لماذا الخوف من دولة كردية!
جان كورد / ألمانيا/ 2003
" إجماع علماء الأمة على أن الغصب حرام وأن الغصب ظلم وأن قتال الغاصب فرض عيني أو كفاية حسب إمكانية رد ظلم الغاصب وإذا كان الغاصب الأصل هو الاستعمار الذي قسّم كوردستان فلا يجوز لمن يدّعون الإسلام أن يستمرّوا في تنفيذ هذا الغصب..."
( الدكتور الفلسطيني حمدي مراد في مقابلة مع الشيخ عمر غريب– كردستان المجاهدة، العدد 2، ، باكستان عام 1992)
منذ أن تشكلت عصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة إنضم إليها عدد كبير من الدول المستقلة، وزاد العدد سنوياً بحيث وصل إلى مائتي دولة أو أكثر، وذلك حسب مبدأ التمتع بحق تقرير المصير الدولي المعترف به من قبل كل الدول العضوة في هذه المنظمة الدولية، إلا الأمة الكردية وبعض الأقوام الأخرى السيئة الحظ في شتى أنحاء العالم، وذلك لأسباب عديدة منها ذاتية ومنها ما يتعلق بالمحيط العدواني الذي تعيش ضمنه هذه الأمة التي يزيد عدد أفرادها عن (35) مليون إنسان حسب أقل التقديرات وتتوزع على مساحة واسعة شاسعة من الأرض المتصلة التي عرفت تاريخياً بإسم كوردستان (وطن الكرد)، وتم تقسيمها من قبل الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الفارسية قبل قرون في عام 1639م ومن ثم تجزئتنها من قبل الاستعمار الانجلوفرنسي أثناء الحرب العالمية الأولى بمعاهدة سايكس – بيكو الجائرة عام 1916 التي عقدت حسب مصالح الدول الاستعمارية وعلى حساب شعوب المنطقة ومن أجل إذلالها وإخضاعها وابتزاز خيراتها.. من هذه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولها سيادة واستقلال من يقل عدد سكانها عن سكان كوردستان بكثير ومنها من يحلم بامتلاك مثل هذه الرقعة الجغرافية المتنوعة التضاريس والمناخ والتي يكثر فيها الماء والكلأ والخيرات الطبيعية والثروات البترولية والمعدنية العظيمة، بل هناك عدة دول لو تم ضمها في دولة واحدة لرأيتها أصغر من كوردستان وأقل منها سكاناً.
لايختلف اثنان يمتلكان عقلاً على أن لهذه الأمة حق في تقرير مصيرها حسب الشرع الإلهي وحسب شريعة الأمم المتحدة الوضعية، وهذا ما نجده عند كثيرين من المفكرين والسياسيين المتنورين من مختلف أنحاء العالم ومن كل الاتجاهات الفكرية الذين يؤكدون أنه بحسب الشريعة السماوية ومبادىء الأمم المتحدة يحق للأمة الكردية التمتع بحقها في تقرير المصير، ومنهم من أكد على أن تقسيم وتجزئة واحتلال الأرض الكردية غصب وظلم وإجحاف ، كله مرفوض تماماً حسب الشرع الرباني وحسب القانون الدولي وحقوق الشعوب...ومن هؤلاء عرب وأتراك وفرس وأوربيون وأمريكان، يهود ونصارى ومسلمون ومن أديان أخرى، شيوعيون وديموقراطيون وقوميون.. ونخص بالذكر أبناء وبنات الأمم التي تتحكم حكوماتها برقاب الأمة الكردية المظلومة وتمنعها بالقوة والإكراه من تحقيق وحدتها على أراضيها والتمتع باستقلالها وسيادتها الوطنية المنتهكة بصورة فظة وجائرة من قبل الاستعمار الانجلوفرنسي في الربع الأول من القرن الماضي.
