|
قراءة في كتاب ألفرد وُليم مَكّوي (بهدف التحكّم بالعالم)
محمد الأزرقي
الحوار المتمدن-العدد: 7292 - 2022 / 6 / 27 - 01:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يشمل كتاب To Govern the Globe سبعة فصول ومقدمة تناولت صعود الإمبراطوريات وسقوطها خلال الخمسمائة سنة الأخيرة حتى وقتنا هذا، ونحن نراقب كلّ يوم انهيار الإمبراطورية الأمريكية العنيفة مع تسارع التحوّلات الكبرى في العالم الجاري. الى جانب فضح جرائم تلك الأمبراطوريات ضدّ الإنسانية وخاصّة العبودية المقيتة واساليب النهب والإستغلال الإستعماري العنصري الجشع لخيرات الشعوب، يطرح عمل مَكّوي الاستفزازي أسئلة استقصائية حول قدرتنا العالمية على أن نكون بشرا وفرصنا الجماعية للنجاة، خاصة مع اندلاع حروب باردة جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. كتابات مَكّوي وفضحه لجرائم الإمبراطوريات الإستعمارية في التقتيل الدموي والتخريب وتشريد الملايين من الناس داخل اوطانهم أو الفرار منها، دليل لا غنى عنه للتعامل مع الرعب المزدوج وكارثة المناخ والأوبئة المتعددة، حسب قول كاثي كيلي، ناشطة السلام ومنسقة مشاركة لحملة منع استخدام الطائرات المسيّرة. في مشرقنا العربي، علق أحد المُحللين بالقول، "أضاعت الولايات المتحدة إثر الحرب العالمية الثانية فرصة ذهبية لوضع أسس عالم أقلّ خطورة، وأظهرت ضعفاً واضحاً في فهم العالم الذي لا يمكن إدارته بفرض الزّي الموحّد على مجتمعات مختلفة، بعضها له حضارات وقيم وعطاءات قديمة قدم التاريخ" هذا لا يعني أنَّ المسؤولية تقع عليها وحدها. هناك مسؤولية بالتأكيد على أيتام الإمبراطوريات السابقة المسجونين في خرائط "ضيقة". يواجه عالمنا خطرا مفتوحا على أهوال كثيرة. "عالم يسمح أن نتخيَّل الرئيس شي جِنپِنگ يفاجئ العالم بما عجز الرئيس ماو عن تحقيقه، وهو استعادة تايوان بالقوة العسكرية، إذا اقتضى الأمر، فوضع العالم أمام الجدار وفي عين الزلزال." برز المؤلف د.ألفرَد وُليَم مَكّوي Alfred W McCowy كمؤرخ خلال حقبة حرب ڤيتنام عندما كشف الغطاء عن دور وكالة المخابرات المركزية في تهريب الهيروين في جنوب شرق آسيا. على الرغم من أنّ د. مَكّوي بلا شك عالم لامع، فهذا اللقب بالكاد يجسّد الروح الحقيقية للعمل الهائل والرائد، الذي قدّمه لنا جميعا عبر عقود من الزمن. ذهب د. مَكّوي لعدة عقود الى حيث يتكشّف التاريخ ومثل عالم الآثار قد حفر عميقا للكشف عن القصص التي ما كنا عرفنا بها لولا جهوده. كاد د. مَكّوي أن يُقتل في وقت مبكّر من حياته المهنية على يد القوات شبه العسكرية المدعومة من قِبل الولايات المتحدة. كانت وكالة المخابرات المركزية قلقة للغاية بشأن ما كشفه عن تهريب المخدّرات لدرجة أنّها حاولت إيقاف نشر كتابه المعنون The Politics of Heroin . تمّ التجسُس عليه من قِبل مكتب التحقيقات الفدرالي وجرى تدقيق مدخولاته من قِبل مصلحة الضرائب، واعتُبِر تهديدا من قبل وكالة المخابرات المركزية. درس د. مَكّوي في جامعة ييل وجامعة كالِفورنيا في بَركلي وجامعة كولومبيا. يعمل الأن استاذا للتاريخ في جامعة وِسكونسُن في مادِسُن، وله مؤلفات عديدة وهذا الكتاب أحدثها. إفتتح د. مَكَوي فصله الأوّل بالحديث الموجز عن واقع التغيّر المناخي وانتقد بشدة الإنكار الحازم لهذه الحقيقة، وأدان بشكل خاصّ زعماء أسترَيليا والبرازيل والولايات المتحدة واتهمهم بأنّهم يدمّرون النظام العالمي ذاته. ثمّ انتقل رجوعا الى العصور الماضية، فأشار الى أنّه منذ بداية عصر الإستكشافات في القرن الخامس عشر ظهرت حوالي 90 إمبراطورية كبرى وصغيرة جاءت وذهبت أدراج الرياح. "كانت هناك ثلاثة أنظمة عالمية فقط، كلها نشأت في الغرب، وهي الإمبراطورية الآيبيرية بعد عام 1494 وتلتها الإمبراطورية البريطانية منذ عام 1815 وعالم واشنطن منذ عام 1945 لغاية عام 2030." من الملاحظ أنّه لم يفصح علنا عن تسمية الإمبراطورية الأمريكية بل اقتصر على دعوتها بنظام واشنطن العالمي. كشف المؤلف بعد ذلك الدور غير المُشرّف للكنيسة الكاثوليكية في تقسيم ما وراء البحار ومنطقتي المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ ما بين إسپانيا والبرتغال، ولكونها باركت أفعال الغزاة المحتلين الوحشية وأجازت لهم استعباد الشعوب الأصلية والقضاء على حضاراتها وطرق معيشتها. "لم تفعل سلطات البابا ذات الصلة ذلك فقط، بل قسّمت العالم خارج أوروپا بين هاتين المملكتين، لكنّها شكّلت أيضا أوّل نظام عالمي في التاريخ من خلال فرض نظام ديني يفصل بين المسيحيين و(الوثنيّين)، والذي استمرّ من أجله ثلاثمائة سنة أخرى." هناك سجل مشين لكافة ما قام به الوحوش القادمون من أوروپا لتكريس استيلائهم على الأراضي والبشر والخيرات الطبيعية لما سمّوه العالم الجديد. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%] تمّ تشكيل النظام العالمي البريطاني لاحقا نتيجة مؤتمر ڤِينّا عام 1815، والذي كان من شأنه إعادة تقسيم أوروپا بعد هزيمة ناپليون، وبعد مؤتمر برلين عام 1885، الذي قسّم القارة الأفريقية بين القوى الأوروپيّة على أساس تفوّقها العنصري المفترض لكونها متحضرة مقارنة بالأجناس الإفريقية المتخلفة بالفطرة، وتأكيد تجارة الرقيق ومبدأ الحرية في الداخل والعبودية في الخارج. مع انهيار العصر الإمبراطوري البريطاني بعد حربين عالميتَين، بدأت واشنطن الجديدة تشكّل النظام العالمي من خلال مؤتمرين رئيسيين. عُقد الأوّل في برايتُن وودز في مقاطعة نو هامشِر البريطانية عام 1944، حين أنشأت 44 دولة حليفة تمويلا دوليّا للنظام الذي يجسّده البنك الدولي. وبعد عام اعتمدت 50 دولة ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر مدينة سان فرانسِسكو. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9]
كان على الحلّ الرسمي لتناقضات "حرية الداخل وعبودية الخارج" أن ينتظر حتى عام 1945، عندما قادت واشنطن دول العالم لصياغة مشروع ميثاق الأمم المتحدة ووعدت الشعوب بحرية تكوين دولها وفي الموافقة على إعلان آخر بعد ثلاث سنوات، حين أكّدت حقوق الإنسان العالمية. وبوضوح فإنّ قيام النظام الدولي الحالي المكوّن من 193 دولة ذات سيادة وعلى قدم المساواة في الأمم المنحدة يمثّل تقدّما هائلا بعد العصور الإمبراطورية حين حكمت العشرات منها ثلث البشرية. ومع ذلك وفي سعيها وراء القوة العالمية، سرعان ما بدأت واشنطن في تحدّي الإتفاقيات الأمميّة التي حدّدت نظامها العالمي الخاصّ، مخالفة السيادة الوطنية من خلال التدخّلات السريّة لوكالة المخابرات المركزية والحروب الوحشية في جميع انحاء العالم وانتهاك حقوق الإنسان وممارسة التعذيب. [https://www.un.org/ar/about-us] ربّما يكون مركز النظام العالمي قد تحوّل من آيبريا الى بريطانيا ثمّ الى الولايات المتحدة. لكنّ التطوّر المستمرّ للمبادئ الأساسية من حقبة لأخرى قد سهّل هذه التحوّلات الإمبراطوريّة. الآن ومع بدء القوة العالمية للولايات المتحدة في التلاشي، بدأ عالم صيني ناشئ يتحدّى المعيار العالمي لهذا النظام من خلال إخضاع حقوق الإنسان كمبدأ منافس للسيادة الوطنية غير الخاضعة للرقابة. كان دليل السنتين الأخيرتين منذ ظهور وباء الكوڤِد اختبارا واضحا، حين قارب عدد الوفيات في الولايات المتحدة مليون شخصا تقريبا، بينما لم يتجاوز عدد الضحايا في الصين حتى تاريخ هذ اليوم 11 شباط من عام 2022، حوالي 4,636 شخصا، علما بأنّ عدد السكان يبلغ 1,433,783,686 شخصا في الصين و329,064,917 شخصا في الولايات المتحدة . [https://www.google.com/search?q=Total+population+of+US+and+China] لقد اصبح هذا التركيز على الحرية الفردية مقابل السيادة الوطنية، سلاح واشنطن هذه الأيام لمقاومة صعود الصين. هذا طبعا دون الإلتفات الى ما يقوم به جنودها القتلة في كافة بقاع الأرض، ووكلاء اجهزة مخابراتها المنحرفون، الذين يقومون بعملياتهم السرية ويديرون الإنقلابات، إضافة لرجال شرطتها المنفلتون في شوارع المدن الأمريكية ومعاملتهم الوحشية للمواطنين من غير البيض. فهم المؤرّخون أنّ السيادة الإمبراطورية كانت تجربة قاسية على رعاياها، ولكن يبدو غالبا أنّ أولئك الرعايا آمنوا بأنّ إمبراطوريتهم إستثنائية الى حدّ ما، وأقلّ وحشية واكثر اعتدالا من بقيّة الإمبراطوريّات السابقة. كما بدا واضحا أنّ الإمبراطورية تفتقر الى حدود الدولة الإقليمية. نرى اليوم انتشار القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم للدفاع عن "المصالح الوطنية" للبلاد، والشعب الأمريكي "مخدّر" ازاء هذه القضية لأنّ النشيد الوطني يشير الى أنّها "موطن الأحرار وأرض الشجعان"، بمعنى يعطيها الدور الإستثنائي "للشعب المُختار". وهو أمر لا يُسرّ الصهاينة لأنّ توراتهم أعطاهم هذا الإمتياز و"دولتهم" ليس لها حدود إقليمية أيضا! قامت أول إمبراطورية في العراق قبل حوالي 4 آلاف عاما على يد سرجون الأكدي وبسطت نفوذها على منطقة الهلال الخصيب وجزء من هضبة الأناضول وامتدت من خليج البصرة الى ضفاف البحر الأبيض المتوسط حتى غزّة. "شهد العالم تعاقبا مستمرّا لنحو 200 إمبراطورية، كانت 70 منها كبيرة وعمّرت لفترات طويلة." إقترح المؤلف تقسيم تلك الأربعة آلاف سنة من التاريخ الإمبرطوري إلى ثلاث فترات متميّزة. خلال مرحلة كلاسيكية أولية دامت حوالي ألفي سنة ونصف (من 2300 قبل الميلاد الى 400 ميلادية) برزت فيها إمبرطوريتا روما والصين. تلتها فترة "خلو العرش" من (400 الى 1400) وبرزت فيها حضارات المايا والإنگور والصينية والبيزنطية، التي تمثلت في سيطرة الإمبراطوريات الرومانية المقدسة في مناطقها. كان نفوذها الإقليمي محدودا وعمرها قصيرا. حتى الخلافة الأموية، التي جلبت فتوحاتها الإسلام الى شعوب متنوّعة من شمال الهند الى جنوب إسپانيا، عاشت لفترة أقلّ من 90 عاما (661 لغاية 750 ميلادية)، وعمر الخلافة العباسية كان ايضا قصيرا قبل أن تتفكّك على يد المغول والترك. كان نفوذ الفرسان بقيادة جنكيز خان وتيمورلنگ متفاوتا على نطاق واسع عبر سهول أوراسيا ورمالها من 1200 الى 