أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احسان طالب - الكَلِماتُ والْمَعاني ما يُعَوَّلُ عَلَيْه بَيْنَ الفَلْسَفَةِ والشِّعْر















المزيد.....

الكَلِماتُ والْمَعاني ما يُعَوَّلُ عَلَيْه بَيْنَ الفَلْسَفَةِ والشِّعْر


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 7296 - 2022 / 7 / 1 - 18:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


رؤى متجددة للحياة
الشعر والفلسفة
التقابل بين الشعر والفلسفة في الظهور المجرد يوحي بتشابك مركب فمقولة أفلاطون بأن بين الشعر والفلسفة معركة دائمة، تفضي حسب رؤية سطحية لتناقض أو تضاد؛ لكن الاستبصار يجلِّي الأمر؛ فالجوهر قصد أولي لكليهما، ولكل منهما سبيله لفصد المعنى والتدليل على ماهية الشيء ومعنى القصد.
يقول المتنبي:
فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ
فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ.
ننظر في كلام المتنبي كيف يفيض فلسفة؛ الكل والجزء، علاقة كلٍ منهما بالآخر وكيف يَفضُل جزءٌ من الكل فيفضل الكل، وكيف يمنح الكل فضله للجزء فيفضله على غيره من نوعه وجنسه. يقول المتنبي لمادحه: أنت واحد من الأنام وكأنك جزء منهم تشابههم لكنك تفوقهم كلهم، ويستعين بحقيقة لا مراء فيها؛ فالمسك بعض من دم الغزال والمسك يفوق في مكانته ما سواه من أجزاء الغزال، فكما أن تلك الحقيقة لا جدال فيها فتفوقك على الأنام لا جدال فيه.
يقول الشاعر أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. توفي 416 هـ/ - 1025 م:
فَالْعَيْشُ نَوْمٌ وَالْمَنِيَّةُ يَقْظَةٌ
وَالْمَرْءُ بَيْنَهُمَا خَيَالٌ سَارِي
ويقول أيضاً:
وَلَدُ المعزَّى بعضُهُ فإذا مضى
بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثارِ
الشعر حالة وجدانية منضبطة قصداً، تماري الفلسفة بالتأمل وتشابهها بامتطاء الآفاق الممتدة الطوافة حيثما جال الفكر وساح الخيال.
يقول الجرجاني:
(وليس في الأرض بيت من أبيات المعاني قديم أو محدث إلا ومعناه غامض ومستتر، ولولا ذلك لم تكن إلا كغيرها من الشعر، ولم تفرد فيها الكتب المصنفة وتشغل باستخراجهما الأفكار الفارغة) الكتاب: الوساطة بين المتنبي وخصومه، المؤلف: الجرجاني
ولو كان التعقيدُ وغموضُ المعنى يُسقطان شاعراً لوجب ألّا يُرى لأبي تمام بيت واحد؛ فإنا لا نعلم له قصيدة تسلم من بيتٍ أو بيتين قد وفَر من التعقيد حظهما؛ وأفسد به لفظهما، ولذلك كثُر الاختِلاف في معانيه، وصار استخراجها باباً منفرداً؛ ينتسِب إليه طائفة من أهل الأدب، وصارت تُتطارح في المجالس مطارحة أبيات المعاني، وألغاز المُعمّى.) من كتاب: الواسطة بين المتنبي وخصومه. الجرجاني.
(الشِّعْر: لغة: العلم، وفي الاصطلاح: كلام مقَفّى مَوْزون على سبيل القصد، .. والشعر في اصطلاح المنطقيين: قِياَس مُؤَلِّف من المخيَّلات، والغرض منه انفِعال النَّفْس بالتَّرغيب والتَّنْفير، كقولهم: الخمر ياقوتة سياَّلة، والعسل مرة مُهَوَّعة) معجم التعريفات : للعلامة علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني 816هـ 1413 م صفحة، 109


