الداخلي. فالصياغات المتداولة والمعتادة حول هذه المسألة، ناقصة جدا. ويبدو لي أنه من غير الممكن اختزال العامل الداخلي إلى العامل الخارجي، أي اختزال الذاتي إلى الموضوعي من جهة، ومن غير الممكن فصل أحدهما عن الآخر من جهة أخرى. ويبدو لي أن المشكل برُمته هو أن نفهم كيف أننا لسنا "أشياء"، وكيف أننا كائنات تاريخية. أعتقد أنه ينبغي استئناف النقد، وفي نفس الوقت، على المستوى الإيديولوجي أو على مستوى البواعث الفردية، وعلى مستوى البنيات التحتية وما هو عام، بحيث يتم توضيحُ أن الأمر يتعلقُ هنا وهناك بنفس المأساة (بالمعنى الأصلي للكلمة). من الصعب أن نحصل هنا على مجهود فكري حول هذه القضايا: فكل فكر ديالكتيكي حقيقي يُعامَلُ بغضب وبمزاج سيء، لذلك أعتقدُ أنه لن يتمّ الحصولُ على مجهود توضيحي إلا إذا حصل الجمهور الفرنسي على تحليلات ملموسة متتالية وفق منهج ماركسي حقيقي، أي تحليلات تستعيد العمق التاريخي للفرد من خلال ما كتبه وما قاله وما فكر فيه، وليس بنسيان ما كتبه وما قاله وما فكر فيه، تحليلات تُدرٍكُ بكيفية لا تقبل التجزئة "وجوده الفلسفي"، "وجوده القانوني"، "وجوده الاقتصادي"(5) حسب تعبير ماركس. لم أطلع على دراساتكم حول (Montaigne) و(Stendhal) ولكنني أتصورها كنماذج تطبيقية لهذا المنهج. يبدو لي أن عليكم أن تهتموا أكثر بإعادة بناء التصورات الفردية التي عبر عنها الكاتب في كل ما كتبه، أي الكيفية التي صاغ من خلالها وضعيته التاريخية. إذا أمكنَ لدراسات من هذا النوع أن تترجَمَ إلى الفرنسية، وإذا تمكنَ الجمهور من معرفة أن منهج التفكير ومنهج التفسير هما منهجان متقاربان وليسا عدوّين، وأنّ الأمر لا يتعلق بالتنكر للوعي أو الحرية، وإنما بتحقيق هذه الأخيرة، سنكونُ قد انجزنا الشيءَ الكثير بالنسبة للنقاشات في فرنسا. لقد بلغني أن بعض دراساتكم هي قيد الترجمة من طرف مترجم يعمل لصالح (Gallimard)، لكن الأمر لا يتعلق، حسب مصدر المعلومة، بتلك الدراسات التي تمتاز بوضوح منهجكم فيها، وإنما تتعلق بالأحرى بنصوص سهلة تم اختيارُها لتحقيق أول اتصال بالجمهور الفرنسي. فهل بوسعي أن أطلبَ منكم إذا كان من الممكن، بالنسبة لكم، العمل على التعريف، هنا بفرنسا، بدراسات تقربُنا أكثر من المشكل الذي أثرتُه سابقا؟ بإمكاني أن أضمن لكم أن هذه الدراسات سيطلعُ عليها العديد من القراء النبهاء والمهيئين لمواجهة هذا النوع من المشكلات من بين عموم قراء مجلة (Temps Modernes). وبإمكان المجلة، إذا وافقتم على ذلك، أن تنشر، على الأقل، مقاطع من هذه الدراسات. أريد، في الأخير، التعبير عن أمنية شخصية لا يمكن التعبير عنها بدون البوح بأمر شخصي: إذا كان هناك نصٌّ لكم يتضمن أطروحات كِتاب "التاريخ والوعي الطبقي"، الذي تتراجعون عنه اليوم، فأرجو منكم أن تدلوني عليه؟ يبدو لي أن نشر هذا الكتاب والتنكر له أمران يطرحان بوضوح مشكل العلاقة ما بين العامل الداخلي والعامل الخارجي. فنصّ مثلَ هذا الذي أفكر فيه، إذا ما وُجد فعلا، بإمكانه أن يوضّح أنّه يمكنُ لبعض الأطروحات الصحيحة، بناء على مكوناتها الداخلية، أن تكون في ظرفية معينة، وتاريخيا، خاطئة. أو توضح كيف أنّه لا وجود لمُكون داخلي خالص لأطروحة ما. إن الفكرة القائلة بأن مرحلة تاريخية معينة تُقصي بعض التوضيحات النظرية تبدو لي، بكيفية ما، فكرة قابلة للدفاع عنها بدون التضحية بِفكرة الحقيقة، وبدون أن يتحوّل البراكسيس إلى براغماتية، لكن بشرط واحد هو: أنْ نصوغ نظرية هذه المرحلة التاريخية المعنية، نظرية غياب أية نظرية. لهذه الأسباب، تهمّني التوضيحات التي تمكنتُم من تقديمها حول كتابكم السابق ذكره. وإذا لم يسبق لكم أن نشرتم أي شيء حول الموضوع، فمن الواضح أنني لن أجيز لنفسي أن أطلب منكم ذلك. استسمحكم لكوني خاطبتكم بالفرنسية، فذلك راجع لكوني لا أستطيع مراسلتكم بلغة ألمانية سليمة، ولا بلغتكم الخاصة. وأعبر لكم، منذ الآن، عن امتناني على المعلومات التي بإمكانكم، بدون شك، تقديمها لنا، وتقبلوا، سيدي، تعبيري لكم عن مشاعري الرفيعة.
