أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - القاسمي بدرالدين - الغش في امتحانات الباكالوريا : من سلوك فردي إلى سلوك مؤسساتي















المزيد.....


الغش في امتحانات الباكالوريا : من سلوك فردي إلى سلوك مؤسساتي


القاسمي بدرالدين

الحوار المتمدن-العدد: 7317 - 2022 / 7 / 22 - 00:56
المحور: المجتمع المدني
    


خلال العقود القليلة الاخيرة، أصبحنا نشاهد اختلالا في المعايير الاجتماعية والنسق القيمي، لدرجة ان بعض السلوكات المشينة والممارسات المرفوضة صارت تفرض نفسها كسلوك اجتماعي مقبول، وأظن ان الغش واحد من بينها، حيث أن هاته الجرثومة صارت تنخر الجسم المجتمعي بكل أبعاده وبمختلف قطاعاته.
ان الغش كظاهرة مدرسية تفيد عملية تزييف لنتائج التقويم، كما انها محاولة غير سوية للحصول على إجابات عن أسئلة الاختبار بطرق ووسائل ممنوعة وغير مشروعة بموجب القانون. وهو أيضا سلوك يعبر عن اضطراب نفسي، نظرا لكون الغش لم يعد مصدر للحرج والخجل أو تأنيب الضمير إنما دافع للانتشاء والبطولية.
هذا وعرفت نسب النجاح بمختلف الاسلاك الاشهادية، خصوصا الباكالوريا أرقاما قياسية خلال السنوات الاخيرة، اذ اقتربت في بعض المواسم من حوالي ثمانين في المئة في حين لم تكن تبلغ خلال بداية الألفية الاربعون في المئة. الكثير من الآراء -خصوصا الرسمية منها- ترجح الامر إلى المجهودات الجبارة التي بذلها الوزارة في سبيل الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين، وتجويد العرض المدرسي وكذا عصرنة القطا ع ...
لكن، واقع الأمر يسير عكس ذلك، فالغش سيد الموقف، وهو المؤشر المسؤول عن ارتفاع نسب النجاح خصوصا في ظل الثورة الرقمية وما تعرفه من تقدم وتطور وابتكار لوسائل دقيقة تسهل هاته العملية وتزيد من انتشارها بشكل واسع، حتى صار الغش وجها من أوجه الامتحان الذي لا يمكن لا تحاشيه ولا تغافله.
وفي الوقت الذي كان الغش فيما مضى عملا مقرفا ومخزيا يند له الجبين، وكانت تتخذ في حق مرتكبيه أقصى العقوبات، نجد ان نظرة المجتمع للغش عرفت تغير مثيرا، بحيث تم تلطيف المفهوم وصار ينظر اليه كونه مكسب وحق مشروع، وهذا ليس وليد اللحظة انما هو نتاج سيرورة زمنية تداخلت فيها مجموعة من العوامل سواء الذاتية منها او الموضوعية، مما صعب معه توجيه اصبع الاتهام الى جهة معينة لضلوعها في تفشي الظاهرة.
وكما سبق وأشرنا فإن أسباب هاته الظاهرة متعددة، منها ما هو متعلق بتعثر التلميذ وعدم تمكنه من الكفايات الاساسية، وضعف قدراته ومحدودية معرفته التي قد تساعده على التحصيل واكتساب مهارات جديدة، إذا يجد نفسه غير قادر على مسايرة إيقاع التعلمات الشيء الذي يولد لديه شعورا بالإحباط مما يدفعه إلى إهمال واجباته و يلجأ للغش للتخفيف من الضغط الذي يخلفه الفشل أو الخوف من الرسوب. كما ان صعوبة المنهاج المدرسي وتشعب دروسه وفقدان بعضها للمعنى وجمود بعضها أو ضعف ارتباطها بالواقع وغرقها في النظري بدل التطبيقي كلها أمور تقلل الدافعية للتعلم.
الغش لم يعد يشمل فقط المتعثرين الذين يحلمون فقط بالنجاح والظفر بالشهادة، إنما المجتهدين أنفسهم ورغم قدرتهم الحصول على معدل مميز الا انهم يطمحون الوصول الى معدل اعلى لإرضاء غرورهم و للتمكن من ولوج الكليات والمعاهد العليا خصوصا الطب والهندسة أو ضمان الانتقاء في احدى المباريات، بمعنى أنهم يسعون الى آفاق تفوق إمكانياتهم وقدراتهم المعرفية.
ولا يخفى أن معظم الإدارات التربوية تكون متواطئة من خلال تكليف أساتذة دون غيرهم بالحراسة حتى تمكن التلاميذ من الغش واستخدام كافة الوسائل في سبيل ذلك، كما نجدها تتستر على حالات الغش للحفاظ على سمعة المؤسسة وتترك انطباعا ايجابيا لدى الجهات العليا، اعتقادا منها ان مصداقية المؤسسة تقاس بانعدام حالات الغش وارتفاع نسب النجاح.
الا اننا نجد ان الادارة نفسها تتعرض لضغوط من جهات اخرى، بحيث ان نسبة النجاح يجب ان تتجاوز عتبة معينة وإلا تعرضت لكثرة الاستفسارات وزيارات اللجن، فضلا عن محاربة الاكتظاظ، فكلما كانت نسب الرسوب مرتفعة تطلب الأمر الموسم الموالي توفير حجرات اضافية وتعيين اطر جديدة الشيء الذي يستحيل مع ضعف الإمكانات المادية.