يقول أبو تمام:
وَلِذاكَ قيلَ مِنَ الظُنونِ جَلِيَّةٌ
صِدقٌ وَفي بَعضِ القُلوبِ عُيونُ
ويقول أيضاً:
شابَ رَأسي وَما رَأَيتُ مَشيبَ ال
رَأسِ إِلّا مِن فَضلِ شَيبِ الفُؤادِ
وَكَذاكَ القُلوبُ في كُلِّ بُؤسٍ
وَنَعيمٍ طَلائِعُ الأَجسادِ.
ويقول:
وَمِمّا كانَتِ الحُكَماءُ قالَت
لِسانُ المَرءِ مِن خَدَمِ الفُؤادِ.
يقول أبو العلاء المعري: فيلسوف الشعراء.(363 ـ 449هجري) (973 ـ 1057 ميلادي)
إِذا تَفَكَّرتَ فِكراً لا يُمازِجُهُ
فَسادُ عَقلٍ صَحيحٍ هانَ ما صَعُبا
فَاللُبُّ إِن صَحَّ أَعطى النَفسَ فَترَتَها
حَتّى تَموتَ وَسَمّى جِدَّها لَعِبا
وَما الغَواني الغَوادي في مَلاعِبِها
إِلّا خَيالاتُ وَقتٍ أَشبَهَت لُعَبا
ما الشعر والفلسفة إلا رحلة على مراكب الصور والخيال، وإبحارٌ في سواقي وأنهار النفس والوجود، قوارب صغيرة وفُلك عملاقة مصنوعة من كلمات وأسماء وسمات وأشياء، أشياؤها قيم وأفكار ومفاهيم وخواطر حاضراتٌ غائبات. تمخر عُباب الزمن لا تبلى بتوالي الأيام وتعاقب الليل والنهار، ونزاعُ العتمة والنور فيهما يتنافسان على الأمكنة عبر الزمان.
شموسها وأقمارها ونجومها تسْبح في فضاءات لا تنتهي، تفتش في لبِّ الكلمات تستخرج الباطن والمكنون والمُتًكوِّن. تمتطي الرمز والمجاز، والكناية والاستعارة والتشبيه، تستعين بالبلاغة والبيان والجزالة، تستعير العين مغمضة فترى ما لا يراه المُبصر. تبتغي سبر أغوارِ معنىً مكتومٍ أو محجوبٍ أو مكشوف بنور، تسأل عن الحقيقة وفي الحقيقة، تدشن كل بُرهة مشروع عمارة يسكنها السؤال، تزخرف جدرانها الدهشة والبهاء.
تأويل للوجود ومعرفة لما كان قبله وما سيكون بعده، ليس الأمر رفاهية عقل مترف، ولا نزهة لفكر مسرف، إنها هجرة نحو أماكن وأزمان مجهولة مأهولة بالحكمة والجمال، تفتش تحت ورقة خريف عن دبيب نملة تحادث جوقة تبث في أفئدتهم الحماس للاستمرار والكفاح، تهديهم لسبل الخطر والنجاة.
إنهما انبثاق من خلال انكشاف المعنى بوسائل وأدوات مركونة هنا وهناك، مَخفيَّة تحت أسرار لا يعجز الحصيف عن حلها، وأخرى جلية تتداولها الأجيال، تختزنها ذاكرة الجموع منظمة كانت أم عشوائية.
كلاهما تجلي ووصول واتصال وإلهام. من غرائب مقاربات الشعر والفلسفة انهمار المعاني والمشاهد والصور والتصورات مرات دون سابق إنذار، ومرات بعد جهد وعنت وألم وشقاء، تغيب تتسرب تختفي مثل ذاكرة رضيع وما تلبث أن تعود متوقدة كقدح شرر أو بريق رعد.

