|
مراجعة لمفهوم جهنم
عدنان إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 7315 - 2022 / 7 / 20 - 10:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا كان هناك شخصان منحرفان، وطالب أحدهما الآخر بالإستقامة ومكارم الأخلاق، فإن الأخير يقول - بحسب المثل المصري: (ده احنا دافنينه سوا) يعني كيف تطالبني بهذا وتمثل أنك رجل الخير بينما نحن قتلنا فلاناً بالامس وقمنا بدفنه سوياً. كذلك كيف يُعقل أن نطالب الناس بأن يرحم بعضهم بعضاً إذا كان ربهم نفسه يبالغ في التعذيب ويقهر ويتجبر ؟ إن علوم الحكمة والعرفان تقول أن الجبار والقهار الخ هي أسماء الجلال التي يظهر بها في الكفار أي المتجبرين على الناس، هذا هو الجبار القهار بشكل نموذجي، وليس وراء هذا معاملة أخرى مباشرة (لا وجود للتعامل مع الإله العالمي في صورة ذاتية، ولكن من خلال وسائط.. لأن الله لا يظهر بذاته هذه ألف باء حكمة، ومن يجهل هذا ويظن أننا هنا وفي المقابل مملكة يظهر فيها الجبار أو الرحيم الودود بذاته، فهو سطحي مادي لم يتجاوز مرحلة طفولة المعرفة، ولو كان أستاذاً جامعياً أو شيخاً يستفتيه الناس. رجاء لا تطالب الناس بأن يتراحموا عن اقتناع ذاتي داخلي عميق إذا كان ربهم يعذب ويعتقدون أن هنالك شيء اسمه جهنم.. هل تطالبهم بأن يكونوا أرحم من ربهم؟ فإذا كان رب البيت ضارب بالدف (أو بشيء آخر)، فما شيمة أهل البيت إلا الرقص على هذا الوتر وهذه الموجة. وهذه ليست جرأة ولكنها واجب أخلاقي (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) هذا هو الذي يجب أن يقال للناس ولا شيء آخر، وللعلم فإن الأرض من العوالم المتأخرة روحياً وأخلاقياً، وإن أول خطوات إصلاحها هو التحرر من هذه التناقضات. روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل، فَفَتّهُ بيده، فقال يا محمد، أيحيي الله هذا بعد ما أرم؟ قال: نعم، يبعث الله هذا، ثم يميتك، ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنم، فنزلت الآيات من آخر يس (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين). على هذا الحديث ملاحظتين: الأولى: أن من عرف رسول الله ص يجزم أنه لا يقابل الناس بالغلظة والفظاظة، لا سيما في معرض الإجابة عن سؤال كهذا له وجاهته، أضف إلى أنه صدر من رجل جاهل لم يستضيء بنور أو أثارة من علم، وهذا كاف في رد هذا الحديث، ومثله حديث العبوس في وجه عبد الله بن أم مكتوم، لأن الذي عبس هو الوليد بن المغيرة، وغيرها من الأحاديث التي تشوه صورة النبي ص ويقبلها الناس لمجرد أن إسنادها صحيح. الملاحظة الثانية: أن سنة الله الكونية جرت على إعادة الأرواح من خلال تكرار الولادة وليس من خلال جمع الجزيئات والخلايا من أطراف الكون وبطن الأرض وقيعان البحار كما تخيل الأولون، فليس عند الله أزمة توالد أو خلق جديد، ولا يلزم أن يكون الروح هو نفس الشكل والصورة، لأن الإنسان بمعناه لا بمبناه. وهناك سؤال فرض نفسه هنا وهو: كيف سيتشكل ويعود الجسد نفسه كما يزعمون؟ هنا اخترعوا حديثاً يجيب عن هذا (فكل شيء جاهز عندهم) وهو أن الله سيمطر قبل يوم القيامة مطراً على الأرض كمني الرجال ثم ينبت الناس من قبورهم. عادي! ألا ترى الفول النابت إذا نقعته في الماء يومين كيف ينبت سوقاً لذيذة؟ الله على كل شيء قدير! هؤلاء لم يقرأوا في علوم الحكمة وليس لديهم خبر عن حقيقة الروح وتكرار الولادة والتجسد لحكم عديدة.. وأسوأ شيء وأخطره هو اللعب في البنية العلمية والأساس المعرفي لأي أمة ناشئة، هذه جريمة بكل المقاييس.. فالتنمطُق إن لم يكن ورد عن طريق الروح والإتصال بالملأ الأعلى فهو منطق الجهل والتيه، ولا يعبر عن حقيقة.