من دول العالم وأممها من حصل على حقه في الاستقلال الوطني بطرد المستعمرين بصورة سلمية كما حصل في الهند بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها من أضطر لخوض حرب تحرير طويلة الأمد ولعقود طويلة ضد المستعمرين كما حدث في الجزائر والفيتنام، ومنها ما وصل إلى حقه بسبب الخلافات الدينية كما هو حال الباكستان الذي انفصل عن الهند لأسباب دينية، ومنها حقق وحدته الوطنية وإستقلاله بمساعدة المستعمرين أنفسهم كما حصل للعربية السعودية التي تضافرت مع الانجليز المسيحيين ضد العثمانيين المسلمين، في حين وقف الكرد مع العرب المسلمين في العراق ضد الانجليز الذين شكلوا دولة العراق على حساب الكرد بضم لواء الموصل (كردستان العراق) إليه، فخرج الكرد بخفي حنين، ومنهم من تنازل للمستعمرين وقبل بكل شروطهم القاسية مقابل التمتع بحق تقرير المصير كما فعلت تركيا الحديثة التي قامت على أنقاض الدولة العثمانية (الرجل المريض) بعد أن غدر أتاتورك بالكرد من خلال استغلال عواطفهم الدينية (وحدة الوطن والدين) وقبل بمعاهدة لوزان عام 1923م ليحتفظ بذلك بما يسمى تركيا اليوم ويتخلى عن كل الأراضي الخاضعة للدولة العثمانية.. ومن هذه الدول ما تشكل نتيجة انهيار الامبراطورية الشيوعية كما هو حال دول آسيا الوسطى اليوم أو دول البلطيق ومنها استونيا وليتوانيا وليتلاند... ومنها من تشكل نتيجة إنفاك اتحاد فيدرالي كما هو حال تشيكوسلوفاكيا التي انشطرت بالتراضي إلى دولتين تمكنتا بسرعة من عقد اتفاق جديد يحفظ لكل من الطرفين كياناً مستقلاً وسيادة وطنية على أسس الجوار والتعاون والتقارب بدل الحرب والدمار والحقد القومي.. ومن هذه الدول من إستعان بحلف الناتو للوصول إلى حريته كما هو حال البوسنة والهرسك وكوسوفو وكرواتيا وسلوفينيا وتيمور الشرقية ومكدونيا.. ومنها من على طريق التمتع بحق إقامة دولة عن طريق التفاوض والسلام بعد عقود طويلة من الحرب والاقتتال الدموي والتشريد والقمع كما هو حال الشعب الفلسطيني اليوم.
الظروف الدولية والمصالح الاستعمارية للدول الكبرى والعقود النفطية التي يسيل لها لعاب القوى العظمى في العالم كانت وراء منع الأمة الكردية من الحصول على حقوقها القومية على أساس مبدأ حق تقرير المصير، فالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي المنحل اللذين شكلا قطبي العالم في مرحلة الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية واستمرت حتى انهيار الاتحاد السوفياتي كانا يختلفان على كثير من الموضوعات وبخاصة في الشرق الأوسط ولكنهما كانا متفقين على رفض "الدولة الكردية" ليس بسبب عدم شرعية مثل هذه الدولة في القانون الدولي أو بسبب وجود مادة أو قرار دولي من الأمم المتحدة يمنع قيامها ، وإنما لأنهما كانا يتمتعان بعلاقات استراتيجية متينة ومصالح مشتركة كبيرة مع الدول التي لا تزال تقتسم أرض الكرد، ومن هذه الدول (تركيا) التي لا تزال عضواً في حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن رغم الشروخ الكبيرة التي حدثت فيه بسبب حربها على نظام صدام حسين البائد.
وكانت الولايات المتحدة تستخدم الأراضي التركية والإيرانية لتشديد الطوق الحديدي والرقابة على الاتحاد السوفياتي وكقوتين عسكريتين كبيرتين من الجنوب لعزل الاتحاد السوفيتي ومنعه من احتلال الخليج ومضيق هرمز وبحر إيجة وهي نقاط حساسة في المناطق التي طالما كانت تحلم الامبراطورية الروسية بالوصول إليها زمناً طويلا نظراً لأهميتها الاستراتيجية، إلى أن سقط النظام الشاهنشاهي تحت وطأة الثورة الشعبية التي سيطر على قيادتها علماء الشيعة بحيث تم نقل إيران من خندق الخدمة للولايات المتحدة إلى موقع معاكس تماماً وإلى تعريض المصالح البترولية والاستراتيجية الأمريكية للخطر وتحويل إيران إلى قاعدة لتصدير الثورة الشيعية باتجاه الغرب لتصل إلى حدود اسرائيل التي تعتبر الولايات المتحدة أمنها من أمن أمريكا .. وبالنسبة إلى تركيا فإنها تحولت منذ وصول حزب العدالة والتنمية ذي الاصول الإسلامية من تابع خدوم مطيع إلى شريك مشاكس ومتعنت في مواقفه، وصل به الأمر إلى منع القوات الأمريكية من المرور في أراضيها للتحرك صوب العراق وتشكيل جبهة شمالية لشن الحرب على نظام بغداد دون دفع أتاوة كبيرة جداً، وهذا ما لم يتوقعه أحد في أمريكا، وصدم الكثيرين من الساسة الأمريكان وأغضبهم ونجم عن ذلك ما يمكن اعتباره "نتائج وخيمة" بالنسبة لتركيا مستقبلاً.