هناك حيثما وجِدا حلَّ جدل بين المفاهيم السائدة وتلك السابقة وبين القراءات التاريخية للسرد والحَدَث والخطاب، تحمل الفلسفة الشعر في أحشائها وما إن يتكون في رحمها حتى ينقلها إلى عالم آخر بإطلالة تكتسي رداء الوزن وقلائد النغم، يغور باحثا فيما فاتها، يفارقها كندٍ يحلم بتاج الجمال والرفعة، ما درى أحدهما أنه يتودد للغير باحثا عن ذاته في ذاته.
يرتقيان سوية ليطوفا بجلال المعاني وبحور الدلالات والمقاصد والغايات عبر سيمياء رمزية متفتحة تتفتق محفزة تبعث بهجة لكشف أو ريبة من حقيقة.
انتقال ومزاوجة لتصورات ورؤى معينة عن كلٍ تَكوّن من تفحص جزئ بعد جزئ، تتجاذب المتقاربات بما في داخلها من تباينات واختلاف تتضايف تتبادل العطايا والهبات تستكمل ذواتها المتفردة تنبثق عنها ذوات أعم وأشمل، كل ذلك بأحرف وكلمات تُنسج بنول اللغة الأم فهي الرحم والحاضنة والمِنسج.
يحاول الشعر كسر النمط الفلسفي مستخدماً تصورات عقلية مصحوبة برؤيا متفردة، فيحرر الشاعر حتى من قيود المنطق، أليستْ الأسطورة خارج المنطق؟ الشاعر الكفيف هوميروس تُروى عنه الإلياذة والأوديسا أشهر ملحمة شعرية ما تزال محل فكر ونظر واعتبار وإجلال؛ تشرِّق وتغرِّب بين الحقيقة والخيال تسرد التاريخ، تنثر حكمة تحوم بفكر الشاعر ثم تفرض على السامع والقارئ الشاهد حضوراً غائباً محسوساً كجمرة، أو كقمة جبل ثلج شاهق، تقوم الصورة المشهودة في وعيه، وتهتصر في رؤيته كما يستعيد ذاكرة معايشة تركت آثارها على جسده، مُعْلَنةً عبر إدراك حسي يسيل بباطن العقل، يبذل المعنى في متناول متلقفٍ حائرٍ مهووسٍ بالجمال مفتون بالإبداع، حالمٍ لا يحدُّه الوجود إلا كما قيل عنه بدايةٌ مجهولةُ تتدفق إلى حيثما لا حركة ولا سكون، إنه عالمُ السحر الأبيض المزعوم آسرٌ يصطفي خلّانه من صفوة الصفوة.
يقول ابن عربي:
وكــيــف يُــرى حـقٌ بـغـيـرِ حـقـيـقـة
لهـا فـي وجـودِ الحـقِّ حـكـمٌ مترجم
حــقــيـقـةُ عـيـنِ الحـقِّ رؤيـة ذاتِه
بــهــا جــودُه يــسـدي إليّ ويـنـعـمُ
ومـا كـون حـقـي غـيـر كونِ حقيقتي
ولكـنـهـا الألفـاظ بـالفـرقِ توهم.
وكأني بالشعر يقول ناظمه، إنَّ الحقائق فوق محسوسات ومدركات، وما تلك المصورات سوى إشارات لما وراء وجودها.
كلٌ تكوَّن من كليّ
هي الحكمة غايةٌ
بين أفياء المعاني
طارت بهم عنقاء
تحمل أسفاراً وسجلات
قديمة حاضرة متجددة
ترمي ذوات حصيفات
قصْد وجوهر فظهور
نفوس تدرك
وألباب تتفكر
صُورُ صَوَّرها مصوِّر
بارئ مُهيّمن مشهود
تظهر آياته بينات
عقل أنور مبصر
موجودة تُؤِّول حالها
تحضر حيثما يصول
وعي قابع ويجول
ما شاب فؤادها
بمشيب مفرقها
والدهر فائق صنعةٍ
يأخذ ويعطي غفلة
غدوة ورواح مانحاً
فِطْنَة فطرية تومض
يزدان الكَونٌ بماهية
محجوبةٌ بمعرفة
تعمى البصيرة
قبل العين أحياناً.



#احسان_طالب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاموس التاريخي لفلسفة هوسرل جون جيه. دروموند
- التجديد الديني، في المعنى والتاريخ. مقاربات الأصوليين والإصل ...
- أصل المعرفة هل حقا المعرفة النهائية لا أدرية كما يدعي هربرت ...
- محاورة إحيانون، الاستدلال والقياس
- جدوى الفلسفة نظرية المعرفة
- الإشكالات الأساسية في الفلسفة
- ما هي الفلسفة
- مقالات التنوير 10 عقدة أو مركب التفوق الحضاري
- مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجد ...
- مقالات التنوير 8 مأزق العقل الأصولي بحث أركيولوجي
- مقالات التنوير7 مقايسة الأصولية ومستوياتها بالعلمانية وحدوده ...
- مقالات التنوير 6 الإسلام السياسي كمفهوم يرتكز على أسس وتحليل ...
- مقالات التنوير 5 تفكيك ظاهرة التطرف والتشدد الديني
- مقالات التنوير 4 نقد فقه مؤسسة الزواج
- مقالات التنوير 3 مراجعة للثقافة الدينية المهيمنة
- مقالات التنوير 2 التمويه والتطبيع الاجتماعي في الثقافة المؤس ...
- مقالات التنوير (1)علاقة ثقافة العنف وجرائم الشرف بمفاهيم الن ...
- أصنام متكاثرة تناحر سبطا حرا خيّرا
- عالم مجهول يتلقف خطيئة محكمة
- عقول مستنيرة تضيء عتمة عريقة


المزيد.....




- تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد ...
- قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
- وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا ...
- مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو ...
- الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر ...
- مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
- شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها ...
- -نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام ...
- ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
- الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احسان طالب - الكَلِماتُ والْمَعاني ما يُعَوَّلُ عَلَيْه بَيْنَ الفَلْسَفَةِ والشِّعْر