أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - محمد فُتوح - مسلسل الاهمال .. الحلقة الألف .. غرق حدائق المعادى














المزيد.....

مسلسل الاهمال .. الحلقة الألف .. غرق حدائق المعادى


محمد فُتوح

الحوار المتمدن-العدد: 7299 - 2022 / 7 / 4 - 23:47
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


مسلسل الإهمال .. الحلقة الألف : غرق حدائق المعادى
-------------------------------------------------------------
فى ذلك المساء كنت على موعد انتظرته طويلاً .. ارتديت ملابسى .. استدعيت الأسانسير.. مسرعاً .. قطعت الخطوات القليلة ، التى تقودنى إلى سلالم العمارة حيث الشارع .. نظرت حولى فى كل الاتجاهات ، فلم أجد أرض الشارع !! لقد غمرتها المياه .. فلا يبدو منها إلا حواف يابسة بسيطة جنباته . خطوت بحذر محاولاً اجتياز هذه الحواف التى لم تطولها المياه بعد . ولكن فى أغلب المرات ، كانت محاولتى تبوء بالفشل . لست مِنْ الذين يستسلمون بسهولة . لكى أصل إلى الشارع الرئيسى ، اجتزت الشوارع الخلفية الضيقة ، التى اعتقدت أنها بعيدة عن أن تغمرها المياه ولكن دون جدوى .
الشوارع غارقة فى المياه ، حتى آخرها . لست أعيش فى إيطاليا ، فى ضاحية فينسيا ، حيث المياه تتحوط البيوت من كل اتجاه . ولست أعيش فى إندونيسيا أو باكستان أو تايلاند أو إحدى الدول الأسيوية ، أو الأمريكية ، التى تعبث بشوارعها الفيضانات ، وتغرقها السيول ، التى تداهم البشر ، والشجر ، والحجر.
لست أعيش فى هذه الأماكن . ولكننى أعيش فى مصر الآمنة ، التى لا تنكل أو تبطش بها الطبيعة ، بمثل هذه المخاطر ومنها السيول .. أعيش فى مصر ، وتحديداً فى حدائق المعادى . باءت كل محاولاتى بالفشل وقلة الحيلة . لقد غرقت حدائق المعادى فى بحر من المياه ، بيد من الإهمال والعشوائية فى العمل ، الذى على أثره كسرت إحدى مواسير المياه.
هان علىّ موعدى الذى انتظرته طويلاً ، أمام هرولة أصحاب المحلات التى تكتظ بالمنطقة. اقتحمت المياه على غرة ودون سابق إنذار ، المحلات التجارية ، وطالت المياه الأحذية والملابس وكل المعروضات . حاول كل أصحاب المحلات أن ينقذوا ما يمكن إنقاذه ، ولكنهم خسروا الكثير من بضائعهم بسبب اجتياح المياه المفاجىء .
لم تسلم الصيدليات من اجتياح المياه ، فأغرقتها وأتلفت الكثير من الأدوية المخزنة ، أو على الأرفف السفلية . والمشكلة التى زادت الطين بلة ، هى أن مستوى سطح الشارع ، قد انخفض إلى ما يقترب من متر تحت مستوى هذا السطح .
لقد خسرت أصحاب المحلات الآلاف من الجنيهات ، فمَنْ سيعوضهم عن هذه الخسائر ؟ . تسربت المياه من شدتها إلى القضبان والأرض التى يسير عليها مترو الأنفاق ، وشُلت حركة المترو لساعات طويلة . توقفت وأعيقت مصالح الناس ، وخاصة أن المترو فى هذه المنطقة ، هو من أكثر وسائل المواصلات حيوية . وإذا توقف لوقت حتى ولو قصير ، فسوف تشل وتتعطل معه مصالح الناس .
لقد أُزيل كشك التليفونات ، الذى يقع على بعد ثلاثة أمتار فقط من ماسورة المياه التى كسرت ، والذى على أثر إزالته ، قطعت كل خطوط التليفونات وهى كثيرة . ولا أحد يعرف ، متى ستعود هذه الخطوط إلى العمل . لقد قطعته المياه أيضاً والأهالى تراهم تائهين ، حائرين ، يحملون الأوانى بغرض ملئها المياه ، من أى مكان قريب أو بعيد .
كان من الممكن أن تحدث كارثة ، لو أن أحد الأسلاك أو كابلات الكهرباء ، قد طالتها المياه وانفجرت بسبب المياه التى أغرقت المنطقة .
أين المسئول عن هذا الحى بالذات ؟ . فعلى مدى سنوات مرت ، كانت تحدث هذه المشكلة ، ويغرق الشارع . ويلجأ الأهالى إلى مواجهتها ، بالجهود الذاتية . والمسئولون إذا تدخلوا ، يلجأون إلى الحلول المؤقتة . ثم تعود المشكلة مرة أخرى . فلا يمر أسبوع واحد ، دون أن تنفجر إحدى مواسير المياه ، أو المجارى . إنها عادة يومية أن ترى الشوارع غارقة فى بحور من المياه .
إن الأعطال فى هذا الحى بالذات ، كأنها تتناوب فيها بينها ، أو تكاد تتنافس ، وتتسابق على الفوز بجائزة الخدمة الأكثر رداءة وعطلاً .
فمن انقطاع الكهرباء ، إلى ضعف وانقطاع المياه المتكرر ، إلى انفجار مواسير المجارى ، إلى السكتة الحرارية للتليفونات . إنه الإهمال الذى تغلغل فى كل جزئية من حياتنا ، إلى درجة أننا أصبحنا نتنفسه فى كل مكان .
فى مدارسنا ، فى جامعاتنا ، فى المستشفيات ، فى المواصلات ، فى الطرقات ، فى المصالح الحكومية وغير الحكومية ، لقد طال الإهمال حتى العقول .
لقد أدمنه الكثير من المسئولين فى مصر ، التى تعد محروسة ، بل مستباحة ، بأيادى مسئوليها ، ومهددة بالهلاك فى الأرواح والخسارة فى الأموال وانقطاع الأرزاق .
إن الأسباب التى تكمن وراء ظاهرة الإهمال ، تتمثل فى انتشار الفساد المالى والإدارى ، وإسناد المناصب القيادية إلى مسئولين تنقصهم الكفاءة والقدرة على الحسم . ومن ثم غياب العقلية التخطيطية ، المستقبلية والتنظيمية ، والتكاسل والتخاذل فى مراقبة ومتابعة ، ما يجد من مشكلات ، والتباطؤ فى حلها . فتتحول المشكلات الصغيرة ، التى يمكن احتواؤها ، إلى مشكلات كبيرة تنذر بالكوارث والمخاطر. ولا نغفل دور غزو الاسلام السلفى منذ سنوات وحتى الآن ، والذى يستنكر الاهتمام بالدنيا وأحوالها الزائلة الفانية ، والعمل فقط من أجل الآخرة ، وأن كل شئ سلبى يحدث ، سببه البعد عن الدين ، وهو عقاب من الله فى أشكال مختلفة على هذا البعد ، وبالتالى نحن نستحق كل المصائب التى تحدث لنا ، فهى فى الأول والآخر لا تتم الا بمشية الله ورضاه ، ويجب تقبلها دون شكوى .
إن القضاء على الإهمال ، ليس بإقالة وزير أو رئيس حى من الأحياء . فهذا واحد يرحل ، ذلك يجىء . ويبقى الحال ، كما هو عليه . وهذا لا يفيد فى شىء . حيث أن الإهمال يرجع فى جانب كبير منه ، إلى طريقة التفكير غير العملية التى تسود حياتنا . أحياناً أشعر أن الكلام عن الإهمال ، هو كالحديث عن الفقر ، قد أًصبح بلا معنى !! فكل منهما واضح وضوح الشمس فى عز النهار ، ولا أحد يحرك ساكناً .. الإهمال يتزايد ، ويتوالد ، ويتناسل . والفقر يتضخم ويحصد الجوعى ، والبؤساء . ومع ذلك ليس أمامنا ، سوى أن نضغط على الجرح، مراراً وتكراراً ، كى يخرج تقيحاته أملاً فى الشفاء .
من كتاب : استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق " 2009
------------------------------------------------------------------------



