أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - الإنسان والتاريخ عند ماركس















المزيد.....



الإنسان والتاريخ عند ماركس


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 7319 - 2022 / 7 / 24 - 11:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



الفيلسوف كارل ماركس كان أول من أعطى لعموم الحركة العمالية وبالتالي للإنسانية جمعاء فلسفة ثورية علمية لتغيير النظام الراسمالي وازالة كل اشكال الاستغلال الطبقي وبناء المجتمع الاشتراكي او مجتمع المستقبل للانسانية جمعاء.. لذلك على كل حركات اليسار الماركسي العالمي عموما والعربي خصوصا ان يدركوا جيدا أن نظرية ماركس ليس بمستطاع احد ان يتجاوزها شرط ان نستوعب جيدا ايضا ان فهم ماركس للعالم- كما اكد رفيقه انجلز- "ليس مذهباً.. وإنما هو منهج. فهو لا يعطي عقيدة جامدة. وإنما يقدم نقاط انطلاق لبحث ما هو آت ". وكما اكد لينين من بعده على أن : "الماركسية ليست نموذجاً نظرياً للكون, وليست رسماً تخطيطياً ملزماً للجميع, وإنما هي طريقة وأسلوب لإدراك كل ما هو موجود في حركته وتغيره".
وإذا كنا نسلم بأن الحركة الشيوعية العالمية تعيش اليوم أزمتها . ترى ما هي طبيعة هذه الأزمة؟ هل هي من أمراض الموت؟ أم من أمراض النمو؟ يجيب المناضل الراحل نبيل الهلالي بقوله :في تقديرنا أن أزمة الاشتراكية من أمراض النمو, لأن النظام الاشتراكي العالمي بحسابات التاريخ لا يزال حديث الولادة, بالمقارنة بالنظام الرأسمالي العالمي الذي احتاج أربعة قرون لتثبيت أقدامـه على أرض الواقع. لذلك ليس شاذاً أن يتعرض النظام الاشتراكي العالمي لأزمة نمو بعد انقضاء 70 عاماً فقط على تأسيس أول دولة اشتراكية في التاريخ. وليس نشازاَ في عرف التاريخ أن تنتكس الثورة الاشتراكية، لأن الثورات الاجتماعية عمليات طويلة معقدة مركبة، والتطور الاجتماعي لا يسير في اتجاه واحد. ولم يعرف تاريخ البشرية حتى الآن ثورة اجتماعية واحدة محصنة ضد الارتداد. فالثورة البرجوازية في فرنسا ارتدت أكثر من مرة واحتاجت إلى ثلاث ثورات متوالية لتحقيق انتصارها النهائي على الإقطاع.الثورات الاجتماعية كالبحار يحكمها قانون المد والجزر, ومهما اشتد أو امتد الجزر, فهو لا يعني نضوب مياه البحر. ولذلك فإن إخفاق النموذج السوفيتي للاشتراكية لا يبرر الشطب بالقلم الأحمر على الماركسية اللينينية. تماماً كما أن موت المريض داخل غرفة للعمليات بسبب خطأ الجراح لا يبرر إلغاء علم الجراحة.
بالأمس البعيد هللت الرأسمالية العالمية يوم سحقت كوميونة باريس, غير أن ماركس رد على زعمهم بمقولة صادقة, قال ماركس " أن مبادئ كوميونة باريس خالدة, فلا يمكن القضاء عليها. إنها سوف تعلن عن نفسها من جديد, ومن جديد ما دامت الطبقة العاملة لم تتوصل بعد إلى تحررها". ولكن بفعل قسوة الصدمة, أو بدافع من الانتهازية والوصولية, هناك من غرق في الإحباط وهناك من فقد الاتجاه, وهناك من تنصل من ماضيه, وهناك من هجر الماركسية, وهناك من هرول إلى الخندق الليبرالي المضاد.
لكن يخطئ كل الخطأ من يعتبر الماركسية قد اندثرت, كما يخطئ كل الخطأ من يحكم على مستقبل الاشتراكية على ضوء حاضرها المأزوم، وسوف تثبت الأيام أن عاجلاً أو آجلاً, أن أزمة الماركسية مجرد لحظة عابرة في تاريخ البشرية.
حقاً إن الأوضاع والظروف السائدة، لا تبشر بفرص ثورية في الأمد المنظور، ولكن هاهي وقائع الحياة تؤكد لنا أن هناك أسساً موضوعية لإعادة بناء حركة معادية للرأسمالية على النطاق العالمي. وأن هناك إمكانيات واقعية لتحقيق مكاسب جزئية متزايدة في عملية طويلة معقدة عبر مراحل وسيطة متعددة.
وكما قال بحق الفيلسوف الفرنسي غير الماركسي جان بول سارتر فإن "الماركسية غير قابلة للتجاوز لأن الظروف التي ولدتها لم يتم تجاوزها بعد" ولا زالت البشرية في عالمنا اليوم تعاني من: التفاوت الطبقي, الاستغلال الطبقي, القهر الطبقي, ولم يحدث في تاريخ البشرية أن بلغ الاستغلال والقهر الاجتماعي والإفقار المستوى الذي وصل إليه اليوم، وهو يزداد تعمقاً بفعل العولمة ويصبح تناقضاً بين الرأسمال الدولي والطبقة العاملة العالمية، والماركسية هي النظرية العلمية الوحيدة القادرة على مساعدة البشرية في حل هذا التناقض وإرشاد البشرية في كفاحها للخلاص من الاستغلال الرأسمالي.إن الاشتراكية اليوم ضرورة حتمية لاستمرار الحضارة البشرية، وضمان لا غنى عنه لبقاء الجنس البشري.
لذلك فان المطلوب ماركسية عصرية عبر تجديدها وتطويرها على ضوء الواقع المعاصر بحيث تستجيب لمتطلبات الزمن الذي نعيش فيه، ولكي لا تكون الدعوة للتجديد صيحة حق يراد بها باطل ولكي نضمن أن يأتي التجديد: تطويراً في الماركسية لا تطويحاً بالماركسية, وإغناء للماركسية لا استغناء عن الماركسية واجتهاداً في الماركسية لا ارتدادا عن الماركسية.
أقدم فيما يلي هذه الدراسة الهامة للمفكر التقدمي السوري الراحل د.حامد خليل وهي بعنوان" الانسان والتاريخ عند ماركس "[1]:
1- الاطار الاجتماعي لفكر ماركس:
القرن التاسع عشر كان عصر الامتحان الكبير لفكر مفكري البورجوازية التي انتصرت نهائياً في كافة أقطار أوربا على وجه التقريب.
فبعد أن دخلت مرحلة الاستقرار، لم يعد يقف في طريقها ما يحول دون ترجمة أفكارها التي كانت تحملها للإنسانية إلى أفعال ، فماذا كانت نتيجة الامتحان بالنسبة إلى ماركس؟
لقد كان ماركس في وضع يسمح له بالإجابة عن هذا السؤال، فهو لم يكن ألمانياً بقدر ما كان فرنسياً وانجليزياً، وفي نهاية المطاف مواطنا عالمياً .
والحق أن تلك الميزة لم تتحقق لغيره من الفلاسفة، ولذلك كان أكثرهم أصالة، وأعمقهم إبداعاً.
والذي أعنيه بذلك هو ان "ماركس" لم تكن تقتصر معايشته على واقع محدد بالذات، كواقع ألمانيا على سبيل المثال ، حتى تكون أفكاره محكومة به وحده، وصدى له من دون سواه، مثلما كان يحدث ع الفلاسفة السابقين من أفلاطون حتى هيجل، وإنما كانت تلك المعايشة من الاتساع، بحيث يمكننا القول إنها شلت واقع حياة العالم كله، قديمة وحديثة.
فمن جهة كان ماركس قارئاً نهماً للتاريخ ، اكسبته تلك القراءة خبرة عميقة بواقع حياة القدماء أسهمت بدورها في كشفه الكبير حول القوانين الاساسية للتطور الاجتماعي ، أو قوانين تكون الإنسان عبر التاريخ[2].
ومن جهة أخرى ، فان تنقل ماركس من بلد أوربي إلى آخر لا كسائح ، وإنما كباحث وثوري وصاحب قضية، أدى إلى أن تكون الساحة الاجتماعية الأوربية كلها ميدان تجربته، ولا شك ان ذلك سيكون له تأثيره الشديد على إحداث نقلة كبيرة في فكره من النطاق المحلي إلى نطاق أكثر اتساعاً وشمولاً، هو النطاق العالمي، أو نطاق الإنسان بما هو كذلك، وهو الأمر الذي لم يتحقق لفيلسوف غيره من قبل.
لقد قرأ أثناء إقامته في باريس أفكار الثورة الفرنسية الإنسانية، لا كأفكار نظرية مدونة في كتب فلاسفتها فحسب، وإنما كأفكار – قوى تتحقق الآن على الأرض، فأدرك بعمق كيف تصبح الفكرة الإنسانية وسيلة قهر وتدمير للإنسان، وتتحول إلى نقيضها حين لا تقترن بشروط تحققها المادية والاجتماعية والإنسانية.
ولتوضيح ذلك دعنا نمثل له بفكرة الحرية، ان الإنسان الذي يفترض أن الحرية هي الشرط الاساسي لارتقائه وتفتح قواه العقلية وإبداعه، سوف يكون تابعاً باسمها لانسان آخر إذا لم تقترن برط تحققها المادي، الذي هو المساواة بين الناس في كافة الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية
فإذا كان أحد يملك أكثر مما يستطيع تشغيله بنفسه، بينما لا يملك الثاني شيئاً، فان تبعية هذا الاخير للأول ستكون محتمة ، وباسم الحرية ذاتها، حرية أن تَستَخِدم وحرية أن تُستَخدَم  ولا يقل عن ذلك أهمية اقتران الحرية بشرط تحققها الاجتماعي ، لئلا تصبح وسيلة تدميرية للإنسان، عوضاً عن أن تكون شرطاً لارتقائه.
فحين لا يكون بناء مجتمع متقدم شرطاً أساسياً لتحقق الحرية تحقيقاً فعلياً، فلا يوجد ما يمنع عندها المقتدرين من الناس من أن ينتجوا ويبنوا ويمارسوا، باسم الحرية ذاتها، ما يؤدي إلى انحدار المجتمع، وبالتالي انحدار الإنسان، كالمخدرات، والسلع الاستهلاكية، وأوكار الدعارة، وتجارة الاجساد البشرية، وما إلى ذلك.
أما عن الشرط الإنساني، فان عدم اقتران فكرة الحرية به أعطى الفرصة لنابليون على سبيل المثال ليغزو معظم أنحاء أوربا، ومناطق أخرى من العالم ، وللاوربيين الآخرين لكي يستعمروا دول العالم الثالث، وللصهيونية لكي تقتلع شعباً بأسره من أرضه، ولتجار الرقيق ودعاة التمييز العنصري فيما ارتكبوه من جرائم إنسانية، وكل ذلك باسم الحرية. ولا اعتقد أن الامر يستدعي المزيد من التوضيح اكثر من ذلك. [3]
وفي باريس أيضاً ، اطلع ماركس على تجربة المعارك التي خاضتها القوى التي اكتشفت أن تلك الافكار "الإنسانية" التي حملتها الثورة الفرنسية لم تكن سوى قناع للامعان في تكريس تبعيتها وقهرها واستغلالها من قبل قوى جديدة حلت محل القوى القديمة، ووسيلة لتحقيق مصالح طبقة معينة بالذات على حساب تلك الجموع التي كانت وقود الثورة المذكورة.
وقد تعلم من تلك التجربة ومن تجارب أخرى ماثلة (الحركة الشارتية 1838 – 1842 في انجلترا، وثورة عمال النسيج في سيليزيا، وعمال مصانع بوهم في ألمانيا عام 1844) أن الافكار ليست في واقع الامر سوى ترجمة عملية أو تلخيص لمصالح طبقية معينة ، وأن المطلوب هو قلب جذري للبناء الاجتماعي القائم، وتحويله إلى بناء انساني حقيقي، وأن الطبقة التي تعيش بجهدها الخاص وعملها هي وحدها التي يكون تحريرها تحريراً للإنسان بما هو كذلك.
كذلك اطلع في باريس على أفكار الاشتراكيين الفرنسيين؛ أمثال برودون وسان سيمون وفورييه وغيرهم، وقرأ مؤلفاتهم ، فتبين له أن مسألة تحرير الإنسان ليست مسألة أخلاقية، وإنما تخضع لقوانين علمية موضوعية وذاتية يتعين على كل من يسعى إلى التحرر اكتشافها، والقتال من أجل وضعها موضع التنفيذ.
وفي باريس وانجلترا أيضاً، قرأ – بصحبة انجلز ومعونته- الافكار الاقتصادية الكلاسيكية، ورأى بأُم عينه كيف يتحول "العمل" بموجب تلك الافكار ، وعلى أرض الواقع ، من كونه قيمة إنسانية إلى بضاعة تباع وتشترى، ويتحول الإنسان حامل تلك القيمة، نتيجة لذلك ، من انسان يفترض ان العمل يحقق له انسانيته، إلى أداة تقتصر وظيفتها على تشغيل عجلة الانتاج الدائرة . [4]
على أن الأهم من ذلك كله ، هو ان "ماركس" نفذ إلى أعماق حياة الأوربيين، فاكتشف إلى أي حد أسهم الفكر والممارسة البورجوازيان في تشويه الإنسان، العامل والرأسمالي على حد سواء، وتحويله من كائن بشري إلى شيء من الاشياء.
وقد كان لذلك الاكتشاف الدور الاساسي في تكوين فكره الذي هدف إلى انقاذ آدمية الإنسان التي أصبحت مهددة، وتحريره، والارتقاء به إلى المستوى الذي يليق به بوصفه إنساناً.
فماذا اكتشف يا ترى؟
لقد اكتشف ماركس أن الممارسة البورجوازية انحرفت "بالعمل" من كونه ميداناً رحباً لصياغة الشخصية الإنسانية، وازدهار قواها وتنميتها، وتحريك فاعليتها، تحويل مشاعرها من مشاعر تتمركز حول ذاتها إلى مشاعر إنسانية شاملة، وكذلك تحويل طبيعتها من طبيعة طبيعية إلى طبيعة إنسانية عاقلة وذلك بتحويل حاجاتها من حاجات القدرات الطبيعية للإنسان إلى قدرات عاقلة.
انحرفت به من النطاق المذكور إلى عمل مفروض ومغترب وعديم المعنى، مما أدى إلى تحويل الإنسان إلى كائن شوهه التخصص الآلي الضيق المبتور، وحال دون ارتقائه إلى مستوى الإنسان الكلي الشامل.
واكتشف أيضاً أن الممارسة المذكورة ، عوضاً عن أن تسعى إلى الاتجاه نحو نمط وموضوع جديدين من الانتاج يهدفان قبل كل شيء إلى السير باتجاه تحقيق وفرة من الحاجات الإنسانية الاصلية التي تبعث الحياة في القوى الكامنة في الإنسان، وتحرضها، وتدفعها في طريق النمو والتطور ، عملت على خلق حاجات غير إنسانية جديدة، لا لهدف الا لتحقيق الثراء وحده.
فكل منتج في النظام البورجوازي أصبح لا يفكر الا في خلق حاجة جديدة مغتربة عند الإنسان الآخر ليس بهدف تطويره، وانما فقط من اجل ارغامه على أن يقوم بتضحية جديدة، واغرائه إلى السير باتجاه نوع جديد من المتع الرخيصة الجديدة، ووضعه في علاقة اعتماد او تبعية جديدة، وفي آخر المطاف سوقه إلى حيث يلقى حتفه الاقتصادي وما يترتب على ذلك من تهديم لقيمه، وانحدار مستواه الإنساني، وبكلمة واحدة تجريده من انسانيته. [5]
وكذلك اكتشف ان الممارسة المذكورة ليس فقط تؤدي إلى التمايز الصارخ في توزيع الثروة، وإنما تؤدي، وهو الاهم، إلى طريقة جديدة في الانتاج يصبح العامل والرأسمالي معاً مستعبدين من قبل السلع، وظروف صنعها، وطرق تصرفها، وهو ما أطلق عليه ماركس اسم "صنمية البضاعة".
واكتشف أيضاً ان تلك الممارسة لا تؤدي إلى انقسام الإنسان على نفسه وتمزقه فحسب، وإنما إلى انقسام المجتمع وتناحره على أسس طبقية.
ونتيجة لما مر، انتهى ماركس إلى نتيجة أساسية، وهي أن الارتقاء بالإنسان، كل انسان، إلى المستوى الإنساني الكلي الشامل، يستدعي عملية قلب واعية وثورية لكافة أسس النظام الاجتماعي القائم، وبناء مجتمع انساني حقيقي على أسس جديدة.
أي أن الامر يستدعي بناء منظومة جديدة من الافكار تقترن بشروط تحققها المادية والاجتماعية والإنسانية، وتتسلح بها طبقة ثورية تأخذ على عاتقها تحرير نفسها، الذي هو في الوقت ذاته تحرير للإنسان بما هو كذلك.
 
