محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1681 - 2006 / 9 / 22 - 07:44
المحور:
المجتمع المدني
النرجسية الدينية وتصاحبها وتزاملها النرجسية القومية من مسببات غالبية المشاكل والأزمات السياسية والاجتماعية, وما كانت تدور رحى الحروب والصراعات إلا من أس وأساس لهاتين النرجسيتان الملعونتان مسببتا الكوارث والصراعات والحروب والأزمات بين الشعوب.
فكل صاحب نرجسية دينية يعتد بها اعتدادا مرضياً مبالغ فيه مبالغة شديدة وكأن الدين أو القومية هما الإله الآخر المعبود لدي النرجسي الديني أو القومي, وهدفه هو إعلاء الدين والقومية علي كل الأديان والقوميات الأخرى ساعياً إلي تسفيه كل من يخالف دينه أو قوميته, متخذاً كل أساليب الهجوم للانتصار لدينه أو قوميته علي حساب الآخر.
ولما كان كل إنسان له دين أو قومية فلابد له أن يعتز بدينه أو قوميته ولكن ليس علي حساب الآخر, وإلا فليقبل أن يكون للآخر رأي في تسفيه دينه وقوميته, ولا يدعي أنه يمتلك الدين الحق أو أنه ينتمي لدم أنقي وأذكي من باقي دماء البشر.
ومن هذا المنطلق فإن النرجسية الدينية المريضة يعتقد صاحبها أنه هو من ملاك الحقيقة الصادقة المطلقة وأن الآخر لا يمتلك سوي الباطل الكاذب المطلق , وما بين الحق والباطل والصدق والكذب تتوالد الصراعات والأزمات بين أدعياء الحق وأرباب الباطل , وتنشأ الحروب الدينية والحروب القومية بين الأدعياء المهوسون بالدين أو الموهوسون بالقومية , والأزمة الحقيقية تكمن فيمن هم وراء هذه النرجسيات الملعونة من أصحاب المصالح الدنيوية المغلفة بالدين أو القومية , والأمثلة في القديم والحديث عديدة ولاتحصي ويصعب تعدادها .
وكان تلازم وجود هذه النرجسيات المبنية علي أسس عقائدية دينية أو أيديولوجيات سياسية قائمة علي أسس مصلحية بدعوي حماية الدين من الأعداء , أو حماية الوطن من المتربصين به من الأعداء أيضاً , فخلق حالة من حالات العداء ذات الديمومة والإستمرارية لابد من وجودها في النظرية النرجسية المغذية للعداء والكراهية للآخر علي وجه الإستمرار فمن غير الكراهية والعداء وإذراء الآخر لايمكن أن يقوم للنرجسية الدينية والنرجسية القومية قائمة ولكن المصلحة الملعونة التي تكرس لإستمرارية تواجد حاكم من الحكام علي كرسي الحكم والسلطة كانت من وراء القصد دائماً , أو تسيد قوم علي قوم من أجل السيطرة علي مقدرات وموارد وطن من الأوطان بإسم النعرة والنرجسية القومية , والظاهرة الإستعمارية التي إستمر عليها وضع العالم لمدد زمنية طويلة شاهد علي ذلك والدول الإستعمارية مازالت كائنة وموجودة حتي الآن وتاريخها الأسود النرجسي الملعون يدرس لأبناء الشعوب المسروقة ثرواتها والمستعبد مواطنيها حتي الأن .
والنرجسية القومية أخف ضرراً من النرجسية الدينية, لأن الشعوب من السهل إذا تواجدت لها الإرادة الوطنية أن تتحرر من النرجسية القومية وتقوي بأساليب العلم والحضارة ويكون لها من القدر والشأن بين الشعوب والأمم في القوة والريادة في جميع مجالات العلم والحضارة , ومن خلال حكم وطني وجيش قوي تستجلب إحترام الشعوب والأمم الأخري .
أما المصيبة الدائمة والأزمة المستمرة فإنها تكمن في النرجسية الدينية التي تدعي بأفضلية دين من الأديان علي أتباع الأديان الأخري , بل وتلعن وتكفر المخالفين لها في الرأي من أتباع الدين الواحد لمجرد أن لهم رؤية أو تصور يخالف رؤية وتصور أصحاب النرجسية الدينية , لأنهم في زعمهم هم وحدهم أصحاب الحقيقة المطلقة بل هم الوحيدين ملاك لها دون غيرهم , وكأن الله قد منحهم هذه الحقيقة وسلبها من الأغيار لهم في الدين والعقيدة والرؤية والتصور .
ومن ثم فهم يمثلون الله في الأرض , ويصبحون خلفاء له , ويعطوا لأنفسهم الحق في إصدار الفتاوي والأحكام علي المنتمين لدينهم وعلي الأغيار من الديانات الأخري الذين يمثلون الآخر بالنسبة لهم ولكنه الآخر العدو الكافر الملعون المستوجب لتوجيه الدعوة له للهداية والدخول في الدين الحق , وإن لم يمتثل وجب علي أصحاب النرجسية الدينية قتاله وقتله , وإستباحة وإستحلال ماله ونساؤه , ومدخراته وثرواته , لأنه بهذا المنظور أن الأرض ومن عليها لله وأنهم خلفاء لله في أرض الله , وانهم يريدون دعوة الناس وتعبيدهم لله حتي يتمكنوا من الدخول في جناته وفردوسه الأعلي الذي إختص به المؤمنين بعقيدته ودينه ومن سواهم يصبحوا من الكفار المعاندين والمستوجبين للعنة .