ما هي جهنم جاء في محاورات نيل دونالد والش أنه قيل له: هناك من يقول إنني أعطيتك إرادة حرة، لكن هؤلاء الناس أنفسهم يزعمون أنك إذا لم تطعني، فسوف أرسلك إلى الجحيم. أي نوع من الإرادة الحرة هذا؟! ألا يجعل هذا الأمر استهزاءً بالله ألا يكون هناك أي نوع من علاقة الخير بيننا؟ قال نيل: حسنًا، نحن الآن ندخل إلى منطقة أخرى أردت مناقشتها، وهي بالتحديد حول الجنة والنار. فمما أجمعه هنا، أفهم منك أنه لا يوجد شيء اسمه جهنم. قيل له: هناك جهنم، لكنها ليست كما تعتقد أو تجرب، للأسباب التي أعطيت لك. قال نيل: ما هي جهنم؟ قيل له: آلام معنوية، ففي وقت الإيفاء أحياناً على الأرض تقاسون مطهركم، وعلى الأرض يجعلكم الله تكفرون عن أخطائكم. جهنم هي صورة لا يقصد بها مكاناً معيّناً، وإنما حالة الأرواح الناقصين الذين ما زالوا في مرحلة التكفير عن أخطائهم حتى يبلغوا الصفاء التام، الذي سيُصعدهم إلى درجة الأرواح الطوباوية. ونظراً إلى أن عملية التطهير تتحقق في التجسدات المتتالية، يتكون المطهر إذن من تجارب الحياة. إنها معايشة أسوأ نتيجة ممكنة لاختياراتك وقراراتك وإبداعاتك. إنها النتيجة الطبيعية لأي فكر ينكرني، أو تعارض حقيقتك بالنسبة لي، إنه الألم الذي تعانيه من خلال التفكير الخاطئ. ومع ذلك، حتى مصطلح "التفكير الخاطئ" هو تسمية خاطئة، لأنه لا يوجد شيء اسمه الشيء الخطأ. جهنم هي عكس الفرح. إنها عدم التحقق. إنها معرفة من أنت ومن تكون، مع الفشل في معايشة والشعور بذلك. إنها الوجود الناقص. هذا هو الجحيم، ولا يوجد أعظم لروحك منه. لكن جهنم لا توجد في مثل هذا المكان الذي تخيلته، حيث تحترق في نار أبدية، أو تعيش في حالة من العذاب الأبدي. ما الغرض من ذلك؟ حتى لو كنت أفكر بشكل غير اعتيادي غير إلهي أنك لا "تستحق" الجنة، فلماذا سأحتاج إلى نوع من الانتقام، أو العقاب، لفشلك؟ ألن يكون من السهل بالنسبة لي أن أتخلص منك؟ ما هو الجزء الانتقامي مني الذي يتطلب مني أن أخضعك لمعاناة أبدية ذات نوع ومستوى فوق الوصف؟ ربما أجبت: الحاجة إلى العدالة! لكن ألن يخدم أهداف العدالة مجرد إنكار الشركة معي في السماء ؟ أم أن الألم الذي لا ينتهي مطلوبًا أيضًا ؟ أقول لك إنه لا توجد تجربة بعد الموت كتلك التي قمتم ببنائها في لاهوتكم القائم على الخوف. ومع ذلك، هناك تجربة للروح غير سعيدة للغاية، وغير مكتملة للغاية، وأقل من الكل بكثير، ومنفصلة جدًا عن فرح الله الأعظم، وهذا بالنسبة لروحك سيكون جحيمًا. لكنني أقول لك إنني لا أرسلك إلى هناك، ولا أجعل هذه التجربة تزورك. أنت، بنفسك، تخلق التجربة، متى وكيفما تفصل نفسك عن أسمى أفكارك عنك. أنت، بنفسك، تخلق التجربة، متى تنكر ربك فيك، كلما