|
نصرُ الله والعَصابُ المُزمن للفاشية الأصولية
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 11:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كيلا يتساهلَ أحدٌ بإحالة عنوان مقالي هذا ، إلى شبهة الإقتباس من خطاب الرئيس بوش ، حول ما أسماه بـ " الفاشيين الإسلاميين " ؛ أجدني أسارع من فوري بإحالة القاريء الكريم إلى ما سبق من كتاباتي في هذا المنبر ، الحرّ ، وفيها ما فيها من تشديدٍ على ربط مثال السيّد حسن نصر الله ، تحديداً ، بأنماط تفكير الفاشية الجديدة ، وسلوكياتها ، المُستلهمة في كل شيء سنن أسلافها غير الصالحين ؛ من أمثال هتلر وموسوليني وفرانكو .. وغيرهم . هؤلاء الأخيرون ، إن كان لا بدّ من الذكرى ، قد نقل كلّ منهم شعبه كارثة ً إثر كارثة ، نحو الهزيمة الكاملة مادياً وروحياً . إلا أنه على حدّ مقولة همنغواي ، الكاتب الأمريكي : " من الممكن هزيمة الإنسان ، ولكن من المستحيل قهره " . فلا غروَ إذاً ، أن تتناهض تلك الشعوب ، التي كانت مبتلاة بالفاشية ، من كبوتها مباشرة ً بعيْدَ الحرب العالمية الثانية ، فتبلسم جراحها وتستعيد عافيتها وحيويتها . وها هيَ اليوم ، كما في الأمس ، شعوبٌ حضارية متبرأة من كل ما يمتّ لأولئك الطغاة بصلة ، ومصرّة دوماً على تكريم ضحاياهم وتخليد ذكراهم ؛ والأهم ، العمل المثابر على ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية ، للحيلولة بين مجتمعاتها والأفكار العنصرية المعتنقة من لدن المجموعات المتطرفة ، القليلة العدد والتأثير .
هكذا هي صفات الأمم المتحضرة ، الساعية إلى رفاهية أبنائها وإعلاء شأنهم إقتصادياً وثقافياً ، قبل كل شيء . وحتى أبناء الغير ، أيضاً ، أتيحَ لهم الرعاية نفسها ، سواءً بسواء من أي سبيل قدموا أو مشربٍ أو مذهبٍ أو لون كانوا . ما من ريبٍِ ، أنّ أولئك القادمين من الدول الإسلامية إلى ذلك الغرب ، الأوروبيّ والأمريكيّ الشماليّ ، كانوا الأكثر إفادة من الغرباء الآخرين ؛ لما نعلمه عن بلادنا عموماً من ضيق حال وعسفٍ وجهل وتخلفٍ . كان على هذا الغرب ، أيضاً ، أن يتحملنا بصبر أيوب حتى عندما صرنا عبئاً عليه بمشاكلنا وحروبنا وأوبئتنا وطغاتنا ومحررينا . من جهتنا ، فكلّ ما يصيبنا من تبعات أخلاقنا وعاداتنا وأهوائنا وأنماط تفكيرنا ، نحيله للفور إلى " مؤامرات " ذلك الغرب نفسه . ثمّ إرتقى خطابنا درجة ً فدرجة ، في إنحطاطه المريع ، لكي نتهم الآن المجتمع الدولي بكونه عنصراً فاعلاً في التآمر ، الموسوم ؛ ولكي نشتمَ ، من ثمّ ، الأشقاءَ العرب وأهلنا في داخل الوطن الواحد : هكذا يتأرجح الخطابُ البهلوانُ ، الأخير ، لمحررنا السيّد حسن نصر الله ، بمناسبة إحتفاله بالنصر المؤزر على العدو الصهيوني . الخطابُ المزمنُ في عصابيته ـ كصاحبه المنصور بالله ـ وهوَ يهذي بإالإتهامات يميناً وشمالاً كـ " هدايا " للعيد المقترح . فبعد كل تلك الحملة التضامنية ، الشاملة معمورتنا ، تأييداً لموطن الأرز المواجه آلة الحرب الإسرائيلية المدمرة ؛ بدءاً بالحكومة اللبنانية ومروراً بالدول العربية وإنتهاءً بالدول الأجنبية ، إذا بسيّد المقاومة هذا ، يقول بلهجة ناكر الجميل ، اللئيمة ، مخاطباً جماهيره : " في ظل تخلّ عالمي وعربي عنكم ، وفي ظل إنقسام سياسيّ من حولكم " . سأوفرُ هنا على القاريء الكريم إشاراتَ التعجب ، اللازمة .