2- المنهج العلمي الجديد:
أهمية ماركس بالنسبة إلى الإنسان ، تتجلى في منهجه أكثر مما تتجلى في مذهبه، من غير ان يعني ذلك اننا نقلل من قيمة المذهب بأي حال من الاحوال .
وستشمل دراستنا لموضوع هذه الفقرة على ثلاث نقاط رئيسية:
تدور الأولى حول نقد ماركس لكافة المناهج السابقة التي استخدمت في دراسة مشكلة الإنسان.
وتقتصر الثانية على نقد منهج هيجل بالتحديد ، لما كان له من أهمية خاصة في تاريخ الفكر المعاصر أولاً، وفي فكر ماركس ثانياً. [6]
أما النقطة الثالثة فانها تتعلق بالمنهج البديل الذي هو منهج ماركس نفسه.
لقد تركز نقد ماركس لموضوع النقطة الأولى على قضيتين أساسيتين:
الأولى هي ان المناهج المذكورة كانت في الاعم الغالب مناهج ميتافيزيقية عقيمة.
والثانية هي ان ما كان منها شبه علمي في دراسته لأصل مشكلة الإنسان، أخفق في السير بمقدماته العلمية تلك إلى نتائجها المنطقية.
لذلك كانت الحلول التي اقترحها للخروج بالإنسان من حالة الاغتراب الراهنة، قاصرة تماماً وعاجزة عن تحقيق ذلك الغرض.
وحقيقة الامر أن ما كان منها ميتافيزيقياً كان يقع في خطأ فادح يتمثل في انتزاع النتائج من حالتها  الراهنة، وتجريدها، ثم اعتبارها مبادئ أولى ثابتة ومطلقة.
أي أن أصحاب المناهج المذكورة قلبوا الوضع رأساً على عقب حين اعتبروا المعلولات عللا ، والعلل معلولات ؛ مما أدى إلى عجزهم عن فهم مشكلة الإنسان ، وما يترتب على ذلك من نتائج.
وتتحدد هذه المسألة في أنهم انطلقوا كلهم في دراستهم للإنسان من نقطة خاطئة واحدة، ترتبت عليها أخطاء أخرى كثيرة، وهي انهم كلهم كانوا يرجعون إلى "الطبيعة البشرية" كأساس وحيد لتفسير تاريخ الإنسان ، بالنسبة إلى من كان منهم يريد ذلك، ولتحديد نوع النظام الاجتماعي والتشريعي والاقتصادي والاخلاقي الذي يتفق مع تلك الطبيعة ، بالنسبة إلى القسم الآخر  منهم.
وقد كان الخطأ الذي وقعوا فيه جميعهم، يتمثل، بالنسبة لماركس ، في أنهم اعتبروا الطبيعة البشرية المذكورة – كما بدت لهم من عصرهم – هي الاصل أو المبدأ الأول أو السبب الذي يقوم عليه كل بناء اجتماعي، الأمر الذي ترتب عليه تعاملهم مع المعلوم على أنه علة، أو  مع النتيجة على أنها مقدمه أولى .
وآية ذلك أن الطبيعة المذكورة، وعلى النحو الذي كانت عليه، هي نتيجة لأسباب بعضها تاريخية، والبعض الآخر يكمن في طبيعة العصر ذاته.
وعوضاً عن ان يتتبعوا المنشأ التاريخي لتلك الطبيعة، ويتعمقوا في دراسة نوع العلاقات التي كانت قائمة في عصرهم لكي يكون في مقدورهم اكتشاف السبب الذي أدى إلى أن تكون حالة الطبيعة المذكورة على ما هي عليه، اعتبروا تلك الطبيعة هي السبب، ثم فسروا الواقع الراهن والمسار التاريخي للإنسان ، بما هو انسان ، بالاعتماد عليه. [7]
ومن جهة أخرى فانهم ، وهذا خطأ آخر، جردوا (حالة الطبيعة البشرية) المحددة والمشروطة بزمان ومكان معينين ، من شروطها، واعتبروها – خطأ- حالة مطلقة تنطبق على كل انسان في كل زمان ومكان.
أما الخطأ الثالث فيتمثل في أنهم اعتبروا تلك "الطبيعة البشرية" ثابتة، ثم سعوا بمعونتها إلى تفسير مصائر البشرية التي هي متغيرة في جوهرها، ولا تبقى على حال.
ولا يقل عن ذلك أهمية الخطأ الرابع الذي كان يكمن في تحليلاتهم المذكورة، فافتراض وجود ماهية كلية للإنسان على هذا النحو الميتافيزيقي أولاً، واعتبار تلك الماهية صفة لكل فرد هي ذاته الحقيقية ثانياً، اقتضى منه افتراض تصور للعالم مثالي وتجريبي في آن معاً، وهذا بدون أدنى شك تناقض آخر ينضاف إلى تناقضاتهم المذكورة.
ولكي تتضح معالم النقد السابق كله، وتتكشف لنا أهميته ، دعنا نثمل لذلك بأمثلة، وسيكون "أفلاطون" أول مثال لنا في هذه العملية. [8]
لقد أصبح معروفا مما سبق ذكره أن "أفلاطون" افترض مسبقاً،  وباستخدام المنهج الميتافيزيقي المذكور، وجود مراتبية فطرية في الطبائع البشرية (العلة)، فسر بها النظام الاجتماعي الطبقي الذي كان سائداً (المعلول)، وهذا خطأ.
والصحيح هو أن النظام المذكور (العلة) هو الذي أنشأ المراتبية الاجتماعية للناس (المعلول)، وينطبق الامر نفسه على أرسطو وفلاسفة العصور الوسطى .
أما في العصر الحديث، فان "هوبز" افترض مسبقاً وجود "طبيعة بشرية" فاسدة (العلة)، فسر أو برر على أساسها قيام نظام "الذئب الأكبر" (المعلول)، وهذا خطأ أيضاً، والصحيح هو ان وجود نظام الذئاب (العلة) هو الذي ابتدع فكرة تلك الحقوق (المعلول)، وقس على ذلك.
أما حول النقطة الثانية (المناهج شبه العلمية)، فان تعليل أصل اغتراب الإنسان وفساد طبيعته باللامساواة التي كانت قائمة بالفعل وبالبيئة الفاسدة، إنما كان تعليلاً علمياً إلى حد كبير.
لكن لجوء أصحاب تلك المناهج إلى الحلول التربوية الكاملة، أو الحلول التي تقوم على أساس تحقيق نصف مساواة ، ثم يكمل الباقي بالتربية، إنما كانت حلولا ليست قاصرة وهشة وغير علمية فحسب، وإنما متناقضة ذاتياً أيضاً ، فإذا كانت اللا مساواة هي أصل الفساد ، فكيف يكون الحل غير متناقض في ذاته ويكون قائماً على أساس لا مساواة جديدة في وقت واحد؟
أما عن الحل التربوي، فاننا نتساءل أيضاً: إذا كان المجتمع فاسداً ، فكيف يربي الفاسد ويجعله صالحاً، ولا يكون في ذلك أي تناقض؟ وهذا ينطبق على روسو والموسوعيين.
وبخصوص نقد ماركس لمنهج هيجل، فان النقد كان يدور حول نقطتين رئيسيتين ، تتعلق الأولى بفهم هيجل للتاريخ، وتأثير ذلك على منهجه الجدلي، أما الثانية فتتعلق بطبيعة الجدل ذاته ووظيفته ومساره. [9]
لقد بين ماركس بالنسبة إلى النقطة الأولى أن فهم هيجل للتاريخ محكوم بافتراض مسبق أساسي هو ان العقل هو الذي يصنع التاريخ، وأن الفكرة هي نسيج العالم، والاهم من ذلك أن نظام المفاهيم التي تؤلف العالم، إنما هو نظام كلي ناجز منذ البداية، أو قل إنه كلية ناجزة بلغة هيجل، ونتيجة لذلك يصبح التاريخ عند هيجل هو تاريخ تحقق مفاهيم الطبيعة البشرية المحددة مسبقاً بطريقة ميتافيزيقية خالصة، شأن هيجل في ذلك شأن أصحاب المناهج الميتافيزيقية المذكورين، وتصبح فلسفة التاريخ على هذا الأساس مجرد كشف لتلك المفاهيم التي ليست هي سوى مفاهيم معدة مسبقاً وجاهزة في الفكر، وبذلك تكون فلسفة لتاريخ تطور الفكرة في ذلك الفكر، وليست أبداً فلسفة لتاريخ تطور البشر الواقعيين على الأرض التي أسهموا كأفراد وكمجتمعات في صنعه، أي أن فلسفة التاريخ أصبحت على يد هيجل فلسفة فكرة الإنسان المجرد، عوضاً عن أن تكون فلسفة الناس الواقعيين الذين يصنعون هم تاريخهم على أرض الواقع.
والحق أن "هيجل" لم يلجأ إلى التاريخ لكي يستخلص منه القوانين التي تحكم حركة البشر والطبيعة فيه، وإنما لجأ إليه فقط لكي يختار منه الامثلة التي تتفق مع أفكاره المسبقة عنه.
ولذلك حق لماركس أن يقول إن منهج هيجل كان في جانب من جوانبه على الأقل منهجاً ميتافيزيقياً.
على أن تلك الفلسفة بعد أن صيغت على النحو المذكور، كان لها تأثير كبير على تصور هيجل لوظيفة الجدل وطبيعته ومساره عل السواء، فبموجبها أصبح الجدل مقيداً في بدايته ونهايته ، أي أصبح يتعين عليه الانطلاق أو البدء من فكرة "الكلية" الجاهزة ، والانتهاء اليها.
وبذلك يكون هيجل قد وضع المنهج الذي هو الجدل في خدمة المذهب، وحبسه فيه محظراً عليه تخطي حدوده ، عوضا عن أن يستخدمه كأداة لاكتشاف ذلك المذهب الذي لا يجوز أن يكون في بداية العملية، وإنما في نهايتها.
