أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - ما قبل الدين ما قبل الشريعة















المزيد.....

ما قبل الدين ما قبل الشريعة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7296 - 2022 / 7 / 1 - 07:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حتى نكون على قدر من العلمية والمنهج الواقعي في قراءة التاريخ لا بد أن نعود للروافد الأساسية التي شكلت مفهومنا الحاضر للشريعة، وبدأ وقبل أن نلج في معمعة التأريخ وطياته الغير مؤكدة وأستنادا للعقيدة الدينية التي أمن بها الإنسان، نقر بوجود طريقين مكنا الإنسان من أن يشق طريق التشريع ليضمن له حياة بالنسبية المبسطة يمكن أن نطلق عليها الحياة المستقرة، الطريق الأول أن وجود الشريعة سابق لوجود الإنسان في الأرض وحسب المصدر الديني دوما، فإن آدم البشر وليس الإنسان الذي خلق في عالم أخر مواز أو متعال حمل معه الشريعة وهو نازل للأرض، وعندما أنجب أبناءه أباء وأجداد الإنسان اليوم قام بنقل الشريعة لهم كما أستلمها من الله الخالق، بذلك كان آدم أول ناقل للشريعة وأبناءه المباشرين أول من تعبد بها، فهذا الطريق يوضح أن الإنسان وجد والشريعة وسبقته حتى قبل ثدي أمه.
ففي العقيدة الدينية التي يمكن وصفها بمجموعة الأفتراضات التي يعتقد أنها أبلغت للإنسان عن طريق مصدر غيبي وتولى نقلها للواقع عبر نصوص دونت لاحقا، يظهر فيها بشكل مجمل أن هذا المصدر الغيبي "الله أو الرب" قد أختار مجموعة مهمة من الضوابط والتصورات والأفكار التي لو تم تطبيقها بشكل حرفي أنها ستجلب التكامل بين الإنسان ووجوده، مما يساعد هذا الكائن لأن يتمتع بحياة طيبة وربما بأفضل صورة مفترضة يمكن الحصول عليها، ومن هنا فالتدين وفقا لهذا لا يقتصر فقط على شعور من جانب واحد بأن الله أو الرب يملك القدرة على إلزام الفرد البشري على التقيد بتلك القواعد لأنه يملك فقط أدوات الضغط، بل أيضا أن الإنسان بطبيعته أيضا ميالا للبساطة والتسليم في القضايا التي لا تحتاج منه إلى المزيد من الجهد في الوقت الذي توفر له حلول جاهزة، فالدين هنا يمكن وصفه بحزمة من الحلول الجاهزة التي تغنيه عن البحث والتجريب والتفريق والفرز ووو، بهذا المفهوم أقبل الإنسان على الدين بمفهومه كشريعة ليتخلص من عبء البحث والأكتشاف.
أما الرؤية التأريخية الثانية والتي بنيت مرتكزاتها على أن الإنسان ووفقا للتقديرات الواقعية والعلمية أنه قد وجد في زمن أبكر بكثير من الزمن الذي حدد تقريبا لوجود آدم على الأرض، بمعنى أن من لم ينكر قصة آدم الدينية ووفقا للواقع الطبيعي العلمي التأريخي فقد عاش الإنسان أطوارا مختلفة في وجوده، النوعي له بالذات ووجوده المعرفي الكمي والقيمي في الأرض، وبالتالي لا يمكن أختصار كل التجربة الإنسانية بطولها وعرضها على عقيدة ما ورائية غيبية ممكنة القبول كما هي ممكنة الرفض، وفقا للقياسات العقلية التي يؤمن ويستعملها الإنسان كأداة معيارية أو حتى قياس فعلي في الواقع، العقل البشري الذي هو المسئول تماما عن ترجمة تجربته كتشريع أو معرفة أو حتى علم أحق أن يفصل في موضوع تأريخية التشريع، هذا الموقف المعرفي ليس إنكارا للدين ولا إنكارا لواقع أسسته الفرضية الدينية، ولكن لو تأملنا بشكل مفصل عن السبب الذي يجعلنا نتمسك بالشريعة والقانون والأخلاق وحتى السلطة، نجد أن العقل هو من يقدر وينصاع ويتوافق معها جميعا.
بين الرؤيتين ما بينهما من أفتراق تاريخي زمني وأفتراق في موضوع المصدر وكيفية التجربة والحدود التي يمكن أن يطالها التشريع الأول، لذا فلا بد من دراسة كل فارق ولو جزئيا لبيان أختلاف النظريتين في رؤية الحقيقة التي اؤمن بها، وكما يلي:.
