أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - الهيموت عبدالسلام - حين كنت ذبابة إلكترونية















المزيد.....


حين كنت ذبابة إلكترونية


الهيموت عبدالسلام

الحوار المتمدن-العدد: 7296 - 2022 / 7 / 1 - 16:51
المحور: الصحافة والاعلام
    


قصتي أنني تحولت لحشرة أو ذبابة إلكترونية، قصتي حقيقية ولا تشبه رواية المسخ للروائي الألماني "كافكا" التي تدور حول الشاب "جريجور سامسا" الذي استيقظ ذات صباح من كابوس مٌرعب ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة، وبدأ يقنع نفسه بأنه لايزال نائما وأن ذلك المسخ مجرد كابوس من كوابيس النوم يراوده بسبب شعوره بالتعب، وبعد محاولات عدة للنهوض بجسمه الجديد يفشل "جريجور" فيصيبه الذعر والخوف، وعوض البحث عن حل لمشكلته سيصبح هاجسه الأكبر في تلك اللحظة هو كيف يقنع والديه ومديرَه بأنه لا يستطيع العمل بسبب تحوله إلى حشرة.
تأتي أمه بدورها لإيقاظه بعدما لاحظت بأنه تأخر على غيرعادته إلا أنه لا يرد عليها، ويصطف والداه وأخته وراء الباب منتظرين منه ان يخرج، ثم ينظم إليهم المسؤول عن الموظفين الذي يصفه بالمهمل وأن هذا التصرف قلة مسؤولية منه، فيحاول "جريجور" فتح الباب لكنه خرج وهو يتدحرج على ظهره وسيقانه الحشرية القصيرة لا تساعده، ويجد نفسه عاجزا عن التواصل معهم بالكلام بسبب صوته الحشري المخيف، لينفتح الباب ويراه الجميع و قد تحول الى كائن غريب، فيٌغمى على والدته من هول ما رأت.
"جريجور" باعتباره المعيل الوحيد للأسرة كان يعمل بتفان كتاجر متنقل لساعات طويلة، صار بعد مسخه يلوم نفسه لما حدث له لأنه أصبح عاجزا عن توفير المصروف لأسرته.
يدخل بعدها في دوامة من الاكتئاب، ويفكر بوضع حد لحياته ليقرر في الأخير تجويع نفسه حتى يموت وحيدا بغرفته، ولما يعثر عليه أفراد أسرته ميتا يحمدون الله على تخلصهم من هذا المسخ الذي ظل عبئا ثقيلا في حياتهم.

قصتي هذه حقيقية وواقعية جدا، هو مسخ من نوع آخر، كنت طالبا وعمري يبلغ آنذاك 24 سنة، بحثت عن عمل أي عمل، وأخيرا وجدت عملا وأصبحت أٌلقب بالذبابة، انخرطت في لواء إلكتروني ، كان عملي الانخراط في صفوف الذباب الإلكتروني، مهمتي إغراق الشبكات الاجتماعية بالتعليقات والمنشورات التي تشيطن الخصوم والمعارضين من صحافيين وكتاب رأي ونشطاء فيسبوكيين ، في البداية أعطانا المشرف قائمة بالصفحات والحسابات التي يجب التبليغ عنها ،كنا نقيم في فيلا ضخمة، يمنع فيها الخروج ولا التصوير ولا التسجيل ولا الدردشة، فيها كل ما لذ وطاب من الطعام وكأنك في فندق من خمسة نجوم ،ويمكنك التنقل داخل وخارج البلاد بكل حرية، في هذه الفيلا كان يتردد عليها الكثير من الصحافيين والأكاديميين والمحللين ،كان عملنا يستهدف المؤثرين والصحافيين الحقيقيين، كنا في غرفة فسيحة يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 200 ذبابة إلكترونية ، نعمل حول أكثر من 20 طاولة دائرية ، وجميعنا مزود بأجهزة كمبيوتر متصلة بالإنترنت، وأصبحت بمجرد أن أرى أمامي حسابا مفتوحا من قائمة المستهدفين حتى أنقض على الفريسة ، كما كنا نستخدم هاشتاغات للتأثير على الرأي العام وتخليصه من روايات المعارضين والمؤثرين والحقوقيين ،كان الهدف هو تشويه الآراء المعارضة وتشويه سمعة ناشريها، وتدربنا حتى التأثير على خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي لدفع الرأي العام ليسمع ويقرأ رواية وحيدة لجميع القضايا الكبرى.
عملت كذلك في خلية تراقب الأنشطة الرسمية والإشادة بتصريحات المسؤولين ودعمهم بتعليقات إيجابية إذا ما تعرضوا لانتقادات المعلقين والمغردين، كنا نتفنن في اصطياد الضحايا ونوقعهم في شباك المتابعة وحرقهم شعبيا ، كما عملت في خلية تركز عملها على صفحات الفيسبوك الكبيرة تلك التي تضم الملايين من المتابعين حيث يجب أن تكون الهجومات على صاحب الصفحة طاعنا وساما وكاذبا، لا ضير أن أقصفهم بالافتراءات الكاذبة والإهانات والاتهامات، كما عملت في خلية تراقب أنشطة المعارضين في الخارج وكانت الهاشتاغات كلها تدور حول الخيانة ومشتقاتها ، كنا نزرع التشويش الفكري والتشكيك في انتماء ونزاهة كل من يكتب بمهنية واستقلالية ،كنا نكاد نطير فرحا حين نحصل على المعلومات الشخصية جدا لأحد المستهدَفين وكأننا عثرنا على سلاح نووي .