أما من حيث تأثير ذلك على مسار الجدل وطبيعته ، فقد تبين لماركس أن تصور هيجل المحدد عن الكية، يترتب عليه افتراض وجود عال وتاريخ ناجزين ومكتملين منذ البداية، وعندها يتحدد مسار الجدل بأنه عملية معرفية ليس إلا، أي أنه يتقدم نحو اكتمال المعرفة بذلك العالم، والذي يتوقف حل مشكلة اغتراب الإنسان، في نظر هيجل، على بلوغ ذلك الاكتمال، أي بلوغ المعرفة المطلقة.
ولتوضيح هذه النقطة نقول إن "هيجل" كان يعتبر أن الناس لهم تاريخ، فقط لان الوعي يحتاج زماناً وفعلاً لكي يعرف ذاته، وأن الجدل هو المسار الذي يسلكه الوعي لانجاز هذه المهمة .
وبالطبع فان الجدل المذكور سيكون على هذا الأساس جدلاً مثالياً من حيث طابعه، أي أنه جدل في الفكر، وليس أبداً جدل الواقع، أي جدل الناس الواقعيين الذين يصنعون أنفسهم ومجتمعاتهم وتاريخهم على أرض الواقع.
وسيكون على هذا النحو مجرد مخطط مسبق يلصق بالناس الاشياء، ويفرض عليهم بارغامهم على التمدد على سرير "بروكرست".
وبهذه الطريقة يكون هيجل قد قلب رأساً على عقب الترتيب الواقعي للكائنات والاشياء، انطلاقاً من مسلماته العقلية التي هي في جوهرها مسلمات لاهوتية.
على أن "ماركس" لم يقف عند حدود النقد، وإنما تعدى ذلك إلى مرحلة البناء فقد اكتشف أنه لكي يكون في مقدوره اعادة الترتيب الواقعي للناس والاشياء بعد أن قلبه هيجل والميتافيزيقيون رأساً على عقب، فانما يتعين قلب الأساس الميتافيزيقي لمنهج الميتافيزيقيين إلى أساس علمي، وقلب جدل هيجل المثالي إلى جدل مادي، فتكون النتيجة تبني منهج علمي وجدلي في آن معاً.
وحقيقة الأمر أن "ماركس" اكتشف أن المنهج لكي يكون منهجاً صحيحاً ، يتعين ان يعيد المعلولات إلى عللها، والنتائج إلى مقدماتها، وهذا يقتضي منه القيام بدراسة تحليلية وتاريخية لحاضر البشر وماضيهم وهم يصنعون أنفسهم وتاريخهم، دون أن ننطلق من أية أفكار مسبقة أو مسلمات تحكم مسبقاً ما نقوم به.
بمعنى آخر، فان المطلوب هو أن تكون تلك الافكار التي تتكون لدينا فيما بعد هي نتيجة للدراسة المذكورة، وليست سبباً لها كما كان يفعل الميتافيزيقيون، إذ على هذا الأساس وحده يكون المنهج علمياً.
ومن جهة أخرى ، فان المنهج يجب أن يكون جدلياً، والسبب في ذلك هو أن تطور العلوم الطبيعية والإنسانية هو الذي يفرض ذلك، اذ أنه دون المنهج الجدلي لا يمكن التمكن من عقل الطبيعة والتاريخ اللذين هما في طبيعتهما جدليان. [10]
فالعلوم المذكورة بينت أن بنية الطبيعة والمجتمع وطبيعة العلاقة بينهما، هما من التعقيد بحيث لا يمكن أي منهج أن يعقلهما الا إذا كان جدلياً.
لكن الجدل المذكور يجب أن يكون مادياً عوضاً عن أن يكون مثالياً، وقد دفع ذلك ماركس إلى أن يقلب الجدل الهيجلي رأساً على عقب، بحيث يسير على قدميه، بدلاً من أن يظل يمشي على رأسه.
وهذا يتطلب منا التوضيح، إذ كثيراً ما أسيء فهم هذه القضية، حتى أن بعض الشراح قالوا إن جدل ماركس ليس سوى جدل هيجل، مع فارق واحد فقط، وهو أن "ماركس، وضع لفظ "مادة" بدلاً من لفظ "فكرة" أنى وجدها عند هيجل، وبهذا الصدد فان النقاط الرئيسية التالية هي التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار هي:
1-    إن الجدل عند هيجل طريقة يفرضها العقل على الاشياء، ويرغمها على السير بمقتضاها، فيكون بذلك جدلاً مثالياً.
  أما عند ماركس فهو انعكاس لعلاقة الاشياء الجدلية فيما بينها، في الفكر (علاقة الاشياء في الطبيعة، وعلاقة الناس فيما بينهم، وعلاقتهم بالطبيعة).
  ولذلك فهو جدل مادي طالما أنه انعكاس لعلاقات مادية، بمعنى آخر فان الجدل عند هيجل يقولب الاشياء تبعاً لمفاهيمنا ، أما عند ماركس فانه يقولب مفاهيمنا تبعاً للعلاقات بين الاشياء، ومن هذه النقطة نقول إنه مادي.
2-    ان الكلية المثالية عند هيجل هي البداية التي ينطلق منها الجدل، ويستنبط كل شيء منها عقلياً.
  أما التناقض الذي هو المقولة المركزية في جدله، فليس سوى لحظة من لحظاتها، أي الطريقة التي تفصح عما في ذاتها من مضمون، ولذلك فان جدله، الذي هو رصد لتلك الطريقة ، هو جدل مثالي .
  أما عند ماركس فان الجزئي الواقعي أو الخاص هو الأول الذي ينطلق منه الجدل، وان الكلية تنشأ من التناقض الذي يولده صراع ذلك الجزئي الرامي إلى تجاوز نفسه بالضرورة، وبذلك تكون الكلية لديه لحظة من لحظات التناقض، ويكون جدله على هذا الأساس مادياً. [11]
3-    ان جدل هيجل مغلق، من حيث أنه محدد في بدايته بالفكرة الكلية المسبقة، ومحدد في نهايته بتحقق تلك الفكرة تحققا عينياً، أي ببلوغ المعرفة المطلقة بالفكرة المذكورة بعد تحققها، وعلى هذا الأساس فهو جدل مثالي أولاً وأخيراً.
  أما عند ماركس فهو مفتوح، من حيث أنه غير محكوم في بدايته بأية فكرة مسبقة، وأنه ليس له نهاية، لان عملية تكون الكليات من التناقض في الواقع لا تنتهي، ولذا فهو جدل مادي في بدايته وفي مساره الذي لا نهاية له.
4-    إن لائحة مقولات الجدل وقوانينه مغلقة ومكتملة ونهائية عند هيجل، لأنها مقولات وقوانين محددة ومفروضة بالعقل وحده ، ولذلك نقول إن جدله مثالي.
  أما عند ماركس، فان المقولات والقوانين المعروفة في أي وقت إنما تؤلف حصيلة مؤقتة لمعرفتنا بالعلاقات بين الاشياء والناس. والممارسة الاجتماعية والتجربة العلمية هما وحدهما اللتان تتيحان امكانية اثرائها وتطويرها. أي أنها لائحة مفتوحة ومرتبطة بحركة الواقع ذاته.
ومن هذه الزاوية نقول إن جدله مادي ، لأنه يجعل تحديد تلك المقولات، والقوانين من شأن تجربة الناس وممارستهم العملية، سواء في علاقاتهم بعضهم ببعض، أو في علاقتهم بالطبيعة .
وبهذا القدر من المقارنة بين جدل هيجل وماركس يمكننا القول إن المسألة ليست عند هذا الاخير مجرد استبدال لفظ بلفظ، وإنما هي قلب حقيقي يتجلى في تحطيم المذهب الذي يقوم عليه جدل الأول، واحداث تغيير جذري في مسار الجدل لديه، وتحويل نوعي في طبيعته، والخروج في نهاية الامر ، وعلى أساس القلب المذكور ، بنتائج تتناقض تناقضاً تاماً مع النتائج التي انتهى اليها هيجل .
والاهم من ذلك كله أن القلب المذكور كان له تأثير كبير على طريقة دراسة ماركس للإنسان، وهو ما يعنينا في هذا المقام.
فعلى النقيض من هيجل، انطلق ماركس في الدراسة المذكورة من الإنسان الواقعي، ومن الشروط الاجتماعية والاقتصادية التي اكتشف أن لها الدور الاساسي في تكوينه عبر التاريخ، ولم يبدأ أبداً من فكرة ذلك الإنسان كما تبدو لعقل يتخذ من التجريد الخالص منهجاً وحيداً له.
وبذلك يكون ماركس قد قام بثورة كوبرنيقية في الفلسفة على العموم ، وفي مشكلة الإنسان على وجه الخصوص، ففي فلسفته تم الانتقال جذريا من التأمل الخالص إلى الممارسة، او قل انه بانتهاء ذلك التأمل بدأ في الحياة الواقعية العلم الواقعي الايجابي الذي هو تصور النشاط العملي، أو تصور صيرورة تطور البشر العملي على حد تعبير ماركس نفسه. [12]
على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، ففلسفته، التي اعتمدت العلم منهجاً لها، لم تقتصر على استخلاص أكثر الافكار دقة عن الإنسان وعن تحرره وارتقائه فحسب، وإنما ربطت تلك الافكار بشروط تحققها المادية والاجتماعية والإنسانية.
وهو ما لم تفعله أية فلسفة من قبل، ولذلك نقول عنها إنها فلسفة ثورية بقدر ما هي فلسفة علمية، فهي وحدها الفلسفة التي لم تقف عند حدود تفسير العالم، وإنما وضعت شروط تغييره، لما اكتشفت أن تحرر الإنسان وارتقائه لا يمكن أن يتحققا بدون حدوث ذلك التغيير.
 