لن نجادلَ سماحة سيّد المقاومة هذا ، في صواب أو بطلان إدعاء النصر . ما يهمنا في هذا المقام ، المنذور لخطابه المنتصر ، هوَ مقاربة بعض الأفكار الواردة فيه والمفصحة ، ككل خطاباته السابقة ، عن ذلك النمط ، الموصوف آنفاً ، للفاشيّ الأصوليّ قائداً كانَ أم داعية ً أم مريداً . سلوكُ هذا النمط من المخلوقات ، خصوصاً إذا كان من مراتب الزعماء ، مردودٌ دائماً لخطابه ؛ توقيتاً وأداءً وطريقة ومفرداتٍ .. الخ . ها نحنذا في إحدى ساحات " الضاحية الجنوبية " ، المنكوبة إثر ما يزيد على الشهر من القصف المتواصل براً وبحراً وجواً . مئات ألوف من البشر ، تتقاطر إلى تلك الساحة كيما يُثبتَ لها " المحررُ " أنه لا يختبيء في أحد الجحور ، كما كان يردده مسؤولو إسرائيل بشكل دائب . فحضور الزعيم ، شخصياً ، في نظر أتباعه ، هوَ دلالة بينة على ترسخ حضوره في وجدانهم ودواخلهم ، رهبة أم قناعة على السواء . هذا الجمهور التابع ، الذي يخاطبه حسن نصر الله بقوله : " يا أشرف الناس وأطهرهم " . فهوَ جمهورٌ " مختارٌ " ، كونه تبعَ أهل البيت ، أولاً ، ومن أهل المقاومة ، تالياً . هكذا جمهور ، ما كان له إلا أن يُقاد من زعيم يقود " حزباً إلهياً " ويحظى في كل مرة بما أسماه في خطابه الأخير بـ " نصر إلهيّ ". زعيمٌ منصورٌ ، يزعم بعض الأدعياء أنّ إسمه مكنى في الكتاب الكريم : " إذا جاء نصر الله والفتح " . كما لو أنّ هذا الإسم ، الإعتباطيّ ، سيظفر بتلك الكناية الكريمة ، وهوَ المُعَرّفُ أيضاً لعائلات لبنانية ، نصرانية ؟؟
مفردات الفاشيين ، متشابهة أيضاً . إنها تعوّل أبداً على التعريفات والدلالات ، الكامنة خلف معانيها والمفصحة عن عقيدة أصحابها . ففي خطاب السيّد نصر الله هذا ، يتعثر المرءُ بكلمات ، من قبيل : " إيمان ؛ يقين ؛ تضحية ؛ عقل ؛ تدريب ؛ تسليح ؛ مقاومة تقية ومدربة ومجهزة وضد الفوضى ؛ دولة قادرة وقوية ونظيفة ؛ حكومة جدية .. الخ " كلماتٌ مشحونة ، كيما تشحن بدورها جمهوراً منقاداً بسحر وقعها وكذا بسحر حضور الزعيم . كلماتٌ لامعة ، يكاد لا يجيدُ غيرها الزعيمُ الظلاميّ ، حال أنداده جميعاً من الطغاة ؛ من هتلر الجرماني إلى نجاد الإيراني . مفردات العنصرية والإبادة ، الموزعة بين أولئك الطغاة ، نعثر عليها بكل دوغمائيتها لدى سيّد المقاومة ، في خطابه المنصور : " بقرار صغير ، وبكل صدق ، العرب يستطيعون إسترداد فلسطين " . إذا كان هذا هو هدف " المقاومة الإسلامية " ، في جناحها اللبناني الذي يقوده حزب الله ، فلم إذاً كل تلك المنافقة المتواصلة منذ 12 تموز ، حول الأسرى اللبنانيين في سجون العدو الصهيوني ، التي جاءت عملية الحزب في الجنوب لتحريرهم ؟؟ ولمَ يتشدق نصر الله في خطابه بكون مقاومته : " نتيجة بسبب الإحتلال وإعتقال الأسرى وسلب المياه والإعتداء على السيادة اللبنانية " ؟؟ وهوَ في تحيته للنظام البعثي الأسدي / وإهانته بذلك لشعبه اللبناني وشعبنا السوري ، لمَ لا يطالبه العملَ على تحرير الجولان ، عبْرَ الجيش أو المخابرات أو أبي القعقاع المقاوم (!) ، ليقصرَ الطريق إلى فلسطين ؟؟ يقيناً ، أنّ خطاب حسن نصر وضعَ النقاط على الحروف . ومن حسناته ، القليلة على أي حال ، أنه كشف أهدافَ تلك الحرب ومن يقف وراءها والمستفيد منها ، إقليمياً . ومن آفات ذلك الخطاب ، تهديده لمكونات المجتمع اللبنانيّ بالحرب الأهلية ، الموعودة ، تناغماً مع الكلمة الشهيرة ، المفضوحة ، لـ " معلم " خارجية النظام البعثي . إنّ تشدق نصر الله ، بالقول : " المقاومة حمت لبنان من الحرب الأهلية " ، ما كان سوى إنذاراً للحكومة اللبنانية ، المتمتعة بالأغلبية النيابية ، في سعيه الصريح الفصيح للإنقلاب العسكريّ عليها ، بمعونة تلك القوى الإقليمية وأدواتها الداخلية : " الدولة العادلة تبدأ من حكومة جدية ، هذا مشروعنا الجدي الذي سنعمل له بكل قوة في المرحلة المقبلة " .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سليم بركات ؛ الملامحُ الفنيّة لرواياته الأولى
-
خيرُ أمّةٍ وأشرارُها
-
إعتذار بابا الفاتيكان ، عربياً
-
وليم إيغلتن ؛ مؤرخ الجمهورية الكردية الأولى
-
الثالوث غيرَ المقدّس
-
الحادي عشر من سبتمبر : خمسة أعوام من المعاناة
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 3 / 3
-
الأعلام العراقية والإعلام العربي
-
علم الكرديّ وحلمه
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 2 / 3
-
محفوظ ؛ مؤرخ مصر وضميرها
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 1 / 3
-
كردستان ، موطن الأنفال
-
ثقافة المقاومة أم ثقافة الطائفة ؟
-
المقاومة والمعارضة 2 / 2
-
المقاومة والمعارضة
-
الكوميديا السورية
-
إنتصار الظلامية والإستبداد ؟
-
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
-
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|