بسام الرياحي
الحوار المتمدن-العدد: 7319 - 2022 / 7 / 24 - 01:33
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كان ذلك في بداية سنوات الألفين المكان المعهد الثانوي ببوعرادة خطواتي الاولى في التعليم الإعدادي، من مدرسة ريفية إلى معهد ثانوي يضم جميع مستويات التعليم الإعدادي والثانوي مرحلة جديدة وواقع مغاير.مغاير لما ألفته في مدرسة هنشير رومان الإبتدائية من أقسام قليلة ووجوه مألوفة وأعباء حياتية بالأساس، كنا ننظر لقسوة الشتاء وطول المسافة وثقل محفظة الكتب ووجبة شحيحة أكثر مما تحمله الدراسة من أعباء نفسية وفكرية وبدنية، وفي يوم من أيام شرودي الأولى في المعهد ألتقي بالسيد الصادق العادل في الرواق المخصص لمادة الفرنسية أبحث بيأس عن قاعة الرياضيات وقد تأخر وقت الدخول ليأخذ بيدي نحو القاعة وبعد طلب إذن الأستاذ دخلت للحصة وأكملت تأملي الباهت في وجوه التلاميذ والقسم الذي كان يغلي ولا يتوقف عن الحركة والكتابة.آخر النهار تذكرت هذا الرجل المسرع الصارم صاحب العطر المميز وسألت من ذلك الرجل أبيض الرأس واللحية الكثة أنه الصادق العادل.كل ما مر من أمامي إلا وراقبته، حركته وتقاسيم وجهه المفعم دوما بالإبتسامة والحياء وكبرياء السنين الطويلة لا يمكن أن تخطئه، أول حصة في قاعة المراجعة منتصف النهار رافقناه داخل القاعة، في جيب سترته على اليسار أقلام جافة وأخرى من الحبر ألوان مختلفة وعيارات متنوعة وفي يده اليمين أوراق الرسم البيضاء.كان من الواضح أنه موهوب لا تمر حصة مراجعة دون أن يمسك بقلم الرصاص ليمنح الخيال فرصة التجسد والتلون أصابعه لا يفارقها الحبر ولا تتوقف عن مداعبة أوراق الرسم البيضاء، له حضوة في ذلك المعهد خاصة عند صاحبة المكتبة كثيرا ما يستفيد من كتبها المرفوفة على جوانب تلك القاعة العريضة المستديرة، من النادر حقا ان ترى أناسا يتمسكون بالمعرفة والموهبة في التعليم هذا الميدان القاسي الذي يسلب من الروح عنفونها ويجفف منابع إبداعها بتكرار كلمات الدرس وإيقاع العمل الدائم.في تلك السنوات هاجمت الولايات المتحدة العراق لاسقاط نظام صدام حسين نذهب للصادق العادل ليفك سلاسل جهلنا وقلة معرفتنا نسئله ما الذي يحصل أين وصلت العملية الأمريكية هل يصمد العراقيون وما سبب هذه الحرب الهمجية الدامية... لا يمل من إجابتنا بالعكس يرسل أحد أصدقائنا لمشرب المعهد ويضيفنا الشوكولا كان يعشقها بمختلف أحجامها وأنواعها وكلما تجدد النقاش يسألنا هل نأتي بالشوكولا اليوم أيضا ويوافق الجميع وتنتهي تلك الساعات بسرعة دون عناء أو كلل.كان من رجال ذلك المعهد الذين يصعب تكرار خصالهم وإلى نهاية المرحلة الثانوية رأيت فيه النزاهة والعمل والإنضباط...رحل عنا الصادق العادل قبل أيام قليلة نكشت من ذاكرتي ومضات مروره الهادئ والراقي، الحياة مسيرة نسبية غير أبدية في الأخير جميعنا سيرحل لكن ما يبقى خالد ومستمر تلك القيم التي يحملها الإنسان ويعيش بها ومن خلالها في ذاكرة من بعده كذلك كان عدولة كما يحلو للبعض تسميته في مدينته بوعرادة إنسان محب وصاحب عطاء وفضل على أجيال مرت على أروقة المعهد وفي شوارع المدينة.
#بسام_الرياحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