|
جدل الاعتراف بإسرائيل!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1680 - 2006 / 9 / 21 - 09:55
المحور:
القضية الفلسطينية
ثمة شروط، أو مطالب، أو معايير، دولية، أي تتمسك بها اللجنة الرباعية الدولية، ولا بد للبرنامج السياسي لـ "حكومة الوحدة الوطنية" الفلسطينية من أن يستوفيها ويلبيها ويقبلها قبولا لا لبس فيه، وقوامها الاعتراف بإسرائيل، أو بحق إسرائيل في الوجود، ونبذ العنف، أو "الإرهاب"، وقبول والتزام الاتفاقات الموقَّعة بين منظمة التحرير الفلسطينية، أو السلطة الفلسطينية، وبين حكومة إسرائيل.
وتُصوَّر تلك الشروط، أو المطالب، أو المعايير، التي هي في المقام الأول، ومن حيث الجوهر والأساس، ثمرة تفاهم بين إسرائيل والولايات المتحدة، على أنها في منزلة أركان الإيمان الديني؛ ويُصوَّر قبولها، فلسطينيا، على أنه القفزة الكبرى التي لا بد منها من أجل اجتياز هوَّة سحيقة.
ومع أن المصرِّين عليها، والمستمسكين بها، يُظْهِرون قبولها (فلسطينيا) على أنه فتح سياسي عظيم، ومبتدأ لكل شيء، أو لكل خير، فإن أحدا منهم لم يتحدث في الوضوح ذاته عن أهمية قبولها فلسطينيا لجهة الحل النهائي التفاوضي للمشكلة القومية للشعب الفلسطيني، فجل ما يحدثون الفلسطينيين عنه، في هذا الصدد، لا يتعدى في معناه "لكل حادث حديث"، فأولا "اعترفوا"، و"اقبلوا"، ومن ثم نتحدث في النتائج!
منطقهم كان يمكن أن يكون قويا لو أن الفلسطينيين لم يجربوا "الاعتراف" و"القبول"، فالشروط ذاتها، أو أهمها، قبلها الفلسطينيون من قبل عبر منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية؛ ولكن النتيجة العملية النهائية كانت تحوُّل "السلام" حتى قبل أن يخطو خطواته الأولى إلى مزيد من الحرب والعداء وأعمال العنف. وفي تعريف "الحماقة" يقال إنها خوض التجربة ذاتها من أجل التوصُّل إلى نتائج مختلفة!
الفلسطينيون لديهم مصلحة حقيقية في أن يختلفوا، وفي أن يتفقوا، في أمر الاعتراف بإسرائيل، الذي، من حيث المبدأ، ما عاد ممكنا، أرغبوا في ذلك أم لم يرغبوا، أن يستمروا في الجدل فيه لجهة المبدأ، فالسؤال الذي ينبغي لهم إجابته ليس "هل نعترف؟"؛ وإنما "كيف نعترف.. وفي مقابل ماذا؟".
وأحسب أن عبارة "الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود" هي التي تحتاج أكثر من سواها إلى أن تُنقَّط حروفها بنقاط فلسطينية حتى تُنزع منها "الوحشية السياسية والأخلاقية الإسرائيلية"، فـ "الاعتراف بإسرائيل" يمكن ويجب تمييزه، فلسطينيا وعربيا، من "الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود".
رسميا، ما زال الفلسطينيون يستمسكون بجملة الاعتراف التي يقولون فيها إنهم يعترفون بحق إسرائيل في العيش في أمن وسلام ضمن حدود معترَف بها (فلسطينيا). وإذا كان لا بد من الاعتراف بـ "حق إسرائيل في الوجود"، فلْيُميِّز الفلسطينيون حقا من حق، فـ "الحق الدولي"، الذي خرج من رحم قرار التقسيم، يمكن ويجب أن يقبله الفلسطينيون على أن يقترن قبوله برفض صريح لـ "الحق الديني التوراتي"، الذي لا مكان له في معايير ومبادئ الاعتراف الدولي.
"الحق الدولي" حقيقة سياسية؛ أما "الحق الديني" فخرافة تلمودية. وتحديد الموقف الفلسطيني بما يتفق مع تلك الحقيقة السياسية، ومع ما بقي من حقوق قومية فلسطينية تحظى، أو يمكن أن تحظى، باعتراف دولي، إنما يستلزم تعديل وتوضيح جملة الاعتراف تلك، فالفلسطينيون، في جملة اعترافهم الجديدة، يعترفون بحق إسرائيل في العيش في أمن وسلام ضمن حدود الرابع من حزيران 1967، وبما لا يتعارض مع حق اللاجئين الفلسطينيين في حل نهائي لمشكلتهم عبر تنفيذ متفق عليه لقرار الأمم المتحدة الرقم 194.
في هذه الطريقة للاعتراف الفلسطيني بإسرائيل يصبح ممكنا إجابة سؤال"عن أي إسرائيل يتحدثون عندما يدعون الفلسطينيين إلى الاعتراف بها، أو بحقها في الوجود؟".