3- التشكل التاريخي للإنسان :  
إن المقولة المركزية في فكر ماركس حول الإنسان، والتي تفصح عنها أية قراءة متعمقة له، أنه، أي الإنسان، يتكون في التاريخ.
وإن شئنا استخدام اللغة الفلسفية التقليدية، فإننا نقول على لسان ماركس بأن التاريخ الفعلي للإنسان ليس هو تاريخ تحقق فكرة هذا الاخير أو ما هيته المحددة مسبقاً، أو كما يقول هيجل تاريخ تجلي تلك الفكرة أو افصاحها عن ذاتها، وإنما هو الذي به تصاغ تلك الماهية عبر مراحله، التي لا يوجد حد لتدرجها يمكننا على أساسه أن نقول إن الماهية المذكورة وقد تحققت بالكامل.
ولا شك أن هذه كانت احدى نتائج استخدام جدله ، جدل ماركس، الذي حددنا قسماته قبل قليل.
فوجود جدل مفتوح للإنسان يترتب عليه حكما عدم وجود مفهوم أبدي ونهائي له.
ولذا فان الحديث عن ماهية ناجزة ومكتملة ومطلقة لا يتفق مطلقاً مع وجود جدل كهذا، لكن ذلك لا يعني بحال من الاحوال ان ليس في الامكان الحديث عن ماهية للإنسان في أية فترة من فترات التاريخ، وتحديد طبيعة تلك الماهية، وإنما يعني انه من غير الممكن اعتبار تلك الماهية نهائية. [13]
وحقيقة الأمر أن الإنسان، وفقاً لماركس ، هو نتاج التاريخ، لكن طالما أنه هو الذي يصنع تاريخه، فانه يكون هو نفسه من انتاجه الخاص، أي أنه هو الذي ينتج ذاته، ويطورها، ويحولها في الوقت نفسه الذي يصنع فيه ذلك التاريخ.
وصحيح أن بيئة الإنسان غير المتشكلة وغير المنظمة وغير المصاغة باليد والدماغ البشريين، تكون معادية له وغريبة عنه، لكنه – بخلاف كل الكائنات الحية الاخرى – مزود بوسائل تؤدي- إذا ما أحسن استخدامها – إلى تغيير الوضع الذي يجد نفسه فيه باستمرار، أي أنه هو وحده الذي يكون في مقدوره اعادة صنع العالم بحيث يصبح ملائماً له.
لكنه بفعله هذا، إنما يعيد صناعة نفسه باستمرار ، إذ أنه حين يستخدم قواه لتغيير العالم، فإنما يطور تلك القوى التي لديه لكي يكون في مقدوره القيام بعملية التغيير المذكورة.
غير أنه حين يطور قواه على النحو المذكور، فانه يخلق في الوقت نفسه لنفسه حاجات جديدة يؤدي الوفاء بها إلى تطوير جديد لتلك القوى .. وهكذا إلى ما لا نهاية.
وعلى هذا النحو يصبح نمو القوى البشرية هو العملية المركزية في التاريخ، وتصبح الحاجة إلى ذلك النمو، والتي تفرضها حاجة الإنسان المستمرة إلى تغيير عالمه، هي التي تفسر لماذا يوجد تاريخ للإنسان، أو تفسير وجهة نظر ماركس التي أشرنا اليها قبل قليل، وهي أن الإنسان يتكون في التاريخ.
على أن توضيح هذه النقطة يستدعي تتبع عملية تكون الإنسان على النحو المذكور، بدءاً من الحالة الأولى التي كان عليها قبل أن يكون له تاريخ، ومعرفة الاسس والقوى والقواعد والعلاقات التي تحكم العملية المذكورة، أو تتم العملية بمقتضاها.
أي أنه يتعين علينا توضيح نقطتين أساسيتين في هذا المقام. [14]
الأولى هي تحديد حالة الطبيعة البشرية قبل أن يكون للإنسان تاريخ، وهي الحالة التي كان يطلق عليها فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر اسم "الحالة الطبيعية" بغض النظر عن الاخطاء التي وقعوا بها في هذا المجال.
أما الثانية فإنها تتعلق بمعرفة التحول التاريخي الذي يطرأ على تلك الحالة، ومعرفة نوع القوى الفاعلة في حدوثه، وطبيعتها، ونوع العلاقات التي تقوم بينها، وأخيراً تحديد خط سير التحول المذكور أو اتجاهه.
 
