|
يا سادة، القوة وحدها لا تكفي لمحاربة الإرهاب
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 7338 - 2022 / 8 / 12 - 20:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
هل القوة الغاشمة تكفي لمحاربة التطرف وجماعات التكفير التي تنتشر في بلادنا اليوم؟ بالطبع لا. لأنه لا يكفي نزح الماء قبل أن نقفل الصنبور.
الماء هنا يمثل جماعات التكفير والمتطرفين، الصنبور يمثل الفكر الفاسد العفن، الذي يجعل الإنسان العادي مستعدا لتفجير نفسه وتدمير وطنه وقتل الأبرياء بدون ذنب أو جريرة. كلما قضيت على مجموعة منهم، ساهم الفكر المنحط في خلق جماعات أحط وأشرس.
مقاومة الإرهاب بالشرطة والقمع وحدهما، تجعل الإرهاب يتكاثر ويزداد عنفا. هذه معركة خاسرة، النصر فيها للتطرف والفكر الإرهابي بدون شك. هذا ما يقوله العلم والفطرة السليمة.
إننا لن نستطيع بالقوة وحدها القضاء على التطرف والفكر التكفيري. قد نستطيع اخفاءه من السطح، ولكنه سيظل ينمو ويترعرع تحت الأرض، إلى أن تحين الفرصة ثانية لكي يظهر أكثر شراسة وعنفا. القوة وحدها في مقاومة التطرف، هي وصفة أكيدة للفشل والإخفاق.
إذن ما العمل؟ وهل من الممكن إيجاد حل لهذه الورطة؟ نعم هناك حل.
عندما أراد محمد علي باشا النهوض بمصر، أرسل البعثات إلى أوروبا. فقام أعضاء هذه البعثات، ومنهم الأزهري رفاعة الطهطاوي، بقلب المجتمع المصري رأسا على عقب.
هذه البعثات، لم تكن تبغي شهادات علمية أو ثروة، وإنما كانت متعطشة للمعرفة والحضارة. عادت لتحول مصر من ولاية عثمانية تعيش في غيابات العصور المظلمة، إلى دولة حديثة، سبقت دولا أوروبية كثيرة. هذا هو تأثير الفكر المستنير على الشعوب.
ماذا نفعل لمحاربة هذا الفكر الظلامي الكارثي الإجرامي؟ وكيف نحاربه؟ المثل يقول لا يفل الحديد إلا الحديد. وأيضا، لا يفل الفكر العفن إلا الفكر المستنير.
هذا ما يجب أن نفعله، ولا مندوحة عن ذلك:
تنقية كتب التراث، المتاحة للعامة والطلبة، من الخرافات والإجرام والخزعبلات والأساطير والإسرائيليات، التي تطفح بها. الأصول توضع في المتاحف والجامعات، ويقتصر الاطلاع عليها على الدارسين دراسات عليا والمتخصصين فقط. الثعبان الأقرع، يجب أن يختفي من كتبنا قبل أن تختفي داعش من حياتنا.
إعادة كتابة السيرة النبوية والتاريخ الاسلامي على حقيقته بصدق وأمانة، وإعادة شرحهما وشرح المسكوت عنه فيهما. حتى لا نؤله من لا يستحق التأليه، ونسمم أفكار الناس بالأكاذيب، ونحولهم إلى عبدة أصنام من نوع جديد.
وحتى لا يتأثر صغار السن والبسطاء وأنصاف المتعلمين، بأحداث التاريخ المزور بدون فهم، ويتخذونه مبررا لأعمال العنف والقتل، والخروج على القانون. الصحابة لم يكونوا أبدا ملائكة، والتاريخ الإسلامي لم يكن كله نور وفخار.
يجب تدريس أعمال أرسطو والمسرح الإغريقي وقصص أيسوب في مدارسنا للطلبة، حتى نعودهم منذ نعومة أظافرهم على التفكير العقلاني والحياة الراقية واحترام الإنسان والطبيعة والفنون والآداب.
وأن نزرع فيهم حب الوطن والشجاعة وحب العدل والصدق والقيم النبيلة الإنسانية. الأخلاقيات المبنية على الفهم والعقل، أكثر ثباتا واستقرارا وعدلا، من الأخلاقيات المبنية على الثواب والعقاب، والجنة والنار، والمصالح والأغراض. والتي تجيز الكذب والنفاق والرياء والقتل والذبح والنهب لنصرة العقيدة والرب المعبود.
يجب تدريس فكر الأنوار، فولتير، جان جاك روسو، منتيسكو، كوندورسيه، تومس بين، ديدرو، إلخ. للطلبة حتى نربيهم على الانتماء وحب الحياة والحرية والمساواة والصدق والأمانة واستقلال الفكر وحرية الرأي والديموقراطية والتقشف والعمل الجماعي والإيثار.
يجب تدريس الموسيقى الكلاسيكية الغربية إلى جانب الموسيقى العربية الأصيلة، ومسرح شكسبير وروائع الأدب العالمي للطلبة منذ نعومة أظافرهم، حتى ينمو شعورهم ويرقى احساسهم وتهدأ انفعالاتهم وتسمو نفوسهم. الموسيقى خير علاج لنزعة الإجرام المتأصلة في النفوس المريضة.
يجب ألا نغفل واجب ودور الأحزاب ووزارة التربية والتعليم والمساجد في محاربة الفكر التكفيري المظلم، وتبيان مثالبه وخطره على المجتمعات.
