أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - أُفول اليسار التّونسي على يد قيادات اليمينيّة.















المزيد.....

أُفول اليسار التّونسي على يد قيادات اليمينيّة.


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 7331 - 2022 / 8 / 5 - 10:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


شوفوا المهازل عندما تتحكم عناصر يمينية انتهازية بأحزاب اليسار. وكيف يُقدّم الموقف اليميني الرجعي على أنه موقف يساري أصيل! وكيف يوهمون أنصارهم بأنهم "ضد النهضة وضد قيس سعيد في نفس الوقت"، فيما لا يمكن ترجمة هذا الموقف في واقع محكوم بميزان قوى محدد، إلا كونه موقفا مناصرا لحركة النهضة.

تعالوا نضع الأمور في نصابها، ونقف على درجة تدهور الموقف اليساري وتشوُّهِه بالقفز على الواقع وبنائه على الأكاذيب والاوهام.

كيف ولدت الفكرة اليسارية في الأصل ضد التضليل؟
وما هي خلفيتها وهدفها الأول؟
ولماذا يقف اليسار التونسي اليوم موقفا يمينيا رجعيا، ويقدمه على أنه ثوريّ؟

ارتبطت الحداثة في أوربا بإعلان الإنسان نفسه قوة عاقلة تتصرّف من علياء وحدتها واستقلاليتها عن كل الشأن الأنطولوجى والمعرفي والأخلاقي. ولذلك تميز القرنين السابع عشر والثامن عشر بقدرة غير مسبوقة للإنسان/ العقل على التحرّر من كلّ أشكال التبعية الدينية والاجتماعية، والعودة فقط لذاته أساسا لكل تشريع، ومعيارا لكل تمييز. بمعنى أن لحظة الحداثة هي لحظة تأسيس المعرفى والأخلاقى والسياسى على فك الاشتباك مع الدينى والاجتماعي، بحيث ستُمنح كل الصلاحيات للعقل وحده ..
سينشأ العلم الحديث مع قاليلاي بالقطع مع المعتقدات الكنسية، وإحلال فهم رياضي للمكان وللمادة ، وستؤسس أخلاقية الفعل مع كانط بالقطع مع المعايير الدينية والنفعية، وإحلال شروط عقلانية كونية. وستُقام هندسة جديدة للوجود السياسي بالقطع مع أشكال الحكم التيوقراطية، وما تؤدي إليه من إذلال لكرامة الإنسان وتكريس استعباده، وإحلال فكرة التّعاقد القائمة على الإرداة الحرة والقرار العقلاني الطوعي للانسان، بالاضطلاع بتنظيم ذاته سياسيا، وادارة الصراعات سلميا، وتحمل مسؤوليته كاملة في إيجاد آليات ناجعة في ذلك.

إذن يمكن القول بأن الحداثة تجسمت في مفصلية مكانة الإنسان، وبالتالي مفصلية دور العقل كمنبت وحيد لتأسيس المعنى وتشريعه. والأهم من ذلك، في المضي إلى بناء أنساق معرفية وأخلاقية وسياسية تعبر عن أساسية هذا العقل ومحوريته. من هنا كان الثامن عشر، قرن الأنوار، قرن تأسيس الأنساق الكبرى ذات الطابع النظري التصوري التي تنطلق من مُسلّمة العقل، وتضعه في قلب كل تاسيس ضامنا وحيدا للمعنى.

بعد ذلك حلّ القرن التّاسع عشر بأحداثه الكبرى، لكى تقف تلك التأسيسات على ما يُسبِّبُه التاريخ من مَطبّات، وما يحمله منطق الوقائع من معوقات. سيحمل التّاسع عشر الثورة الصناعية، وما انجرّ عنها من مراكمة لرأس المال، ومن تقدم علمي، فكانت الدراسات البيولوجية الصّادمة. ثم ظهرت العلوم الإنسانية، وتنامت النظرة المادية للانسان... وستظهر تحت تاثير كل هذه التطورات، حساسيّة جديدة غير معهودة تجاه التاريخ. أيّ سيظهر وعي جديد بقيمة التاريخى وأساسيته، وخطورة منطقه، وقوة تداخله انطولوجيا مع العقل...
كل هذا سيقرر مسارا فكريا جديدا. أو ما اصطُلح عليه بولادة فلسفات التأويل، التى سيتوقف فيها العقل عن إنتاج الأنساق الكبرى، ليعود على نفسه ويفحص بداهته وإطلاقيته ويعيد تعريف نفسه على أساس فعّالية التاريخ.. لذلك كل القرن التاسع عشر، هو عبارة عن سلسلة من المراجعات لمُسلّمة العقل ولبداهته واستقلاليته وقيامه المطلق على المعنى...

هنا، جاء كارل ماركس ليكشف واقعة الاستغلال، والصراع الطبقي، وارتباط الوعي بالموقع في هذا الصراع.
وجاء نيتشه ليكتشف أساسية الصراع الأنطولوجى بين القوى، وارتباط الوعى والحقيقة والقيم بالموقع في هذا الصراع.
وجاء فرويد ليكشف عن أساسية الصراع بين مكونات الشخصية، وانبثاق الوعى كتعبيرة عن هذا الصراع.
هؤلاء، سمّاهم بول ريكور "فلاسفة الظنّة". يعني الفلاسفة الذين تظننوا على إطلاقية الوعى، وطعنوا فيها، واقترحوا تأويل الوعي بإعادته في كل مرة إلى سياقاته ومحدداته التاريخية، تلك التي تملى عليه وضعا بعينه.