 
 
4- الحالة الطبيعية للإنسان :
وفق منهجه المذكور ، فان "ماركس" لم يأخذ الإنسان على ما هو عليه في العصر الذي كان هو يعيش فيه، وإنما قام بدراسة تاريخية شاملة استهدفت قبل كل شيء الوقوف على تلك الطبيعة في حالاتها الأولى ، وتعيين ملامحها وسماتها، متسلحاً بكشوف علوم عصره الطبيعية، وبخاصة علوم الحياة.
وقد لخص موقفه في مخطوطات عام 1844 بهذا الشأن قائلاً أن الإنسان هو بشكل مباشر كائن طبيعي حي، مزود بالقوى الطبيعية للحياة، إنه كائن طبيعي نشيط.
أما القوى المذكورة فتوجد فيه على هيئة دوافع وقدرات وميول، وبوصفه كائناً طبيعياً فهو جزئياً كائن جسماني مادي وحسي وموضوعي.
كائن يكابد أو يعاني، ومشروط ، ومقيد تماماً كغيره من الكائنات الاخرى، أي أن موضوعات دافعه توجد خارجه كموضوعات مستقلة عنه، لكنها من جهة أخرى موضوعات أساسية لا غنى عنها، وذلك لحاجته الماسة إلى تنشيط قواه الجوهرية وتأكيدها.
وهكذا فان القول بان الإنسان كائن جسماني حي وحسي وموضوعي وله قدرات طبيعية ، إنما يعني القول بأنه لا يستطيع أن يعبر عن حياته إلا من خلال الموضوعات الحسية الواقعية. [15]
فان تكون موضوعياً وطبيعياً وحسيا، وفي الوقت نفسه أن يكون لك موضوع وطبيعة وحس خارجك، أو أن تكون ذاتك موضوعاً وطبيعة وحسا لطرف ثالث، إنما هو شيء واحد ونفس الشيء.
فالجوع حاجة طبيعية، ولذلك فهو يحتاج إلى طبيعة خارجية، موضوع خارجه، لكي يشبع ذاته، أي لكي يهدأ، وبذلك فان الجسد لا غنى له عن ذلك الموضوع لكي يتكامل ويعبر في الوقت نفسه عن وجوده الجوهري.
ونخلص مما تقدم إلى القول إن الإنسان في الحالة المذكورة – حالة الطبيعة- هو كائن طبيعي وحسي وعاطفي وموضوعي وذو حاجة.
وبوصفه كائناً طبيعياً فانه يعيش في الطبيعة ، أي أن الطبيعة هي جسده الذي يجب أن يظل يعمل باتساق معه لئلاً يموت، أو أنه جزء من الطبيعة.
اما كونه حسياً فهذا يعني أن له حواساً تظل متأثرة بالموضوعات الموجودة خارجه، أي أنه يقاسي أو يعاني. لكن طالما أنه يشعر بمعاناته، فهو لهذا السبب كائن عاطفي، إذ أن العاطفة هي الطاقة الاساسية للإنسان التي تكافح من اجل موضوعها.
اما موضوعيته فتعني أنه متحقق كموضوع، أي أنه موضوع لحاجات غيره. وكونه ذا حاجة، فهذا يعني ان له علاقة بقطب مقابل مباشر آخر في الحياة لا يمكنه الاستمرار بدونه، أي أنه ليس كائناً فريداً.
على أن "ماركس" حين يقول ان الإنسان جزء من الطبيعة، لم يعن بذلك أنه مسلوب من ذاته، وتابع مباشر لها، وأنه لا يمكن أن يكون له حول ولا قوة تجاهها، وإنما عنى أنه نتاج ذلك الجزء منها الذي يتميز عنها، ويتنافى معها جزئياً، اعني المجتمع البشري. [16]
ولذلك فمهما يكن الأساس البيولوجي لطبيعتنا تظل الشروط الاجتماعية هي التي تلعب في المستقبل الدور الحاسم في تكوين تلك الطبيعة.
اما عن نوع الدوافع والميول الفطرية المذكورة، فقد ميز ماركس بين نوعين منها:
الدوافع والميول الثابتة والمستمرة، التي تظل على الدوام على ما هي عليه. وأي تغيير قد يطرأ عليها، إنما يكون فقط في شكل التعبير عنها، مثل الدوافع إلى الطعام والشراب الدافع الجنسي.
أما النوع الثاني فهي الدوافع النسبية، أي الدوافع التي ليست هي جزءاً معوقاً من الطبيعة البشرية، او التي لا يتوقف استمرار الإنسان ككائن طبيعي على ارضائها، وانما هي دوافع يتوقف ظهورها على تراكيب اجتماعية معينة، وشروط انتاجية واتصال بين الناس معنيه أيضاً؛ مثل دافع التملك والسيطرة وما إلى ذلك.
أما عن المسألة التقليدية التي كانت تطرح باستمرار وعلى مر العصور، أعني نوع تلك الطبيعة من الوجهة الاخلاقية، فان "ماركس" لم يكن يرى ان الانسان هو بطبيعته "كله طيبة" أو "كله شر" ولا أنه "حسن النية" أو "كله سوء نية تجاه بني جنسه".
وحقيقة الأمر أن "ماركس" لم يكن يقبل بالتصور الميتافيزيقي عن طبيعة إنسانية ثابتة لا تؤثر فيها الشروط الاجتماعية.
على العكس من ذلك. فانه كان يرى أن الشروط الاجتماعية هي وحدها التي تلعب الدور الاساسي في تكوين طبائعنا على هذا النحو أو ذاك من الوجهة الاخلاقية، وأن العوامل البيولوجية نفسها تنعكس من خلال تلك الشروط، وتتعرض إلى تحول جزئي بحكم شخصيتنا الاجتماعية.
أما التحول باتجاه أن يكون ذلك الكائن انسانياً بحق، فانه يتوقف على نوع العلاقات الاجتماعية التاريخية التي يتكون ذلك الكائن بمقتضاها. [17]
والحق أن التاريخ الإنساني هو عند ماركس تاريخ اغتراب الإنسان المتزايد وتجرده من الصفات الإنسانية، بقدر ما هو تاريخ تطوره المتزايد باتجاه تحقيق تلك الصفات بالكامل.
 
