|
ما الذي يمنع الإسلاميين من الاستشهاد على أسوار القدس؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 7337 - 2022 / 8 / 11 - 19:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اعتاد الإسلاميون الاقتيات على قضيتين أساسيتين: فلسطين/القدس ومدونة الأسرة/المرأة. ولم يتركوا مناسبة إلا وسعوا إلى استغلالها أبشع استغلال، ليس بهدف التخفيف من المعاناة أو تقديم العون أو المساهمة في إيجاد الحلول، وإنما خدمة لمصالحهم الضيقة واستغلالا للقضيتين في استقطاب الأتباع وتوسيع دائرة المتعاطفين استعدادا ليوم "الزحف" إما على السلطة/الدولة أو اكتساح المؤسسات الدستورية. لم تكن قضية القدس وفلسطين أولوية ولا ذات أهمية إلا بما تضفيه من "شرعية" على تأسيس هذه التنظيمات. ذلك أن هذه الأخيرة لا رصيد لها في النضال من أجل الديمقراطية وإشاعة الحريات وبناء دولة المؤسسات وسيادة القانون والمساواة بين المواطنين والدفاع عن حقوق النساء؛ بل إنها شكلت وتشكل أكبر عائق أمام بناء الدولة الديمقراطية وسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية. لأجل هذا نجدهم يستغلون القضيتين معا: المرأة وفلسطين، بهدف إرباك الدولة والعمل على إضعافها داخليا عبر توجيه كل أنواع التهم: كالخيانة، العمالة، التآمر، التخاذل. والهدف هو تهييج الوجدان العام ضد النظام/الدولة لضرب قواعدهما السياسية والشعبية والتاريخية والدينية. فهذه التنظيمات تدرك جيدا أن حصر الصراع مع النظام في المجال السياسي يقود حتما إلى إفلاسها. ولعل الهزيمة المدوية لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 8 شتنبر 2021، خير دليل. لهذا تنقل ــ هذه التنظيمات ــ الصراع إلى مجال الدين حيث تسمح لها قضيتا فلسطين والمرأة بمجال للمناورة الظرفية، قد يضيق وقد يتسع، تبعا لما تبديه الدولة من حزم. ففي مطلع سنة 2000، استغل الإسلاميون ظرفية انتقال الحكم بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، ليتغوّلوا ويستأسدوا على الدولة مستغلين صدور مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية لتصفية حساباتهم مع القوى الديمقراطية. تغوّل لم يردعه سوى حزم النظام بالتصدي لمخططات الإرهابيين الدموية، وبردع تكتيك الصلاة في الشواطئ الذي نهجه العدليون، ثم بمراجعة جذرية لمدونة الأحوال الشخصية ضدا على مناهضة الإسلاميين. وها هم اليوم يعيدون الكرّة مستغلين القصف الإسرائيلي للبنيات العسكرية التحتية لتنظيم الجهاد الإسلامي في فلسطين دون استهداف حركة حماس. فما صدر عن حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان من مواقف، يؤكد الاستغلال السياسوي للقضية الفلسطينية التي جعلت منها كل تنظيمات الإسلام السياسي، أصلا تجاريا يوفر لهم موارد مالية مهمة، وفي نفس الوقت يضفي الشرعية على وجودها وأنشطتها. فبعد الفشل والخيبة اللذين مني بهما الإسلاميون بسبب عجزهم عن إلغاء التطبيع، رغم كل المناورات والوقفات الاحتجاجية الباهتة إن لم تكن كاريكاتورية، يحاولون اليوم مهاجمة النظام مباشرة ليرفعوا من "رصيدهم". ذلك أن البلاغ الصادر عن حزب البيجيدي، سواء عبر أمانته العامة أو لجنة العلاقات الدولية برئاسة الأمين العام بنكيران وبتوجيه منه، "يستنكر" لغة بلاغ وزارة الخارجية المغربية ويتهمها "بالتواطؤ" مع العدوان الإسرائيلي لخلوه "من أية إشارة إلى إدانة واستنكار العدوان الاسرائيلي ومن الإعراب عن التضامن مع الشعب الفلسطيني والترحم على شهدائه". مناورات البيجيديين المكشوفة ليس لها من دافع سوى "غسل العار" الذي لن تغفره لهم باقي تنظيمات الإسلام السياسي، والمتمثل في التوقيع على إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل. إذ لم تكن لهم الجرأة والشجاعة لرفض التوقيع والالتزام بما يرفعونه من شعارات. حينها جعلوا الحزب فوق القضية الفلسطينية وأهمّ من القدس. ولا غرابة إذن، أن يتنكّر البيجيدي لمسؤولياته الوطنية والتزاماته الدستورية باحترام القرارات السيادية التي تراعي المصالح العليا للوطن وتنأى عن التجاذبات والحسابات السياسوية بين الأحزاب. فخلال رئاسته للحكومة تم سحب وزارة الخارجية من الأحزاب بسبب سوء التدبير والأخطاء الجسيمة التي كادت تخلق أزمات دبلوماسية مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة، وإلحاقها بوزارات السيادة. وفي تكامل للأدوار، ستتولى جماعة العدل والإحسان، على لسان قيادييها، مهاجمة النظام مباشرة، في محاولة يائسة للتعبير عن الفشل الذريع الذي منيت بها كل مناورات الجماعة لتأليب الرأي العام الوطني ضد النظام والضغط لإلغاء التطبيع. لهذا تستغل رئاستها "للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة" للترويج