أعترف لكم أنه بعدما أنهيت عملي ، بدأت أدخل في نوبات من الذعر والخوف والأرق، أقضي الليل كله متخبطا بين مشاعر الندم والشعور بالذنب ، لا أخفيكم أنني أشعر بأنني خضت حروبا على أشخاص لا أعرفهم وليس لي بهم عداوة ، أشعر أنني تسببت في اعتقالهم وفي محن أسرهم ، كلما سمعت كلمة الذباب أشعر أنني المقصود بذلك ، لم أعد أخالط الناس وأتلافى أصدقائي ، أصبحت أحس أنه انكشف أمري وأن الجميع يعرف المهام القذرة التي قمت بها .
في كل ليلة أشاهد نفس الشريط من الضحايا والفرائس التي نكلت بهم، والذين شوهت سمعتهم ،والذين يعانون رطوبة الزنازين ،والذين ساهمت في أحكامهم السجنية الثقلية ،والذين سقتهم للعطالة ،والذين شردت أسرهم ، نفس الشريط من الأذى أعانيه بتأنيب الضمير وإدانة نفسي المريضة التي كانت تتغذى على أناس أبريا لتشبع عقدها النفسية .
إنني أعيش جحيما حقيقيا وأصبحت أنا الحبيس لكل هذه الآلام التي تسببت فيها ، أصبحت أنا المعتقل داخل سجن هذه النوبات من الكوابيس من الأرق والألم والاكتئاب ، سلبني هذا الألم النوم والحياة الطبيعية ، فكرت مرارا في الانتحار ،فكرت في أن أعتذر من الضحايا واحدا واحدا سواء الذين كانوا داخل السجن أو خارج السجن وللأسر التي ساهمت في تفكيكها وتشريدها ، فكرت أن الأمر سيصبح قضية الساعة ، وسأزداد افتضاحا وسينهشني رواد وسائل التواصل مثلما نهشت وولغت في حياة أناس لا أعرفهم فتراجعت عن فكرة الاعتذار.
في إحدى الليالي البيضاء نفس شريط الضحايا ونفس الألم والحزن والعذاب قررت زيارة طبيب الأمراض النفسية، قررتٌ أن أمارس التداعي الحر لأتخلص من هذا الجحيم . قال لي الطبيب يجب أن تفرح لأنك لست حالة سيكوباثية لأن السيكوباثي لا يشعر بالندم ولا بتأنيب الضمير ، أنت تعيش حالة من الاكتئاب يسبب لك ألما نفسيا ، يجب أن تفرح أن ضميرك قد صحا وندم على كل ما فعله ، فعلاً الاعتذار غير ممكن لكثرة الضحايا المباشرين وغير المباشرين ، يجب أن تطمئن أن ألمك وندمك والتفكير في الاعتذار وزيارة الطبيب مقدمات أساسية للعلاج ، أقترح عليك هذه الأدوية المهدئة ، والتعويض عن الإساءات والجروح والعذابات التي سببتها للآخرين بأن تلتحق بالنحل الإلكتروني بدل الذباب الإلكتروني .



#الهيموت_عبدالسلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- افرضوا علينا المزيد من الضرائب قبل أن يفوت الأوان
- المدرسة وهوس التميز
- مزاد الأعضاء البشرية
- الكيف أو القنب المغربي
- حول القاسم الانتخابي المغربي
- قول في السياسة
- العصبية العرقية
- لا مجال
- فرنسا وتركيا والإرهاب
- نهاية كوفيد 19 أم نهاية الرأسمالية المتوحشة ؟
- ثورة الجهل
- ما معنى أن تكون أسودا في أمريكا
- أسلافنا المزارعون
- عودة التأميم تكتيك أم استراتيجية
- ضحايا جائحة كورونا
- الخفاش الصيني أم الجوع الكافر ؟
- حين يساهم تجار الدين في نشر وباء كورونا
- أمراض الفيسبوك
- وباء كورونا أم وباء الفقر؟
- أمبراطورية الفايسبوك : معطيات إحصائية


المزيد.....




- فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار ...
- دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن ...
- لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
- لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
- قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا ...
- التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو ...
- Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
- اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
- طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح ...
- إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - الهيموت عبدالسلام - حين كنت ذبابة إلكترونية