(بتاريخ: 24 ماي 1946) (ميرلو بونتي - أستاذ بجامعة "ليون") ترجمة: محمد الهلالي
هوامش:
*) المرجع: (Actuel Marx / no 69 / 2021 : Lukács) 1) رسالة يُحتفظ بها في (أرشيف لوكاش) بمدينة (بودابست). 2) حول ( G. Szekeres): انظر(ي) مقال (Alix Bouffard) و(Alexandre Feron) 3) بيير هرفي (Pierre Hervé)، ازداد سنة 1913 وتوفي سنة 1993، مناضل شيوعي (مقرب من Courtade، ومن Desanti)، أستاذ للفلسفة، مقاوم، انتخب نائبا برلمانيا شيوعيا ما بين 1945 و1949، وفي سنة 1946 امتهن الصحافة في جريدة (Libération) و(Action). 4) (Cahiers d’Action): ملحق بأسبوعية (Action) ما بين سنة 1943 وسنة 1952، وكان يشرف عليه (Pierre Hervé). 5) يشير ميرلو بونتي هنا إلى مقطع في "مخطوطات 1944"، وهو المقطع الذي سيعلق عليه مطولا في مقال تحت عنوان (الماركسية والفلسفة)، والذي نشره في كتابه (Sens et non-sens)، غاليمار، سنة 1996، خصوصا الصفحة 162. 6) يشير ميرلو بونتي هنا لنص لجورج لوكاش: (Balzac, critique de Stendhal)، 1935. وقد نشر باللغة الهنغارية سنة 1945، وبالفرنسية تحت عنوان (Balzac et le réalisme français)، ماسبيرو، 1967. لم نعثر على نص لوكاش المتعلق بالفيلسوف (Montaigne)الذي أشار إليه ميرلو بونتي.
#محمد_الهلالي (هاشتاغ)
Mohamed_El_Hilali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجينيالوجيا حسب نيتشه
-
عين الاختلاف نصوص شعرية على عتبة الفلسفة
-
هتلر والإسلام: هتلر هو حامي الإسلام (حسب الدعاية النازية)
-
الفلسفة والإلحاد: 5- سبينوزا
-
الفلسفة والإلحاد: 4 - كارل ماركس
-
الفلسفة والإلحاد: 3 - لودفيغ فويرباخ
-
الفلسفة والإلحاد: 2- نيتشه
-
الفلسفة والإلحاد: 1- جون بول سارتر
-
سمير أمين: النهضة العربية الإسلامية، عن التحديث، التراث، الق
...
-
حزبُ سبينوزا: علاقة اللاهوت بالفلسَفة (كانتْ هذه التجربَة مُ
...
-
كارل ماركس: مفهومُ الوَعْي الطبَقي (تَجدُ الفلسفة في العُمال
...
-
جاك إيلول: الأحزاب السياسية هي مجرد آلات ضخمة تمكن من الوصول
...
-
الفيلسوف كانط: نقد العقل العملي (الأفكار الأساسية للكتاب)
-
جاك دريدا: هل للفلاسفة حياة خاصة؟ (لا أقول أنه ينبغي إنجاز ش
...
-
نيتشه: أخْلاقُ الأسياد حَسَبَ نِيتْشه (إنَّ دمقرطة أوروبا تُ
...
-
إلياس صنبر Elias Sambar: الصداقة، الأصدقاء، الإخوة والرفاق (
...
-
جورج سيمل: فلسفة المال (لم يَعُد المالُ وسيلةً وإنما صارَ غا
...
-
الفيلسوف ألان باديو: مفهوم الشعب (24 ملاحظة حول الاستعمالات
...
-
فرنسيس فوكوياما: نهاية التاريخ ومَقدمُ الإنسان الأخير (تفوقُ
...
-
الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل: ما هو الدين من الناحية السوسيو
...
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|