وبالعودة الى المراقبين، فإننا نجدهم فئة غير متجانسة ومتباينة الارتباط بالمهنة، فمنهم المتسامحون مع الغش والمعطلين لمساطيره القانونية بعدم كتابة التقارير، والمتساهلون مع الغشاشين باسم العامل الانساني والرأفة بالممتحنين وأسرهم ومراعاة ظروفهم المزرية، والمتواطئين معهم من خلال تقديم ايجابات، وفي كثير من المرات يكون بالسطو على إجابات ومجهودات تلاميذ متفوقين بنفس الفصل. وهم عموما فئة محببة تبعث الأمان في نفسية الغشاش، وتوصف على أنها متضامنة ناكرة للذات و متفتحة مسايرة لروح العصر، وهم لا يدرون أنهم يغذون ثقافة الاتكالية والريعية ويكرسون الحرتقة والكسل. و بالموازاة مع ذلك، نجد فئة أخرى غير متساهلة تحرص على إقرار مبدأ تكافؤ الفرص والتنافس الشريف والحفاظ على المناخ السليم للامتحانات، و هاته الفئة دائما ما تنعت بالصرامة الزائدة، والعقلية القديمة و المتزمتة وعدوة للنجاح.
اما عن المغششين، والسبب يرجع عموما الى الخوف من التعرض الى الاعتداء من طرف التلاميذ او ذويهم في ظل الغياب شبه تام للضمانات القانونية وانعراجات المساطير، لذا ومن أجل تجنب التوتر والاحتقان داخل القاعة يصرفون النظر عن الفوضى، ويتفق علماء النفس أن شخصية هؤلاء سلبية ومستسلمة وضعيفة، ومنهم من يرغب في تعزيز ثقته بنفسه عبر مده يد العون وتوسله الحب والاحترام وكذا إظهاره نوعا من الشهامة والمروءة المزيفة اعتقادا منه أنه يقدم خدمة للتلميذ والمجتمع. بالإضافة إلى اعتبار الحراسة تخرج عن نطاق مسؤوليتاهم، وأنهم يشاركون في العملية مكرهين، و لاعتقادهم ايضا ان الدولة الفاسدة تشجع على الفساد، وهكذا يصبحون على يقين انهم مجرد ضحايا وأنهم جزء من مسرحية يجب ان يجسدو من خلالها دورهم. لكنها ربما تبقى مجرد حجج واهية، والدليل ان حالات الغش في صفوف باكالوريا احرار -غير المحسوبين على أية مؤسسة- مرتفعة ونسب النجاح متدنية، علما انهم نفس الاساتذة واللجن والملاحظين الذين يسهرون على عملية التقويم، بمعنى أنه بإمكانهم القيام بواجبهم بنفس الشكل داخل مؤسساتهم وخارجها.
ومن بين الاسباب الاخرى نورد ايضا الصورة النمطية التي كونها المجتمع حول المدرسة، من جهة لتراجع أدوارها التثقيفية والمعرفية وما رافقها من الاجهاز على ثقافة الاحترام والاعتراف بالاستاذ، الذي تحول هو نفسه إلى مجرد تقني يقدم خدمة اجتماعية مقابل اجرمعين، ومن جهة ثانية عدم ملائمة التخصصات واستجابتها لسوق الشغل، الشيء الذي يفرغ الشهادة المحصل عليها من قيمتها العلمية والفكرية بل وحتى الرمزية والاعتبارية. وتبعا له، أصبحت المدارس مجرد حضانات تفرخ المعطلين والاميين.
ولا يمكن اغفال انعكاسات الغش والتواطؤ مع الغشاشين، خصوصا وان المدرسة تعد العمود الفقري للمجتمع تصب أطر في كافة القطاعات، فالغشاش ليس بعيدا ان يصبح طبيبا أو مهندسا او استاذا ومن يضمن انه لن يبالغ في انتهازية وريعه وطمعه، ومن يضمن أنه سيكون مؤهلا مهنيا لمزاولة وظيفته، ومن يضمن ايضا انه سيعيش وفقا للمعايير والقوانين الاجتماعية وليس وفقا لمأربه ومكاسبه الشخصية. ان التطبيع مع الغش يجعل المجتمع متفسخا مزيفا ويجعل قيم الشفافية والعمل الجاد المتقن معطلة. وعلى النقيض منه، يكرس الهروب من المسؤولية وهيمنة ثقافة الشكوى والاحتجاج الفارغ والميكافيلية وانتشار الميوعة والسلبية وتجذير التطبيع مع مختلف أشكال التزوير. وأي دور يمكن لأمي حامل لشهادة وذو تكوين لغوي ومعرفي ومهارتي متدن وهزيل ان يلعبه داخل مجتمعه ؟
وفي الاخير، لا يسعنا الا ان ننبه الى ضرورة تطوير نظام التقويم التربوي وتنويع أساليبه وتحديثه؛ واعتماد الاختبارات الشفهية في المستويات الاشهادية؛ ووضع أسئلة تحفز ملكات النقد والتحليل بدل الاسئلة السطحية التي تستدعي الحفظ؛ وتغليب الكيف على الكم في المناهج دون ان ننسى اعتماد الوسائل التكنولوجية والرقمية في الحراسة والتشويش على شبكة الاتصال.



#القاسمي_بدرالدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة في التعايش والتسامح


المزيد.....




- إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و ...
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال ...
- مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - القاسمي بدرالدين - الغش في امتحانات الباكالوريا : من سلوك فردي إلى سلوك مؤسساتي