إلغاء كل الأحزاب الدينية بدون استثناء وفقا لما نص عليه الدستور. هذا هو المنطق والعدل. هذه أمور لا تصلح معها الحلول الوسط والمهادنة. الدين بكل بساطة، لا يجب أن يستخدم كسلاح في أيدي القتلة وعتاة الإجرام والنفوس المريضة، للقتل والسبي والانتقام.
ولا يجب أن يستخدم لفرض تميز فئة، باللحية والجلباب والنقاب واللباس المخصوص، عن باقي فئات المجتمع. الدين علاقة روحانية وأسلوب حياة بينك وبين الخالق. بمحض اختيارك، أنت مسؤول عنها وحدك.
يجب إلغاء مدارس الأزهر الدينية، التي يبلغ عدد تلاميذها أكثر من 2 مليون تلميذ أزهري، وتحويلها إلى مدارس مدنية وجامعة مدنية، يُدرس فيها الدين في أقسام كليات الآداب بجانب الفلسفة والأديان المقارنة. الدين لا يجب أن يُدرس في المدارس الحكومية، وعلى أيدي الإخوان والسلفيين وبتوع داعش.
هذه خطوات يجب أن تتخذ إلى جانب الحل الأمني. الحل الأمني وحده لا يكفي. خطره أشد من فائدته. الحل الأمني وحده، يجعل التطرف أكثر شراسة. هذا ما تقوله نظريات التطور. وهذا ما يقوله العلم والعقل.
الحل الأمني المرافق لهذه الإجراءات، لا يجب أن يستخدم القوة الغاشمة، بل القوة القادرة الذكية الواعية، بقدر ما يسمح به القانون والدستور والضمير والأعراف الدولية.
كفاءة رجال الشرطة والجيش العالية في هذه الحالة، هي خير ضمان لنجاح مسعانا والحفاظ على آدميتنا وإنسانيتنا في نفس الوقت. حتى لا نتخبط، فنترك المذنب ونأخذ البريء. وحتى لا نضطر إلى الإفراط في تعذيب وإعدام الأبرياء بهدف إثارة الرعب في قلوب المتطرفين.
العنف يولد العنف، والقتل يولد القتل. إعدام برئ شيء لا نقدر عليه، ولا يتحمله الضمير الإنساني. الإعدام لا يخفض نسبة الجرائم في البلاد التي تطبقه. بالتالي، الإفراط في تعذيب وإعدام المتهمين، لن يقلل من حالات الإرهاب، بل يزيدها عددا وعنفا.
أعتقد أنه قد حان الوقت لإلغاء عقوبة الإعدام برمتها من بلادنا. فهي عقوبة لم تعد تصلح للمجتمعات الحديثة. قتل النفس جريمة رهيبة ليس لها تبرير أيا كان، ويجب أن يعاقب مرتكبها بالتأكيد. لكن في رأيي، عقوبة السجن المؤبد، عقوبة كافية. تحمي مجتمعنا من الأشرار، وتحمينا من القتل الخطأ، ولا ينتج عنها مطالبة بالثأر والانتقام.
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاريخ روسيا – 22 الاستيلاء على بسكوف
-
تاريخ روسيا – 21 باسيل وليتوانيا والتتار
-
تاريخ روسيا – 20 علاقة إيفان مع أوروبا
-
تاريخ روسيا – 19 إيفان يتعامل مع صهره
-
تاريخ روسيا – 18 كسر شوكة التتار
-
تاريخ روسيا – 17 زواج إيفان الثالث من الأميرة صوفيا
-
تاريخ روسيا – 16 إيفان الثالث يدمر نوفجورود
-
تاريخ روسيا – 15 شجار أحفاد ديمتري بطل الدون
-
تاريخ روسيا – 14 سحق موسكو بين قوتين
-
تاريخ روسيا – 13 ديمتري بطل نهر الدون
-
أوبرا -الاختطاف من سيراجليو- لموزارت
-
تاريخ روسيا – 12 موسكو
-
تاريخ روسيا – 11 نوفجورود (المدينة الجديدة)
-
كل شيء هادئ على الجبهة الغربية
-
تاريخ روسيا – 10 ألكساندر بطل نيفا
-
تاريخ روسيا – 09 التتار يغزون روسيا
-
تاريخ روسيا – 08 تدمير كييف
-
تاريخ روسيا – 07 شجار عائلي بين الأمراء
-
تاريخ روسيا – 06 ياروسلاف
-
تاريخ روسيا – 05 فلاديمير، شمس كييف الجميلة
المزيد.....
-
إسبانيا.. العثور على 270 ألف خرزة في قبر واحد يقدر عمرها بـ5
...
-
روسيا.. انتهاء الاختبارات ما قبل السريرية للقاح الشخصي المضا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل مسلح أطلق النار على موقع عسكري با
...
-
خمسة وزراء خارجية عرب في رسالة لواشنطن: لا لتهجير الفلسطينيي
...
-
الهند ضاعفت عدد نمورِها خلال عشر سنوات.. لكن كيف؟
-
البيت الأبيض ينشر قائمة -مثيرة للدهشة- بنفقات الوكالة الأمري
...
-
الصين تخطط لإرسال مسبار جديد إلى القمر عام 2026
-
عصابات المخدرات المكسيكية تهدد الجيش الأمريكي
-
طهران: لم يطرأ أي تغيير على وضع إدارة الملف النووي
-
في اليوم العالمي لمكافحة للسرطان.. إليكم بعض أعراضه الخفية!
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|