أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - بين الدولة المدنية والدولة العَلمانية















المزيد.....

بين الدولة المدنية والدولة العَلمانية


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 7297 - 2022 / 7 / 2 - 17:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وبخاصةٍ قبل أن تتصاعد شكيمة الإسلام السياسي كان إستعمال كلمة (العَلمانية) يجري دون أي فيتو أو أي إعتراض ذا شأن, بل كاد أن يكون هناك إتفاق عليها وخاصة بعد خروج العراق وعموم المنطقة العربية من هيمنة الدولة العثمانية التي كانت تحكم بإسم الخلافة, وهي هيمنة كاد أن يكون الكفر إزاء تجربتها المرة نوعاً من الإيمان.
وبسبب الجهل وتراجع الوعي السياسي وتدني المعرفة فقد تعاملنا مع انظمتنا السياسية التي نشأت بعد إنهيار الدولة العثمانية وكأنها انظمة عَلمانية حقيقية دون أن ندرك الفرق بينها وبين أنواعٍ اخرى مثل (الدولة المدنية).
ولعلنا لم نكن بحاجة إلى الخوض في تفاصيل الإختلافات بين هذا المفهوم أو ذاك لأن حاجتنا إلى الإستقلال وإلى بعض من التحضر والتقدم في مجتمعاتنا التي أرهق كاهلها العثمانيون كانت هي الطاغية, بحيث بدت أية حاجة خارج مساحة تلك الضروريات وكأنها نوع من الترف الزائد عن اللزوم, ناهيك عن أن سياقات تطور مجتمعاتنا مقارنة بالمجتمعات الغربية كانت مختلفة إلى حد كبير لذلك كانت الحاجات مختلفة كثيراً, وبالنتيجة كان هناك اختلاف في نوع الثقافات.
على الجانب الآخر كانت المجتمعات الأوروبية قد مرت بعلاقات تناقضية مع رجالات الدين بحيث كان مولد العلمانية, أنظمة ومجتمعات وثقافة, نتيجةً موضوعية متلازمة مع طبيعة تلك الصراعات ومع قواها. ولقد جرى إشتقاق التسميات وفي مقدمتها مفردة (العَلمانية) برفقة تلك الصراعات التي كانت غائبة عن مجتمعاتنا.
تاريخياً كان الدين وراء النشوء القومي العربي الذي تأسست عليه دول عربية كبرى كالعباسية والأموية, حتى إذا ما خرجت تلك المجتمعات من تجربتها المرة مع العثمانيين فقد وجدت نفسها منشغلة بالبحث عن لقمة الخبز قبل التلفون وإلى تعلم الكتابة قبل العزف على البيانو, لذلك ظلت علاقتها بالدين وبرجالاته علاقة عضوية. وحينما نشأ الإسلام السياسي العربي لم تجد المجتمعات العربية نفسها في مواجهاتٍ كتلك التي عاشتها المجتمعات الغربية في مرحلة ظلامها, لذلك عبَرَ الإسلام السياسي دون فيتوات أو عوارض مانعة لعودته, خاصة بعد الفشل الذي رافق تجربة الإنقلابات العسكرية والأنظمة الشمولية (الثورية) التي أخذت حصتها من المشهد السياسي المجتمعي والسلطوي.
وهل كنا مضطرين حينها للبحث عن الفرق في معاني المفردات ؟. أو كنا بحاجة ولو بسيطة لمن يشرح لنا الفرق بين معنى الدولة المدنية والدولة العلمانية ؟ بين الدولة الثيوقراطية والدولة التوليتارية ؟ وبينها وبين الدولة العسكرية ؟.
إن الحاجة تأتي بثقافتها كما أن الظروف هي التي تحدد السياقات أما الواقع فهو الذي يتدخل لصياغة الحلول. ولم يكن الإسلام السياسي قد نشأ بعد لكي يقرع لنا جرس الحاجة إلى مفردات من شأنها أن تؤسس للغةٍ واضحة المعاني, وإذا بنا نفيق ونحن نرى تلك القوى وهي تفرض على مجتمعاتنا ثقافتها ولغتها المِعْوجّة والتي كان في مقدمة ما إدّعَته أن (العَلمانية) و(الإلحاد) هما وجهان لعملةٍ واحدة.