طيب ما يعنينا هنا، هو النظر في التأويل الماركسي للوعى واستتباعاته في المسألة السياسية. نجد أن ماركس ينطلق من واقعة التاريخ باعتبارها منبت كل وعي. أيّ أن الفكرة اليسارية هي الفكرة الأكثر ارتباطًا بالواقع. وبالتالي فهي الفكرة المبنية على رفض الأوهام والأكاذيب. ويقصد ماركس بالتاريخ ما يُسميه بالنشاط المادي. أي مجموع الفعاليّات المادّيّة التى تتكوّن في إطار العمل وتحويل الطبيعة، وإنتاج القيمة، وتأمين الوجود الحيوى للبشر، والمبنية على أساس علاقات الإنتاج. فبالنسبة له فعالية الانتاج كانت تاريخيّا قائمة على الملكيّة الخاصّة لوسائل الانتاج. بحيث كان هناك دائما أقلية تملك ولا تعمل، وأغلبية تعمل ولا تملك. ولذلك يقسّم ماركس التاريخ البشري إلى أنماط إنتاج. كلّ نمط إنتاج هو مرحلة تتقوّم بفعاليّتين متناقضتين: من جهة قوى الانتاج، ووسائل الإنتاج. ومن جهة ثانية علاقات الانتاج الناجمة عن التناقض الاجتماعى بين المالكين وغير المالكين. إذن نمط الانتاج هو مضمون الواقع عند ماركس، أو هو التاريخ، ولما كان هذا التاريخ منشقا إلى طبقات متصارعة، كان الوعي المنبثق عنه منشقا ايديولوجيا أيضا، ومعبرا عن موقع ما في الصراع الطبقي بما هو مجموع مصالح متضاربة.. ولذلك فالوعي تاريخي، وماعاد متجانسا، بل هو وعي محافظ ووعي ثوري.
على هذا الاساس يقوم ماركس بربط تشكل الوعى بمقولة سابقة عنه وهى التاريخ .. فحيث اعتقدت الحداثة أن العقل واحد ومطلق وبديهى ومتجانس، يكشف ماركس على زيف هذه الإطلاقية وأن التجانس ليس أكثر من وهم وادعاء، وفعل التأويل الذى ذكرنا، يكمن ههنا في إنهاء القول بأن الوعي ينشئ نفسه بنفسه، والكشف على أنه نتاج لموقع ما في الصراع الطبقي.

واضح أن الصراع الدائر في بلادنا، هو صراع بين الأغلبية الشعبية من جهة، وبين أقلية منخرطة في المشروع الاستعماري تمثلها حركة النهضة وبعض النخب المحيطة بها. ولا يوجد أيّ غموض في كون هؤلاء الذين حكموا البلاد لمدة عشر سنوات، قد خربوها على جميع المستويات. وهذا ليس تظنُّنًا، بل هي وقائع التاريخ التي عاشها الناس. كما لا يوجد أيّ غموض في أنّ هذا اليسار على درجة من الضعف والتفكك، لا تسمح له بالحديث عن "خط ثالث" قادر على مواجهة قيس سعيد وحركة النهضة في نفس الوقت، وهذا ليس تظنُّنًا، بل يكفي أن نتذكر نتائج الانتخابات الأخيرة.

مع ذلك، أنظروا أين يقف اليسار ممثلا في قيادات لا علاقة لها بفكرة اليسار. لأنه لا يمكن ليساريّ في تونس اليوم، انطلاقا من الوقائع والأحداث والجرائم التي آرتُكبت في حق تونس وشعبها، أن يقف ضد مسار 25 جويلية، إلا إذا كان مورّطا ويخشى المُلاحقة.
الحقيقة أن هذه الأطراف التي تقف على نحو مباشر أو غير مباشر في خندق الدفاع عن منظومة الإرهاب والفساد، هي أطراف يمينية تتحكم في القرار اليساري. ولا شك أن وصول اليسار التونسي إلى هذه الحالة من الأفول، يستوجب طرح الأسئلة حول الأسباب التي قادت إلى هذه النهاية. ولكن أنا أعتقد أن هذا الضعف وهذا التشتت، أكبر دليل على أن أحزاب اليسار يحكمها اليمين. هذا علاوة على أسباب أخرى عديدة سبق وتناولتها في مقالات أخرى.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في غياب تحالف شعبي ديمقراطي، لا خيار إلا الرئيس
- حركة النهضة سقطت بسبب جرائمها
- هذا ما حدث في تونس
- برقية إلى شباب اليسار التونسي
- أزمة الأحزاب السياسية في تونس
- التدخل الروسي في أوكرانيا: هل هو غزو للأخت الصغرى؟ أم مواجهة ...
- هل يمكن الحديث عن أزمة في الإسلام؟
- حضور حركة النهضة، يساوي غياب المشترك الوطني.
- حركة النهضة أصبحت -مافيا- ولم تعُد حزبًا سياسيًا.
- ثورة، بلا ثوريين.
- نَكبتُها، في نُخْبَتِهَا، بما في ذلك الرّئيس.
- إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد.
- الاتحاد العام التونسي للشغل جزء من النظام العام ومحور توازن ...
- ما دخل اتّحاد الشغل بالسياسة؟
- الخيار الوطني في مواجهة جماعات الاحتياط الكولونيالي
- -الأمّة الإسلامية- فكرة مُتخيّلة، ومفهوم فضفاض.
- الواقفون خارج الأحداث
- تونس تنتصر.
- أنا الشعب ماشي، وعارف طريقي!
- 25 جويلية ثورة دستورية، وليس انقلابا على الدستور.


المزيد.....




- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - أُفول اليسار التّونسي على يد قيادات اليمينيّة.