والمشكلة تكمن في هؤلاء النرجسيون انهم يظنون أنهم ملاك للجنة وملاك للنار وكأنهم بأيديهم تلك المفاتيح , وبطاعتهم يضمنوا الجنة للمطيع وبمخالفتهم يضمنوا النار والجحيم للمخالف لهم في الدين والعقيدة والرؤية والتصور , وليت الأمر يقف عند هذا الحد , بل يتعداه إلي اللعنة والتكفير والقتال والقتل إذا لزم الأمر .
ولكن مالذي يستفيد منه النرجسيون من نرجسيتهم الدينية , خاصة إذا رفض البعض هذه الجنة المملوكة لهم وحدهم , وعدم مخافتهم من النار المسلم لهم مفاتيحها ؟
فماذا يضرك أيها النرجسي من رغبتي في عدم دخولي جنتك , بل ورفضي لها , وحتي كفري بهذه الجنة ؟
وماذا يضرك إذا خالفتك وكان مصيري هو العقاب بدخولي نارك وتعذيبي فيها بأشد أنواع العذاب ؟
هل أنت تحبني ؟ هل أنت تخاف علي ؟ هل أنت تتمني لي الخير ؟ هل أنت تريد لي الرحمة من العذاب ؟
ايها النرجسيون أنتم لاتعرفون الحب , ولاتعرفون التسامح , ولاتعرفون الرحمة , ولاتعرفون الخير , ولاتخافون علي الغير , ولاتطلبون لهم رحمة أو هداية سواء في أمور الدنيا أوأمورالآخرة !!
ومادامت النرجسية الدينية والنرجسية القومية متسيدة المواقف في الأزمات فلا يمكن أن تكون هناك بشارة للأوطان بالخير علي الإطلاق , ولايرجي لهاتين النرجسيتين سوي المر والحنظل , بل إن هاتين النرجسيتين الملعونتين , يستخدمهما رجال الدين والسياسة في التخديم علي إطالة أمد الظلم والفساد والإستبداد للتخديم علي مصالح الحكام الفاسدين الظلمة والمستبدين المغتصبين للحكم والسلطة , وكانت النرجسية الدينية لها السبق في التسلط والفساد والإستبداد بإسم الدين .
ومن الملاحظ أنه بمجرد أن يقوم أحد من الغير أو المنتسبين لنفس الدين بإظهار رأي مخالف فإن التكفير واللعنة والخروج من الرحمة والدين هي السيف المسلط علي رقبته إينما يمم وجهه , وتقوم الدنيا ولاتقعد لمجرد أن هناك من قال رأي صائب أو خاطئ في حق أتباع دين معين من الأديان , ولقد لاحظنا النرجسية الدينية في البوسنة والهرسك والصرب , ومافعله الصرب المسيحيين في البوسنيين المسلمين من تذبيح وتقتيل وتحريق لهم والتعدي علي النساء جنسياً وهتك أعراضهم , وهناك النرجسية الدينية اليهودية التي تذبح وتقتل الفلسطينين وتدمر منازلهم وتزيقهم أشد العذاب وتنكل بهم بأفظع أنواع التنكيل والتعذيب علي مدار مايزيد عن نصف قرن من الزمان , وكذلك النرجسية الإسلامية التي تناصب كل من خالفها العداء في الدين والعقيدة والرؤية والتصور وتستبيح لعنه وقتاله وقتله بإسم الدين , ومافعله أصحاب النرجسية الإسلامية بالمسيحيين في مواطن عديدة في بعض العصور ومنها إذدراؤهم ولعنهم , وقتلهم , وإستباحة أموالهم ودمائهم .
فإذا كانت النرجسية الدينية موجودة لدي بعض أتباع جميع الديانات السماوية وكل من هؤلاء الأتباع له جنة يؤمن بها ويطلب من ربه الدخول فيها , كما أنه يؤمن بوجود نار , النار التي يخاف منها ويطلب من إلهه أن ينجيه منها , فلماذا لايلتزم كل من أبناء هذه الأديان وأتباعها كلٌ بجنته , وكلُ بناره , من ناحية الترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية ؟
وليلتزم من شاء بهذه الجنة او من شاء لا يلتزم بمخافته من هذه النار , فماذا يضرك إذا رفضت جنتك , وماذا ينفعك إذا قبلت بنارك ؟!!
فمعزرة أيها النرجسي أنني كافر بجنتك , وغير خائف من نارك , فأنا لي جنتي التي أؤمن بها , ولي ناري التي أخاف منها , وليسعي كل منا إلي جنته وليعمل لها , وليهرب كل منا من ناره ويعمل علي الإبتعاد منها دون التكفير والتلعين والإذدراء للأخر ومحاولة قتاله وقتله , ولنعش علي مبدأ : الدين لله , والوطن للجميع , ولنعمل علي إرساء قيم الحب والخير والعدل والتسامح والمساواة , وليعرف كل منا أين حقوقه , وماهي إلتزاماته !!
ومعذرة !! فأنا كافر بجنتك , ومؤمن بجنتي !!
أرجوكم ثوروا ضد الظلم والفساد , ثوروا ضد أستبداد الحكام , ثوروا ضد إغتصاب الحكم والسلطة , ثوروا ضد توريث الحكم وتوريث السلطة , ثوروا ضد سرقة الأوطان , ثوروا ضد لصوص الأوطان .
أرجوكم إنتزعوا حقوقكم المسلوبة منكم من سلطة الفساد والإستبداد وإغتصاب الحكم والسلطة .
أما الدين !!
فالدين له رب يحميه ويحفظه !!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