وهكذا نجد أن ظروفاً دولية معينة عرقلت كل جهود الكرد من أجل التمتع بحق تقرير المصير، رغم كل التضحيات الكبيرة والبسالة العظيمة لقادتهم في ميادين القتال والنضال السياسي من أمثال الشيخ سعيد بيران والشيخ محمود الحفيد وسمكو آغا والجنرال إحسان نوري باشا والشيخ سيد رضا والعائلة البدرخانية والشيخ أحمد البارزاني والقاضي محمد والبارزاني مصطفى والدكتور عبد الرحمن قاسملو وغيرهم ممن قدموا حياتهم رخيصة على مذبح الوطن أو قضوا نحبهم منهكين بجراح الخيانة التي أحدثها في نفوسهم تجار السياسة الدوليين.. فلقد وقف الانجليز مع الحكومة المركزية العراقية لضرب ثورة الشيخ محمود الحفيد الذي أعلن نفسه ملكاً لكوردستان وطالب باستقلال بلاده، ووقف الفرنسيون مع مصطفى كمال التركي ضد الشيخ سعيد بيران الذي طال بدولة كردية وبعودة الخلافة الإسلامية، وخان الروس القاضي محمد (الرئيس الشهيد) بعد أن وعدوه بدعمه حين أعلن جمهورية كوردستان في مهاباد بكردستان الشرقية، كما وقفوا مع النظام العراقي ضد ثورة الشعب الكردي في كوردستان الجنوبي بقيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني ورئيسه الخالد البارزاني مصطفى، وخانه الأمريكان الذين وعدوه بالدعم وتنكروا له وساهموا في عقد اتفاقية الجزائر المشؤومة عام 1975م بين الشاه الإيراني المخلوع عام 1979م وصدام حسين الذي دارت عليه الدوائر كالشاه الإيراني ولاندري حتى ساعة كتابة هذا المقال ماحدث له أثناء وبعد حرب الخليج الثالثة.. ولانعلم هل سيتعرض الكرد هذه المرة إلى خيانة أم سيينجون منها، فالمصالح الكبيرة للأمم القوية تجر البلاء للأمم الضعيفة وقد تسحقها أحياناً كما حدث لشعوب عديدة في العالم..
طبعاً هناك أسباب ذاتية تتعلق بالتكوينات الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية للأمة الكردية والموانع الطبيعية من جبال شاهقة وأنهار عظيمة وحدود سياسية تمزيقية لقدراتها المختلفة، ما أثر باستمرار على شكل القيادات التي تقود حركة التحرر الوطني الكردستانية وعرقل نضوجها وتوحدها في بوتقة واحدة، وساهم في نمط تفكيرها وأساليب طرحها للقضية الكردية، اقليمياً وعلى مستوى كوردستاني، وهذا ما قاد إلى انتكاسات وهزائم مريرة وحروب داخلية بين أجنحة وفصائل هذه الحركة.. إلا أن هذه الاسباب لم تكن بقوة الموانع التي وضعتها القوىالكبرى أمام الأمة الكردية، والشراسة التي كافحت بها الدول التي تقتسم كوردستان حركة الكرد الوطنية العادلة وتعاونها المستمر فيما بينها لضرب هذه الطموحات الكردية وتفتيت قوى الأمة الكردية، وها هي تركيا تركض إلى مختلف عواصم الشرق الأوسط لتحذر من "خطر كردي داهم" ولتتخذ موضوع "الفيدرالية الكردية في العراق" ذريعة لاقتطاع الجزء الكردي من العراق..