1400. أمّا العصر الإمبراطوري الثالث فتشكّل منذ بداية الإستكشافات البرتغالية في عام 1420 وظهور سلسلة من ثلاثة أنظمة عالمية مرنة تمّ تصنيف كلّ منها باعتبارها إمبراطورية، وهي الآيبيرية والبريطانية والأمريكية. خارطة إمبراطورية سرجون الأكدي الأولى في العالم تناول د. مَكّوي في نهاية فصله الأول تحليل أسباب الإنحدار الإمبراطوري فأورد مثالين عن امبراطوريتين حديثتين، إنقضت إحداهما وبدأت الأخرى في طريق الإنحدار. وقد تنبأ بأنّ نهاية هذه ستكون بحدود عام 2030، إيذانا بقيام إمبراطورية جديدة هي إمبراطورية الصين. أشار في غضون ذلك الى أنّ برِجِنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر باعتباره واحدا من أتباع ماكِندَر فكريّا، قد أثبت براعة في تطبيق القول البريطاني الشهير حول الصلة الجيوسياسية بين أوروپا الشرقية و" قلب" أوراسيا، من خلال عملية سريّة لوكالة المخابرات المركزية كلفت مليارات الدولارات. لقد دقّ برِجِنسكي أسفينه الحاد بدفع الإسلام المتطرّف من أفغانستان الى عمق آسيا الوسطى السوڤيتية. خلقت هذه المناورة الجيوسياسية لموسكو عقدا مُنهِكا من الحرب الأفغانية، التي أضعفت الإتحاد السوڤيتي بدرجة كافية لتتحرّر شرق أوروپا أخيرا من قبضة الإمبراطورية، التي تُمسِك بها. حين سُئِل برِجِنسكي عن المعاناة الإنسانية الهائلة لستراتيجيته الجيوسياسية وما جرّته على أفغانستان وبلدان الشرق الأوسط عموما من الويلات والفوضى التي خلقتها بظهور الإسلام المتشدّد المعادي للولايات المتحدة، لم يعتذر على الإطلاق. غير أنّ"المجاهدين" الذين دعمتهم أمريكا بالمال والسلاح واستقبلهم رئيسها في البيت الأبيض، "غزوا" أمريكا ذاتها في النهاية في عقر دارها ومرّغوا أنفها بالتراب حين احرقوا برجيها الشامخين ومبنى وزارة دفاعها في 11 سبتمبر من عام 2001. من مفارقات التاريخ أنّ عصر العبودية البغيض قد بدأ باختطاف 11 مسلما من قبائل الطوارق الساكنين في صحراء غرب افريقيا، وتمّ نقلهم عنوة الى البرتغال. تتالت بعدها حملات الإختطاف من افريقيا لتعود السفن البرتغالية بعدها محمّلة بالضحايا الأبرياء. أفاد تقرير لمحكمة في الميناء حول تقسيم الأسرى المُختطفين على ظهر إحدى السفن، وعددهم 243 أفريقيا الى مجموعات بأنّه سيشتت شمل العائلات ويُسبب الكثير من البكاء. ذكر أحد المؤرخين بأنّ الأمّهات تشبّثن باطفالهن، ووسط الصراخ والعويل والتوّسلات غير المجدية، تعرضت أولئك النسوة المنكوبات للجلد بسياط المُختطِفين. عرّج المؤلف على ذكر سيرة الأب مونتِسينوس فأشاد بدوره في الدفاع عن حقوق السكان الأصليين، وهو الموقف الذي دفع أحد المستوطنين لاغتياله في ڤنزوَيلا عام 1540. وزاد الطين بلة هو نشوء تجارة الرقيق. نمت حركة جلب العبيد الأفارقة خلال القرون الأربعة التالية لتصبح تجارة واسعة وحجمها قرابة 17 مليون شخصا باستثناء أولئك الذين لقوا حتفهم فى أثناء نقلهم عبر المحيط الأطلسي، في واحدة من اعظم واقسى هجرات التاريخ، وكذا إضفاء الشرعية فيما تضمنته قوانين ذاك الوقت ومباركة الكنيسة. تطلب الأمر [https://www.un.org/ar/events/slaveryremembranceday/background.shtml] لاستئصالها القوة الكاملة للإمبراطورية البريطانية وحرب أهلية أمريكية. تحوّل د مَكّوي بعد ذلك لمناقشة تعرّض أوروپا لوباء الطاعون الأسود، واستعان بمداخلة مؤرّخ القرون الوسطى، روبَرت س. گوتفريد. أكّد هذا المؤرّخ بأنّه ظهرت للطاعون الأسود تحوّرات جعلته فريدا من بين كافة ا"لأوبئة القاتلة." ظهرت تلك التحوّرات كلّ 5 الى 12 عاما للفترة بين 1361 حتى عام 1494في اجزاء من اوروپا [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7] وقضت على ما يصل الى نسبة 20% من مجموع السكّان. عانت إسپانيا، على سبيل المثال ثماني نوبات من الطاعون، ممّا أدّى الى خفض سكان مقاطعة كَتَلونيا ومدينتها الساحلية برشلونة من 430000 مواطنا الى 278000 مواطنا عام 1497. خلال القرن التالي، قد تكون العدوى الأولى في أوروپا والتحوّرات المتكرّرة، قد كلفت القارة أكثر من 75% من مجموع سكانها، ممّا جعلها، كما ذكر المؤرّخ دَيڤِد هِرليهي، "أشدّ الكوارث الطبيعية التي ضربت أوروپا تدميرا على الإطلاق."
في تناوله لنشوء الإمبراطورية البرتغالية التي دامت لفترة 6 قرون تقريبا، ذكر الأستاذ مَكّوي أنّه في بداية استكشافاتها، كان عدد سكان البرتغال أقلّ من مليون شخصا وأكبر مدنها لشبونة تضم فقط 40000 نسمة. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9] "حتى في ذروة قوّتها الإمبراطورية في القرن السادس عشر، كان لدى البرتغال 300 سفينة فقط، معظم أطقمها من البحارة الأجانب. وقد شيّدت البلاد اسطولها البحري باستخدام خشب الساج الإستوائي الذي جاءوا به من گوا، إحدى مُستعمراتهم على الساحل الغربي للهند." وقدر تعلق الأمر بالعرب والمسلمين، سجّل التاريخ حدث استيلاء الغزاة البرتغاليين على مدينة سبتة. في عام 1415 [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3] قاد الملك دوم جواو أوّل رحلة استكشافية تألفت من 200 سفينة و20000 رجلا عبر مضيق جبل طارق واستولى على ميناء سبتة الإسلامية الغنية وبوابة المحيط الأطلسي والمحطة النهائية للقوافل التي عبرت الصحراء ونقلت الذهب من مناجم السودان ومالي وغيرهما من مناطق أفريقيا. "نهب جيش السلالة الحاكمة Avis المدينة القديمة وقتل نصف سكِانها العرب وبيع سكان النصف الآخر كعبيد." صحيح أنّ البرتغاليين يتحملون الجزء الأكبر من مسؤولية تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي ونموها وتطويرها بمباركة الكنيسة الكاثوليكية، لكنّ بعض الدول الأوروپيّة الأخرى كان لها نصيب في تلك الجريمة الإنسانية البغيضة. [https://en.wikipedia.org/wiki/Atlantic_slave_trade#:~:text=] وعلى رأس هذه الدول كانت إسپانيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا والدنيمارك. ذكر تحليل اقتصادي قياسي للزراعة الأمريكية في أوائل القرن التاسع عشر، "أنّ مزارع الرقيق الجنوبية كانت أكثر كفاءة بنسبة 35% من المزارع العائلية في شمال البلاد. من خلال العمل الكادح للفرق الحاشدة من العبيد حتى الموت، عزّزت مزارع السكّر الإستوائية إنتاج طاقة جسم الإنسان، ممّا خلق منطقا اقتصاديّا قاسيا من شأنه أن يدفع بلا رحمة أو هوادة توسيع تجارة الرقيق للأربعمائة سنة القادمة." هذا وكان تسلسل الولايات الجنوبية الأمريكية في استقدام العبيد يشمل أركنسا ثمّ مِزوري والمسَسِپي ولويزيانا وألاباما وكنتَكي وتِنِسي وأخيرا ڤرجينيا. وجدير بالذكر أنّ غالبية من سُمّوا بالآباء المؤسسين لأمريكا، وفي مقدّمتهم واشنطن نفسه، قد امتلكوا عبيدا وسخّروهم للخدمة في مزارعهم. وعلى ذكر واشنطن، كان قد امتلك 123 من العبيد إلى حين وفاته في عام 1799، وأمر في وصيته بتحريرهم. [https://www.alkhaleej.ae/2020-08-16] من ناحية أخرى، تمكّن البرتغاليون من الهيمنة على المحيط الهندي الشاسع ببضع عشرات من السفن وعدة آلاف من الجنود، وقدروا على تحييد الملوك الآسيويين الأكثر قوة، ومن الذين شكلت ارضهم الهائلة جيوشا من شبه القارة الهندية الشاسعة التي ضمّت وحدها 150 مليون نسمة. لكنّ الإمبراطورية البرتغالية انهارت حين تولى الملك الشاب سِباستيَن العرش عام 1578 "فقاد زهرة أرستقراطية أمّته في حملة صليبية على المغرب. هناك وخلال المعركة المصيرية Alcácer Quibir أبيد الجيش البرتغالي على يد القوّات المسلمة المحلية. قُتِل حوالي 8 آلاف جنديا برتغاليا وأِسر منهم 15 ألفا، ونجا 100 فقط." إستمرت المعركة 4 [https://military-history.fandom.com/wiki/Battle_of_Alc%C3%A1cer_Quibir] ساعات فقط. سُمّيت ايضا معركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة. وهي معركة قامت بين بلاد المغرب الأقصى والبرتغال بتاريخ، 4 آب من عام 1578. تطور الأمر من نزاع على السلطة بين السلطان محمد المتوكل والسلطان أبو مروان عبد الملك، إلى حرب مع البرتغال بقيادة الملك سِباستيَن الذي حاول القيام بحملة صليبية للسيطرة على جميع شواطئ المغرب، كي لا تعيد الدولة المغربية بمعاونة العثمانيين الكرّة على الأندلس. انتصر المغاربة، وفقدت الإمبراطورية البرتغالية في هذه المعركة سيادتها ومُلكها وجيشها والعديد من قادتها. اندمجت الإمبراطورية المهزومة بالإمبراطورية الإسپانية، غير أنّها استعادت سيادتها الملكية بعد مرور 60 عاما.[https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B9%D] وهكذا فإنّ الإمبراطرية البرتغالية، التي قامت على تجارة الرقيق لأكثر من 400 عاما ونقلت الملايين منهم الى أوروپا والعالم الجديد مقيّدين بالسلاسل، هي التي بدأت ذلك العصر اللعين باختطاف 11 رجلا من الساحل الغربي لأفريقيا. كانوا مسلمين من الطوارق (الأمازيغ) واستعبدتهم وبيعوا في ميناء لشبونة. لقد انتهت هذه الإمبراطورية الشرّيرة على يد المسلمين المغاربة في معركة القصر الكبير، المشار اليها في أعلاه. أستشهد المؤلف بوصف المؤرّخ جون إليوت عن "الوفرة الإبداعية للقشتاليين الأسپان وتنظيم قدرات آرَگون،" وضع الملكان الزوجان الأسس لدولة إسپانيّة قويّة. "خلال 30 عاما بين تتويج إيزابيلا عام 1474 ووفاتها عام 1504، إرتفعت عائدات الضرائب في المملكة بمقدار 27 مرّة. بينما كان فرديناند يدير السياسة الخارجية، إشتهرت إيزابيلا برعايتها للتعليم، بما فيه توسيع جامعة سالامانكا لتضمّ 7 آلاف طالبا." لأكثر من عقد من الزمن قاد فرديناند وإيزابيلا حملة صليبية في أعقاب النصر الذي جاء أخيرا بسقوط غرناطة ومعها الأندلس بكاملها في إسپانيا عام 1492." احتفلت الكنيسة المسيحية بهذا طوال الوقت كعقاب لاستيلاء المسلمين على القسطنطينية." أضاف د. مَكّوي أنّه بدأ الملكان في بناء إمبراطورية كاثوليكية ضمّت غرناطة الى قشتالة وطردت العرب واليهود [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9] وبدأ التخطيط للتوسّع "بتكليف كولومبُس وتمويله للإستكشاف مقابل منحه عُشر خيرات المناطق المستكشفة."