• الفارق الزمني في الوقت الذي تركز الرؤية الدينية الأفتراضية في أن عمر التجربة التشريعية عند الإنسان لا تتعدى بأي حال من الأحوال عمر آدم في الأرض، فهي مرتبطة أصلا به نافية عن الإنسان اللا آدمي أنه كان يملك مجربة تشريعية إلا ما كان الحيوان البهيمي مرتبطا بوجوده من خلال ما يعرف بالغرائز أو مستوجبات البقاء، فكل ما هو إنساني لا آدمي مطابق تماما لحيوانيته ويتصرف وفقا لذلك، بمعنى أن لا شريعة قبل آدم ولا تشريع يتصور من حيوان لا يفقه الأجتماع أصلا، فالأجتماع أو إنشاء الروابط الجمعية المحترمة في المجموعة بعد الروابط الفطرية تستوجب تفكر أو إبداع عقلي يترجم الحاجات إلى قواعد، وثانيا أن يبتكر ويبدع وسائل لتطبيقها في المجامع المقصود، وفي كلا الحالتين يحتاج إلى عقل بمستوى عقل آدم يعرف التفريق بين موقفين متناقضين ويفصل بينهما، وهذا وبسلسلة العلل يحتاج إلى عقل معرفي يميز ويقيس ويسطر مفاهيم متعددة لا يمكن لعقل حيواني أن يدركها، بالتالي لا يمكن تصور تشريع أو شريعة قبل آدم لفقدان الأداة الضرورية له.
أما الرؤية الثانية والتي ترتكز على فهم طبيعة الوجود الإنساني المجرد، فالإنسان ولد وتطور وتطورت معه تجربته العقلية، فلم يكن الإنسان البدائي حيوانا خالصا بمعنى أنه فاقد للصفة البشرية الأساسية لديه وهي ملكة التفكير، والدليل أن المسيرة المؤرشفة تاريخيا له وعبر الأدلة الأركولوجية تبين لنا أن نموه العقلي والمعرفي كان في بدابات وجوده على مستوى عال جدا من الفاعلية، والدليل أنتقاله من حياة الكهوف المنفردة إلى حياة جمعية شبه مستقرة، كذلك أكتشافه النار والزراعة والعجلة والرسم واللغة والتعبيرات العقلية الصرفة، التي لولاها لما كان حاله اليوم.
بل أن مجرد وجود القدرة على فعل كل ذلك ينفي عنه الحيوانية المفترضة التي تعني البهيمية اللا مدركة، وهذا الأمر إذا سلمنا بهه يفضي إلى حقيقة أخرى أن الانتقالات والتحولات الكبرى في حياة الإنسان الأول رافقها وبكل تأكيد وجود قيم ضابطة وقيم معرفية هدفها الحفاظ على المنجز البشري، ولو تتبعنا تاريخ الإنسان الأول القديم وطبعا قبل آدم، سنجد أن المجتمعات الإنسانية كانت تحكمها شرائع تتناسب مع تطورها الحضاري وتستجيب لحاجات التنظيم، وبالتالي فنظرية آدمية التشريع قد تكون نظرية جزئية أو ربما مخصوصة بزمن وحال منفرد، لكنها ليست كلية ولا مطلقة حتى نفترض نفي ما سواها.
• الفارق المصدري هذا الفارق الموضوعي والذاتي في نفس الوقت يبين أن أن الرؤيتان أيضا لا يمكن الجمع بينهما، أولا كون الرؤية الثانية تركز على الجانب الذاتي البشري في موضوع التشريع، وإنه بملخص أساسي التشريع ما هو إلا إنعكاس لحاجة الإنسان لأن يتوافق مع طبيعته كونه كائن أجتماعي بالفطرة، هذا يستوجب عليه أن يباشر من أول لحظة أجتماع أن يضع حدود وضوابط ومرتكزات لضمان سلامة وديمومة الأجتماع، وليس عليه من الناحية المنطقية أن ينتظر من يحدد له تلك المحددات التي لا بد لها أن تكون أما من مصدر خارجي، وبالتالي عليه أن يستحضر وسائل الأتصال مع هذا المصدر أولا، وثانيا تمكسنه من العمل وفق آليات ومفاهيم ومنهج يدركه، حتى في هذه الخطة فهو يضع قواعد ويصنع تشريع، النقطة الأخرى المتصلة بالموضوع أن يكون المصدر خارجي لكن من داخل النوع بمعنى أن هناك إنسان يصنع له تلك القواعد، وإذا سلمنا بها نعود لنفطة البدء بأن التشريع والقوننة مجرد تجربة بشرية متنقلة ومتطورة وقابلة للتحرك في أتجاهات عدة، يحددها الإنسان ذاته وفقا لما يحتاج.