والسؤال الذي يطرحه كثيرون: هل هناك فعلاً خطر كردي؟ والجواب بسيط: الخطر الوحيد هو أن توحّد الكرد وإقامتهم لدولتهم في المنطقة سيعيد تركيا إلى الحجم الحقيقي الذي عليه القوم التركي، فذلك سيساهم في أن ينفصل عنها لواء الاسكندرونة الذي تطالب به سوريا بعض الحين والآخر، وإذا ما انفصل أكراد إيران عنها فإن العرب في عربستان (الأهواز) سيتمكنون أيضاً من تحقيق انفصالهم عن ايران وهناك قوميات أخرى كالبلوج والآذريين تطمح أيضاً لتحقيق انفصالها وتوحيد شعوبها، مما سيقلّص من حجم الدولة الفارسية القائمة على إخضاع الشعوب القاطنة في ايران.. وما عدا ذلك ليس هناك من خطر على أحد.. فالكرد لن يؤسسوا دولة فاشية أو نازية تعتدي على جيرانها، وسينضمون حال استقلالهم إلى المنظمات الدولية التي تلزمهم بمراعاة حقوق الجيران والتبادل التجاري والمصالح المشتركة، وستكون للكرد أيضاً معاهدات مع الدول المجاورة ثنائية أو في إطار تحالفات شرق أوسطية مستقبلية إن رضي جيرانهم بذلك.. فلماذا الخوف من دولة كردية في حين لايخاف بعضهم من دولة إسرائيلية إلى جانب دولة فلسطينية وبين دول عربية؟ ولقد أثبت الكرد بأنهم يسيرون على طريق الديموقراطية والفيدرالية والتعددية والجوار الحسن، كما هو حالهم الآن في العراق، حيث اختاروا القاء ضمن إطار عراق موحد ديموقراطي فيدرالي، مع عدم التنكر لحقهم المشروع في تقرير المصير أي حق الوحدة الكردستانية واستقلال كوردستان، وعدم تنكرهم لحق العراقيين في الوحدة مع إخوتهم العرب ضمن دولة اتحادية عربية فيدرالية لاتضيع فيها حقوق الأقليات القومية والدينية..
الخوف من دولة كردية هو خوف تركي، بل مرض الأتراك النفسي، فكيف يحق لتركيا تكوين دويلة تركية في شمال جزيرة قبرص بالقوة والحرب ولاتعترف بها حتى الآن سوى تركيا وحدها، وترفض ذلك الحق لأكثر من عشرين مليون كردي في كردستان الشمالي الذي يكاد يشكل نصف البلاد التي تسمى بتركيا؟ كيف يحاول الأتراك التدخل بكل السبل في شؤون العراق الداخلية بحجة حماية التركمان من الأكراد وتطالب لهم بحكم ذاتي وترفض الحق نفسه للأكراد الذين يشكلّون القومية الثانية بعد العرب في العراق؟! فهل يقبل العالم المتمدن وغير المتمدن هذه الازدواجية بعد اليوم وقد كشف الأتراك عن حقيقتهم العنصرية الشوفينية المعادية لكل ما هو كردي حتى لدرجة التضحية بمصالحهم الحيوية مع أكبر دولة في العالم من أجل أن لاتقوم للكرد دولة أو حتى فيدرالية ضمن إطار الدولة العراقية؟
القيادات الكردية ترسل رسائل واضحة لا لبس فيها ولاغموض ، كما أوضح ذلك رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني الأخ مسعود البارزاني يوم 26 نيسان 2003 عبر قناة " العربية " بأن للأمة الكردية حق في دولة على غرار شعوب العالم الأخرى ولكن مطالب الكرد العراقيين محددة بفيدرالية ضمن إطار العراق الموّحد، كما تطرق إلى هذا من قبل عبر القناة نفسها الأستاذ جلال الطالباني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني الذي لم يدع مجال شبهة في هذا الموضوع أو في أي موضوع آخر يتعلق بالكرد..وأعتقد بأن الخوف من دولة كردية قد تبدد في الأوساط العربية إلى حد كبير رغم أنه يحفر أخدوداً عميقاً وكبيراً في نفس السياسيين الأتراك وجنرالاتهم الطورانيين الذين يلاحقهم "الحلم الكردي" ليل نهار.. وعن طريق الفيدرالية الكردية في العراق سيتحقق مزيد من التآخي العربي الكردي والسلام بين الشعبين مستقبلاً، بدل الحروب والخصام والعداء لعقود من الزمن، كما نفهم من "مشروع دستور الجمهورية العراقية الفيدرالية" المطروح من قبل الأكراد للمناقشة في العراق..