5- التحول التاريخي للإنسان :
ان الوقوف على طبيعة التحول المذكور عند ماركس يستدعي أخذ النقاط التالية بعين الاعتبار.
أ- الإنسان والطبيعة :
علاقة الإنسان بالطبيعة ليست مجرد علاقة تكيف من جانبه، كما يحدث للكائنات الحية الاخرى، وإنما هي في المقام الأول علاقة تحويل لتلك الطبيعة، عوضاً عن الاكتفاء بالتكيف معها. [18]
وقد رأى ماركس أن التاريخ الإنساني يبدأ مع أول اداة يستخدمها الإنسان لتحويل الطبيعة المذكورة ، ومن هذه الزاوية ، فان البيئة الإنسانية تكف عن أن تكون مجرد "معطى" من معطيات الطبيعة، وإنما هي في واقع الامر طبيعة محولة انسانياً، أو طبيعة مؤنسنة إلى حد كبير.
ولذلك تراه يقول: ليست الجغرافيا على سبيل المثال هي التي تحدد التاريخ، بقدر ما أن التاريخ هو الذي يحددها.
وإن شئناً الدقة، فان علاقة الإنسان بالطبيعة هي علاقة استمرار وانقطاع أو علاقة اتصال وانفصال.
والحقيقة أن "ماركس" حين نظر إلى العلاقة على أنها استمرار وانقطاع إنما كان يعني أن الإنسان جزء من الطبيعة، لكن التاريخ الإنساني، من جهة أخرى ، له قوانينه النوعية الخاصة، ومن هذه النقطة يقول إن ثمة انقطاعاً بين الإنسان والطبيعة . [19]
على أننا نتساءل الآن: هل العلاقة المذكورة بين الإنسان والطبيعة، سواء حين تكون علاقة استمرار أو علاقة انقطاع، هي باستمرار علاقة من جانب واحد ، أم أنها علاقة جدلية؟
الواقع أن ماركس يختلف عن كل من الطبيعيين والماديين السابقين، من هلفسيوس إلى فيورباخ، والروحانيين، من أفلاطون حتى هيجل، الوحيدي الجانب، في هذه المسألة.
فخلافاً للفريق الأول، يرى أن الطبيعة ليست شيئاً "معطى" على ما هو عليه مباشرة منذ الازل، ويظل مماثلاً لذاته باستمرار، وإنما هي نتاج الصناعة وحالة المجتمع، أي أنها أيضاً نتيجة لنشاط سلسلة كاملة من الاجيال الإنسانية، ينهض كل جيل منها على أكتاف الجيل السابق.
وبوصفها كذلك، أي من صنع الإنسان، فهي غنية بالدلالات الإنسانية. إذ أن مشاريع الاجيال الإنسانية ومقاصدها منذ ملايين السنين قد تبلورت في الاشياء. ولذلك فان أطروحة الطبيعة المؤنسنة يصعب أن تكون الآن موضع خلاف. [20]
 
ب-  الإنسان والعمل :
الواقع أن علاقة الإنسان بالعمل لا يمكن فصلها عن علاقته بالطبيعة ذلك أن الإنسان حين يحول الطبيعة ويحول في الوقت نفسه ذاته على النحو الذي بيناه قبل قليل، فإنما يفعل ذلك، عبر الناس الآخرين ، بواسطة العمل.
لقد راع ماركس ما وجده لدى الاقتصاديين الكلاسيكيين من تشويه للقيم الإنسانية الاصيلة، وبخاصة نظرتهم إلى العمل بوصفه مجرد قوة اقتصادية تباع وتشترى، شأنه في ذلك شأن أية سلعة أخرى، عوضاً عن أن ينظروا اليه على أنه قيمة إنسانية ابداعية في المقام الأول.
وقد دفعه ذلك إلى ان يأخذ على عاتقه تصحيح هذا الوضع المقلوب، فجاءت نظرته إلى العمل تعكس ادراكه العميق للدور الذي يقوم به في تحويل الإنسان إلى كائن انساني حقيقي.
وحقيقة الأمر أن "ماركس" لم ينظر إلى العمل على انه مجرد نشاط اقتصادي هدفه الوحيد توفير سبل العيش فحسب، وإنما نظر اليه بوصفه ، قبل كل شيء، النشاط الوجودي للإنسان، أي النشاط الذي يتوقف بناء الشخصية الإنسانية من الوجهة الانطولوجية والاجتماعية والاخلاقية وغيرها عليه.
فالإنسان يحقق ذاته الإنسانية تحقيقاً فعلياً بالعمل، إذ به وحده يعبر عن قواه البدنية والعلية مشاعره، ويعيد انتاج ذاته، ويعكس تلك الذات في العالم الذي هو ينتجه. وبدون العمل لا يمكن لتلك القوى والطاقات الكامنة في الإنسان أن تتحقق بالفعل. [21]
فالعمل وفق البرهان المذكور هو مصدر القيمة الإنسانية، وهو الذي يتحكم في قيمة الاشياء جميعها، اذ لما كان التبادل الشامل المستمر لنواتج العمل هو الذي يبقى على المجتمع، فان المجموع الكلي للعلاقات الإنسانية تحكمه القيمة المتولدة عن العمل المبذول في انتاج تلك النواتج، وآية ذلك أن السلع جميعها نواتج للعمل الإنساني، وهي عمل متموضع أو متجسد .
وبوصفها على هذا النحو ، أي بوصفها تجسيداً للعمل الإنساني ، فهي تبلور لجوهر واحد هو العمل.
وما يبدو في الواقع أنه اختلاف في القيم الانتفاعية للسلع، إنما هو في عملية الانتاج اختلاف في العمل الذي ينتج تلك القيم.
وإذن فإذا كانت السمة المشتركة بين السلع هي العمل، فلا بد أن يكون ذلك عملاً جرد من التميزات الكيفية.
وبذلك لا يبقى إلا العمل ما يحدد لتلك الاشياء قيمتها، لكن طالما أن تبادل تلك الاشياء هو الذي يبقى على المجتمع كما اسلفنا ، فان العلاقات الإنسانية التي تتولد عن عملية التبادل المذكورة إنما تكتسب فيمتها بفضل العمل.
كذلك فان العمل هو الذي يطور الطاقات والقوى والملكات البشرية البدنية والذهنية على حد سواء ففيه ومن خلاله يشرع الإنسان في توسيع ادراكاته الحسية، وحواسه، ويبدأ يستخدم عقله في التفكير، أي في تكوين الافكار وايصالها، وفي تطوير اللغة والفكر.
ذلك أن الناس يبدأُن في تمييز أنفسهم عن الحيوانات حالما يشرعون في انتاج وسائل معيشتهم، وهي خطوة يحكمها تنظيمهم الجسدي. وإذ ينتج الناس وسائل معيشتهم فإنما ينتجون بشكل غير مباشر حياتهم الفعلية بكاملها.
والحقيقة أن الناس حين ينتجون بالعمل وسائل معيشتهم ، وبالتالي حياتهم الفعلية بشكل غير مباشر، إنما يبدأون يتصرفون ككائنات إنسانية، ويطورون تنظيمهم الاجتماعي.
وبذلك يكونون الافكار، ويفكرون ، وينطقون، فالناس بصنعهم للادوات واستخدامهم لها، وباجبارهم الموضوعات الطبيعية والقوى الطبيعية على خدمة أغراضهم ، إنما يعون تلك الاغراض ، وتكون لديهم أفكار عن النتائج التي يعتزمون تحقيقها.
فالسيطرة على الطبيعة التي بدأت بتطور اليد أولاً، هي التي وسعت أفق الإنسان عند كل تقدم جديد، اذ أن الإنسان كان يكتشف على الدوام خواصاً جديدة لم تكن معروفة له من قبل للموضوعات الطبيعية .
وكذلك فان اضطرار الناس إلى التعاون للسيطرة على الطبيعة خلال عملية العمل ، أدى إلى ارغامهم على خلق وسيلة للتفاهم فيما بينهم ، مما أدى إلى تطوير استخدام حناجرهم كي يلفظوا الكلمات والجمل التي يقومون خلالها بالاتصال. فتكونت اللغة. [22]
كذلك فان الناس الذين يصنعون -بواسطة العمل- الأدوات لاستخدامها في عملية انتاج وسائل معيشتهم، وبالتالي انتاج أنماط حياتهم بالكامل، إنما يعبرون عن أسلوبهم في الحياة، أو قل إن العمل من هذه الزاوية هو المرآة التي تعكس مستوى التطور الذي تصل إليه الإنسانية في كل عصر.
والحق أن قراءة تطور أساليب حياة الناس عبر العصور (العصر الحجري والبرونزي والحديدي ... إلخ) تكشف بوضوح عن أن طريقة تعبير الناس عن حياتهم (أسلوب حياتهم ) إنما هي ما يحدد ما يكونونه أولاً، ويكشف ثانياً عن ان حياة أولئك الناس قد تطورت تطورات متصاعداً جداً كما نرى . والحق أن الفضل يعود في كل ذلك إلى العمل.
 