إحتلّ الأسپان منطقة البحر الكاريبي أوّلا. وبعد 3 عقود انطلقوا لغزو أمريكا اللاتينية فقضواعلى السكان الأصليين بتدمير إمبراطوريتي الهنود الحمر من الأزتك في المكسيك والإنكا في جبال الأنديز في پرّو. "إنّ وحشية الإسترقاق الإسپاني كانت مستمرة ونتج عنها انقراض جميع السكان الأصليين في منطقة البحر الكاريبي، وأثارت أوّل نقاش سياسي حول حقوق الإنسان. منذ البداية أثارت أساءة معاملة المستعمرين للسكان الأصليين معارضة من قِبل رجال الدين الإسپان." قد يكون ما ذكره د. مَكّوي غير معقول حين أشار الى "الفكرة الشائعة القائلة بأنّ البابا تبرّع بأولئك الهنود الأمريكيين للتاج الأسپاني." وأنّ البابا عاد ليخفف من سلوك الكنيسة المشين في القرون الوسطى، فاصدر مرسوما لتبرير تلك الجريمة بأنّه، "لمصلحتهم الخاصّة، قد يتولى الأمراء الأسپان زمام إدارة أمورهم وتنصيب ... حكّام نيابة عنهم، كما لو كانوا مجرّد أطفال،" حتى أنّه سُمِح لهم بأن "يُحكموا جزئيا كعبيد ." [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9]
من مآثرالإمبراطورية الإسپانية، كما أوردها المؤلف، أنّه خلال نصف قرن من وصول الإسپان، وبفعل الجدري بالإضافة الى تجاوزات المستعمرين، إنخفض عدد سكان هِسپانيولا من الهنود من مئات الآلاف الى الصفر تقريبا. وبمعدّل عال ايضا ولكن لا يزال قاسيا، انخفض عدد سكان المكسيك تحت الحكم الإسپاني من 25 مليونا في عام 1520 الى 1.4 مليونا فقط بحلول عام 1600. وبالمثل كانت الخسائر في مرتفعات پَرّو فادحة. "بشكل عام يقدّر أنّه من 60 مليونا الى 89 مليونا من الهنود الحمر قد فقدوا حياتهم خلال قرن واحد من الزمن بين الأعوام 1500 الى 1600، أي ما يعادل حوالي 15% من سكان العالم. أفِلت هذه الإمبراطورية الشريرة أخيرا، وكافة الإمبراطوريّات شريرة. لكنّ أمبراطورية مدريد شريرة بشكل خاصّ بحكم قضائها عل حضارتين مزدهرتين للسكان الأصليين في المكسيك وهم الأزتك وسكان حضارة الإنكا في پَرّو. استعبدتهم أوّلا ثمّ جاءت بالأفارقة المخطوفين عبر المحيط الأطلسي للعمل في الزراعة والتعدين لنهب خيرات القارتين من الفضّة والذهب. إنقضت الإمبراطورية بوفاة ملكها العاجز جنسيّا والمختلّ عقليا، حسب شهادة المؤلف في نهاية فصله الثاني. شرح ذلك بالقول، "تزاوج آل هابِسبُرگ مرارا وتكرارا مع ابناء عمومتهم، ما أصبح في النهاية شيئا قريبا من سفاح القربى. على مدى 200 عاما، كانت هناك 9 زيجات من أصل 11 زيجة، بين آل هابِسبُرگ الأسپان. لم يؤدِ زواج الأقارب بالأسرة الحاكمة هذه إلّا الى الإنقراض النهائي في عام 1700."
في الوقت الذي نالت فيه إمبراطورية لشبونة قصب السبق في ابتداع تجارة الرقيق وخطفت الملايين من الأفارقة وقيدتهم بالسلاسل ونقلتهم الى سواحل العالم البعيدة لاستعبادهم للعمل في المزارع والمناجم، أرتكبت أختها في مدريد جرائم القتل وتدمير حضارتين مزدهرتين للسكان الأصليين، وهما حضارة الأزتك في المكسيك وحضارة الإنكا في پِرّو، إضافة الى نهب المعادن الثمينة في العالم الجديد. شنّت هذه الإمبراطورية حروبا دينية وطائفية لا هوادة فيها ضدّ المسلمين الكفرة وإمبراطوريتهم العثمانية وضدّ الهولنديين الزنادقة ومذهبهم الپروتِستانتي. وبعد محاكم التفتيش وقعت أوروپا في حرب طائفية [https://www.marefa.org/%D8%AD%] استمرّت 30 عاما. سقطت الإمبراطورية الشريرة أخيرا على يد الهولنديين الپروتِستانت، الذين ما كان عددهم أكثر من مليون نسمة ولكن خاضوا مقاومة ضدّ الأسپان استمرت لأكثر من 80 عاما. وبرأي المؤلف، أنّه بدلا من توسيع أفكارهم الأولية عن حقوق الإنسان والحرية لتشمل غير الأوروپيين والقوى الپروتِستانتيّة الصاعدة في إنگلترا وهولندا، "توسّعت تجارة الرقيق الآيبيريّة الى مستوى غير مسبوق وجُعل العمل القسري مركزا لبناء الإمبراطورية الناشئة. وبدلا من تحدّي المفهوم الآيبيري للسيادة الإمبراطوريّة واختصاصها في الغزو الإقليمي، إحتضنت أمستردام ولندن فكرة الإستحواذ على مناطق شاسعة في أفريقيا وآسيا والأمريكتينٍ."
طرح د. مّكّوي في فصله الثالث صورة مختلفة للإمبراطورية الهولندية الفتيّة، التي نشأت على أنقاض إمبراطوريتي آيبيريا. سرعان ما أدّت ديناميكية مدينة أمستردام الى مجموعة من الإبتكارات المالية، التي جعلتها تدخل التاريخ، كما صاغها جان دي فريس "كغرفة للتجارة العالمية". أخذ بنك أمستردام الودائع وحوّل الأموال عبر الحدود الوطنية وجمع فيما بعد كمّيات هائلة من المعادن الثمينة في خزائنه، ممّا جعل المدينة "خزينة أوروپا للذهب والفضّة." كما أنّ شركة التأمين البحري، عرضت تغطية لعشرات الوجهات الخطيرة، بينما هيّأت الصحيفة الرئيسيّة لتجّار المدينة معلومات مهمّة حول اسعار البضائع القادمة من الشواطئ البعيدة. كما أسّست أمستردام أوّل بورصةٍ في العالم، لتصبح "المركز العصبي للإقتصاد الدولي بأكمله." وأصبحت مدن هولندا الأخرى مراكز فكريّة حيويّة ذات ريادة للمتخصّصين في القانون والطبّ والعلوم واللاهوت والفنون الجميلة. وهذا يختلف اختلافا جذريا عمّا جرى على يد كُلّ من لشبونة ومدريد، حيث "قامت محاكم التفتيش في هولندا عام 1523 بحرق إثنين من الرّهبان الأوغسطينيين في بروكسِل بتهمة الزندقة. وبحلول انتهاء وقت محاكمات التفتيش في عام 1576، تمّ الإعدام العلني لحوالي 1300 پروتِستانتيّا، وقاسى آلاف آخرون أشدّ صنوف التعذيب بسبب معتقداتهم الدينيّة." كما برعت الدولة الفتية في بناء السفن التجارية الضخمة وضمّ اسطولها 4000 سفينة رشيقة وسريعة وثلاثية الأشرعة تنقل الواحدة منها 500 طنّا عبر البحار في كلّ رحلة. أظهر الهولنديون أيضا براعة في بناء,المراوح الشراعية السداسية لمناشِر الخشب الضخمة التي تعمل بقوّة الرياح بغية تأمين حاجة تلك [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%8] الصناعة من الأخشاب المنقولة من آسيا. بعد احكام السيطرة على تجارة المحيط الهندي توجّهوا للسيطرة على مزارع قصب السكّر في شمال شرق البرازيل، ثمّ عادوا الى إفريقيا. كانت المناورات الهولندية حول خليج غينيا في غرب إفريقيا أكثر نجاحا. فمثلا، اكتسبوا موقعا محورّيا في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي من خلال الإستيلاء على الحامية البرتغالية في المينا، وهي غانا حاليا. استخدمت الشركة الهولندية هذا الحصن لمدة عقدين من الزمن لتبعث ما يصل الى 5000 إفريقيا مخطوفا كلّ سنة الى مزارع قصب السكّر في عشرات الجزر الكاريبية، التي استولى عليها البريطانيون والهولنديون والفرنسيون بعد طرد الإسپانيين منها. يذكّرنا المؤلف أنّه مع دخول حرب الثلاثين عاما عقدها الأخير، عانت إسپانيا من سلسلة من الإنتكاسات المنهكة، التي أجبرتها على رفع دعوى من أجل السلام. إستولى الجيش الپروتِستانتي الألماني على مدينة فايزَخ في منطقة نهر الراين وقطع "الطريق الإسپاني" الذي تعوّدت قوّات المشاة Tercios استخدامه منذ فترة طويلة للتحرّك طوال فترة سلطة آل هابِسبُرگ والتقدّم من إيطاليا الى هولندا. لقد أجبِر الإسپان الآن على التحرّك عن طريق البحر. تمّ إرسال أسطول إسپاني مكّوّن من 70 سفينة حربية و30 وسيلة نقل أخرى على متنها 24000 جنديّا لتعزيز قوّات فلاندرز. لكنّ أسطولا هولنديا مكوّنا من 96 سفينة حربية و9900 بحّارا بقيادة الأدميرال مارتِن ترَومپ هاجم الأسطول الإسپاني وهو راسٍ في المياه الإنگليزية المحايدة. مع فقدان سفينة واحدة و100 رجلا فقط، أغرقت القوّة الهولنديّة حوالي 20 سفينة عسكرية إسپانية وقتلت 7000 محاربا. كانت تلك ضربة موجعة حطّمت معنويّات البحرية الإسپانية.
كان العصر الذهبي الهولندي خلال القرن السابع عشر غير عاديّ بكثافته واتساعه. مثّلت أمستردام عاصمة هولندا المتحدة وتجارتها العالمية، وتمتّعت بدفعات من الإبداع في كلّ مجال تقريبا من الجهد البشري. شملت هذه التمويل والتجارة والصناعة والشحن والحرب والطبّ والعلم والحكم والقانون والفنون. لكنّ د. مكّوي يعيد الى أذهاننا، "إنّ انحدار القوة الإمپريالية الهولندية كان بمثل سرعة صعودها. بعد نصف قرن فقط من وصول البلاد الى ذروتها حوالي 1650، فقدت هولندا قيادتها العالمية بسبب مزيج من التغيّرات المحليّة والإنعكاسات الدولية." في أواخر القرن السابع عشر خاضت القوتان الهولندية والإنگليزية أربع معارك دامية في بحر الشمال، استمرّ كلّ منها لعدة سنوات، حول حرية الملاحة في البحار والمحيطات وطرق التجارة [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7].
في الوقت الذي استمر فيه القتال لتهديد بقاء هولندا وسيادتها، سعى وُليَم أورنج، الذي كانت زوجته ماري الأبنة الكبرى لملك إنگلترا، الى تحالف دائم من خلال محاولة محفوفة بالمخاطر لكنّها وضعت زوجته على العرش الإنگليزي. في نفس الوقت كان النبلاء الپروتِستانت في إنگلترا يخشون أنّ الملك جَيمس الثاني كان يُخطط لإعادة الكاثوليكية للبلاد، فدعوا وُليم أورنج الپروتِستانتي الهولندي لغزو بلادهم. "بعد تعبئة أذهلت سرعتها الدبلوماسية المراقبين، عبر وُليَم القنال باسطول يزيد عن 400 سفينة نقل و53 سفينة حربية تحمل 40000 رجلا بينهم 21000 رجلا من القوّات الهولندية مع خيولهم ومدفعيتهم. حين وقفت الأفواج على ظهور السفن تشكّل موكب صاحبه نفخ الأبواق وهبوط الجيش الهولندي دون معارضة على الساحل الجنوب الغربي لإنگلترا. حشد الملك جَيمس الثاني جيشا للدفاع عن مملكته، لكنّ العديد من قوّاته انشقّت وانضمّت الى الهولنديين." وبعد شهر فرّ الملك الى فرنسا، ضيفا على لويس الرابع عشر صاحب المقولة الشهيرة "الدولة أنا وأنا الدولة". أصبح العرش شاغرا، و"توّجت ماري ملكة على البلاد بالمشاركة مع زوجها وُليَم في شهر نيسان التالي في كنيسة وستمِنستر آبي، تحت حراسة القوّات الهولنديّة. كشرط لتتويجهما، سنّ البرلمان قانون الحقوق المدنية Bill of Rights عام 1689، الذي أصبح الوثيقة الدستوريّة الأساسيّة للبلاد وذا الأهمية التاريخية الدائمة لتلك الأحداث."