رفضت من وماذا تكون أنت حقًا. (2) ومع ذلك، حتى هذه التجربة ليست أبدية. هذا لا يمكن أن يكون، لأنه ليس خطتي أن تنفصل عني إلى مالانهاية وإلى الأبد. في الواقع، أن استحالة تحقيق مثل هذا ليس فقط لأنه يستوجب عليك إنكار من أنت، ولكن لأنه يوجب عليّ أن أفعل ذلك أنا أيضًا. وهذا ما لن افعله ابداً. وطالما أن أحدنا يحمل الحقيقة عنك، فإن الحقيقة عنك ستنتصر في النهاية. لكن إذا لم يكن هناك جحيم، فهل هذا يعني أنني أستطيع أن أفعل ما أريد، وأتصرف كما أشاء، وأرتكب أي فعل، دون خوف من القصاص؟ هل هو الخوف الذي تحتاجه لكي تكون؟ لكي تفعل، ويكون لديك ما هو صواب في جوهره؟ هل يجب أن تكون مهددًا لكي "تكون جيدًا"؟ ولكن ما هو تعريف "أن تكون جيداً"؟ من له القول الفصل في ذلك؟ من الذي يضع المبادئ التوجيهية؟ من الذي يضع القواعد؟ أقول لك هذا: أنت صانع القواعد الخاصة بك. قمت بتعيين المبادئ التوجيهية. وأنت تقرر مدى جودة أدائك وعملك. لأنك الشخص الذي قرر من وماذا أنت حقًا، ومن تريد أن تكون. وأنت الوحيد الذي يمكنه تقييم مدى جودة أدائك. لن يحكم عليك أي شخص آخر، فلماذا وكيف يمكن أن يدين الله خلقه ويصفهم بأنهم سيئون؟ أنا إذا أردتُ أن تفعل كل شيء على أكمل وجه، لكنت تركتك في حالة الكمال التام من حيث أتيت. إن الهدف من العملية هو اكتشاف نفسك وخلق ذاتك كما أنت حقًا وكما تتمنى حقًا أن تكون. ومع ذلك، لا يمكنك أن تكون كذلك ما لم يكن لديك أيضًا خيار أن تكون شيئًا آخر. فهل يجب أن أعاقبك على اختيارك الآخر الذي عرضته بنفسي أمامك؟ إذا كنت لا أريدك أن تقوم بالاختيار الثاني، فلماذا أقوم بإنشاء غير الخيار الأول؟ هذا سؤال يجب أن تطرحه على نفسك قبل أن تخصص لي دور الله المُدين. الجواب المباشر على سؤالك هو، نعم، يمكنك أن تفعل ما يحلو لك دون خوف من العقاب. ومع ذلك، قد يكون من المفيد لك أن تكون على دراية بالعواقب. العواقب هي نتائج. نتائج طبيعية. هذه ليست على الإطلاق نفس العقوبات. النتائج ببساطة هي ما يظهر عن التطبيق الطبيعي للقوانين الطبيعية. إنها ما يظهر، كما هو متوقع تمامًا، كنتيجة لما حدث. تعمل جميع وظائف الحياة المادية وفقًا للقوانين الطبيعية. بمجرد أن تتذكر هذه القوانين، وتطبقها، تكون قد أتقنت الحياة على المستوى المادي. ما يبدو لك كعقاب - أو ما تسميه شرًا، أو حظًا سيئًا - ليس أكثر من قانون طبيعي يؤكد نفسه. نيل: إذاً فلو كنت أعرف هذه القوانين وأطعتها، فلن أعاني من مشكلة مرة أخرى. هل هذا ما تقوله لي؟ الإجابة: لن ترى نفسك أبدًا أنها في ما تسميه "مشكلة". لن تفسر أي موقف في الحياة أنه يمثل مشكلة. لن تواجه أي ظرف بالخوف. ستضع حدًا للقلق والشك والخوف. ستعيش كما تتخيل آدم وحواء عاشا، ليس كأرواح بلا جسد في عالم الإطلاق، ولكن كأرواح متجسدة في عالم النسبية (عالم الملكوت). ومع ذلك، ستتمتع بكل الحرية، وكل الفرح، وكل السلام، وكل الحكمة والفهم وقوة الروح التي أنت عليها. سوف تكون كائنًا محققًا ذاته بالكامل. (1)
