|
المستشارون الجحوش لم نرَهم في قفص الاتهام، فهل نراهم شهودَ ملك؟
كريم بياني
الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 12:02
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
بداية أعتذر عن استخدام كلمة جحش (بالكردية ـ جاش ـ)، حاولت كثيراً ان اتفاداها، لكنه لقب تهكمي دخل القاموس الثوري والسياسي الكردي منذ اوائل الستينات وبات يطلق على العناصر الكردية التي كانت تحمل السلاح وتقاتل مع السلطات العراقية المتعاقبة ضد ابناء جلدتهم مقابل أجر، تحت إمرة شخص؛ غالبا ما كان من ألاغوات أو رؤساء العشائر أو ألمتنفذين وكان يسمى أيضاً بـ (رئيس الجحوش ـ سه روك جاش). حاول النظام إضفاء صفات وألقاب لتجميل صورتهم فكانت تسميهم تارةً بالفرسان او فرسان صلاح الدين وتارةً بمقاتلي افواج الدفاع الخفيفة وتسمي رؤسائهم بالمستشارين، لكن كلمة (جاش) ظلت متعلقة بذهنية وذاكرة الكردي وأضحت مفردة من مفردات ثقافته السياسية. متى بدأت هذه الظاهرة؟ لماذا بدأت؟ كيف بدأت؟ تلك اسئلة كبيرة تتطلب تقييماً تاريخياَ موضوعياً لمسيرة حركة النضال التحرري الكردي الحديث، ألامر الذي لم يحصل لحد الان مع الاسف، وهي منطقة تجنب الكثير من المختصين والباحثين الخوض فيها لحساسيتها وتفادياً للإحراج ربما. واستمرت الظاهرة تتفاعل بصور شتى إلى حين سقوط الدكتاتور، والمؤلم في الموضوع انه حتى الاحزاب الكردية ذات النضال الطويل والعريق لم تسلَم من الوقوع في براثن هذه الظاهرة، والفضل يعود بطبيعة الحال الى تصدر المصالح الحزبية الضيقة قائمة ألأولويات وتَقدُمها بمراحل عديدة المصالح القومية والوطنية!. بعد انتقاضة آذار وتلبية لمتطلبات تلك المرحلة وحساسيتها وحالة الفوضى التي سادت، اصدرت القيادة السياسية الكردية قرار عفوٍ بحق هؤلاء، وجاء هذا القرار الذي ينُم على جانب كبير من الحكمة وكان له آثاراً إيجابية كثيرة؛ حفاظا على النسيج الاجتماعي الكردي من الانقسام والتفكك، لأن هؤلاء يمثلون غالبية العوائل المتسلطة ذات النفود الواسع والمسيطرة على العشائر والقبائل، وليت الامر توقف عند حدود العفو، لكن هذه الطبقة سرعان ما بدأت بممارسة كل سلوكياتها المشينة والمشبوهة المبنية على الفساد والاستغلال والكسب ـ غير المشروع ـ حتى وإن كان على حساب قوت وكرامة آلاف المحرومين من الذين حملوا الوطن وقضيته في القلب والعيون، وبإنتهازية حاذقة وبتواطؤ مع بعض مراكز القوى والنفوذ ضمن المؤسسات الحزبية مستغلة نفوذها المالي والاجتماعي؛ بدأت هذه العناصر بالتسلل ليس فقط الى جسد هذه الاحزاب بل ومن خلالها الى مواقع رسمية وحساسة، ودخلوا لعبة التوازنات الحزبية ولعبوا بمهارة فائقة بورقة المصالح الحزبية، وراحت تدخل في صفقات مالية وتجارية بالشراكة معها فاحتكرت بذلك العديد من المشاريع الاقتصادية والتجارية وباتت اليوم تسيطر على حركة السوق وتحولت الى أخطبوطات اكثر جشعا وثراء مما كانت عليه في عهد النظام السابق، فبعد ان كانت المتاجرة بالدم الكردي هو مصدر ثرائها؛ تزداد اليوم ثراء على حساب الاجيال التي ضحت من اجل يومٍ؛ بات من نصيب هؤلاء المتطفلين كما كان أمسهم، والبركة في (حكمة) القيادة الكردية الزائدة عن الحد!. في محكمة الدجيل وجدنا في قفص الاتهام الى جانب رأس النظام والبعض من المقربين منه، رجالاً بسطاء كالفلاح ومأمور البدالة والمقاتل في الجيش الشعبي بتهمة التعاون مع قوات الامن وإدلائهم على بيوت ومكان الضحايا. لكن في محاكمة الانفال، هذه الجريمة الكبيرة، فوجئنا بخلو قفص الاتهام من مستشاري افواج الدفاع الخفيفة، الذين بدأ بعض المشتكين بأيراد اسمائهم وقد سبق وأن سجلوا دعاوى ضدهم كونهم قاموا جنباً الى جنب مع القوات النظامية بنهب وهدم القرى والأعتداء على المواطنين وملاحقتهم ـ بحكم معرفتهم لطبيعة المنطقة ومواقع القرى ـ وتسليمهم الى السلطات حيث لاقوا المصير الذي يصفه بعض الناجين من جريمة ابادة الجنس البشري هذه أمام المحكمة. أليسَ من واجب هؤلاء ورداً للجميل على هذا التسامح والعفو أن يكونوا اليوم في المحكمة؟ إن لم يكن بصفة متهمين (وهم متهمون فعلا)؛ فبصفة شهود عيان وإثبات؛ لمسلسل الجرائم والكوارث والانتهاكات التي يرويها الضحايا والمشتكين. لعلهم يكفرون بذلك عن بعض ذنوبهم وسيئاتهم ويكون ذلك بمثابة اعتذار ـ متأخر جدا ـ على ما اقترفت أيديهم بحق الابرياء من ابناء هذا الشعب، إضافة الى انها ستكون رداً للجميل على ما تلقوه من جميل واحسان من القيادة الكردية التي منحت لنفسها الحق واحتكرت حقوق الالاف من الضحايا. أم أنهم سيختفون خلف الحصانات التي يتمتعون بها، سواء اكانت قانونية، سياسية، حزبية ام عشائرية، وبما يمتلكون من امتيازات خاصة جدا ونفوذ مالي رهيب يقف حائلا دون سوقهم الى قاعة المحكمةَ؟! لأننا نرى اليوم بعض هؤلاء أو من يمثلونهم من افراد عوائلهم، اعضاء في البرلمان وفي مواقع أدارية وأمنية وعسكرية مهمة؛ بل الانكى من ذلك، أن بعضهم اصبح لديه الان كما كان سابقا عناصر مسلحة يحيطون به، لكن تستلم اجورها الان بالدولار بعد أن كانت تقبض بالدينار العراقي، وها نحن نرى كيف بدأت المحكمة بالتستر حتى على ذكر اسمائهم ناهيك عن ذكر تفاصيل افعالهم المشينة والتي يرويها المشتكين. إن القيادة الكردية مطالبة اليوم برفع الحماية والحصانة عن هؤلاء، ليس بقصد محاسبتهم او معاقبتهم، بعد أن أعفت عنهم، لأنه عمل ينافي القيم الكردية، على الرغم من انهم لم يقيمو في يوم من الايام وزنا لهذه القيم وتنكروا حتى للقيم العشائرية والقبلية التي هم يمثلونها، إنما لحثهم على إتخاذ موقف شهم في حياتهم ولو لمرة واحدة فقط، علهم يزيلون بها بعضا من شناعة وبشاعة الصفة والتسمية التي سوف تظل تلازمهم وتلازم نسلهم الاتي.
#كريم_بياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلم.. واليشماغ الكردي .. و.. الله اكبر
-
رسالة مفتوحة الى السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان
-
التوافق.. هذا ألبنيان ألمقيم على الثلج
-
يوم السقوط... احتلال مدينة محتلة
-
الذي يلعب دور البارزاني ينبغي ان لايكون ممثلا
-
الانسان هو أبخس الاشياء ثمنا في العراق
-
ابراهيم الجعفري: ليس في حياتي ان اتنازل للآخرين
-
عمارة يعقوبيان... نحن في زمن المسخ، القرود وحدها هي التي ترق
...
-
الفلم الكردي (أوان النرجس) يشارك في الدورة ال 56 لمهرجان برل
...
-
الرسوم الكاريكاتورية..بين حرية التعبير والحرية المسؤولة المت
...
المزيد.....
-
شتاء الخيام فصل يفاقم مأساة النازحين في غزة
-
رئيس هيئة الوقاية من التعذيب في تونس ينتقد تدهور الوضع في ال
...
-
هكذا تتعمد قوات الاحتلال إعدام الأطفال.. بلدة يعبد نموذجا!
-
المكتب الحكومي يطلق نداء استغاثة لإنقاذ النازحين في غزة
-
خامنئي: أمر الاعتقال بحق نتنياهو لا يكفي ويجب الحكم بالإعدام
...
-
سجون إسرائيل.. أمراض جلدية تصيب الأسرى
-
قصف وموت ودمار في غزة وشتاء على الأبواب.. ماذا سيحل بالنازحي
...
-
هيومن رايتس ووتش: ضربة إسرائيلية على لبنان بأسلحة أمريكية تم
...
-
الأمم المتحدة: من بين كل ثلاث نسوة.. سيدة واحدة تتعرض للعنف
...
-
وزير الخارجية الإيطالي: مذكرة اعتقال نتنياهو لا تقرب السلام
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|