بفعل ما قامت به شركة الهند الشرقية البريطانية، فإنّ "البريطانيين نشروا قوّتهم المتفوّقة للقضاء على ما تبقّى من الوجود الفرنسي وإخضاع آخر حكام الهند الإقليميين الأقوياء. بلغت الحملة ذروتها في الإحتلال البريطاني للعاصمة المغولية في دلهي وفرض الإقامة الجبريّة على شاه علم الثاني، الذي اصبحت جاذبيته من الآن فصاعدا هي اضفاء الشرعية على حكمهم. على الرغم من أنّ بريطانيا كانت دولة جزيرة صغيرة يسكنها 10 ملايين مواطنا، أضحت الآن في طريقها للسيطرة على شبه القارة الهنديّة التي يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة. وقد حقق لها ذلك توفير القوة العاملة والتجنيد في القوّة العسكرية وزيادة الموارد للسيطرة المستقبلية على الكثير من مناطق آسيا." [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8]
في إفريقيا، ابتدع البريطانيون في ثمانينات القرن الثامن عشر طريقة جديدة للقبض على الأفارقة، "ممّا أدّى الى ما سُمّي (ثورة البارود) على طول ساحل إفريقيا الغربي. قاموا بعسكرة القبائل وزوّدوها بالبنادق من طراز فلِنتلوك، التي ارتفعت الى 20000 بندقية سنويّا في مناطق Asante, Benin, Dahomey, Oyo, Kongo . أثاروا النزاعات والصدامات بين قبائل تلك المناطق وشجّعوهم على أسر بعضهم البعض. وبعد انقضاء الحروب كانوا يشترون الأسرى من زعماء كلي الطرفين وجعلهم عبيدا وشحنهم عبر الأطلسي." ثمّ يمضي د.مكّوي للقول أنّه، "نتيجة لذلك، زادت واردات الأسلحة النارية الى غرب إفريقيا بمقدار 10 أضعاف وقابلها ارتفاع بمقدار 5 أضعاف من صادراتها من العبيد، لتصل الى مستوى الذروة التاريخية في ثمانينات القرن الثامن عشر عند 77000 أسيرا سنويّا." هذا إضافة الى تشكيل فرق المرتزقة من الأوروپيين والمحليين المسلحين بالبنادق لملاحقة و"إصطياد" السكان في مناطق الأحراش والغابات وبيعهم لوكلاء الشركات كي يتمّ شحنهم عبر الأطلسي. دخلت أوروپا عصر الثورات التي اجتاحت جانبي المحيط الأطلسي، في أوروپا والأمريكتين. أطلق هذا العنان لثورات كان من شأنها خلال قرن من الزمن أن تزعزع أسس الأنظمة الإستبدادية. استنفذت حرب الأسپان ما بين السنوات 1701 لغاية 1714 طاقات أسرة آل هابِسبُرگ لفرض الهيمنة على القارة. كما أنّ حرب السنوات السبع التالية اعتبارا من 1756 لغاية 1763 أعاقت طموح النظام الملكي الفرنسي لفرض ذلك الوضع المماثل. وفي مطلع القرن التالي جرت حروب ناپُليون المدمّرة بين السنوات 1796 لغاية 1815. وهي الحروب التي كان من شأنها أن تزعج أوروپا بدرجة كافية حفّزت ظهور قوّة بريطانيا ونظامها العالمي الجديد. "بحلول نهاية الحقبة الثورية، فقدت فرنسا كافة كندا وفقدت بريطانيا المستعمرات الأمريكية الثلاثة عشر وفقدت البرتغال إمتدادها الشاسع في البرازيل وفقدت إسپانيا معظم دول أمريكا اللاتينية." استفاض المؤلف في الحديث عن الثورة الفرنسية، وخصّ بالذكر مغامرات ناپُليون العسكرية وأحلامه الإمبراطورية، التي أدخلت قارة أوروپا في دوامة من الحروب لمدة ربع قرن من الزمن. شُنّت فيه 228 معركة دمويّة وفُرِض 91 حصارا مُدمّرا وفقد 6 ملايين شخصا حياتهم. لقد ضحّت فرنسا بجيل كامل [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9] من شبابها وخسرت إسپانيا بعدها ما تبقّى من إمبراطوريتها. سجّل التاريخ لناپُليون خسائر باهضة في معركة الطرف الأغر ومعركة أبي قير ومعركة واترلو وغزو روسيا الفاشل، وما أعقبه من الإنسحاب الشتوي المهين. بالمقابل، تكبّدت بريطانيا خسائر قليلة في قوّتها العاملة ولم تتعرّض لأضرار ماديّة. "بينما شرعت بريطانيا في تشكيل حقبة جديدة، لوّح دبلوماسيوها براية التجارة الحرّة لفتح الأسواق. لكنّهم استخدموا هذا المبدأ كذريعة للتدخّلات العسكرية، التي انتهكت سيادة الدول في جميع انحاء العالم."
تبقى الحقيقة هي أنّه مهما كان نوع الإمبراطوريات الغربية، التي تناولها المؤلف، هناك فارق في جوهر ومعنى وكيفية استخدام القوة، أو بالأحرى القسوة/التوحش في مقابل العنف. فيما تكون الهيمنة الاستعمارية قاتلة مميتة في سكونها كما في عدوانها وفي حفاظها على الوضع القائم من النهب والاستغلال، تشكل كلّ تمظهراتها الوحشية والقسوة، أفعالا دموية وحشية تعبّر عن الموت الذي يكبت إرادة الحياة والتحرّر عند شعوب العالم المستضعفة. [https://www.al-akhbar.com/Opinion/333967]
أخبرنا المؤلف في مطلع فصله الرابع بأنّه لأكثر من قرن من الزمن، كان لعصابات الإتّجار بالعبيد وجود قويّ في غرب إفريقيا، لدرجة أنّه كان لها حصن تجاري في مدينة Whydah في بنين. يكشف كلّ وجه من جوانب هذه الأحداث عن القوّة الإستثنائية لنظام العبودية، الذي كانت البحرية الملكية البريطانية تحاول سحقه. غير أنّه من ناحية أخرى، "استبدل البريطانيون التمييز الديني (المسيحية/الوثنية) الذي برّر العبودية بالتسلسل [https://www.bbc.com/arabic/tv-and-radio-53548643] الهرمي العنصري، الذي شرّع الحكم الإستعماري الأوروپي على ثلث الإنسانية."
تحوّل المؤلف بعدها الى الحديث عن الثورة الصناعية في بريطانيا وكيف أدّت الى ابتكار الآلات والمكائن، التي قادت بدورها الى التخلي عن العبودية وطاقة العضلات البشرية. لكنّها من ناحية أخرى أحدثت اضرارا للبيئة. استشهد بملاحظة پول كروتزِن، الحائز على جائزة نوبل، أنّ "التركيزات العالمية المتزايدة لثاني أوكسيد الكربون والميثان" في الغلاف الجوّي "قد تزامن مع تصميم جَيمس وات للمحرّك البخاري عام 1784." ثّمّ ذهب للقول أنّه في الواقع، شكّلت بريطانيا وصناعاتها 80% من انبعاثات الوقود الأحفوري في عام 1825 و62% في عام 1850. بحلول نهاية القرن التاسع عشر نشر الفيزيائي السويدي سڤانتي أرِنيَوس تقريره الأول عن قدرة الإنبعاثات الصناعية على إحداث ظاهرة الإحتباس الحراري. "من خلال ساعات لا تُحصى من الحسابات اليدويّة المُضنية، توقّع ببصيرة خارقة ودقّة كبيرة أنّ "درجة الحرارة في مناطق القطب الشمالي سترتفع حوالي 8 درجات الى 9 درجات مئويّة، إذا زاد ثاني [https://e3arabi.com/%D8%A7%D9%84%D9] أوكسيد الكاربون بمقدار 2.3 أو 3 أضعاف قيمته الحالية." "بحلول عام 1900 أغرقت الإمبراطوريات الخمس عشرة في العالم الكوكب في عربدة الفتوحات فاستحوذت على 146 مستعمرة إمبراطورية غطّت 40% من مساحة اليابسة وتحكّمت بحياة 550 مليون شخصا، أي ثلث البشرية." الى جانب العبودية والعنصرية أضافت بريطانيا مأثرة أخرى هي التجارة بالإكراه عن طريق ما سُمّي بمذهب الماركِنتيليّة،. قامت شركة الهند الشرقية وحدها بتوجيه تجارة الأفيون، من الزراعة الى التحضير الى حقّ التصدير. "كان للشركة مصانع التكرير الخاصّة في پاتنا وبيناريس في قلب منطقة زراعة الأفيون شمال شرق الهند. أشرف ضبّاط بريطانيون كبار على 2000 وكيلا هنديا كانوا يتجوّلون في حقول الخشخاش التي غطّت حوالي 500000 فدّانا من الأراضي الزراعية الرئيسية. وقدّم هؤلاء الوكلاء الإئتمان وجمع الأفيون الخام من أكثر من 1000000مزارعا هنديا. تمّت معالجة المحاصيل تحت أشراف صارم في تلك المصانع بتجفيف الناتج وتحويله الى كرات صغيرة وتعبئته في صناديق خشبية يزن كلّ منها 140 رطلا. تُنقل الصناديق بزوارق تجري في نهر الگنجي الى كلكتا لتُباع في مزاد للتجار البريطانيين والهنود." [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD]
على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، انجزت الولايات المتحدة مأثرة تمثلت بالطرد القسري للأمريكيين الأصليين. بعد عام 1830، طُرِد ما يقرب من 60000 فردا من 5 قبائل هي الشيروكي والكريك وشوكتا وچيكاشاو وسِمينَول Choctaw, Chickashaw, and Seminole Cherokee, Creek, ونُقلوا بالقوة الى مناطق أوكلاهوما على "درب الدموع" Trail of Tears، حيث مات اغلبهم بشكل جماعي نتيجة للبرد والجوع. "عشية الحرب الأهلية الأمريكية عام 1860 كان هناك 3 ملايين أمريكيا من أصل إفريقي عبيدا انتجوا ما يقارب من 4.5 مليون بالة من القطن سنويّا شُحِنت منها 350000 بالة الى بريطانيا لتوفير فرص عمل لنحو 440000 عاملا." [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D8%B1] في انتفاضة عيد الميلادعام 1831في جَمَيكا، تمرّد حوالي "20000 عبدا وقاتلوا لأكثر من شهر [https://www.alarabiya.net/culture-and-art/2019/10/07] مليشيا اصحاب المزارع والجنود البريطانيين، واحرقوا عددا لا يُحصى من حقول قصب السّكّر والمباني الزراعية. وحين تمّ سحق الإنتفاضة، حدث المشهد الدنيء بشنق جماعي لحوالي 340 متمرّدا. ألهمت تلك الجريمة موجة متجدّدة من التحريض ضدّ العبودية في بريطانيا، لحدّ أنّ البرلمان أقرّ مشروع قانون لتحرير جميع العبيد البالغ عددهم 775000 عبدا في جزر الهند الغربية البريطانية وفي بَرمودا، مع تقديم 20 مليون جنيها إسترلينيا كتعويض لأصحاب المزارع (وطبعا لا شيء للعبيد السابقين.)" اندلع عنف بشكل عفوي على طول طريق Grand Trunk Road عبر شمال الهند، وهاجم المتمرّدون عدة مدن وقتلوا مدنيين بريطانيين واحتلوا عاصمة الموگال في دلهي وجعلوا امبرطورها المُسنّ قائدا. "فرضت القوّات البريطانية حصارا على المدينة وتمكّنت في النهاية من اختراق دفاعاتها، وشرعت في ذبح المدنيين عشوائيا وأعدمت المتمرّدين في مشهد من القسوة المروعة." مثلما لم يقلل استمرار العبوديّة من وحشيتها، كذلك لم يمكن أن يخفي الإمتداد غير العادي للإستعمار تجاوزاته الدموية الظالمة، رغم ادّعاءات التحضّر والتقدّم. ثمّ جاء البريطانيون ومعهم اليمين الأمريكي بالتشويه المتعمّد لنظرية دارون "حول أصل الأنواع" ليضيفوا لها نكهة عنصرية حول الإختلافات بين الأجناس الراقية المتحضرة والأجناس البدائية المتخلفة. بعبارة أخرى، جاء الإمپِرياليون للقول إنّ الأفارقة والآسيويين "كالأطفال " يحتاجون الى وصاية إستعمارية لتسلق السلم التطوري نحو النضج القومي. ازعج هذا الخرف العالم داروِن فكتب يقول، "تبدو انواع البشر المختلفة أنّها تفعل ببعضها البعض كما تفعل الأنواع المختلفة من الحيوانات، يقضي القويّ دائما على الضعيف،" حسب ما استشهد به المؤلف د. مّكّوي. ومع ذلك عُقِد مؤتمر برلين وجلس دبلوماسيون من 14 دولة لمدة 3 أشهر بين العامين 1884 لغاية 1885حول طاولة مستديرة وأمامهم خريطة عملاقة لإفريقيا. رسم بِسمارك بقلمه الخطوط ووضع القواعد الأساسية لانتزاع الأراضي القارية من قبل الدول الأوروپيّة. كمثل على الأستهتار الإستعماري، ذكر د. مَكّوي، "حتى في عصر الإنغماس في التجاوزات الإستعماريّة، أثبت حكم الملك البلجيكي لِوپولد الثاني للكونگو تحت إسم (دولة الكونگو الحرّة) التي امتلكها شخصيا، أنّه غير إنسانيّ لدرجة أنّ أصبح أكبر فضيحة في العصر الإمبراطوري." مضى د. مَكّوي لطرح عرض موجز لما جرى في إفريقيا، قال "يمكن تعقب أثر الدماء في طول القارة وعرضها من خلال جشع البلجيكيين في الكونگو والبريطانيين بلا هوادة في السودان وجنوب إفريقيا، وكوارث الإيطاليين في إثيوبيا والألمان بلا رحمة في ناميبيا وتنزانيا والفرنسيين الى ما لا نهاية في شمال إفريقيا" من بين هذه الفظائع، كانت التهدئة الألمانية لناميبيا استثنائية في عنفها الشديد، والتي وصفها المؤرخ يورگِن زِمرير بأنّها "سابقة أولية مهمة للنازية اللاحقة" و"تفكير بالإبادة الجماعية". عندما قاوم الأفارقة تدفّق المستعمرين على قارتهم في عام 1904، أطلق الجنرال القائد "أوّل إبادة جماعية على يد الألمان" بإعلانه، "سأبيد القبائل المتمردة وأجعل الدماء تسيل أنهارا."