ج – الإنسان والمجتمع:
ليس الإنسان كائناً اجتماعياً بالطبع كما كان يقول أرسطو ، وإنما هو يصبح اجتماعياً فيما بعد، وقد أوضح ماركس هذه الطبيعة التاريخية لاجتماعية الإنسان عبر تحليلاته التي نسعى إلى توضيحها الآن[23].
فبموجب تلك التحليلات لا تغدو مسألة الطبيعة الاجتماعية للإنسان مسألة ميتافيزيقية يقع بحثها ضمن اطار العقل الخالص وحده، وإنما هي مسألة من مسائل الواقع، تتحكم فيها شروط مادية عينية يمكن للبحث العلمي وحده اكتشافها، واكتشاف الأسس التي يتم بموجبها تكوين المجتمعات البشرية، ومن ثم اكتشاف قوانين تطور تلك المجتمعات .
وبهذا الصدد توصل ماركس إلى نتيجة أساسية، وهي أنه ليس وعي الناس  أو موقفهم الروحي، هو الذي يدفعهم إلى تكوين مجتمع، وإنما حياتهم المادية وطرق انتاجهم لها التي تمر بمراحل تاريخية متتابعة ومتطورة، هي ما يشكل المجتمع.
في الانتاج الاجتماعي لحياتهم، يدخل الناس حتماً في علاقات محددة، مستقلة عن ارادتهم؛ علاقات انتاج تتفق مع مرحلة معينة من تطور قوى انتاجهم المادية.
ويشكل مجموع علاقات الانتاج هذه التركيب المادي للمجتمع ، والاساس الواقعي الذي يقوم عليه تركيب علوي قانوني وسياسي ، والذي يتمشى مع أشكال محددة للوعي الاجتماعي. [24]
وهكذا يكشف التحليل عن أن المجتمع، كالفرد سواء بسواء، يخضع هو الآخر لمنطق التطور والتحول ، وبذلك يكون التاريخ البشري هو تاريخ تطور وتحول المجتمعات بقدر ما هو تاريخ تطور وتحول الإنسان نفسه .
على أن "ماركس" لم يكن ميتافيزيقيا لكي ينظر إلى المجتمع بالطريقة التجريدية التي كان ينظر من خلالها معظم الفلاسفة السابقين.
وينطبق الامر نفسه بالنسبة إلى الإنسان ، فكما أن هذا الاخير ليس في نهاية التحليل مجرد مفهوم مجرد يظل هو هو ذاته في كل زمان ومكان، وإنما هو مجموعة علاقات اجتماعية محددة ومشروطة بظروف زمانية ومكانية محددة أيضاً، كذلك فإن المجتمع هو بدوره تلك المجموعة المحددة زمانياً ومكانياً من العلاقات بين افراده ، والتي تكون العلاقات التي تقوم فيما بينهم خلال عملية انتاجهم لحياتهم هي الأساس الذي تقوم عليه المجموعة المذكورة .
وقد بين ماركس كيف أن العلاقات المذكورة تتخذ طابعاً طبقياً متطوراً عبر التاريخ، ومحكوماً بقانون شامل أساسه التوافق الواقعي والفعلي، وليس التأملي، والنظري، بين قوى الانتاج (الطبقة المنتجة) وعلاقات الانتاج (الاشكال القانونية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاخلاقية السائدة التي تشكل ما يدعوه بالبنية الفوقية للمجتمع).
وحقيقة الأمر أن الوصول إلى السيطرة على الطبيعة يتطلب تقسيماً للعمل، لكن بمرور الوقت يقترن التقسيم المذكور بالانفصال بين العمل اليدوي والعمل الفكري، فيؤدي ذلك إلى تقسيم الناس إلى طبقات اجتماعية يتحدد وضع كل منها الاجتماعي والحقوقي والسياسي بحسب الموقع الذي تشغله في نظام محدد للانتاج الاجتماعي، ودورها في التنظيم الاجتماعي للعمل، وبتعبير أدق علاقتها بوسائل الانتاج.
فما يحدد وضع الطبقة العاملة على سبيل المثال ، إنما هو اولا واقع أنها ليست مالكة لوسائل الانتاج، ومن هنا تنبثق وظيفتها في المجتمع ، اعني أنها منتجة "فضل القيمة" لصالح الطبقة البورجوازية، مالكة وسائل الانتاج.. [25]
والحق أن نفس الشروط التي تخضع لها كل طبقة ونفس المصالح ، تستدعيان بالضرورة ظهور عادات وقيم و"عقلية" متماثلة بين أفرادها ، ومتميزة عن عادت وقيم وعقلية أفراد الطبقة الاخرى .
وهكذا يجد الأفراد أن شروط وجودهم مقررة سلفاً، أي مقررة من قبل الطبقة التي ساقهم موقعهم في عملية انتاج الحياة بالضرورة إلى أن يكونوا -شاؤوا أم أبوا- من عداد أفرادها .
وكذلك يجدون أن مركزهم في الحياة وتطورهم الشخصي معينان لهم – شاؤوا أم أبوا أيضاً- من قبل تلك الطبقة، وبذلك يصبحون مصنفين في عدادها.
ولا شك أن هذا الخلل في العلاقة بين القوى المنتجة وبين علاقات الانتاج ، سيؤدي إلى حدوث صراع وتناحر بين الطبقات، يظل مستمراً إلى أن يتحقق التوافق بينهما. وهنا يبدأ بالظهور ، نتيجة لذلك ، الإنسان الشامل الذي هو المثل الأعلى الذي تطمح البشرية إلى الوصول إليه.
 