إن الأفضل لكم أن تهدموا فكرة جهنم بجعلها هُزأة لا تقبلها عقائدكم مثلما لا تقبل قلوبكم بشاعة مشهد الجلادين والمحارق والتعاذيب صدقوني لكي لا تتعرضوا لرؤية عقائدكم كلها تنهار بين أيديكم - لأنكم لا تجعلونها تتغيّر - انعشوها بفتحها للتعاليم الكريمة التي تسلمكم إيّاها في هذا الحين الأرواح الصالحة: فكرة جهنم ونيرانه الملتهبة مضت وانقضت أي صفح عنها في عصر السيف ولكن في العصر الحاضر، فهي لا تغدو أكثر من تخيلات صبيانية، أقصى ما تستطيع هو تخويف الأطفال وهم نفسهم لا يعودون يعتقدون بها حالما ينضج إدراكهم قليلاً بتمسككم بهذه الخرافات المريعة تهدمون الإيمان وحينذاك يفسد أي نظام اجتماعي. لا للتمسك بخرافات يالية تكذب نفسها من هو المذنب، أبسبب غلطة أو انحراف ضال يجرى الابتعاد عن مقصد الخليقة الذي هو احترام الحسن واحترام الخير، ما هو العقاب: هو النتيجة الطبيعية الناتجة عن الانحراف، أعني مقداراً من الآلام اللازمة لتجعل المخطئ باختياره العقاب يمقت عدم استقامته، العقاب هو المنخس الذي بمرارة الألم يحرك الروح ليفكر بحالته ويعود إلى شاطئ النجاة، لا يعدو غرض العقاب إعادة الاعتبار للمذنب وتحريره من الخطأ. الاعتقاد بالنار المادية والتنانين الملتهبة والتعذيب الشديد المستعار من "ترتاروس" في الوثنية، تركه في عصرنا أكثرية رؤساء الدين، هذه المشاهد المريعة الرمزية التي يقدمها كحقائق واقعية أناس متحمسون للدين أكثر مما لدور المعارف، وهذا خطأ، إذ أن هؤلاء الأولاد الصغار بعد أن يتغلبوا على رعبهم سيزيدون عدد الذين لا يصدقون بالدين لقد خلقتم تناقض حول الله، كل ما يختبره قلبك عن الله يخبرك أن الله شيء ء جميل وجيد ولكن كل ما يعلمك إياك معلموك عن الله أن الله شيء سيء يخبرك قلبك أن الله يجب أن يُحَب بدون خوف معلموك يقولون لك إن الله يجب أن يُخاف، لأنه إله منتقم يقولون إن عليك أن تعيش في خوف من غضب الله عليك أن ترتجف في حضوره عليك أن تخاف طيلة حياتك من حساب الله ومحاكمته لأن الرب "عادل" ولابد أن يحاسب حساباً دقيقاً عسيراً لا حساباً يسيراً وأن الله وحده أعلم كم ستعاني عندما تواجه عدل الرب الرهيب لذلك، يجب أن تكون "مطيعًا" لأوامر الله وإلا! قيل لك أن الله مغفرة ورأفة، ولكن إذا لم تطلب هذه المغفرة "بالطريقة الصحيحة"، إذا لم "تأتي إلى الله" بشكل صحيح، فلن يُسمع نداءك، وسيذهب صراخك