على مدى السنوات الأربع التالية قتلت القوات الألمانية ما يقرب من 80000 شخصا، أكثر من نصف قبائل هَريرو وقبائل نما، وأقامت "معسكرات للإعتقال" مورس فيها القتل والتمييز العنصري وأساليب وتكتيكات "الإبادة" الكاملة، التي ظهرت لاحقا في الهُلوكوست، حسب قول المؤلف. بالمناسبة، اعترفت ألمانيا واعتذرت أخيرا بتاريخ 28 مايس عام 2021، وابدت استعدادها لتقديم التعويضات المالية. أكد وزير الخارجية الألماني هيكو ماس أنّ أعمال القتل تلك إبادة جماعية وأضاف "في ضوء مسؤوليات ألمانيا التاريخية والأخلاقية، سنطلب الصفح والمغفرة من ناميبيا عموما وأحفاد الضحايا خصوصا".[https://www.bbc.com/arabic/world-57280614]
لم تعتذر بريطانيا أو تدفع تعويضات لضحايا عدوانها وجرائمها حول العالم. جاء العرض الآخر لقوّة سلاح المستعمرين في عام 1898 عندما كان الجنرال القاسي هِربَرت كُچنَر قائدا للجيش الأنگلو- مصري. سار جنوبا من مصر الى السودان في حملة تكونت من 26000 جنديا مسلحين بثمانين مدفعا و44 رشّاشا من نوع مكسيم لقمع الثورة المهدية الإسلامية، التي قام بها رجال القبائل الصحراوية. في مدينة أمّ درمان على النيل، أطلقت مدافع كُچنَر ورشاشاته النار لمدة 5 ساعات بلا انقطاع وهاجم جنوده 52000 جهاديّا مسلحين بالبنادق القديمة والسيوف [https://www.marefa.org/%D9%85%D8] فقتلوا 10800 رجلا منهم بينما خسر الجانب البريطاني 40 رجلا فقط. حضر الشاب وِنستُن چَرچِل تلك الواقعة كمراسل حربي فمسح ساحة المعركة التي تناثرت فيها أجزاء من الجّثث، واعتبرها مفارقة غير مقصودة و"أكبر انتصار تمّ تحقيقه على الإطلاق من قبل المتسلحين بالعلم ضدّ البرابرة." إذا كان البريطانيون قد اعتمدوا على استخدام رشّاشات مُكسيم لحصد أرواح الثوار السودانيين، فقد لجأت إسپانيا لارتكاب جرائم حرب شنيعة باستخدام أسلحة كيمياوية ضدّ الثوّار في المغرب. يقول د. مكّوي، أنّه في الحملة الأولى من نوعها، حاولت إسپانيا اخضاع 240 ميلا من الساحل الإفريقي بين الجيبين في مدينتي سبتة ومليلة، الذي أطلق عليه إسم المغرب الإسپاني. تمرّدت القبائل البربريّة المحليّة على الجيش الإسپاني وشكّلت جمهورية الريف عام 1921. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8] "أطلقت إسپانيا جهود تهدئة مدّتها 6 سنوات تميّزت بقصف جويّ واستعمال غاز الخردل ووصلت الدّبابات الى القرى وانتشرت البرمائيات التي حملت 123000 جنديا ضغطوا بلا رحمة على 12000 رجلا من رجال حرب عصابات الأمازيغ حتى استسلموا." ثمّ جاء الحديث على الحرب العالمية الثانية والمجازر الوحشية والإبادات العنصرية التي ألقيت على كاهل النازية، بالإشارة الى "إنجيل هتلر بالتفوّق الآري ... زرع بذور الحرب." محوا عذاب الذاكرة عن "رفض الرئيس الأمريكي وِلسُن في پاريس لمبدأ المساواة العرقية،" عند تأسيس عصبة الأمم حين القت الحرب العالمية الأولى أوزارها، كما يذكّرنا المؤلف د.مَكّوي. غير أنّ الأستعمار الذي اجتاح مناطق العالم من خلال المجازر الدموية، اضطر في النهاية الى مغادرتها مرتكبا مجازر دموية وحشية أخرى، لكنّه خرج مهزوما ذليلا ومكللا بالعار. في النهاية، نالت الدول التي عانت من الإستعمار على استقلالها الوطني، بعد دفع ثمن غال للغاية من الأرواح وآلام المعاناة. إختتم المؤلف فصله الرابع بالحديث عن حرب السويس عام 1956. تشكلت مقدمات تلك الحرب، منذ قيام الثورة المصرية، التي طالبت البريطانيين بإخلاء قواعدهم في مصر. كما رفض الغرب بيع السلاح الى مصر، التي اعادت بناء جيشها الوطني، فذهبت الى طلب السلاح من چيكوسلوڤاكيا واعترفت بجمهورية الصين الشعبية. كما قرّرت القيادة بناء السد العالي في اسوان لكنّ بريطانيا والولايات المتحدة قرّرتا إفشال المخطط، بمنع البنك الدولي من تزويد مصر بقرض مالي لذلك الغرض. ردّ عبد الناصر على خطط منع تقدّم بلاده، فأعلن تأميم قناة السويس كشركة وطنية مصرية لا يمتلكها أحد سوى الشعب المصري. كان القصد تأمين الأموال للمضي في تنفيذ بناء السّدّ. قرّرت بريطانيا التخلص منه وكلفت وكالة مخابراتها M16 بتلك المهمة. أعدّت مؤامرة لاغتيال عبد الناصر على يد مجموعة من المصريين المنفيين وبعض ضباط الوكالة. ترأسّ تنفيذ الخطة مساعد مدير مخابرات سلاح الطيران المصري، الذي إتضح فيما أنّ هذا الضابط نفسه كان عميلا مزدوجا كشف الخطة، فألقي القبض على 11مصريا و4 بريطانيين. يروي المؤلف أنّ رئيس وزراء بريطانيا إيدن ورفيقه وزير المالية هارولد مَكمِلَن، وجدا عبد الناصر وطنيّا حازما مقلقا للغاية. وبّخ إيدِن وزير خارجيته أنتوني نَتِنگ مرّة قائلا، "ما كلّ هذا الهراء حول عزل ناصر أو تحييده. أريد تدميره، ألا تفهم؟ أريد قتله." بعد فشل خيار الإغتيال المذكور، عمد إيدن الى استعمال القوة والإعداد لغزو منطقة القناة. اجتمعت القيادات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية سرّاً في قرية سيفرز بإحدى ضواحي پاريس في الفترة من 22 إلى 24 تشرين الأول عام 1956 لتنظيم ردّ عسكري ضدّ مصر. مثل الجانب الفرنسي جي موليه وكريستيان پينو وبورگِس مونوريه، ومثل الجانب الإسرائيلي دَيڤِد بن گُريون وشيمون پَرَيز وموشيه دَيان. أمّا الجانب البريطاني فمثله سلوين لويد وممثلين عن وزارة الخارجية انضما للمحادثات في مرحلة أخرى وهما پاترِك دين ودَونَلد لوگِن، وأقرت خطة الحملة العسكرية على مصر أو ما سمي "پروتوكول سيفرز" [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84]. "لقد إختلق الأسد البريطاني، الذي كان يوما ما عظيما أزمة السويس، لكنّه بدا وكأنّه حيوان سيرك مروّض مستعدّ منذ تلك اللحظة فصاعدا للقفز داخل الأطواق النارية كلما سمع صوت ضرب سياط واشنطن." فشل العدوان الثلاثي الذي قامت به تلك الدول حين "نفّذ عبد الناصر ستراتيجية رائعة رغم بساطتها. مُلأت عشرات السفن القديمة بالحجارة وبعض المتفجّرات لإغراقها في شمال القناة عند مدخلها بالبحر الأبيض المتوسط، وسرعان ما أغلق شريان الحياة النفطي لأوروپا القادم من الخليج الفارسي. في الوقت الذي بدأ فيه 22000 جنديّا بريطانيّا وفرنسيّا اقتحام الشاطئ عند طرف القناة الشمالي بتاريخ 6 تشرين الثاني، كان هدفهم تأمين حرية حركة السفن، لكنّ النصر كان قد أختطِف من أيديهم." أتى انقلاب الرحمة في شهر كانون الثاني من عام 1968، حين أعلن رئيس حزب العمال ورئيس الحكومة، هارولد وِلسُن، أنّ بريطانيا ستسحب جميع قوّاتها شرق السويس في غضون 3 سنوات، منهيا دورها كقوّة آسيوية وأيّ دور آخر في ادّعاء القيادة العالمية. ثم يمضي المؤلف للقول، "أخيرا وفي عام 1973، أكملت بريطانيا انحدارها من قوة عالمية الى لاعب إقليمي واصبحت واحدة من 9 دول تشكّل الإتحاد الأوروپي." إبتدأ المؤلف فصله الخامس بالمعزوفة الفارغة الممّلة حول كذبة الرئيس رَوزڤلت "الحريّة تعني سيادة حقوق الإنسان في كلّ مكان،" تعبيرا عن التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان." ووفاء بهذا الإلتزام بحقوق الإنسان، فإنّ الولايات المتحدة ستفعل ذلك وتواجه بعض التحدّيات الإستثنائية." لكنّه سرعان ما اعترف "بالإزدواجية الصارخة لعنف القوّة العسكرية الفجّة وانضمامها بصعوبة الى الأسرة الدولية. ولكن بقيت هذه المبادئ السمة المميّزة للهيمنة الأمريكية حتى القرن الحالي." لقد ارجع المؤلف هذا التوجه تاريخيّا الى شخصيتين هما، وزير الدفاع ألفرد ثاير ماهان ووزير الخارجية إلياهو روت. تطرّق المؤلف للحديث عن إلياهو روت فقال إنّه قاد مجموعة من الممولين والصناعيين ومحامي الشركات لإنشاء مجلس العلاقات الخارجية في نو يورك، والذي سرعان ما اصبح منتدى الدولة الأوّل للترويج لسياسية خارجية توسعيّة. باختصار، لقد نسج العناصر الرئيسية للنخبة الأمريكية في رابطة متعددة الطبقات من المال والنفوذ والفكر، وبالتالي خلق سياسة خارجية فريدة من شأنها أن تساعد في تحديد الأولويات الدبلوماسية للبلد خلال القرن التالي. "إبتداء من نصف الكرة الغربية لنا، ولغرض السيطرة على حدودها الستراتيجية، كانت واشنطن ولا [https://www.aljazeera.net/news/presstour/2017/10/23] تزال في حالة حرب في مكان ما مع كافة الشعوب والإمبراطوريات الأوروپية المختلفة في منطقتي المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ،" وكانت آخرها هي الإمبراطورية اليابانية. إنّ نماذج العنف الذي مارسته أمريكا حول العالم موثق ومعروف. ولعل أبشع صورة له تجلت في الحرب العالمية الثانية. الإشارة هنا الى تكتيك من شأنه أن تكون له آثار قاتلة ومروعة، هو القصف الجماعي للمدن اليابانية. في ليلة 9 آذار من عام 1945، أمر القائد الأمريكي لومَي اسطولا جويّا مكونا من 279 من طائرات B-29 Superfortress لإسقاط 1665 طنا من القنابل الحارقة على طوكيو، ممّا أدى الى حدوث عاصفة نارية التهمت ربع المدينة وقتلت 83000 شخصا. خلال ألأربعة أشهر التالية قام أسطول لومَي المكون من 600 قاذفة بغارات مستمرّة اسقطت 167743 طنّا من القنابل ودمّرت تقريبا كلّ مدينة يابانية كبرى. بلغت تلك الحملة المدمّرة ذروتها بهجمتين على مدينتين بسلاح جديد تماما. بتاريخ 6 آب من عام 1945، إنطلقت طائرة واحدة من طراز B-29 Superfortress والقت قنبلة ذريّة على هِروشِما. ارتفعت "سحابة