ويكفي هذا النوع من الكذب والتدليس والتلاعب والخداع لمعرفة طبيعة هذه القوى التي لا تملك غير التشويه والإلتفاف على الحقائق, فالدول الغربية العَلمانية الديمقراطية لم تسعَ إلى فصل الدين عن المجتمع وإنما إلى فصله عن السياسة, ونحن نرى أن هناك كنيسة في كل ضاحية. وسنعرف بكل سهولة أن ما حدث كان نتيجة لإنتصار قوى التقدم على قوى الكهنوت القمعي وليس على الدين, ولهذا فإن أصحاب الديانات جميعها يحظون بكل الإحترام اللائق, وكذلك يحظى بهذا الإحترام اصحاب الثقافات اللادينية. ودون أدنى شك فإن العلمانية الديمقراطية هي التي أفلحت بوضع حدٍ للصراعات التاريخية المجتمعية الدامية وهي التي أسست لثقافة حقوق الإنسان, ودونها فإن فرص التقدم والتحضر كانت معدومة.
من جانبنا فإننا لم نكن بمنأى عن وضع العربة أمام الحصان بل كان لكل منا نصيبه في ذلك المشهد المشوه. إن الأنظمة التي أقامها العسكر وأقامتها الأحزاب الشمولية لم تكن نظماً عَلمانية, بل هذا ما كنا إعتقدناه, الأمر الذي سهل لقوى الإسلام السياسي ان تُلقي بعائدية كوارث المراحل السابقة برقبة العَلمانية وأن تُفلح ببناء ثقافة جلد الذات التي جعلت المواطن مهياً للتراجع وليس للمراجعة.
كنتيجة راح الكثيرون الذين أرهقتهم تجربة الإسلام السياسي يبحثون عن مفرداتٍ جديدة تقيهم نيرانها, حتى أن بعضهم ظن أن إستعماله لمفردة (المدنية) بديلاً لمفردة (العلمانية) سيسهل عليه العودة إلى إستعمال المفردة الأصلية بعد أن يتم نزع سلاح الدين السياسي.
قطعاً نحن لسنا في وارد خوض حرب المفردات, بل في وارد الحرص على حماية المضامين. ولو أن مفردة الدولة المدنية تتحمل من حيث المضمون حلاً للأزمات والكوارث التي تتأسس نتيجة للإستخدامات السياسية للدين لما صرنا ولو على بعض إختلاف مع استبدال هذه بتلك.
لقد صار المقصود بالدولة (المدنية) على وجه الدقة السماح للأحزاب الدينية تحت مسمى الديمقراطية لكي يكون لها نصيبها في العمل السياسي شانها شأن بقية الأحزاب والحركات السياسية الأخرى. وسيسألونك أليس المقصود بالديمقراطية حق التعبير, أليست هي بالأساس احترام الرأي والرأي الآخر, فلماذا لا يكون للدين السياسي رأيه ومساهماته ايضاً, وبعدها يترك لصناديق الإقتراع تحديد التيارالأفضل لقيادة الدولة والمجتمع ؟.
بهذا الشكل يبدو الأمر مبطناً لغاية أن تحقق المؤسسة الدينية وقوى الدين السياسي نقل الصراع من خانة التناقض بين الدولة العلمانية والدولة المدنية لتجعله صراعاً بين الديمقراطية واللاديمقراطية, فأن تختار الديمقراطية معناه أن تختار الدولة المدنية, ويوم لا تفعل ذلك ستكون لاديمقراطياً, وسييحاولون إقناعك أن الدولة العلمانية التي تضع فيتو على قوى الدين السياسي ستكون بالنتيجة دولةَ ديكتاتورية. وهكذا يعلو صوت التدليس وغايته إقناعك أن الديمقراطية نقيض للعلمانية, ويضربون لك مثلاً على ذلك