أدراج الرياح حتى هذا لن يكون سيئًا للغاية إذا كانت هناك طريقة واحدة مناسبة فقط، ولكن الحاصل أن هناك الكثير من "الطرق المناسبة" التي يتم تدريسها حيث يوجد مدرسون لتعليمها لذلك، يقضي معظمكم الجزء الأكبر من حياته - بعد البلوغ - في البحث عن الطريقة "الصحيحة" للعبادة والطاعة وخدمة الله والمفارقة في كل هذا أن الله لا يريد عبادتك، وليس بحاجة إلى طاعتك، وليس من الضروري أن تخدمه هذه السلوكيات هي السلوكيات المفروضة تاريخيًا على الرعية من قبل الملوك المستبدين المهووسين غير الآمنين على ملكهم في ذلك الوقت إنها ليست مطالب إلهية بأي معنى! ولكن اللافت للنظر أن العالم لم يستنتج حتى الآن أنها مطالب مزيفة، وليس لها علاقة برغبات الله الإله ليس له احتياجات فالكل هو الكل على الحقيقة لذلك فهو لا يفتقر إلى أي شيء ولا ينقصه شيء بحكم التعريف إذا اخترت أن تؤمن بإله يحتاج إلى شيء ء، ولديه مشاعر مؤذية إذا لم يحصل عليه، لدرجة أنه يعاقب أولئك الذين توقع أن يتلقاه منهم، فأنت عندئذ تختار أن تؤمن بإله أصغر منه بكثير! هذا لا يعني أنني بلا رغبات الرغبات والاحتياجات ليسا شيئاً واحداً (على الرغم من أن العديد منكم جعلوها كذلك في حياتك الحالية) يسلم حالياً رجال الدين بأن كلمة نار تستعمل مجازياً ويجب أن تفهم كنار معنوية، والذين تبعوا تقلبات الحياة وأساليب العذاب بعد الموت، في الاتصال مع الأرواح، تحققوا من ان النار لكونها غير مادية فإن آلامها ما زالت حادة جداً وبدأ بعض رجال الدين يقبلون تقييد المعنى ويظنون فعلاً ان النار الأبدية يجوز فهمها على أنها المحن والعقوبات في ذاتها كقانون وسنة إلهية نقد فكرة أبدية المحن إن المحن التي تُفرض ليست أبداً إلى آخر الدهر. سلوا أنفسكم بالمنطق وبالعقل هل ان حكماً مؤبداً بسبب بعض لحظات الضلال ألا ينفي محبة الله لمخلوقاته! كم تبلغ مدة الحياة وحتى لو طالت مائة سنة بالنسية إلى الأبد، أتدرون تماماً ما معنى هذه الكلمة؟ معناها شقاء وعذاب أليم لا حدّ له ولا أمل في انتهائه من أجل بعض أخطاء، أيقبل عقلكم حكما من هذا القبيل! نسًلِّم بأن الأقدمين صوروا سيد الكون كإله قاس جداً وغيور ومنتقم وأنهم في جهلهم نسبوا إلى الله أهواء البشر، لكن هذا الإله ليس هو الله، الذي يضع المحبة واللطف والرحمة ومغفرة الذنوب والخطايا منزلة الفضائل الأولى أيعقل أن ينقض هو ذاته الفضائل التي أوصى بها مخلوقاته! ألا ترون التناقض أن ينسب إلى الله الرحمة اللا محدودة والانتقام اللا محدود؟ فضلاً عن ذلك أليس أرفع مستوى العدالة عندما تصحبها المحبة هو أن تكون مدة المحن متوقفة على اجتهاد المذنب ليتحسن، اجتهدوا بكل ما في وسعكم في مقاومة وإبادة فكرة أبدية المحن والأزمات فهي تفكير تجديفي تجاه عدالة الله ورحمته وأخصب منبع للإلحاد والمادية واللامبالاة الدينية التي تعم الجماهير، وحالما يبدأ ذكاؤهم يتطور فإن الروح الذي أوشك أن يستنير حتى لو كان غليظاً بعد يدرك حالاً شناعة هذا الظلم فيرفضه، وحينئذ نادراً ما لا يخلط بين المحنة التي يتمرّد عليها وبين الله حين ينسبها إليه، من هنا تأتي الشرور العديدة التي أصابتكم والتي جئنا لنعالجها أيفوتكم ان المعنى الحاضر لكلمة أبديّة ليس ذات المعنى الذي كان الأقدمون ينسيونه إليها؟ استشيروا المراجع القديمة مثلما أنتم جميعاً وسيتضح لكم ان اللغة كانت لا تعطي نفس المعنى للكلمة، فإن أبدية العقوبات هي أبديّة نسبية لا مطلقة، صحيح ان إدراككم البشري محدود ولكنه مع ذلك هبة من الله وبمعونة المنطق لا يوجد إنسان سليم النية يفهم بخلاف هذا المعنى أبديّة العقاب ترى هل نسلّم بان الشر سيكون إلى الأزل، الله وحده أزلي ولا يعقل أنه خلق الشر الأزلي، وإلا فيلزم ان ننزع من الله أسمى سجاياه وهي قدرته على كل شيء إذ لا يعود قادراً على أن يخلق عنصراً قادراً على هدم الشر لا تُحَدِّقوا أنظاركم الحزينة في باطن الأرض باحثين عن أنواع العقوبات بل ابكوا واصبروا وكفروا عن أخطائكم، والتجئوا إلى فكرة الله المحب في صميمه والقادر إطلاقاً على كل شيء ء والعادل في جوهره تحركوا منجذبين صوب الوحدة مع اللّه، هذا هو هدف البشرية ومن أجل تحقيقه تحتاج البشرية إلى ثلاثة أشياء: العدل والمحبة والعلم، وهناك ثلاثة أشياء تعاكسها: الظلم والبغض والجهل الحق أقول لكم أنتم تكذبون هذه المبادئ الأساسية بتشويهكم فكرة الله عندما تبالغون في قسوته تضاعفون هذا التشويه لأنكم تجعلون المخلوقات تظن ان لديها رحمة وحلما ومحبة وعدالة حقيقية أكثر مما ينسبون إلى الخالق الأزلي. حقأ أقول لكم كفوا عن وضع وجهة الأبدية، أكدوا بالعكس على التكفير تدريجياً بالعقوبات والمحن بواسطة التجسّدات المتتابعة، وستؤيدون بالعقل وبالعاطفة الوحدة مع اللّه. يريد الدين حث الإنسان على الخير وإبعاده عن الشر، وذلك باغرائه بالمكافأة وتخويفه من العقاب، ولكن إذا صور له العقاب بحيث ان عقله يأبى أن يصدق به، فلن يؤثر عليه أي تأثير، وسيستنكره الإنسان اسنتكاراً شاملاً في صيغته وفي محتواه، وبالعكس فإن صور له المستقبل بصورة معقولة فسيقبله حينئذ. التعليم القائل بأبدية العقاب بمعناه المطلق يجعل الكائن الأعلى قاسياً لا يرحم، أيعقل أن يقَال عن ملك إنه طيب جداً وحليم جداً ولا يريد غير سعادة الذين يحيطون به، ولكنه في الوقت نفسه غيور ومنتقم وقاس بلا رحمة، وإنه يعاقب بالعذاب الأبدي لأية إهانة أو مخالفة لقوانينه، ثلاثة أرياع رعاياه أخطؤوا لأنهم كانوا يجهلون القوانين، ألا بوجد هنا مناقضة، أم ان الله أقل رحمة من الإنسان؟ نرى مناقضة أخرى في هذا الأمر وهي ما دام الله يعلم كل شيء فهو يعلم إذن عندما يخلق روحاً بأنه سيفشل، ولكنه أعطاه الوسائل ليكفّر عن أخطائه ليتثبت أكثر في صراط البرّ، الله إذاً لا يقفل عليه باب الأمل إلى الأبد ويجعل ساعة نجاته تتوقف على الجهود التى يبذلها ليصل إليه، هذا ما لا يستطيع الناس أن يفهموه. أمن الممكن أن تسود المحبة يوما على سطح الأرض؟ ستسود المحبة على سطح الأرض حينما - من بين الأرواح الذين يأتون ليسكنوا عليها - يتفوق عدد الأخيار على عدد الأشرار، حينئذ ستسود المحبة والعدالة اللتان هما مصدر الخير والسعادة فبالإرتقاء الخلقي الأدبي وبتطبيق نواميس اللّه يجتذب الإنسان إلى الأرض الأرواح الصالحة ويبعد عنها الأرواح الشريرة إلا أن الأرواح الشريرة لن تغادرها إلا بعد أن يُبيد منها الإنسان الكبرياء والأنانية. تنبأت بعض الأرواح بأن البشرية ستتغير وأئه قد اقترب وقت هذا التغيير بواسطة تجسد أفاضل الأرواح، لأنهم سيكونون جيلاً جديداً على سطح الأرض، وحينئذ فإن أرواح الأشرار الذين يحصدهم الموت كل يوم مثل جميع الذين يحاولون إيقاف السير إلى الأمام، سيفصلون عن الأرض المتطورة لأنهم سوف يكونون في غير مكانهم بين أهل البر، حيث كانوا يعكرون سعادتهم، سيرحلون إلى عوالم جديدة أقل تقدماً لينجزوا فيها مهمات شاقة حيث يستطيعون أن يعملوا من أجل تقدّمهم الذاتي (3)
____________________________________ Conversations with God vol 1 (1) (2) من المفيد - لفهم طبيعة العالم الآخر- مشاهدة فيلم Ghost 1990 وفيلم Nossolar وهو عمل سينمائي لكتاب للكاتب البرازيلي شيكو كزافييه (3) ألان كاردك، كتاب الأرواح 469-474
#عدنان_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراجعة لمفهوم التكليف والحساب يوم القيامة
-
مراجعة لمفهوم الوحي
-
مراجعة لمفهوم (الدين)
-
مراجعة لمفهوم (الله)
-
مراجعة لمفهوم الدين
-
الدين مرشد لا مقيِّد
-
مشكلة الإتتماء
-
هل يمكن أن نفهم كل شيء ؟
-
سقف المعارف البشرية سوف يتم الكشف عنه قريباً
-
قراءة في فكر عبد الكريم سروش | المعرفة الدينية معرفة بشرية
-
تجربة الإرتقاء الروحي.. ما هي وسائلها ؟
-
كيف يتعامل العلمانيون والمتدينون مع النص الديني؟
-
أدلة مسألة تغير فهم النص
-
دفاع عن ابراهيم عيسى
-
سبب تخلفنا الحضاري
-
عودة الأرواح للتجسد | 9
-
عودة الأرواح للتجسد | 8
-
عودة الأرواح للتجسد.. لماذا؟ | 7
-
عودة الأرواح للتجسد.. لماذا؟ | 6
-
عودة الأرواح للتجسد.. لماذا؟ | 5
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|