إسرائيل ليست واحدة، ولا بد، بالتالي، من جعلها واحدة محدَّدة، قبل ومن أجل الاعتراف الفلسطيني بها، فالمرء لا يعترف بغيره من أجل أن ينكر ذاته، ويلغي وجوده؛ ومفاوضات السلام لن تكون مفاوضات من أجل السلام إذا ما دعي أحد طرفيها فحسب إلى الاعتراف بالآخر، أو بحقه في الوجود. وقد سمعنا رايس وهي تقول في لهجة قائل "وجدتها!": كيف لإسرائيل أن تجلس إلى طاولة المفاوضات مع من لا يقبل الاعتراف بحقها في الوجود؟!
ونقول بحسب المنطق ذاته: كيف للفلسطينيين أن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات مع من لم يقبل حتى الآن الاعتراف بأن لهم حقا في الوجود القومي في الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967؟!
"الاعتراف المتبادل" إنما هو الشرط الأولي لبدء مفاوضات السلام؛ وهو لن يكون كذلك إلا إذا التزم الطرفان، ومعهما المجتمع الدولي، أن يكون خط الرابع من حزيران 1967 هو الخيط الذي منه يُنسَج "الاعتراف المتبادل". وبعد ذلك فحسب، وبفضله، تغدو المفاوضات مفاوضات من أجل السلام.
أما "نبذ العنف (أو الإرهاب)" فهو شرط لا معنى له إذا لم يُجِب الداعون إليه عن السؤال الآتي: كيف، ومتى، يصبح قتال الفلسطينيين من أجل نيل حقوقهم القومية عملا لا يُدرج في مفهوم "الإرهاب"، أو في مفهوم "العنف المنبوذ"؟ نقول "العنف المنبوذ"؛ لأن القائلين به لن يقبلوا أبدا نبذ العنف تماما في سعيهم السياسي؛ ولأن بعضهم وقف مع العنف الإسرائيلي ضد العنف الفلسطيني، وفي سبيل إرغام الفلسطينيين على نبذ العنف، ومن غير أن يتورع عن تجميل العنف الإسرائيلي بعبارة "الحق المشروع في الدفاع عن النفس"!
مأساة السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل تكمن في كون القوى الدولية الداعية إلى جعله هدفا في متناول الأيدي تستحدث دائما من الشروط والمطالب التي ينبغي للفلسطينيين تلبيتها ما يجعله في ابتعاد مستمر ومتزايد عن الأيدي، وكأنهم يسعون إلى السلام بطرائق وأساليب لا نتيجة تنتهي إليها دائما سوى جعل الطريق إلى السلام أطول وأشق من ذي قبل، فيزرعون في حقل السلام من الشروط والمطالب ما يثمر مزيدا من أسباب الصراع بالحديد والنار!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثنائية -الإيمان والعقل- لدى البابا!
-
الخطأ والاعتذار!
-
-الفَرْد- و-السياسة-!
-
-العصر الوسيط- يُبعث حيا!
-
الفرصة التي يتيحها ضعف أولمرت!
-
في -النسبية-
-
بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!
-
بين الكوزمولوجيا والميثولوجيا
-
الحل الذي يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
-
بعض من تجربتي في الفساد!
-
-العَلَم العراقي-.. قصة ظلٍّ فقد جسمه!
-
لِمَ تعادي الولايات المتحدة -إيران النووية-؟
-
حلالٌ أن يتزوَّج الرجل ابنته.. حرام أن يتزوَّج مجتمعنا الديم
...
-
صناعة تسمَّى -الاحتواء الإيديولوجي-!
-
الحوار المستوفي لشروطه
-
لهذا السبب ينبغي لإسرائيل استئناف الحرب!
-
تناقض يطلب تفسيرا!
-
-الأخلاق النووية- للولايات المتحدة!
-
رياح الحرب ذاتها تتجه نحو إيران!
-
غيض من فيض الدروس!
المزيد.....
-
إسرائيل تُعلن تأخير الإفراج عن فلسطينيين مسجونين لديها بسبب
...
-
الخط الزمني للملاحقات الأمنية بحق المبادرة المصرية للحقوق ال
...
-
الخارجية الروسية: مولدوفا تستخدم الطاقة سلاحا ضد بريدنيستروف
...
-
الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غادي موزيس وتسليمه للصليب الأحم
...
-
الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها أغام بيرغر تلتقي والديها
-
-حماس- لإسرائيل: أعطونا آليات لرفع الأنقاض حتى نعطيكم رفات م
...
-
-الدوما- الروسي: بحث اغتيال بوتين جريمة بحد ذاته
-
ترامب يصدر أمرا تنفيذيا يستهدف الأجانب والطلاب الذين احتجوا
...
-
خبير: حرب الغرب ضد روسيا فشلت وخلّفت حتى الآن مليون قتيل في
...
-
الملك السعودي وولي عهده يهنئان الشرع بمناسبة تنصيبه رئيسا لس
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|