التجربة النازية الهتلرية والتجربة الفاشستية الموسولنية عبوراً على تجارب الحكم الشمولية وفي مقدمتها تجارب العالم الشيوعي قبل إنهياره وصولاً إلى تجارب الأنظمة العربية الشمولية أو أنظمة الإنقلابات العسكرية ليقولوا لك بعدها أن العلمانية ليست كافرة فحسب وإنما هي معادية للديمقراطية. ولو أنهم كانوا صادقين ولا يجتزئون الحقائق لأعطوا بعض إهتمام لتجارب العالم الغربي وغيره من بلدان العالم ولأعترفوا أن النظم العلمانية لا تعادي الديمقراطية وإنما هي تتجدد وتتطور وتتطهر بها وإن ديمقراطية اليوم تكاد أن تكون ملتصقة تمام الإلتصاق بتلك النظم حتى تكاد تحسبها حالة واحدة, وهي حالة لا تقبل القسمة ولا التجزئة, وهكذا هي العلمانية التي ندعو إليها, علمانية ديمقراطية لا تقبل التجزئة او التقسيم, واضحة تمام الوضوح ومعرفة أدق التعريف.
إن لعبة الخلط بين المفردات هي في حقيتها لعبة للخلط بين المفاهيم, وعلينا أن نحذر منها, لأن العلمانية في الأصل هي ثقافة استدعتها حاجة الانعتاق من سلطة الكهنوت مهما كان دينه أو جنسيته, وتبدأ أول ما تبدأ من تحريم زج الدين في السياسة ومنع الإستثمار فيه. وما الذي تفعله الدولة المدنية غير أن تمنح الدين السياسي فرصة العودة لإستثمار الدين في السياسة تحت عباءة الديمقراطية وضمان بقاء كلمة المرجعيات هي الحاسمة وبقاء المرشد أو الفقيه حاكماً بأمر الله.
قطعاً نحن ضد التمسك بالمفردات, لكننا حتماً ضد اللعب بها, ويوم نفهم أن نظام الحكم الحالي, القائم على المحاصصة الطائفية والمغرق في الفساد والإفساد إلى حد يفوق التصور, هو نظام قائم بالفعل على نظرية الدولة المدنية فلسوف يزداد تمسكنا بالعلمانية الديمقراطية التي من نتائجها أن تحمي الدين والسياسة من بعضهما إضافة إلى كونها الضمانة الأكيدة للحفاظ على وحدة العراق مثلما هي السبيل لتطوره.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدمة كتاب (العلمانية وبناء الدولة الوطنية)
- السباحة عكس التيار
- صراع الأزمنة العراقية
- فن النوم على المسامير
- الطائفية في العراق والدولة العلمانية
- ميكافيلي .. الرجل المجني عليه
- (الإسلاسي) و (العُلَيْمانية) : مفهومان قيد الإنشاء
- الأقلية الأكثرية
- فكر المظلوميات من جيفرسون المؤسس إلى بوش الإبن المفلش
- عوامل ساعدت على إنتشار التشيع في العراق أثناء الحكم العثماني ...
- قاطعوا الإنتخابات ولا تكونوا كذابي زفة
- عوامل ساعدت على إنتشار التشيع في العراق أثناء الحكم العثماني ...
- عوامل ساعدت على إنتشار التشيع في العراق أثناء الحكم العثماني
- فشافيش*
- سياج بيتي (2)
- كان يا مكان .. سياج بيتي
- كابول وبغداد .. عن معنى الدولة ومعنى الطرف الثالث والسلاح ال ...
- الرئيس الصح في الزمن الخطأ .. القسم الثالث والأخير
- الرئيس الصح في الزمن الخطأ*
- 17 – 30 تموز الرئيس الصح في الزمن الخطأ


المزيد.....




- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في ...
- الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - بين الدولة المدنية والدولة العَلمانية