|
لماذا فشل التنوير ونجحت الظلامية في الجزائر؟
حميد زناز
الحوار المتمدن-العدد: 7298 - 2022 / 7 / 3 - 16:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم تظهر الظلامية مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في بداية التسعينات كما يبدو لأول وهلة بل هي نتيجة لسلسلة طويلة من المناورات السياسية واستمرار الضبابية الإيديولوجية لدى من حكموا الجزائر منذ الاستقلال. فالفيس- الجبهة الإسلامية للإنقاذ- هو في الحقيقة الابن الشرعي للأفلان - حزب جبهة التحرير الوطني- ، الحزب الواحد الذي حكم تحت مظلته من استولوا على الحكم بالقوة سنة 1962. هؤلاء الذين لم يكن يجمع بينهم سوى الرغبة في البقاء في الحكم وخليط من الأفكار العروبية والإسلامية والاشتراكية. وهذا العبث هو الذي انتهى الى راديكالية دينية تغلغلت وسط قطاعات واسعة من الجماهير جاءت كرد فعل على الفشل المتعدد الابعاد الذي وصلت اليه الجزائر بعد أكثر من 30 سنة من الاستقلال إذ انتفض الجزائريون انتفاضة عنيفة ضد النظام الحاكم سنة 1988.
وقد خطف الانتفاضة الشعبية الإسلاميون المرابطون في المساجد والجمعيات الخيرية والجامعات منذ السبعينات بمباركة النظام الحاكم الذي كان يستعملهم لمقاومة الحركات اليسارية القوية آنذاك وقد تنازل في مواقف وسلوكيات كثيرة لإرضائهم فتغولوا وأرادوا التهامه في بداية التسعينيات مع ازدياد شعبية جبهة الإنقاذ الإسلامية المعتمدة في انتهاك واضح للدستور الذي ينص على منع تكوين الأحزاب السياسية على أساس ديني أو عرقي.
بدأ توليد الغول الاسلاموي باعتماد مادة في كل الدساتير والمواثيق المتعاقبة تؤكد بأن دين الدولة هو الإسلام وهو الأمر الذي ابتز به الإسلاميون السلطة صارخين في وجهها دائما : بما أن الإسلام دين الدولة فطبقوه، طبقوا شريعته، طبقوا الدستور وطبعا هم لا يؤمنون سوى بهذه المادة التي تقدم لهم الحكم على طبق من ذهب وإلى الابد.
وليس هذا فحسب بل قدم الرئيس هواري بومدين - الذي حكم البلد بيد من حديد من 1965 الى 1978 والذي كان يرفع شعار الاشتراكية - المدرسة الى العروبيين والاخوان المسلمين الذين ارسلهم له عبد الناصر للتدريس في الجزائر ليتخلص منهم. ولم يكفيه ذلك فقد عاوده الحنين الى تكوينه الازهري فأسس ما يسمى بملتقيات الفكر الإسلامي والتي كانت بمثابة تجمع إسلاموي سنوي يجتمع فيه ظلاميو العالم في الجزائر لأسلمة الجزائريين بأموال دولة الكولونيل العروبي الإسلامي الاشتراكي هواري بومدين الذي توفي وهو على كرسي الحكم بعد حكم فردي دام مدة 13 سنة كاملة.
وعلاوة على هذا التنازل الدستوري الخطير للإسلاميين أهداهم النظام سنة 1984 قانون أسرة مستمد رأسا من الشريعة أو ما يسمى كذلك وفي الوقت الذي كانت فيه ظاهرة تعدد الزوجات تضمحل نهائيا في البلد جاء هذا القانون المصادق عليه من طرف برلمان حزب جبهة التحرير لينفخ فيه الروح ويعطي للجزائري حق الزواج من أربع جزائريات بالإضافة إلى مواد كثيرة أخرى معادية للمرأة في قانون الاسرة ذاك. وفي تبريره للحفاظ على تعدد الزوجات قال الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة ذات عام بمناسبة محاولة إصلاح قانون الاسرة المجحف في حق المرأة: يمكن أن نجد صيغة ما للتعامل بها مع الأحاديث أما ما جاء في القرآن فلن أكون مخالفا لإرادة الله.
أما المدرسة فقد تُركت فريسة في يد العروبيين والاسلاميين فعاثوا فيها فسادا لغويا وأيديولوجيا. لقد قضى العروبيون او كادوا على اللغة الفرنسية التي كانت غنيمة حرب عل حد تعبير الابن المشاكس للأدب الجزائري كاتب ياسين. قضوا عليها باعتماد تعريب متسرع ومفرط اجهز على اللغتين معا. أما الإسلاميون وعلى رأسهم الاخوان فقد طردوا العقل من المدرسة ورسخوا التفكير الخرافي والعنف. مما جعل أحد الملاحظين يقول في بداية التسعينيات أنه لو اخذت الجبهة الإسلامية الحكم لما كانت غيرت فاصلة واحدة من البرامج الدراسية التي كانت موجودة لأنها كانت منسجمة مع ايديولوجيتها الاسلاموية المتطرفة.