وحتى إذا تكونت دولة كردية فإنها لن تقدر على البقاء والاستمرار دون تعاون بينها وبينها دول الجوار، على الرغم من التنوع الكبير في ثروات كوردستان واتساع أراضيها وقوتها البشرية، فلماذا الخوف ممن يصر على العيش المشترك مع شعوب المنطقة ويمد يديه للسلام والتلاقي والتآخي، فكوردستان الموحدة ستكون أيضاً من النسيج الحضاري والتشابك الاقتصادي لشعوب المنطقة، ومن خلال معاهدات للتعاون والسلام وبالحوار يمكن حل كل المشاكل التي قد تنجم عن تكوين مثل هذه الدولة التي لايعمل الكرد لها حالياً لأسباب عديدة .. وما نسمعه من "مخاوف تركية" ليس إلا من باب ذرع القلق والاضطراب والخوف في صدر شعوب ودول المنطقة وتصوير الكرد على أنهم غزاة برابرة أو وحوش مدمرة على غرار آباء وأجداد الترك التتار والمغول الذين غزوا المنطقة قبل قرون مضت فدمرّوا وحرقوا وقتلوا ونهبوا وسرقوا واحتلوا أراضي الآخرين ليبنوا عليها وجودهم الطوراني الاستعماري وتوسيع البلاد التي احتلوها من خلال التهجير والذبح والحروب الدموية لقرون طويلة على حساب اليونان والأرمن والعرب والكرد والبلغار والفرس وغيرهم، وتحت رداء الإسلام البريء..إنه خوف مصطنع بهدف استمالة العرب والفرس إلى صفوفهم وتسخير قواهم لضرب الكرد لأنهم غير قادرين حقاً على إلحاق الهزيمة بالكرد وحدهم وهم يدركون ذلك جيداً، وبخاصة فإن سيدهم الأمريكي ليس مستعداً للتضحية بكل مصالحه في المنطقة من أجل سواد عيون تركيا التي خذلته عند اقتضاء الحاجة..
وأستغرب للإخوة العرب الذين يجهدون ويجاهدون ليل نهار من أجل أن يتمتع الشعب الفلسطيني بحقه المشروع في تقرير المصير وينكرون ذلك على الشعب الكردي الذي يفوق الشعب الفلسطيني عدداً وبلاده أوسع من فلسطين وعدة دول عربية مجتمعة.. وكيف ينسى هؤلاء المخاوف الإسرائيلية التي لايزال يطلقها بعض الصقور في تل أبيب من قيام دولة فلسطينية إلى جانب الدولة العبرية وينخدعون بالدعوات التركية الباطلة فيما يخص الكرد وكوردستان؟!
الدولة الكردية الصديقة والجارة للعرب والفرس والترك قادمة بلا شك ويمكن تحقيقها بقدر ما يتمكن الكرد من توحيد قواهم وتحديد أهدافهم جيداً، سواء قبل العنصريون بها أم لم يقبلوا فكل الدلائل تشير إلى أن الأمة الكردية قد نهضت من سباتها وليس هناك أي مانع قانوني دولي أمام طموحها القومي المشروع، والظروف الدولية الحالية ملائمة لقيام مثل هذه الدولة إن طالب الكرد بها وعملوا لها.. فحل القضية الكردية في العراق لايعني انتهاء القضية الكردية في الأجزاء الأخرى من كوردستان أو زوالها من الأجندة السياسية للمنطقة، وإذا كانت الحركة الكردية في العراق تطالب بفيدرالية حسب ظروفها الذاتية والموضوعية وبحكم الواقع ، فهذا لايعني أن الكرد في كردستان الشمالي مثلاً لن يطالبوا بدولة كردية.. لذا فإن المشروع الكردي لم يكتمل بعد، بل هو على الطريق ليكتمل كمشروع سياسي لكل الأمة الكردية، وهذا مرتبط باستراتيجية الحركة الوطنية الكردستانية التي ستفرزها المرحلة القادمة حسب اعتقادنا..