فليس من العقل والمنطق أن يكون الإنسان مرهونا في تطوره العام والتفصيلي وأنتظام حياته على عامل خارجي مجهول الهوية، لا نتوقع منه زمنا محددا ولا كيفية معلومة، مع أنتشار الإنسان في الأرض وضعف التواصل بينه وبين الأخر لسعة الأرض مع قلة الإنسان في الزمن الأول، مع الواقع الفعلي المتجسد مثلا بالتنافس على مصادر العيش أو الرغبة البشرية الطبيعية بالتوجس والخوف والقلق من الأخر الغير منتمي، كل ذلك ينفي وبشكل حقيقي أن التشريع الفوقي كان هو البدء في تاريخ التشريع، بمعنى أخر "متساهل" أن التشريع الآدمي مع أفتراض صحته ما كان ليكون لولا إدراك الإنسان ومن تجربته الخالصة أن يحتاج لنظم متكاملة، نظم تحمي وتبني قيم ومحددات لا غنى عنها لو أراد لنفسه أن يعيش حياة أكثر أستقرارا وأكثر أنتاجا بما ينفعه.
• فارق الحدود هذا الفارق يمكن وصفه بالذاتي أي في ذات التشريع موضوعا وشمولا في المدى الممكن تطبيقه، فالتشريع الديني الذي وصفناه بالآدمي يكون فيه باب و سقف الحدود عاليا لأنه يتناول رؤية شاملة ممتدة زمانا ومكانا، أي أنهلا تخرج من طبيعية التشريع ونوعه من كونه بشري نتاج حاجات محددة وقد تكون مؤطرة بهموم الجماعة، إلى رؤية تتجاوز حتى المألوف والدارج خاصة في الحدود والأحكام التي تتعلق بالعالم الأخر أو المستندة إلى وجود حياة أخرى، هذا الفرق النوعي له دور مهم في تبيان مصدرية التشريع، فكلما توسعت حدود التشريع ليطال عوالم غير ملموسة ولا محسوسة بالماديات والأستشعارات الطبيعية، يكون هذا التشريع مصدره خارجي لأنه ينظر لواقع الإنسان من خارج دائرة أهتماماته المباشرة لكي يحمله للبحث والفهم عما لا يدركه قبل التشريع، وبذلك يساهم المشرع بفتح أفاق المعرفة الإنسانية لحدود جديدة، بينما التشريع التجريبي فهو بالكاد يغطي أهم حاجات الإنسان لضمان حد أدنى من الأجتماع السليم.
هذه الفوارق التي يمكن تصنيفها على أنها مقياس مبسط للتفريق بين التشريع كونه نشاط معرفي وجودي حضوري بشري بأمتياز وفقا للنظرية الطبيعية في فهم التشريع، وبين ما يعرف بإلهية التشريع الآدمي كونه الأساس الذي أنطلقت منه كل الشرائع البشرية، سواء بتطوير القديم أو بملائمته مع واقع أخر أو حتى التصرف به ليكون أقرب لخصائص مجتمعات ذات أديان مختلفة، والحقيقة التي يجب تثبيتها هنا أن التشريع بغض النظر عن دائرته العاملة أجتماعيا حتى يكون على قدر من التناسق والتوافق مع من يخضه له، لا بد أن ينتظم وفق رؤية فلسفية جامعة تتناول طبيعة وزمانية وحال العلاقات الرابطة في المجتمع، حتى لا بقع التشريع في تناقض الأغتراب وعدم التمثيل الحقيقي لروح المجتمع.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدمة في دراسة فلسفة التشريع
- العراق قادم ح3
- العراق قادم ح2
- العراق قادم ح1
- ماهيات الحضارة الإنسانية من وجهة نظر أجتماعية تاريخية
- في ظاهرة الإنكسار والبناء النفسي
- تشرين وما بعد تشرين العراق قادم بقوة.
- الرؤية الوطنية لحركة -العراق قادم-
- بيان من حركة -العراق قادم-.
- النجف تتحكم بمفاتيح الإنسداد وبغداد تسمع وتطيع
- قراءة خاصة لمستجدات الوضع العراقي
- شرف الخصومة ومبادئ العمل السياسي الوطني.
- في الواقع السياسي العراقي... قراءة متشائمة أو تحقيق للواقع
- سؤال التاريخ الوجودي من وجهة نظر فلسفية
- هل ينبغي لنا أن نهجر الدين ح 1
- السيادة والدونية والقيادة المحترفة
- قانون الأمن الغذائي ما له وما عليه
- التأسيس الطائفي للدولة
- العالم ليس أوربا .... غادروا عقلية المستعمر.
- الحرية السياسية وإبداء الرأي بين إباحة دستورية وتشدد قضائي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - ما قبل الدين ما قبل الشريعة