لمواقفها المعادية للنظام. ومعلوم أن عداء الجماعة "للحاكمين" أسس له مرشدها بـ"رسالة الإسلام أو الطوفان" التي دعا فيها الملك الراحل الحسن الثاني إلى حظر كل الأحزاب السياسية وتنصيب الفقهاء "أولياء" على الحكام. إن الجماعة، كباقي الإسلاميين، تتغذى على "المظلومية"؛ ومن ثم تعمل على استفزاز النظام كلما شعرت أن رصيدها المعنوي يتآكل، من ذلك مثلا دعوتها الأتباع إلى الصلاة في الشواطئ صيف 2000، أو الاعتكاف في المساجد التي تختارها خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، أو التحريض وقيادة الاحتجاج ضد قرار إغلاق المساجد أمام الصلوات الجماعية خلال فترة الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا، أو استغلال حملة "الفجر العظيم" التي نظمها الفلسطينيون، لدعوة المصلين إلى الاحتجاج أمام المساجد بعد صلاة الفجر. واليوم يأتي تصريح بعض قياداتها لاستفزاز النظام بغرض اعتقالهم حتى يُظهروا للرأي العام الوطني والدولي أنهم مظلومون وممنوعون من التعبير عن مواقفهم. مناورات مكشوفة لم تعد تستفز النظام إلا حينما تتحول إلى فعل يخل بالنظام العام فيكون القول الفصل للقانون. من هنا، وأيا كانت الاتهامات للنظام "بالعمالة" و"الخيانة" فلن تَمنحهم السلطات العمومية فرص لعب دور "الضحية" من أجل القضية الفلسطينية. فمن يريد "الجهاد" و"التضحية" من أجل القدس فليفعل ذلك بعيدا عن المغرب. إن كان الإسلاميون صادقين في شعارات "التضحية" التي يرفعون منذ عقود، فالقدس هناك، وكل السبل تؤدي إليها. غير أن واقع الحال يثبت أنهم لا يريدون "الشهادة" على أسوار القدس، ولم يجسروا على فتح باب التطوع للجهاد في فلسطين أمام قياداتهم وأتباعهم، وقد كانت جبهتا لبنان وسوريا مفتوحة، على مدى سنوات، خاصة سنوات "الخريف" العربي"، التي فضل شيوخ وفقهاء الإسلاميين إعلان النفير، من القاهرة على عهد مرسي، إلى سوريا لقتل شعبها الآمن وسبي نسائه وتهجير أبنائه ونهب ثرواته. حينها لم تعد قضية القدس مربحة مثلما كانت عليه سوريا. خلاصة القول، فمهما قدّم النظام المغربي من دعم مادي وديبلوماسي للقضية الفلسطينية، لن يرْض عنه الإسلاميون الطامعون/الواهمون بإقامة "دولة الخلافة" على أنقاض الدولة المدنية. سيظل الإسلاميون يدينون مواقف المغرب ويستنكرون بلاغات وزارة الخارجية مهما كانت شدة لهجتها. حقيقة أقرها القيادي بالجماعة، عبد الصمد فتحي، ورئيس "الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة" “أصبحنا نترحم على بيانات الشجب والإدانة التي كنا ندينها لأنها لا تترجم إلى فعل وعمل، حتى هذه الكلمات بخلوا بها على الفلسطينيين وعوضوها بلفظة القلق”.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجال سياسة دون مستوى رجال الدولة.
-
الخطاب الملكي ينتصر للمطالب النسائية.
-
البيجيدي و-الحب المستحيل-.
-
هل جزاء الإنجاز الكروي إلا الإقرار الحقوقي؟
-
علماء في الفتنة سقطوا.
-
مأسسة مكونات الهوية المغربية بعد دسترتها.
-
معوقات مواجهة الإرهاب في إفريقيا 3/3.
-
معوقات مواجهة الإرهاب في إفريقيا 2/3 .
-
معوقات مواجهة الإرهاب في إفريقيا 1/3.
-
المساواة في الإرث والوصية الواجبة مدْخل لإنصاف النساء .
-
تمدد الإرهاب في ظل مؤتمرات دولية لمحاربته .
-
بنكيران يطلب أدوارا عفَا عنها الزمن والدولة .
-
التطليق للشقاق عامل تحرر الزوجات من عنف الأزواج.
-
معاداة المغرب من ثوابت عقيدة حكام الجزائر.
-
إنهم يطمسون الهوية المغربية ويُلهونكم -بالتطبيع-.
-
بنكيران ووهم الولاية على الدولة.
-
احذروا التطرف الزاحف على المجتمع .
-
آفاق مؤتمر حظر الاستغلال السياسي للدين .
-
تمدد الإرهاب إفريقيا يفرض التعامل معه بجدية .
-
الخبرة الجينية والحديث النبوي-الولد للفراش-.
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ندين بأشد العبارات المجزرة البشعة بحق الاعل
...
-
إدانات لدخول وزير الأمن القومي الإسرائيلي لحرم المسجد الأقصى
...
-
الإمارات تدين اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي المسجد الأقصى
-
“في خمس خطوات”.. حدّث الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025
...
-
الوزير المتطرف بن غفير يقتحم المسجد الأقصى في أول أيام عيد -
...
-
خارجية الأردن: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى خطوة استفزازية م
...
-
بن غفير يقتحم الأقصى احتفالا بعيد -الأنوار- اليهودي ومكتب نت
...
-
حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
-
الرئيس الايراني: لو كان المسلمون متحدين لما تجرأت -اسرائيل-
...
-
حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|