#محمد_فُتوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظريات المفسرة للتذوق الجمالى والنقد الفنى
- مصر تدعونى للمشاركة فى كتاب الوطن .. كيف لا ألبى ؟!.
- التذوق الجمالى والتربية الجمالية
- الطفولة وعلاقتها بالتذوق الجمالى
- أخلاقيات التقدم
- أقلام تأكل على كل الموائد
- الشخصية المصرية بين السلبية والتدين
- مدام أم أم فلان ؟؟!
- مأزق الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية
- رئيسة جمهورية فى الهند وميس حجاب فى مصر
- الذكور المتحرشون بالنساء من صناعة تفكيرنا وثقافتنا
- - التبرك - بالعقل و - ارضاع - العدل
- المناصرون لحزب الله والبحث عن بطل
- هل جماعة الاخوان - محظورة - حقا ؟؟
- الانتحار .. صرخة احتجاج ضد الحضارة العالمية
- جريمة - ختان العقل - فى الصحف الدينية ... نعيش فى عصر - الكف ...
- - شو - عمرو خالد وغضبة القرضاوى
- لا مستقبل للاخوان المسلمين على أرض مصر
- سيدة ليبيريا الحديدية والنموذج الاسلامى للمرأة
- النساء الكويتيات يحترقن ليضيئن للرجال


المزيد.....




- مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا ...
- وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار ...
- انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة ...
- هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟ ...
- حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان ...
- زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
- صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف ...
- الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل ...
- غلق أشهر مطعم في مصر


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - محمد فُتوح - مسلسل الاهمال .. الحلقة الألف .. غرق حدائق المعادى