الفطر" الى 50000 قدما وارتفعت درجة الحرارة في أرض المدينة الى 3000 درجة مئوية أدت الى ذوبان حجر الگرانيت والصُلب. من بين 76000 مبنى في المدينة، تمّ تدمير 70000 مبنى. وقُتِل في الإنفجار أكثر من 78000 شخصا ولقي 150000 شخصا حتفهم لاحقا بسبب التعرّض للإشعاعات النووية. بعد 3 أيام أسقطت طائرة أخرى من نفس الطراز قنبلة ذريّة أخرى على مدينة نَگزاكي. على الرغم من امتصاص التلال المحيطة بالمدينة للكثير من الصدمة، إنهار وسوّي بالأرض 12700 مبناً من مباني المدينة البالغ عددها 51000 مبنى وقُتل 23800شخصا على الأقلّ، وبعد 6 أيام استسلمت اليابان أخيرا." قتلت حملة القصف 330000 شخصا ودمّرت 67 مدينة وسوّت 2.5 مليون منزلا بالأرض وتركت 30% من جميع اليابانيين بلا مأوى." [https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1309473] كانت ادوات الحرب الباردة، التي ساعد جورج كِنَن في إنشائها قد مثلت الجانب المظلم للإزدواجية التي تغلغلت في برامج واشنطن في فترة ما بعد الحرب، الكبيرة منها والصغيرة. كان من شأن المساعدات الخارجية إعادة بناء أوروپا، التي مزّقتها الحرب والتخفيف عن الفقر في جميع انحاء العالم، بينما أدّت العمليات السريّة الى اغتيالات وانقلابات وانتخابات مزوّرة في عدد لا يُحصى من الدول. بمجرّد انهيار تحالفها في الحرب العالمية الثانية مع الإتحاد السوڤيَتي، بدأت الحرب الباردة وشكّلت واشنطن جهاز أمن قومي [https://www.bbc.com/arabic/world-48258155] خدم في نفس الوقت لاحتواء الشيوعية وخلق القدرة على الهيمنة العالمية. منذ نشأته، لم يضع النظام الأمريكي الجديد في السلطة مجرّد بدائل أو عملاء، بل سمّاهم حلفاء، حتى لو كانوا في مواقف ضعيفة، لتعظيم صورة مصالحهم الوطنية. لإدارة مثل هذه التحالفات المثيرة للجدل، لجأت واشنطن الى ما سمّاه المؤلف "مرهم المساعدات الخارجية ولسعة العمليات السرية." ثم أضاف، "ومنذ تأسيسها عام 1947، أصبحت وكالة المخابرات المركزية آلية حاسمة لحلّ التناقض الكامن في صميم نظام واشنطن العالمي... تلاعبت واشنطن في الإنتخابات وعزّزت الإنقلابات لتأكيد أنّ القادة الوطنيين في جانبها." يمضي المؤلف للقول بأنّه، بين الأعوام 1945 لغاية 2000، تدخّلت الولايات المتحدة في نتائج 81 عملية إنتخابية في جميع أنحاء العالم، بما فيها 8 مرّات في إيطاليا و5 مرّات في اليابان، وغيرها الكثير في أمريكا اللاتينية. بين الأعوام 1958 و1975 جرى تنفيذ العديد من الإنقلابات العسكرية الدموية برعاية أمريكية ونجم عنها تغيّير الحكومات في 30 دولة، تمثل ربع الدول الأعضاء ذات السيادة في الأمم المتحدة." تحوّل الصراع خلال الحرب الباردة الى سلسلة من الحروب البديلة قسّمت بشكل فعّال 40 عاما من تلك الحرب في ثلاث مراحل متميّزة. أوّلا، كان هناك سلاح نووي للمواجهة في أوروپا بين حلفاء واشنطن في النَيتو وحلفاء موسكو في حلف وارسو (1948-1962). بعد ذلك كانت هناك سياسة حافة الهاوية النووية خلال أزمة الصواريخ الكوبية، وما تلاها في شنّ القوى العظمى حربا بديلة في ڤيتنام (1962- 1975). إتسمت المرحلة الثالثة (1975- 1989) بالقتل والصراعات المدمّرة في جنوب إفريقيا وأمريكا الوسطى وآسيا الوسطى. في كلّ مرحلة تالية، ونتيجة للتكاليف ومخاطر الجيوش الدائمة الهائلة، اصبحت القوّات التقليدية والنووية ممنوعة، فانفتح المجال للعمليات السريّة والحرب بالوكالة، التي بلغت ذروتها في أنگولا، حيث تقاتل العملاء السوڤيَت والأمريكيّون لمدة ربع قرن كامل دون مشاركة أيّ مقاتلين من القوى العظمى في سوح المعارك. بعد فشل المحاولة الأمريكية لغزو كوبا، إنتقل مسرح عمليات الصدام الساخن الى ڤيتنام. بين الإعوام 1962 لغاية 1975، دمّرت القوّات الجوية الأمريكية ارياف ڤيتنام الجنوبية وجزء من شمال ڤيتنام بالقاء ما يقرب من 6.1 مليون طنّا من القنابل. ويعادل هذا 3 أضعاف إجمالي متفجّرات الحرب العالمية الثانية. " في الوقت الذي دخلت فيه قوّات ڤيتنام الشمالية والڤيتكونگ منتصرة عاصمة الجنوب في سايگَون، كان قد قُتِل ما يقرب من 4 ملايين شخصا منهم مليوني مدنيّا و1.1 مليون جنديا ڤيتناميا شماليا ومن الڤيتكونگ. وخسر الأمريكيون وحلفاؤهم من جنود ڤيتنام الجنوبية 250000 قتيلا، بينهم 58000 من أفراد الجيش الأمريكي. ولا تشمل هذه الأرقام الخسائر الفادحة من الحروب السريّة الموازية التي كانت الولايات المتحدة تشنّها خلال تلك السنوات في كمبوديا ولاوُس المجاورتين." في الإثناء عرّج د. مكوي على إندونيسيا وشرح دور المخابرات المركزية في الإنقلاب الدموي ضدّ الرئيس الإندونيسي سوكارنو. "أبرقت السفارة في جاكرتا الى واشنطن بأنّ قائمة كبار الشيوعيين التي قدّمتها (يتمّ استخدامها على ما يبدو من قبل سلطات الأمن الإندنوسية، التي يبدو أنّها تفتقر الى ابسط ما يمكن من المعلومات العلنية عن قيادة البنية التحتية للشخصيات العامة) وسط الإضطرابات التي واجهها الرئيس أحمد سوكارنو، أحد مؤسسي حركة عدم الإنحياز الجديدة للأمم التي سعت الى حلّ وسط خلال الحرب الباردة. أفزعت تلك الحركة واشنطن وأثارتها فأفسحت المجال للجنَرَل اليميني الفاسد سوهارتو، الذي ظلّ حليفا موثوقا للولايات المتحدة للسنوات 32 القادمة." بعد الهزيمة في ڤيتنام، نقلت أمريكا ومخابراتها المركزية العمليات الى امريكا الوسطى والجنوبية لتنفيذ الأعمال الإرهابية والحرب البديلة كما حدث للكونترا في نيكَراگوا والإنقلاب الدموي في چِلي. كما نشط مسرح العمليات في إفريقيا بالتحالف مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا للقضاء على الدولة الوليدة في أنگولا. "كانت الصين تبني دولة طموحة ومدّ خطّ سكة حديد بطول 2000 ميلا، وهو الأوّل من بين العديد من هذه الخطوط ضمن مشاريع المساعدة الأجنبية، التي من شأنها أن تُكسب الصين نفوذا استثنائيا في جميع أنحاء القارة. بحلول الوقت الذي انتهى فيه التدخّل السرّي لوكالة المخابرات المركزية في أنگولا عام 1990، كانت واشنطن قد انتصرت في الحرب الباردة وخسرت القارة بكاملها." في افغانستان سجّلت وكالة المخابرات المركزية نصرا ساحقا بتوظيف الإسلام الأصولي المتمثّل في قاعدة أسامة بن لادن. "من خلال إنفاق ملياري دولارافقط على مدى عقد من الزمن، دمّرت النسخة الأفغانية لخطة المخابرات المركزية من الحرب البديلة 995 مركبة مدرّعة سَوڤيتية و745 طائرة وقتلت 15000 عسكريّا من افراد الجيش الأحمر وسبّبت خسارة مالية للخزينة السَوڤيتية قدرها 96 مليار دولارا. وهي الظروف التي جاء فيها ميخائيل گوربَچوف الى السلطة، فأمر بوقف (الجرح النازف) في أفغانستان واضطر الجيس الأحمر الى الإنسحاب في حالة هزيمة." جاء المؤلف د. مكوي بعدها على ذِكر الأحدات الإرهابية في يوم 11 سبتمبر من عام 2001 وما لحقها من غزو لأفغانستان في نفس ذلك العام، وغزو العراق، الذي ليس له علاقة بتلك الأعمال الإرهابية، عام 2003. أنا شاهد بأنّ نظام صدام حسين كان نظاما مجرما دفع العراقيون ثمنا باهضا لمجيئه الى السلطة وطرده منها. وللحقيقة التاريخية، ما كان يوجد بين الإرهابيين الذين بلغ عددهم 19 إرهابيا أيّ أحد من العراق، أو حتى برعاية أو بتكليف من حكومة العراق. وصف المؤلف حرب افغانستان بأنّها انتهت بهزيمة لأمريكا، "كانت تكاليف هذه الهزيمة باهضة بالفعل. خلال عقدين من جهود التهدئة الفاشلة ونشر 775000 جنديا أمريكيا في أفغانستان، تكبّدت الولايات المتحدة وحدها 2442 قتيلا ونحو 20000 جريحا. يُقدّر أنّه قُتل 170000 أفغانيا بينهم 47000 ضحية من المدنيين. وصل إجمالي التكاليف الأمريكية في هذا الصراع حوالي 2.2 ترِليون دولارا في النفقات العسكريّة وحدها." كما استنتج الجيش الأمريكي في دراسة له، "أنّ أداءه العام في حرب العراق كان كئيبا. قُتِل ما يقرب من 4500 جنديّا أمريكيا وجُرِح 32000 آخرون. أمّا تقديرات خسائر العراق، فتراوح عدد القتلى المدنيين من العمليات العسكرية الأمريكية ما بين 200000 الى أكثر من مليون ضحية. وصلت التكاليف المباشرة للحرب الى ما يقرب من 2 ترِليون دولارا. بعد انفاق مليارات لا حصر لها خلال عقد من إعادة الإعمار، كانت حملة القصف الأمريكية اليائسة لهزيمة الدولة الإسلامية هي تدمير المُدن وتدمير بنيتها التحتية." وبحسب قول المؤلف، "خلص مسؤولو الجيش لتقييم الحرب الى أنّ جهود الولايات المتحدة ... كانت غير فعّالة ومُفكّكة وغير ناجحة في نهاية المطاف، في المهمّة الحاسمة لإعادة بناء مجتمع مستقر." بعد أن دفعت أمريكا كلفة مذهلة في الدّم والأموال، خلصت الدراسة الى أنّ "إيران الآن أكثر جرأة وتوسعيّة." عن التوجّه الجديد باستخدام الطائرات المُسيّرة، ذكر د. مَكّوي، أن القوّة الجوية ووكالة المخابرات المركزيّة قد طوّقتا أوراسيا بشبكة من 60 قاعدة لترسانتها المتنامية من الطائرات المُسيّرة من نوعي Predator Drones Reaper and "على طول الطريق من قاعدة سِگنولا البحرية الجوية في جزيرة صقلية الى قاعدة أندرسُن في جزيرة گوام. وبمدى طيران يبلغ 1150 ميلا وبكامل حمولتها من صواريخ هِلفاير، تستطيع طائرات ريبير المُسيّرة من ضرب اهداف مكافحة الإرهاب في أيّ مكان تقريبا في إفريقيا أو آسيا. للقيام بمهمتها العالمية الموسّعة، خططت القوّة الجوية أن تكون لديها 345 طائرة ريپَر المسيرة للخدمة بحلول عام 2021، تكون منها 80 طائرة لاستخدام وكالة المخابرات المركزية." كان الإعتماد على هذا السلاح وبناء ما مجموعه 909 قاعدة صغيرة مخصّصة لاستخدامه حول العالم، السمة التي ميّزت فترة رئاسة أوباما. على أنّ ذلك لا يوجب أن نتجاهل الجوانب الإيجابية في ولايته. في سلوك ملحوظ مخالف لسلفه، تميّزت ولاية أوباما بمبادرات كبرى تتعلق بالإحتباس الحراري، بما في ذلك زيادة في معيار وقود السيارات لقطع مسافة 55 ميلا للگَلِن الواحد بحلول عام 2925. كما تحققت صفقة بين الولايات المتحدة والصين بشأن الإنبعاثات، واعتماد اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ لعام 2015 وإطلاق خطة الطاقة النظيفة لخفض انبعاثات الكاربون، حسب رأي المؤلف. إختتم د.