د- نحو الإنسان الشامل:
إن الذي يميز ماركس من بين كل الفلاسفة الذين عرفتهم البشرية، هو أنه الوحيد الذي قرن أفكاره الإنسانية بشروط تحققها المادية والاجتماعية والإنسانية.
ولذلك أضحت فلسفته شعار كل الساعين إلى تحرير الإنسان من قيوده واغترابه ، والطامحين إلى خلق الإنسان الحقيقي الشامل، الذي لم يحدث أن تبنت أية فلسفة أخرى خلقه، ولا هو تحقق على الارض بعد.
ومن هذه النقطة بالذات يمكن القول أن فلسفته هي وحدها، من بين كل الفلسفات ، الفلسفة العلمية والثورية بحق. [26]
لكن هل يعني ذلك أن ليس في الامكان قول أي شيء عن الإنسان الشامل الذي تكون مسألة الشروع في خلقه القضية المركزية في الفلسفة الماركسية؟
الواقع أنه ليس لدى ماركس في هذا المقام، وقد كان في ذلك متفقاً مع روح منهجه التاريخي ، سوى صورة شعاعية لجنين الإنسان الاشتراكي الذي كان يتكون في احشاء النظام الرأسمالي .
وبهذا الصدد لخص "دوبيثر" في كتابه "الإنسان الاشتراكي " تلك الملامح على نحو يتفق تماماً مع موقف ماركس من صورة الجنين المذكور. [27]
فقد قال إن الإنسان المذكور لن يكون نتاج مجتمع طبقي تناحري عدائي، ولن يكون هناك مجال لوقوعه، وهو المنتج الاجتماعي، تحت سيطرة نتاجه ومحيطه الاجتماعي بدلاً من أن يكون السيد عليهما.
إنه لن يكون لعبة قوى السوق العمياء، ولا آلة اقتصاد حربي رأسمالي جديد تسيره الدولة على هواها. ولن يكون ذلك الإنسان المستعبد المستلب الذي كانه في الماضي، ولا تلك النسخة الرديئة عن ذلك البورجوازي المتشيء كما هي عليه حاله في دولة المستغلين والطامحين إلى جمع الثروة فحسب.
وبوصفه عاملاً اجتماعياً ، لن يكون في مقدوره أن يكون ذاته الا في مجتمع جماعي رفيع التطور.
فالمجتمع المذكور هو هو وحده الذي سوف يوفر له امكانية تلبية حاجاته المادية والروحية بطريقة أمنية لا تحف بها المخاطر ، وعقلانية لا تخضع للنزوات.
وفي اطار مجتمع كهذا، فان الإنسان المذكور سيتمكن من تلبية حاجاته المذكورة واستخدام أوقات فراغه بتبصر، بدلاً من أن ينساق إلى صوت الدعاية التجارية الخافت أو الراعد ، يوجهه كما يحلو له.
وكذلك سيكون في مقدوره في المجتمع المذكور وحده، تنمية طاقاته البيولوجية والفكرية، وتطوير شخصيته وتحقيق وحدتها، ونبذ جانباً كل تلك التركة الثقيلة، الموروثة منذ آلاف السنين، من الفاقة المادية واللامساواة والاضطهاد.
وعندها فقط، سيكون في وسعه ان يخفف من حدة الطلاق القائم الآن بين العمل المادي والعمل الفكري، ذلك الطلاق الذي نجم عنه اغتراب الإنسان عن نفسه وعن الناس الآخرين ، وانقسام البشرية إلى حكام ومحكومين، وطبقات متناحرة، وصراع ، وحروب، واستعمار، وتمييز عنصري، وتجارة رقيق، وتشريد شعوب، وتدمير شامل لكافة القيم الإنسانية الحقيقة.
على أن "ماركس" لم يكن مثالياً كهيجل لكي يرى أن تحرر الإنسان وارتقائه على النحو المذكور هي مسألة وعي فحسب، وإنما دفعته علميته إلى أن يفهم بعمق بالغ الشدة أن المسألة المذكورة هي فعل تاريخي نضالي من جهة ، وتتوقف على تحرير كل البشرية وارتقائها من جهة أخرى ، وهذان هما الشرطان الاساسيان اللذان قرن تحقق أفكاره النظرية بهما، واللذان بدونهما تظل تلك الافكار مجرد أفكار طوباوية ليس لها أية قيمة. [28]
رأى ماركس أن الوصول إلى الإنسان المذكور، أو على الاقل التحول باتجاهه، لن يتأتى إلا بفعل نضالي يستهدف قبل كل شيء إلغاء كافة الشروط المادية التي قادت إلى التشكل الطبقي المذكور، لكن ذلك لن يحدث الا على أساس طبقي، ويعود السبب في ذلك إلى أن كل اغتراب بشري وكل عبودية وقهر وتمزق وتشيؤ للإنسان عبر التاريخ، إنما تنشأ كلها من علاقة واحدة بالذات، هي علاقة الإنسان العامل بالإنتاج .
ولذا فان تحرير الإنسان من شروط لا إنسانيته المذكورة، لا يمكن تحقيقه إلا على يد طبقة المنتجين هؤلاء، فالتحرير المذكور هو في حقيقته تحرير الإنسان من علاقته المذكورة بالإنتاج. وهذا يستدعي حكماً تحرير كل انسان مرتبط بهذه العلاقة، أي تحرير الطبقة العاملة التي هي وحدها المرتبطة بها
ويمكن صياغة هذه المسألة بطريقة أخرى فنقول إن الطبقة العاملة هي وحدها، بين كل الطبقات، التي يكون تحريرها هو تحرير للإنسانية بالكامل، والسير بعد ذلك باتجاه الإنسان الشامل.
فتحريرها يعني شيئاً واحداً فقط وهو الغاء أسلوب العمل السائد الذي هو أصل كل تشكل طبقي لا انساني للإنسان.
وعندما يتم ذلك تكون قد تحققت الشروط المادية الاجتماعية والإنسانية الضرورية لتحقيق الافكار الإنسانية النظرية تحقيقاً فعلياً، وبالتالي تمهيد الطريق لخلق الإنسان الشامل. [29]
ولتوضيح تلك الشروط بين ماركس في البيان الشيوعي أن التحرير المذكور للطبقة العاملة، الذي هو المقدمة الاساسية للسير نحو الإنسان الشامل، يتوقف على الغاء الملكية الفردية ، والغاء الحرية البورجوازية المتمثلة بحرية التجارة، وحرية البيع والشراء، وحرية زيادة رأس المال واستغلاله على حساب المنتجين، وحرية استغلال الآخرين. هذا هو الشرط المادي.
كذلك يتوقف على اقامة ملكية اجتماعية ، ملكية الشعب بأسره، لكافة وسائل الانتاج. وهذا هو الشرط الاجتماعي الذي بمقتضاه تقوم علاقات اجتماعية حقيقية بين الناس. وأخيراً يتوقف التحرير المذكور على تقويض كل العداوات القومية المكرسة لخدمة الطبقات المستغلة ، واحلال التعاون بين الامم محلها. وهذا هو الشرط الإنساني. [30]
 


[1] د. حامد خليل – مشكلات فلسفية – الطبعة الثالثة – دار الكتاب – دمشق – 1989/1990 م – ص 197-228
[2] المصدر السابق -  ص197
[3] المصدر السابق -  ص 198
[4] المصدر السابق -  ص 199
[5] المصدر السابق -  ص 200
[6] المصدر السابق -  ص 201
[7] المصدر السابق -  ص 202
[8] المصدر السابق -  ص 203
[9] المصدر السابق -  ص 204
[10] المصدر السابق -  ص 206
[11] المصدر السابق -  ص 207
[12] المصدر السابق -  ص 208
[13] المصدر السابق -  ص 209
[14] المصدر السابق -  ص 210
[15] المصدر السابق -  ص 211
[16] المصدر السابق -  ص 212
[17] المصدر السابق -  ص 213
[18] المصدر السابق -  ص 214
[19] المصدر السابق -  ص 215
[20] المصدر السابق -  ص 216
[21] المصدر السابق -  ص 217
[22] المصدر السابق -  ص 218+219
[23] المصدر السابق -  ص 220
[24] المصدر السابق -  ص 221
[25] المصدر السابق -  ص 223
[26] المصدر السابق -  ص224
[27] المصدر السابق -  ص 225
[28] المصدر السابق -  ص 226
[29] المصدر السابق -  ص 227
[30] المصدر السابق -  ص 228



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجتمع المعرفة في الوطن العربي في ظل العولمة
- الديمقراطية ومستقبل أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في بلادنا
- التدخلات الدولية والإقليمية ودورها في محاولة تصديع الهوية ال ...
- عن مأزق الفكر السياسي الفلسطيني وزيارة بايدن وأوهام الحديث ع ...
- غسان كنفاني ما زال حاضراً في قلوبنا وعقولنا بعد 50 عاما على ...
- ندوة جامعة الاقصى حول أزمة التعليم في الجامعات الفلسطينية
- باختصار شديد عن كتاب الرفيق لينين - المادية و المذهب النقدي ...
- أزمة التعليم في الجامعات الفلسطينية
- حديث عن عصر الحداثة
- مراحل تطور الفلسفة في القرن التاسع عشر
- في مناسبة الأول من أيار 2022....عن العمال والفقراء في الوطن ...
- تطور الاخلاق في إطار الأنماط أو التشكيلات الاجتماعية الاقتصا ...
- في الذكرى السادسة والاربعين ليوم الأرض
- تطور الفلسفة والانقطاع المعرفي في الفلسفة العربية والرؤية ال ...
- النضال الوطني الفلسطيني وإشكالية القطري والقومي
- أزمة حركات التحرر العربية اليسارية وسبل النهوض واستعادة دوره ...
- منطلقات فكرية بحاجة للحوار المعمق وللمراجعة وإعادة الصياغة م ...
- عن المشروع الصهيوني والسيطرة الصهيونية الامبريالية الراهنة و ...
- عيد ميلاد مجيد
- حول اللحظة الراهنة للعولمة الامبريالية ومستقبل الجماهير الشع ...


المزيد.....




- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - الإنسان والتاريخ عند ماركس