|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 86
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7326 - 2022 / 7 / 31 - 13:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لِلفُقَراءِ الَّذينَ أُحصِروا في سَبيلِ اللهِ لا يَستَطيعونَ ضَربًا فِي الأَرضِ يَحسَبُهُمُ الجاهِلُ أَغنِياءَ مِنَ التَعَفُّفِ تَعرِفُهُم بِسيماهُم لا يَسأَلونَ النّاسَ إِلحافًا وَّما تُنفِقوا مِن خَيرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَليمٌ (273) هنا منح أولوية في الإنفاق لشريحة من الفقراء، الا هم الذين آمنوا بالإسلام وتركوا دين قومهم ثم هاجروا إلى المدينة ولم يكن لهم مورد لسد احتياجاتهم للعيش، وليست لديهم إمكانية السفر للتجارة والكسب، أي الذين أغلقت أمامهم كل سبل العيش، ومع هذا فهم كرماء النفس ومتعففون، بحيث لا يطلبون المساعدة رغم حاجتهم الماسة، بل لا يبدون فقرهم لغيرهم، بحيث يظنهم الآخرون أغنياء، وكل ذلك (في سبيل الله)، حسب عقيدتهم، إذ آمنوا بأن تضحياتهم من أجل نصرة الدين الجديد، هو مما يرضي الله ويوجب لهم ثوابه من أجله. وهنا لا بد من تأكيد أن الإسلام، كما هو الحال مع أكثر الأديان يحصر الإنفاق والصدقة والزكاة في دائرة المؤمنين به، ولا يجيز ذلك لمن لم يؤمن به، لأن عدم الإيمان يعني عنده (الكفر)، والكافر إلم يستحق المقاتلة بسبب كفره، فهو على الأقل محرم عليه الإنفاق وكل ألوان العطاء، مع وجود ثمة تفسير أو تأويل واستنباط من المعتدلين، ممن يجيز ذلك لاعتبار ما. الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ سِرَّا وَّعَلانِيَةً فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ (274) والإنفاق هو من خير الأعمال الإنسانية، لأن المنفق يعطي من ماله، في الوقت الذي يستطيع أن يحتكره لنفسه، زيادة في طلب الرفاهية في الحياة، ولذا هو مما يستحق المديح والثواب، سواء أنفق في الليل أو النهار، في السر أو العلن، فكل من صورتي الإنفاق حسناته، السر، من أجل ألا تكون أعمال الخير رياءً ومباهاةً وطلبا للسمعة الحسنة والمديح بين الناس، والعلن، من أجل أن يحول الإنفاق وأعمال الخير إلى ظاهرة اجتماعية ويجعل من نفسه قدوة تقتدى. والإنفاق وعموم فعل الخير يكون أرقى إنسانية، بل وأكثر استحقاقا للثواب الإلهي، لو كان بدون النظر إلى دين ومذهب وقومية وعشيرة وقرابة من يتوجه إليه فعل الخير، ولكن الدين يضع معايير أخرى، فيحصر الإنفاق في دائرة المنتمين إلى نفس الدين، ثم تضيق الدائرة أكثر بجعل الأولوية للملتزمين (المتدينين)، بل ويحصرها البعض في دائرة المذهب. الَّذينَ يَأكُلونَ الرِّبا لا يَقومونَ إِلّا كَما يَقومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطانُ مِنَ المَسِّ ذالِكَ بِأَنَّهُم قالوا إِنَّمَا البَيعُ مِثلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَن جاءَهُ مَوعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمرُهُ إِلَى اللهِ وَمَن عادَ فَأُلائِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ (275) يَمحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُربِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثيمٍ (276) بلا شك إن المعاملة الربوية التي تقوم على أساس من الجشع واستغلال الغني للفقير أو المحتاج أو المدين المضطر، فيبالغ في رفع الفائدة الربوية، هو مما يدان ويستنكر ويستقبح. ولكن أغلب المتدينين في عصرنا، متبعين أغلب الفقهاء والمذاهب واتجاهات استنباط الأحكام الشرعية يطبقون ذلك على الفوائد المصرفية، سواء تلك التي يستحصلها الزبون المودع أمواله في المصارف، أو تلك التي عليه تسديدها كفوائد على القروض التي يستحصلها من المصارف، فهذه بكل تأكيد ليست معاملات ربوية، لأن المال المودع في البنك ليس مالا مجمدا بل يجري تشغيله، كما إن المال المقترض، فهو إن كان لغرض الاستثمار، فهو أيضا مال مُشَغَّل، وإذا كان لغرض الاقتناء، فبتسديد القرض تسديدا مؤجلا أو بالأقساط، يجعل المال المقترض يفقد من قيمته، لأنه جرى تجميده من المقرض، ثم يفقد من قوته الشرائية مع مرور الزمن. ومع هذا فإن المسلمين الملتزمين بأحكام الشريعة أصبحوا يتعاملون مع مصارف سميت بأنها إسلامية، وجعلت نفس المعاملات المصرفية التي تقوم بها المصارف بعناوين أخرى، ليكون لها غطاء شرعي. نرجع ونقول إن الربا بالمواصفات والشروط التي حددناها في البداية هو بالفعل عمل مستنكر وغير إنساني، مهما أعطيت له المبررات كقول هؤلاء آنذاك بأن الربا هو لون من ألوان المعاملات المالية حاله حال البيع والشراء. إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ (277) بعدما بينت الآيات السابقة مساوئ الربا وتوعدت مزاوليه الذين لم ينتهوا عنه بعد تحريمه بل الذين سيعودون لمزاولته بأنهم «أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ»، جاءت هذه الآية لتمتدح «الَّذينَ آمَنوا [بالإسلام وبمحمد] وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ [بما يعده الإسلام ومحمد من الصالحات] وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» لتعدهم بأن «لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ». ولكون الآية التالية ستعود إلى موضوع الربا، فيمكن فرض احتمالين، الأول أن هذه الآية جاءت في محلها ومناسبتها، كلون من المقابلة والمقارنة بين الربويين العائدين إلى مزاولة الربا رغم تحريمه، وهؤلاء المؤمنين المطيعين بالإيتاء بما أوجبه عليهم دينهم، والانتهاء عما حرمه عليهم، ولكن لا يستبعد أنها تمثل إحدى حالات القفز في المواضيع بمناسبة وبغير مناسبة، مما عودنا عليه القرآن.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 85
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 84
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 83
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 82
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 81
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 80
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 79
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 78
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 77
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 76
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 75
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 74
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 73
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 72
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 71
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 70
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 69
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 68
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 67
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 66
المزيد.....
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|