مّكّوي فصله الخامس بتقريع إدارة ترامپ بالقول إنّها جلبت إدراكا متزايدا في الداخل والخارج بأنّ القيادة العالمية لواشنطن ستنتهي في وقت أقرب بكثير ممّا كان تخيله أيّ شخص آخر. ثمّ مضى مذكّرا القرّاء، "فعل ترامپ مثل ما فعله رئيس وزراء بريطانيا الأسبق أنتوني إيدِن، الذي لم يتسبب في تراجع الإمبراطورية ولكن من الواضح أنّه عجّل به." بعد عقود من الترويج للديمقراطية لإضفاء الشرعيّة على قيادتها العالمية، أمضى رئيس أمريكي أسمه دونَلد ترامپ أشهره الأخيرة في منصبه (ولا يزال) مستنكرا انتخابات أمريكية نزيهة على أنّها مُزوّرة. تتويجا لذلك وفي مشهد غريب بتاريخ 6 كانون الثاني من عام 2021 [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9] أرسل حشدا من 10000 من أنصاره لاقتحام مبنى الكاپيتول. "فجأة، بدت الأمة الإستثنائية عاديّة بشكل مأساوي ولم تعد قادرة على إلهام الآخرين لاتباع مبادئها أو حتى الإذعان لسلطتها." ولكن من يدري، قد يعود دونَلد ترامپ الى البيت الأبيض في عام 2024 منتصرا ويُتوّج أمبراطورا للإمبراطورية الأمريكية الشاسعة. إعتبر د. مكّوي في فصله السادس الذي خصّصه لمناقشة الصين، أنّ مبادرة الحزام والطريق تحدّ لقوة الولايات المتحدة ونظامها العالمي اللِبرالي. إلّا أنّها كانت منقوصة أيضا حيث، "أظهر نظام پِكين العالمي إزدواجية ملحوظة، في هذه الحالة بين التنمية الإقتصادية التي من شأنها أن تنتشل ملايين عديدة من براثن الفقر، وفي ذات الوقت زيادة مشاعر القومية المُفرطة، التي من شأنها أن تتجاهل كلّا من انبعاثات الكاربون وحقوق الإنسان معا." [https://arabicpost.net/%d8%a3%d8%] المبلغ الهائل الذي رصدته الصين للمشروع يزيد بمقدار 10 مرّات أكثر من المساعدات الخارجية، التي خصّصتها واشنطن لخطّة مارشَل لإعادة بناء أوروپا المُدمّرة بعد الحرب العالمية الثانية. بحلول عام 2016، كانت تكلفة البنية التحتية منخفضة في الصين، التي قدّمت قروضا لنحو 70 دولة تمتد من بحر البلطِق الى المحيط الهادئ، وتمّ بناء اكبر ميناء على البحر الأبيض المتوسط في Piraeus في اليونان ومحطة رئيسية للطاقة النووية في إنگِلترا ومدّ خط سكك حديد بقيمة 6 مليارات دولارا عبر لآوس وفتح [https://www.youtube.com/watch?v=hboHCTmd27Q&ab_channel=AlArabiya%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9] ممرّ للنقل البرّي بقيمة 46 مليار دولارا عبر پاكِستان، من بين مشاريع أخرى." مدفوعا بأكبر هجرة جماعية في تاريخ البشرية، نما الإقتصاد الصيني بمعدل 10% سنوياّ لمدة 40 عاما. وهو اسرع معدل ثابت سجلته أيّة دولة على الإطلاق. "وفي الوقت ذاته، ارتفعت قيمة الناتج الصناعي [https://studies.aljazeera.net/en/node/4056] من 1.2 ترِليون دولارا في عام 2006 الى 3.2 ترِليون دولارا في عام 2016، متجاوزا كلا من الولايات المتحدة بنحو 2.2 ترِليون دولارا واليابان بنحو ترِليون دولارا." بعد إعادة الضبط في عام 2019، قدّمت مبادرة الحزام والطريق 128 مليار دولارا اخرى في شكل قروض خارجية، ممّا جعل المخطط في منتصف الطريق الى هدفه في صرف 1.3 ترِليون دولارا. ظهرت انتقادات حادة لمشاريع المبادرة في زامبيا ومينمار وسريلانكا وماليزيا وپاكِستان وجزر المالديڤ، لأنّها قدّمت الدعم للقادة الإستبداديين وشجّعت الفساد وعزّزت التبعية عن طريق الوقوع في فخّ الديون. إضافة الى جوقة المعارضة، إنتقد انصار البيئة مبادرة الحزام والطريق لتخصيصها أكثر من 20 مليار دولارا لاستخدام الفحم لتوليد الكهرباء، لا سيّما في بنگلادَش وپاكِستان وإندونيسيا. "إعترف المسؤولون الصينيون بالمشكلة وحوسِب المنظمون على الإقراض لخارجي القويّ من قبل بنوك الدولة، ممّا أبطأ مؤقتا الوتيرة السريعة لمبادرة الحزام والطريق." عرّج المؤلف على الموقف تحت إدارة ترامپ والخطط الجنونية التي جاء بها مستشاره للشؤون الإقتصادية پيتر نَڤارو لاحتواء الصين. كان أوّل مخطط له هو تعمية اقمار الصين الصناعية في الفضاء وتدمير قواعد اطلاق الصواريخ البالستية. غير أنّ احتمال تدمير انظمة قواعد الصواريخ المتحركة للصين سيكون "منخفضا للغاية." كان اقتراحه الثاني فرض حصار على سواحل الصين بأكملها، بما فيها مناطق المناجم ومناطق المضائق البحرية الممتدة من اليابان الى سنغافورة. ومع ذلك، فإنّ نفس الحصار، كما أدرك نَڤارو نفسه، سيؤدّي أيضا الى "ضربات كاسرة" Crushing Blows للإقتصاد الأمريكي. "وبالتالي كان الحلّ الواقعي الوحيد، هو فرض تعريفات جمرگية عالية لتعويض الممارسات التجارية غير العادلة للصين." غير أنّ سياسة التغريدات التي انتهجها ترامپ قد عقّدت الأمور أكثر. أطلق المزيد من التغريدات، التي هدّد فيها بزيادة الرسوم الجمرگية على جميع الواردات الصيينية بقيمة 550 مليار دولارا، وطالب الشركات الأمريكية بالإنسحاب من الصين وشجب الرئيس الصيني باعتبار "عدوّا". و"رفع متوسط الرسوم الجمرگية الأمريكية على السلع الصينية من 3.1% الى 21.2%، وهو أعلى معدّل في أيّة دولة منذ أكثر من 50 عاما. وكردّ، بدأت پِكين تفرض رسوما بنسبة 33% على واردات فول الصويا من الولايات المتحدة، ممّا ساهم في انخفاض كبير في الصادرات الزراعية الأمريكية الى الصين من 24 مليار دولارا في عام 2014 الى 9 مليارات دولارا في عام 2018 ." [https://www.bbc.com/arabic/world-52517125] يمضي د. مَكّوي معلقا على سياسة الفوضى والدور الذي لعبه نَڤارو فيه فقال، "كشرط لإلغاء الرسوم الجمرگية، أصرّ نَڤارو على أنّ الصين يجب أن تنهي سبعة نشاطات اقتصادية عدوانية وإجراء تغييرات هيكلية في اقتصاد البلاد. إنّ الرئيس لا يمكنه المساومة مع صيني لأنّك إذا قابلتهم في منتصف الطريق، فسوف يسرقون نصف ما لديك، وبقدر ما يسرقون سيقتلون نصف عدد الأمريكيين." هذه برأي د. مَكوّي، ملاحظات تنمّ عن عداء عميق وطلبات واسعة تتطلب حلولا نهائية، ممّا اثبت أنّ الحرب التجارية صعبة للغاية. وممّا زاد الأمور تعقيدا هو مطالبة الصين بالسيادة على محيط بحريها الشرقي والجنوبي كاملين. "يحتوي هذاالطلب على منطقة تغطي 12% من مصايد الأسماك العالمية و190 ترِليون قدما مكعّبا من احتياط الغاز الطبيعي." بالعودة الى عام 1949، رسمت پِكين على الخريطة "خطأ دائريا من 9 فواصل" لتمييز مطالبتها الإقليمية بمعظم بحر الصين الجنوبي. "إبتداء من شهر نيسان 2014، صعّدت پِكين حدودها في محاولة للسيطرة الإقليمية الحصرية على ذلك البحر. من خلال توسيع قاعدتها البحرية Longpo على جزيرة هاينَن، اصبحت هذه ميناء لأربع غواصات تعمل بالطاقة الذرية وتحمل صواريخ بالِستية. " هذا وكانت الصين قد طوّرت مقاتلة باسم "التنين العظيم" يعتقد بعض المراقبين أنّ قدراتها قد تفوق قدرة طائرة F-35. [https://elaph.com/Web/News/2022/06/1477319.html] ومن خلال النشاط المتسارع للتدريب والتكنولوجيا والبناء، سيكون للصين بحلول عام 2030، ما يكفي من حاملات الطائرات. هذا وقد حذّر تقرير للپِنتَگون من أنّ ذلك سيجعل بحر الصين الجنوبي "عمليا بحيرة صينية." طرح د. مَكّوي صورة قاتمة في ظلّ صعود نظام الصين العالمي. برأيه أنّه بحلول شهر كانون الثاني من عام 2020، اصبحت إنتهاكات پِكين مستمرّة ومنهجيّة لدرجة أنّ منظمة مراقبة حقوق الإنسان ومقرّها في نويورك، وصفت إجراءات الصين بأنّها "تهديد وجودي لحقوق الناس في جميع انحاء العالم." ذكر الصينيون في الداخل أنّ الحزب الشيوعي قد "بنى دولة أورويلية عالية التقنية في الرقابة ونظام متطوّر للتحكّم بالإنترنت" لقمع أيّة معارضة محلية قد تهدّد "حكمها الأوتوقراطي القاسي." أمّا في الخارج، فقد "استعرضت پِكين عضلاتها السياسية ... القوّة والتصميم لتقويض المعايير الدولية لحقوق الإنسان." إذا كان موقف الصين لم يتمّ التحقق منه بطريقة ما، كما حذّر تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان، فإنّ العالم سيواجه "مستقبلا بائسا لا يكون فيه أحد بعيدا عن متناول رقابة الصينيين، والنظام الدولي لحقوق الإنسان [https://www.youtube.com/watch?v=GnflQZaKXRo] ضعيف لدرجة أنّه لا يعدّ بمثابة فحص للقمع الحكومي." وفي هذا السياق صرّح وزير الدفاع الأمريكي اليوم ( 11حزيران 2022) بعد لقاء ثنائي مع نظيره الصيني، "أنّ الصين اصبحت اكثر تعسفا وعدوانية ... وسنحاول احتواء التوترات معها.... حول كلّ شيء بما فيها تايوان وسجلّ الصين في مجال حقوق الإنسان إلى نشاطها العسكري في بحر الصين الجنوبي. " [https://aawsat.com/home/article/3696871] ومن جانبها تعهدت الصين "بسحق أيّة محاولة لاستقلال تايوان..." وشدّدت على أنّ "تايوان هي تايوان الصينية... استخدام تايوان لاحتواء الصين لن ينتصر إطلاقا." وتعدّ پِكين الجزيرة أرضاً تابعة لها وتعهّدت ضمّها بالقوة، إذا لزم الأمر. هذا وتنفذ طائرات حربية صينية توغلات ومناورات عسكرية بشكل دائم تقريبا للتذكير في منطقة الدفاع الجوي لتايوان. [https://aawsat.com/home/article/3696526]. وفي آخر المستجدّات، أعلن وزير الدفاع الصيني، أنّ بلاده "ستقاتل حتى النهاية" لمنع تايوان من إعلان الاستقلال، وسط تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة بشأن الجزيرة. [https://arabicpost.net/%D8%A3%D8] مهدّ الكاتب لفصله الأخير بالحديث عن انعكاسات تأثير تغيّرات المناخ . ذكر أنّه، "ما بين الأعوام 2007 لغاية 2010، تسبّب تغيّر المناخ في (أسوأ ثلاث سنوات من الجفاف) في تاريخ سوريا، ممّا أدّى الى حدوث اضطرابات تميّزت "بفشل الزراعة بشكل هائل ودفع 1.5 مليون شخصا الى الأحياء الفقيرة في المدن. وقد أدّت هذه الهجرة القسرية بدورها وساهمت في إحداث حرب أهلية مُدمّرة أجبرت 5 ملايين لاجئا على الفرار من البلاد." شرح د. مكوي أنّه في الولايات المتحدة، يُعدّ تأثير تغيّر المناخ عاملا رئيسيا. بالتزامن مع الضغوط الإقتصادية والتغيير الديموغرافي، من المرجّح أن تُجبَر الحكومة على تخفيض أو حتى التراجع عن التزامامتها العسكرية في جميع انحاء العالم. أكثر وعلى نطاق واسع، فإنّ تجاوز عدد قليل من الإتجاهات الرئيسية يشير الى الدور المُحتمل لأزمة بيئية متصاعدة لتحفيز التحوّل الى ترتيب عالم جديد. "أوّلا وبشكل أساسي، إنخفض نصيب أمريكا من الناتج العالمي الإجمالي بشكل مُطّرد من 50% في عام 1950 الى نسبة 15% المتوقعة في عام 2024. لكّن ميزانيتها الدفاعيّة تحرّكت في الإتجاه المعاكس، حيث ارتفعت بنسبة 150% من 274 مليارا في عام 2000 الى 720 مليارا في عام 2019، مع التخطيط الى 747 مليارا بحلول عام 2024،" كما يظهره الشكل على الصفحة التالية. يعترف المؤلف بأنّ أمريكا تواجه إضافة لمشكلة تغيّر المناخ، تكاليف اجتماعية متصاعدة تتعلق بالعناية بكبار السنّ. بحلول عام 2034، ستصل الولايات المتحدة الى ما يُسمّى "معلما جديدا"عندما يفوق عدد الأشخاص فوق سنّ 65 عاما (77 مليونا) عدد الأشخاص دون سنّ 18 عاما (76.5 مليونا). سيتطلب هؤلاء الأمريكيون الأكبر سنّا "رعاية صحّية أعظم في المؤسسات الخاصّة بهم أو في منازلهم، وما يترتب على ذلك من مرافق المعيشة المدعومة."