عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 7309 - 2022 / 7 / 14 - 14:46
المحور:
سيرة ذاتية
العراق.. فيلم.
العراق.. سينما.
والفِيلمُ المعروضُ الآنَ بنجاحٍ ساحقٍ، على شاشاتِ تاريخٍ طويلٍ من الصُبّيرِ والرملِ واللغوِ، والأبلِ الفارّةِ من الثكنات، لن يكون طويلاً كفيلمٍ هنديّ، تتّمُ فيهِ فبركةُ النهاياتِ الحزينةِ، وتلفيقُ النهاياتِ السعيدة .
وهذا الفيلمُ، أيضاً، لن يكون قصيراً.. كفيلمِ اللقطةِ الواحدة.
ولكنّهُ فيلمٌ مُعَقّدٌ بعض الشيء.
و العراقيّونَ لا يُحبّونَ الأفلامَ المُعَقَدّة.
و يكرهونَ "النهايات" المُلفَّقَة، لأنهم يعتقدون أنّها ليست"نهايات".
لقد سبقَ لهم اختبار المقدمات والنتائج، من تفاصيل تاريخهم الخاص، طيلة قرونٍ مريرة.. وهم على يقينٍ تام بأنّهُ بعدَ كلِّ "نهاية"، سيبدأُ تاريخٌ كاملٌ من الأسى العراقيّ الطويل.
هذا ماتعلّمتُهُ من العيشِ هُنا لأكثر من سبعينَ عاماً.. شاهدتُ فيها الكثيرَ من الأفلام الرديئة، و ذرفتُ فيها ،مع أقراني، الكثيرَ من الدمعِ الرخيص.
في 14 تموز 1958 كنتُ طفلاً في السابعة من عمري.. وقد رأيتُ ما رأيتُ يومها.. ومن يومها لم "أكبر" أبدا .. فتسديدكَ الدائم لثمن" التذكرة"، وجلوسكَ الطويل في "صالة" السينما، ومُشاهدتكَ لذات الأفلام(من حيث"الثيمة" والمحتوى، والموضوع، وليس من حيث الشكل و"المؤثّرات" الصوتيّة والبصريّة)، سيعزِلُكَ عمّا يجري خارج "الصالة"، ويُبقيكَ "طفلاً"، يتحكّمُ بك "تُجّارُ" الأفلام، وأصحاب"السينما".. إلى الأبد.
وهكذا ..
وكما يحدثُ كلما تمَّ عرضُ "فيلمٍ" جديدٍ على شاشةِ هذا "الوطنِ" المُلتَبِس.. سيغادرُ العراقيّونَ "الصالةَّ"، وهُم يتجادلونَ حولَ السبَبِ وراء هذا "الأستثمارِ" السيّءِ، والدائمِ، لثمنِ التذكرة.
هذه "التذكرة" التي يرتفع سعرها منذ تموز 1958، لتبلغ الكلفةُ ذروتها في شباط 1963، وأيلول 1980، وكانون الثاني 1991، وشباط 2006، وحزيران 2014، وتشرين 2019.. ومع ذلك فإننا نستمِرُّ في دفع فاتورتها باهظةُ الكلفةِ صاغرين.. رغم أن الأفلام المعروضة تزداد سخافةً وبؤساً، منذ ذلك الحين.
في نهاية المطاف قد يقرّرُ "الجمهورُ" الغاضِبُ والمُحبَطُ حرقَ الصالةِ بأوراق التذاكر باهظة الثمن .
عندها لن تكونَ هناك صالةُ عرضٍ واحدةٍ،على امتداد هذا العالم الفسيح، تقبلَ أن تعرِضَ فيلمَ "العراق" الطويل، والمُعقّد.. والسيّءِ الصيت.
وعندما لا يكونُ هناك "فيلم".. لن تكونَ هناكَ "صالة"..
وسيموتُ "المُتفَرّجونَ" جميعاً..
دونَ"دَورٍ" و دونَ "تاريخٍ".. ودون "شهودٍ"..
بل ودونَ "ذاكرةٍ" غيرُ صَدِئَةٍ حتّى.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