لم يكن المفكر سيد القمني مبالغا كثيرا حينما قال عن المدرسة في مصر أنها لا تُعلّم سوى اللغة العربية والدين الإسلامي ولذلك لا نحسن اليوم سوى الكلام والصلاة. ولا تبتعد المدرسة الجزائرية اليوم كثيرا عن أختها المصرية، فلا تتعدى وظيفتها مستوى التلقين كأنها جُعلت لتلعب دور التأحيد والاستنساخ لتخريج رعايا لا مواطنين، غير قادرين على التحليل والنقاش أو التفكير المستقل. يبدأ التلميذ مجرد متلقٍّ وينتهي منفِّذاً جيدا في أغلب الأحيان. لقد تم خلال العشريات الأربع الماضية النزول بالمدرسة الجزائرية الى مستوى الكُتّاب، أصبحت عقول الصغار تحشى بالأفكار المسبقة وتحولت المدرسة الى شبه منشأة دعوية تحترف التزييف وتشميع العقول. وفي الحقيقة لا يطالب الإسلاميون اليوم سوى بما تعلموه في المدرسة سابقا. وعلى نقيض كل أطفال العالم، يبدأ الطفل الجزائري حياته المدرسية بتعلم لغة شبه أجنبية وأجنبية تماما في المناطق الناطقة بالأمازيغية هي "العربية المكتوبة" غير الموجودة تماما في محيطه الدنيوي. استغل الاصوليون التعريب فأكملوا أسلمة اللغة العربية التي بدأتها بعثات الاخوان المسلمين المستوردة من مصر. وشيئا فشيئا ازداد انفصال كلمات اللغة العربية المؤسلمة عن أشياء الحياة الواقعية واستقلت تماما ولم تعد تعني شيئا في النهاية، فضاق العالم وازداد التقوقع وهي تربة يستفحل فيها سرطان الأصولية.
عاشت الجزائر مأساة عظمى راح ضحيتها الوف المواطنين وعرف البلد سلوكيات عنف لا تخطر على بال انسان ارتكبها الإسلاميون الارهابيون في حق الناس الأبرياء و على الرغم من هزيمتهم على الأرض من طرف قوات الجيش الشعبي والمتطوعين حوّل عبد العزيز بوتفليقة هزيمتهم العسكرية إلى نصر ثقافي فانتشر التطرف الديني اكثر فأكثر في المجتمع و ابتعد عن الثقافة الإنسانية العلمانية وتأسلم المجتمع تأسلما سلفيا يكاد يكون شاملا. وتم تحويل الدين الى تضليل للعامة وتحقيق للمكاسب الشخصية، فهذا يستثمر في الطب النبوي والآخر في عدم الخروج على طاعة الحاكم وهكذا. ما لم يحل العالم والفيلسوف والطبيب عندنا محل رجل الدين والامام والداعية والراقي.. تبقى الظلامية متصاعدة والتنوير على الهامش والنزعة اللاهوتية مسيطرة والإرهاب على الأبواب..
#حميد_زناز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوتين: هل أصبح زعيم أعداء الديمقراطية في بلداننا؟
-
الفساد في الجزائر.. من أين جاء هذا السم؟
-
لماذا تحالف الإخوان المسلمون مع أدولف هتلر والفاشية؟
-
عن اللاهوتية المزمنة في بلداننا
-
حوار/ الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري: حداثة ما بعد الإنسانية
...
-
هل ينزل العنف الإرهابي من السماء؟
-
ما هو مستقبل جماعة الإخوان في الغرب؟
-
ما جدوى تدريس الفلسفة في الجزائر؟
-
هل أصبح الجهاد الافتراضي بديلا عن ساحات المعارك؟
-
ماذا يدور في عقل بوتين؟ هل أصيب بالجنون؟
-
إيريك زمور.. الشبح المرعب الذي يحوم حول الإليزيه!
-
لماذا فشل الغربيون في فهم التطرف الاسلاموي ؟
-
إلى متى يحارب الخطاب النسوي العقلاني في الثقافة العربية؟
-
-البلاك بلوك- يدمرون حق التظاهر في فرنسا
-
السلطات الاوروبية متهاونة مع الاسلام السياسي و الاخوان المسل
...
-
هل يستقيل جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي بباريس لأسباب أخل
...
-
حينما تتفاوض الجمهورية الفرنسية على هويتها
-
من يحكم في الجزائر؟
-
ظهر تبون.. فهل طمأن الجزائريين أم أقلقهم؟
-
هل يعود الغرب إلى القرون الوسطى بسبب تساهله مع الإسلاميين؟
المزيد.....
-
الجيش السوري يسقط 11 مسيرة تابعة للجماعات التكفيرية
-
بالخطوات بسهولة.. تردد قناة طيور الجنة الجديد علي القمر الصن
...
-
TOYOUER EL-JANAH TV .. تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ا
...
-
أنس بيرقلي: الإسلاموفوبيا في المجتمعات الإسلامية أكثر تطرفا
...
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|