وبرأيه أنّه، "من المرجّح أن تحوّل الموارد المالية من الدفاع الى الخدمات الإجتماعية، إذ يتوقّع مكتب الميزانية في الكونگرِس أنّ الإنفاق الفِدرالي على كبار السنّ والذي يشمل الضمان الإجتماعي والرعاية الطبّية والمَدِك أيد، سيرتفع باطّراد من 20% من الميزانية في عام 2019 الى 50% بحلول عام 2049. وستنمو كلّ من القوّة العاملة والإقتصاد بمعدّلات أبطأ بكثير من التكاليف المتزايدة باستمرار لدعم كبار السنّ. ومن المرجّح أن تترك هذه المسؤوليات أموالا أقلّ بكثير للصرف على القواعد الخارجية أو التدخّلات العسكرية. (في اعتقادي شخصيّا أنّ هذا التحوّل بعيد الإحتمال) "من هذا التآزر بين الضغوط الماليّة والأجنبية، فإنّ نفوذ واشنطن سيبدأ في التلاشي من الوجود في غضون عقد من الزمن." وفي النهاية يعتقد المؤلف أنّه قد تتشكّل الهيمنة الصينية العالمية بحلول عام 2030 وتطرح نظاما عالميا أكثر مرونة من سابقتها الأمريكية. بدلا من التدخّل العسكري والتلاعب الخفي لضمان الإمتثال لمعايير سياسية مُسبقة، ستتجاهل الصين الفساد وعدم الكفاءة أو وحشيّة شركائها الدوليين وتركّز على المنفعة المشتركة للتبادل الإقتصادي. بدلا من التطلعات الى حقوق الإنسان والإلتزام باحكام المحاكم الدولية ونظامها العالمي، سوف تعطي الصين الأولوية للسيادة الوطنية على المبادئ العالمية. وبدلا من انتشار مئات القواعد العسكرية في الخارج والقوات في جميع انحاء العالم، من المرجّح أن تركّز الصين قواتها في غرب المحيط الهادئ والمحيط الهندي. في هذا النظام العالمي ألأكثر انتشارا، ستحاول كلّ دولة هيمنتها على منطقتها المباشرة. فمثلا، "ستهيمن البرازيل على أمريكا الجنوبية وواشنطن على أمريكا الشمالية وپِكين على شرق آسيا وجنوب شرقها، وموسكو على أوروپا الشرقية ونيودلهي على جنوب آسيا وطهران على آسيا الوسطى وپريتوريا على جنوب قارة إفريقيا وأنقرة والقاهرة على الشرق الأوسط." أعاد د. مَكَوي في مطلع فصله السابع والأخير الى الإذهان تنبؤه بأنّ نظام واشنطن سيتلاشى بحدود عام 2030، لكن وريثه الصيني لن يعمّر أكثر من عقدين حتى "يبدأ هو ايضا يعاني من العواقب الوخيمة للإحترار العالمي غير المنضبط. تشير الدلائل العلمية بوضوح أنّ من المرجّح أن تتسارع وتيرة تغيّر المناخ وستؤثر سلبا على الصين بحدود عام 2050، وسيضطرها هذا للتراجع عن العديد من التزاماتها الخارجية والتخلي عن أيّ نوع من النظام العالمي الذي تكون قد أسّسته." حول ذوبان الثلوج نتيجة التغيّر المناخي، استعان المؤلف بنتائج دراسات أجريت في جزيرة گرينلاند وأشارت الى أنّ الغطاء الجليدي للمحيط المتجمد الشمالي يذوب بسرعة نبلغ أكثر من 25 مرّة سرعة الذوبان في العصر الجليدي نفسه. [https://www.greenpeace.org/mena/ar/888]وحول أسوأ الحرائق حول العالم عام 2018 التي ارجعها المؤلف الى تُغيّر المناخ، ذكر منها ما شهده ذلك الصيف من حرائق غابات هائلة دمّرت انظمة بيئية متباينة في جميع انحاء العالم، بما فيها 830000 فدانا من الغابات الأوروپية و2.3 مليون فدانا من غابات الأمزون المطيرة و2.5 فدّانا من سفوح التندرا في ألآسكا وغاباتها الثلجية و6 ملايين فدّانا من غابات سايبيريا ومساحات غير معروفة من السَڤانا في وسط إفريقيا. عندما وصل الصيف الى نصف الكرة الأرضية الجنوبي في نهاية العام، شبّت أسترَيليا نارا في أسوأ موسم حرائق لها منذ أكثر من قرن. "شهدت القارة أعلى درجات حرارة سجّلت حتى الآن وسط مئات من حرائق الغابات التي أتت على 46 مليون فدّانا، وهذه مساحة أكبر من مساحة سوريا. وصفها أحد المسؤولين بأنّها تشبه إنفجار قنبلة ذريّة." و في اجزاء كثيرة من العالم، كان موسم الحرائق في عام 2020 أسوأ. في البرازيل مثلا، أحرقت الظروف الجافة بشكل إستثنائي 8.5 مليون فدّانا من غابات الأمّزون المطيرة و3 ملايين فدّانا من الأراضي الرطبة الجنوبية ذات التنوّع البايولوجي المعروف باسم Pantanal والذي وصفه مسؤول في ناسا بأنّه "تدمير غير مسبوق حقا." على الساحل الغربي للولايات المتحدة، إندلعت حرائق ضخمة مدفوعة برياح قويّة "ودمّرت 6 ملايين فدّانا تقريبا في كالِفورنيا، حيث اندلع أسوأ موسم حرائق في الولاية على الإطلاق وتمثّل بالآلاف من ضربات الصواعق الغريبة ودرجات الحرارة التي وصلت الى رقم عالمي بمقدار 130 درجة فهرنهايت (54.4 درجة مئويّة)." [https://arabic.rt.com/technology/1325603] إستشهد المؤلف بتقرير مكتب الأمم المتحدة للحدّ من الكوارث خلال السنوات العشرين الماضية، الذي أفاد بأنّ هناك "إرتفاعا مذهلا في الكوارث الطبيعية، التي تسبّبت في وفاة 1.2 مليون شخصا وخسارة 2.3 ترِليون دولارا نتيجة الأضرار الإقتصادية." وحذّرت الأمم المتحدة، "إذا واصلنا عن قصد زرع بذور تدميرنا بأنفسنا، سنجعل كوكبنا جحيما غير صالح لسكنى بلايين البشر." كما أشار د. مَكّوي الى أنّ أحداث الطقس القاسية مثل الأعاصير والفيضانات والإنهيارات الأرضية قد شرّدت 7 ملايين شخصا حول العالم في النصف الأول من عام 2019، وهو أعلى رقم مسجّل خلال ما يقرب من عقدين من الزمن. ثمّ انتقل للحديث عن تأثير تغيّر المناخ على الصين. [https://arabicpost.net/%D8%AA%D8%AD]تنبأ بأنّه حتى لو اصبحت الصين القوة العالمية البارزة، فمن المرجّح أن تؤدّي الوتيرة المتسارعة لتغيّر المناخ الى تقليص هيمنتها على امتداد عقدين أو ثلاثة عقود فقط. مع ارتفاع درجات حرارة العالم لزيادة قدرها نحو 3.9 درجة مئوية بحلول عام 2100، فإنّه بدءاً من حوالي عام 2070، سترتفع درجات الحرارة بشكل لا يُطاق وستجعل امواجها المناطق المكتظة بالسكان في شمال البلاد غير صالحة للسكنى. "علاوة على ذلك، هناك أدلة علمية متزايدة، على أنّه بحلول عام 2950 سترتفع مياه البحار وستغرق العديد من المدن الصينية الساحلية الرئيسية، لا سيّما مركزها التجاري في شنگهاي. بينما يهدّد ارتفاع منسوب المياه بقاء شنگهاي، فسيدمّر ارتفاع درجات الحرارة سهل شمال الصين، وهو منطقة زراعية رئيسية بين العاصمة پِكين وشنگهاي يسكنها حاليا 400 مليون مواطنا، ممّا يجعلها أكثر الأماكن على هذا الكوكب تعرّضا للفتك." بعد الوصف المرعب عن خراب الصين وغرق المدن الساحلية في آسيا واشتعال الحرائق في كلّ مكان تقريبا، يتحوّل المؤلف الى عرض حالة غابات الأمزون المطيرة التي ستتحلل وتتحول الى منطقة اعشاب طويلة. إلا أنّ الأشد رعبا هو ما سيحلّ بالقطب الشمالي نتيجة ذوبان الصقيع وكشف التربة الصقيعية الغنيّة بالكاربون والميثان، اللذين سيحولان المنطقة الى "ذلك الحساء القذر Sloppy Stew من المياه المتحللة والمياه المتجمّدة منذ العصور الجليدية الغامضة التي تغطي 11.8 مليون ميلا مربّعا من نصف الكرة الشمالي، والتي تصل الى عمق 2300 قدم تحت سطح الأرض وتحتوي على كمّية كافية من الكاربون والميثان لإذابة القطبين وغمر السهول الساحلية المأهولة بكثافة بالسكان في جميع انحاء العالم." تعزيزا اللآثار الخطيرة، أشارت المراجعة التي اجرتها NOAA الى أنّ ذوبان التربة الصقيعية يطلق بالفعل حوالي 300 الى 600 مليون طنّا من صافي الكاربون في الغلاف الجوّي سنويا. ويعادل هذا لوحده إجمالي انبعاثات الكاربون في اليابان. إنّ ذوبان التربة الصقيعية القطبية الشمالية سيُطلق نفايات مشعّة وڤايروسات ضارة. [https://www.aljazeera.net/news/science/2021/10/13] والسبيل الرئيسي للحدّ من أخطار التعرض للملوثات الكيميائية، ومسببات الأمراض المدفونة في جليد القطب الشمالي، هو اتخاذ خطوات فورية لإبطاء وتيرة ذوبان التربة الصقيعية، بحسب رأي الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ NOAA. إختتم د. مَكوي كتابه بالقول إنّه بحلول عام 2050، إن لم يكن قبل ذلك، فإنّ عدم قدرة كلّ من الدول منفردة، مهما كانت قوية، على التعامل مع هذه الأزمة في المشاعات العالمية يصبح العجز واضحا بشكل صارخ. إذا كان على الصين أن تتحوّل الى الداخل للتعامل مع أزمة المناخ الخاصّة بها في منتصف القرن، ومع العالم الذي يواجه مشهد المعاناة الجماعية من قبل عدة ملايين من لاجئي تغيّر المناخ، فقد يتّفق المجتمع الدولي على الحاجة الى نوع جديد من الإستجابة الجماعية وشكل مفوّض للحوكمة العالمية. إنّ مثل هذه الهيئة أو الهيئات لما بعد المرحلة الوطنية، ستحتاج الى سلطة سيادية أكثر في ثلاثة مجالات حرجة وهي، التحكّم بالإنبعاثات وإعادة توطين اللاجئين وإعادة إعمار البيئة. إنتهى صاحبنا باستنتاج بالغ الحزن حين أشار قائلا، "بالنسبة للوقت الحاضر، يبدو أنّ مسار القرن الحادي والعشرين يُنذر بتغيّر المناخ الكارثي وانهيار الأنظمة العالمية."
د. محمد جياد الأزرقي أستاذ متمرس، كلية ماونت هوليوك قرية مونِگيو، ماسَچوسِت، الولايات المتحدة 2022 /6/ 26
#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب د. رِچَرد فولك، -سيرة مفكّر معنيّ بقضايا الشعو
...
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
-
قراءة في كتاب شرخ في التكوين، تأليف جنِفر داودنا وسام ستِربَ
...
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
-
قراءة في كتاب (الإستياء العالمي) لچومسكي
-
قراءة في كتاب جيمي متزل إختراق نظرية دارون
-
قراءة في كتاب دانيل إلزبرگ آلات الفناءـ اعترافات مخطط امريكي
...
-
قراءة في مذكرات سيمور هيرش
-
قراءة في كتاب لن نصمت
-
قراءة في كتاب چومسكي -وداعا للحلم الأمريكي-
-
قراءة في كتاب چومسكي عن الإرهاب الغربي
-
العواقب: مذكرات محقق أمريكي
-
قتل أسامة بن لادن ومسالك الجرذان في سوريا
-
قراءة في كتاب تفعيل الديمقراطية لمعالجة ازمات الرأسمالية
-
قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة
-
لورنس الآخر
-
لورنس الآخر: حياة روبرت أيمز وموته
-
ألسباق للفوز بما تبقي من المصادر الطبيعيّة
-
دور حكايا الساحرات الخيالية في النمو النفسي والعقلي للأطفال
-
قراءة في كتاب ألمسألة ألأخلاقيّة وأسلحة الدّمار الشّامل مقار
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|